أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر















المزيد.....

الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 2719 - 2009 / 7 / 26 - 06:36
المحور: الادب والفن
    


أخذ ياسرغرفة الضيوف وعاد هيكي إلى غرفة نومه وفضلت إيكا الصالون كي تجلس وتتفرج على التلفزيون إلى وقت متأخرمن الليل ولا تزعج أحدهم. يدعي هيكي أن طريقة إيكا في إدارة البيت تجري على هذا المنوال, مراقبة كل ما يدورحولها.
تشاجروا مثل الأطفال طوال الوقت, ضغطوا على بعضهم مثل الصبية لكن في النهاية خيم الهدوء على الجميع قبل أن يخلدوا إلى النوم. مضى كلا من هيكي وإيكا يرتبا ويجهزا السريرلياسر.
سارت الأمورعلى ما خيرما يرام بعد ذلك كأنهما شقيقان كبيران موهوبان. ودع كل واحد منهما الأخربكلمة تصبح على خير. لقد أضفوا على ياسرالكثيرمن مشاعرالحب والدفئ وغمروه بالحنان لدرجة لم يألفها من قبل, ولم تمرعليه مثل هذه اللحظات من قبل. حسناً ما فعلوه بعد كل الأحداث الصعبة التي مربها. غمروه بالمودة والألفة وإلا كان سيمضي ليلته بالبكاء مرة ثانية.
لقد بكا هذا اليوم بما فيه الكفاية.
أنه الأن راقد في فراش وثير, في مكان آمن. يلتف حوله أصدقاء لطفاء, لكنه لم يستطع أن ينام. حاول أن يقيم الموقف, لأنه لم يسبق أن قدم له أحدهم مثل هذا العمل. حاول أن يسمع إلى الموسيقى, الأشياء التي تساعد على إزالة التوتر, لكن من دون جدوى. حاول مراراً وتكراراً أن يبعد سلسلة الأفكارالتي تغزوا عقله, لكن من دون فائدة. الأحداث تتدفق الواحدة تلو الأخرى في دماغه, تأتي وتذهب, تأتي وتذهب. صوررووف, أنتي, فرريد, إيكا, هيكي, والده, والدته, العم سعيد وأخته دياميلا. ما أن يغفو قليلاً حتى يستيقظ ويعود ثانية إلى رووف وأنتي وفرريد.. دخل في دوامة من الدوران حول الذات والآخر, الأحداث الغريبة التي مربها خلال هذه الأيام القليلة الماضية. حدث مثل هذا معه في السابق عندما كانوا في رحلة عبرأوروبا مع أسرته. عند حلول الليل حط بهم الرحال في نزل في مدينة ألمانية. في ذلك النزل لم يستطع أن ينام لأنه رأى خلال التجول الطويل على الطرق مئة وثلاثون لوحة. بقيت هذه اللوحات في دماغه تعيد إنتاج نفسها, ومرة بعد أخرى تعود لتكررنفسها من جديد. تمرالصورالواحدة تلوالأخرى في رأسه حتى لوأغمض عينيه.
لويستطيع أن يعيد تلك الأجزاء من الصورالمتعلقة بالسطو, أويتذكرعلى قدرمن الوضوح تلك الأشياء التي حدثت, وقتها سيكون في وسعه أن يتعرف على أولئك اللصوص عند وقوع الحادث؟ سيكون في وسعه أن يكون شاهداً ضدهم؟ بفرض أن ما قالته إيكا هو عين الصواب, أن من قام بهذا الفعل لم يكن رووف. عند ذلك عليه أن يتخلى عن كل خططه؟ لا يمكن للمرء أن يشير فقط على شخص ما هكذا جزافاً دون سبب. يجب أن يكون هناك دليلاً. وهناك الكثيرمن الصبية يلبسون لون البنطال ذاته بمقاس 190 طول, ويركبون على دراجة نارية عابرة.
هل يترك الأمر؟ وإذا مات والده؟ إذا لم تعثرالشرطة على القاتل, هل يترك هذا الموضوع عندئذ؟ إذا مات الوالد, ما الفائدة فيما لوعثروا على القتلة واللصوص؟ هل مهما أن نعرف لماذا حدث ذلك؟ هل يهمنا أن نعرف لماذا قتل الوالد وقتها؟ هل مهم أن نعرف أنه مات لأنه صاحب متجرأم لأنه أجنبي, من الشعر الأسود؟
تعتقد إيكا أنه لا يجوزللمرء أن يطلق لقب الشعرالأسود على الأجانب. لكن لما لا, من السهل كثيراً أن تقال هذا الكلمة على الذين ليسوا سويديين من الجذور, من الأصل. يمكن أن يقال لهم السويديون الجدد. ربما يبدوهذا الأمرأفضل نسبياً. السويديون الجدد.
وتدور الأفكارفي رأس ياسر, موجة تأخذه وموجة تأتي به, مثلها مثل غيرها.
حديثه مع هيكي دارت في رأسه هي الأخرى مثل الرؤى, مثل الشبح. كلماته نابعة من الأعماق, من القلب لهذا يحس المرء أنه صادق في أقواله وينطق الحقيقة. تقول إيكا, من السهل على والدها أن يعرف الأشياء من على مسافة بعيدة, مثله مثل الحيوانات التي تشعربالغريزة بوقوع الزلازل قبل أوانه, قبل أن تبدأ الأرض بالاهتزاز. عندما ماتت أم إيكا أحس بذلك بالرغم من أنه كان في اليونان. لكن مسألة رجوعه إلى البيت استغرق ثلاثة أيام. ما الذي ساعده حتى يحس ويشعر؟ نعم, لقد اتصل في نفس الليلة وسمع الخبر. كان ذلك قبل أن يكتشف الهاتف الجوال, قبل زمن الانترنت, أي قبل عشرة أعوام, كنا في العصر الحجري!
ضحك ياسرمن الأفكارالتي تتوارد بتواترعلى ذهنه. خجل من نفسه لأنه يضحك بينما والده ووالدته راقدان في المستشفى, يذبلان رويداً رويدا مثل نبتة يابسة. خجل لأنه فكرفي ذلك أولأن عقله أقدم على مثل هذه الأفكار. يريد أن يفكربطريقة أخرى, لكن كيف, ماذا يفعل. تقوده مخيلته إلى اسئلة غريبة, تقتحمه من كل الجهات دون سابق إنذار. يقول لنفسه ما أغبى هذه الأسئلة الغريبة. قال له هيكي هذه الليلة عند الحديث عن هذه المسألة, أن هذه الأفكارتنتهي مع التقدم في العمر, هذه الأفكارتتوارد على عقلك لأنك إنسان مبدع.
إنه إنسان مبدع, قلبه وعقله يخفق طوال الوقت بالخلق والإبداع, عندما يكبرسيكون له شأناً كبيراً.
ماذا يقول إحساسه الداخلي عن رووف؟ فكرياسركثيراً, حاول إزالة التوترالذي يعاني منه عبرالتنفس الهادئ حتى داخ من كثرة الشهيق العميق والزفيرالطويل.
دع عنك تلك الأشياء, تلك اللقاءات الكريهة مع هؤلاء الصبية المزعجين حتى يحدث تحول جميل في حياتك, هذا ما يقوله الإحساس الداخلي. يحس المرء بالكآبة والحزن عندما يكون في ذلك المكان, فالهواء ملوث ليس من من كثرة التدخين فقط, وليس من عدم تجدده طوال الوقت, وليس لأن النوافذ تبقى مغلقة, أنما من كل ما يحيط بالمكان. المزاح ثقيل, الأوساخ العالقة في الحمام, تلك البيرة المقرفة ذات المذاق الكريه.
وماذا يقول الإحساس الداخلي فيما لوسكنت في بيت هيكي, إذا والدي... ؟ بالتأكيد سيكون ودياً معي طوال فترة مكوثي عنده, وستكون إيكا القاسية الصارمة أخت كبيرة, أخت رائعة. أما فيما يخص عمي سعيد الذي يسكن في ترولهيتان لن أعيش عنده على الأطلاق!
وماذا عن دياميلا, وأخوتي الصغار؟ لماذا ينبغي عليهم التحمل إذا لم يستطع تدبرأمورهم؟ هل سيبقون في بيت العم سعيد؟ هل سيفتقدون أخيهم الكبير؟ هل سيغرق في الشوق عليهم؟ كيف لا يكون الوضع مروعاً, فضيعاً أن يختفي من حياتهم فيما لو مات والده ووالدته... ؟ وماذا عن وضع والدته؟ لما لا تتخلص من قهرها وتصحو من حزنها وتعود إلى حياتها كي تعتني بأولادها جميعاً؟ شيئ مروع إذا مات والده, لا يتخيل الحياة دون وجوده. كانوا في الأسابيع القليلة الماضية في منتصف المسافة أوعلى بعد متساومن موقعين, مسافتين, أو لا شيئ, ما بين واقع الحياة وشيئ آخر دون اسم, أو, الحياة بدون الوالد أو دون ـ الوالد ـ الحياة.
الأرض المحرمة من جديد, هذه الكلمة, التي سمعها لأول مرة قبل ثلاثة أيام, هذه الكلمة التي تعشعش في دماغه ما أن تذهب حتى تعود ثانية وتستقرفيه, عندما يحاول أن يفهم كيف يشعرالأن.
الأرض المحرمة هي حدين متناقضين, الحياة مع الوالد, والحياة بعد الوالد. شريط طويل لا اسم له يقسم ضفتين, حدودين
إذا مات الوالد هل هذا مريع للجميع, أم... ربما للوالدة أكثرمن غيرها لأنها تحبه كثيراً جداً. لهذا عليها أن تموت عليه, عليها أن تنسى أن لها أطفالاً؟ يجب أن تتشتت العائلة في كل الإتجاهات لأن الوالدة تريد أن تمارس قناعتها, أن تبقى إلى جانب حبيبها في المستشفى؟ لا بد من معاقبة الجميع لأن ماما تحب بابا كثيراً وترغب في الموت عليه إذا مات؟
صحا ياسرفجأة بعد أن كان على وشك أن يغفو. جلس على السرير, نظر إلى ساعة الهاتف الجوال: 2.12 بعد منتصف الليل. عليه الذهاب إلى المستشفى, إلى هناك كي يوقظ والدته إذا كانت نائمة ويقول لها أن لا تذهب إلى البعيد, أن تفيق من أجلنا, من أجل أن تعتني بنا, بعائلتها, لأن ما حدث لم يكن خطأها. ليس خطأها إذا مات الوالد. ما زالوا باقين.
بصمت تام لبس ياسرثيابه, الجينزوالكنزة الذي أخذها من توفا, المغسولة بعد تلك المغامرات التي حدثت في الأيام الأخيرة الماضية. ليس بحاجة أن يشعل الضوء, أنه يرى الأشياء أمامه, ليل الصيف السويدي مضيئ, ينثرنفسه في أرجاء الغرفة التي هو فيها, كما أن الدرج قريب من مكانه. غرفة الجلوس مطفئة. بالتأكيد إيكا نائمة تماماً وقططها مضطجعة بالقرب من قدميها وربما يكونون في غرفة هيكي مفضلين سريراً مزدوجاً.
من حسن حظه أن صريرالباب لم يوقظ أحدهم, لرغبة ياسرأن يذهب إلى المستشفى بمفرده. يمكنه أن يشرح لهم فيما بعد وخاصة هيكي, يكفي أن يقول له إنني سائروراء إحساسي الداخلي. إيكا أيضاً ستتفهم الموقف, لكنها ستقلق.
استعارالدراجة الواقفة في الجهة الخلفية من البيت, ومن حسن الحظ لم يكن مقفلاً. بسرعة ركبها وداس على الدعاسة ومضى في الطريق إلى المستشفى. مضى في طريقه متحرراً من المشاعرالقلقة التي أنتابته في الليلة السابقة. تولدت لديه رغبة أن يقوم بهذ المشوارفي هذا الوقت المتأخرمن الليل وفي هذا الوقت من السنة. الفجريصدح بلونه الوردي الجميل, الفضاء شمعة متلالئ تغلف الكون الجميل بألوان بارعة ومبدعة. الصمت.. ما أجمله. الصمت والبهاء يلفه من كل مكان, تتأرجح أمام عينيه جمال الحياة ودقة نواميسها, الحرارة تنبعث من كل مكان, من الأرض, من السماء, من الصيف, من الهواء العليل, لاصوت, لا ضجيج, لا إزعاج ولا تشويش يرتد على عقله, صوت الطيورالصادحة هي الوحيدة قادمة إليه من بعيد.
عندما اقترب من الباب الرئيسي للمستشفى وجده مغلقاً, لهذا تابع طريقه إلى مدخل الطوارئ. هناك, فيما إذا سألوه, عليه أن يبتدع قصة مقنعة للأسباب التي قادته للمجيئ إلى هنا. عليه أن يقول لهم, ماما اتصلت بي من هاتفها الجوال, هناك شيئ طارئ حدث لوالدي, ربما على وشك أن يستيقظ من غيبوبته. سيتألم كثيراً إذا اضطرته الظروف أن يكذب, ويتمنى في أعماق أعماق نفسه أن يحدث ما يفكربه, أن تتصل والدته في هذا الوقت المتأخرمن الليل, ما بعد منتصف الليل وتطلب منه أن يذهب إلى عندها في المستشفى لأن والده قد فاق من غيبوبته.
ربما ما كان في وسعه أن يمرلولم يكن هناك شخص عند مدخل ومخرج باب الطوارئ. لكن تبين أن هناك أحدهم تعرف عليه من الزيارة السابقة لأبيه. إنسان كريم, طيب القلب أشفق عليه كثيرا فأدخله. مكتب الخدمات مقفراً, خال من الناس, والصمت يخيم على كل أرجاء المستشفى. تابع ياسرسيره إلى أن وصل إلى غرفة والده. خاف من هول المفاجأة أن يرى ما لا تحمد عقباه, أن لا يرى والدته هناك راقدة على سريرها بجانب والده.
في الغرفة النصف معتمة رأى والده راقداً بلاحركة, وعلى مقربة منهم الأجهزة الكهربائية تومض وتطفئ على نفس المنوال الذي رأه في زيارته الأخيرة. على نفس السريرونفس الوضعية. لقد اعتاد على هذا المشهد كأنه شيئاً عادياً طبيعياً أن يرقد والده هنا دون أن تبدي منه أية حركة, أن يبقى في سريره في المشفى.
الوالدة هي الأخرى راقدة في سريرها لا تتحرك. ظن ياسرللوهلة الأولى أن والدته لا تتنفس, لهذا دفعه الخوف والفضول أن يضع أذنه على قفصها الصدري حتى يسمع ضربات قلبها. لقد فعل ذلك, رأى وعلم أن قفصها الصدري يعلووينزل بإيقاع ثابت مع شهيق وزفير. لكنها كانت نائمة بعمق ولا تقوى على أية حركة. كيف سيتمكن أن يوقظها ويتحدث معها عن الأفكارالتي راودت عقله فيما سبق. أن يطلب منها أن تستجمع قواها وتعود إلى رشدها. لمس كتفها وهزه. في البدء هزها بشكل خفيف ثم بقوة. همس في أذنها بصوت خافت حتى لايوقظ أي إنسان في هذا الوقت من الليل.
ـ ماما! استيقظي يا أماه, أنا ياسر! يجب أن نتحدث, استيقظي يا أمي!
ظلت والدته نائمة بعمق. حاول ذلك عدة مرات خلال بضعة دقائق لكن دون جدوى. هل يستسلم؟ ألا يمكنه أن ينتظرإلى الصباح؟ لا يريد أن يكون فظاً, قاسياً معها. من يعرف أي نوع من الأدوية تناولت حتى نامت بهذا العمق. ربما ستغضب أو تخاف إذا رأته بشكل فجائي فوق رأسها, ستعتقد أن الواقف فوق سريرها حرامي أونشال.
هناك الكثيريريد أن يقوله لها, ولوالده أيضاً. والده في غيبوبة لكن قلبه ما زال ينبض. أحياناً كثيرة نردد ما نسمع. سبق لياسرأن شاهد فيلماً عن أحدهم عاش في غيبوبة عميقة. لقد فاق بعد ذلك وتذكرما دارحوله من حديث في فترة الغيبوبة.
ـ بابا, ردد ياسرثم جلس على حافة سريره. بابا, هل تسمعني؟ بابا أنا ياسر. قلبي والنداء الداخلي قادني إلى هنا. هيكي, لا.. أنت لا تعرفه, أنه رجل رائع. قال لي هيكي أن القلب يتكلم أفضل من العقل. قلبي وروحي قالوا لي أنه يجب أن أتي إلى هنا وأوقظ والدتي, لكنها نائمة. وأنت, أنت نائم أيضاً, ولا أعرف إذا كنت ستستيقظ من غفوتك الطويلة أم لا؟ لكني تحدثت معك عسى أنك تسمعني.
بقي ياسرفي مكانه ينظرإلى وجه والده, عله يحرك عينيه أوجفنيه أويرمش قليلاً؟ لم يتنهد, لم يصدرمنه كلمة واحدة بسيطة. لويقول كلمة واحدة, أبو العينين الزرق؟ اقترب ياسرأكثرفأكثرثم قرفص بالقرب من رأس والده ثم راح يقبل عينيه ويبكي.
ـ بابا, لا تموت يا بابا, الحزن سيمزق قلبي, الشوق إليك سيقطع أوصالي, سأفتقك كثيراً جداً. شيكيزليس لديه أب لكن هذا لم يكن سهلاً عليه على الأطلاق. كل حركاتك وسكنات أمام نظري, كيف كنت تتنفس, كيف تأكل أوتضحك ومتى كنت تغضب مني لأنني كنت أهرب من مساعدتك في المتجر. لا أستطيع أولا يمكن أن ألغي تلك الأشياء من عقلي وأقول إنني لم أشعرأو أحس بك مثل شيكيز. وتوفا لا تريد أن يكون لديها أم, حتى أنها لا تعرف من هو والدها الحقيقي أو والدتها الحقيقية, لأنها عاشت حياتها كلها هنا, وحيدة دون والدين. لكن, أنا, يا والدي, أعرف من أنت, ومن تكون منذ أن ولدت, منذ خمسة عشرة عاماً, إذا لن تستيقظ من غيبوبتك يا والدي, سأتولى المسؤولية عنك, سأكون قوياً وأساعد أخوتي وأمي في حمل العبئ بالنيابة عنك. لكن لا اعتقد أنني سأنجح في ملء الفراغ الذي سيشكله غيابك, ولا يمكن لوالدتي أن تقوم فيه هي أيضاً. لا تريد أن تعيش معنا بغيابك. نحن باقون لأنك باق. إذا لن تبق, لن تمض مدة حتى نفقد والدتنا أيضاً.
ثم توقف ياسرعن الحديث, لأن جعبته فرغت ولم يعد لديه شيئاً يقوله؟ من يستطيع أن يدعي أن والده يسمعه؟ من يستطيع أن يقدرأن والده في طريقه للاستيقاظ من غيبوبته؟ عندئذ, لا بد لياسرأن يشرح, بكلمات لم يسبق أن استعملها, اعتقد من الحماقة بمكان أن يقول الناس مثل هذه الكلمات, كدت أموت من الضحك أومت عليك من الشوق والحنين. هذه حماقة ما بعدها حماقة, أن يموت أحدهم من الحنين, كأنه سيموت فعلاً. اعتقد أنهم يعنون بهذا الكلام, الشوق لعيد الميلاد أورأس السنة أو شيئ من هذا القبيل. يمكن لي القول أن ماما ستموت من الحنين. أصيب والدي برصاصة في رأسه, الحزن غيب والدتي وأخذها معه. في هذه الحالة سنصبح جميعنا في عداد الأموات من نفس الرصاصة.
لم يعد هناك المزيد من الكلمات التي يمكن أن تقال, لا يمكن. لم يبق لها مكاناً على أية حال.
لم يستطع ياسرأن يغادرالمكان, عليه يبقى حتى اللحظة الأخيرة, أن يبقى معهم. طرأت فكرة في عقله على نحو مفاجئ, لماذا على والدته أن تبقى هنا وليس في البيت مع أولادها! لأنها تعتقد أن والده سيستيقظ ولن يرى أي فرد من أفراد أسرته بالقرب منه. أما إذا مات فيجب أن يكون أحدنا إلى جانبه حتى يسمع الشهقة الأخيرة لأنفاسه, شخص يحبه.
تحرك ياسر بأتجاه أريكة الزيارات القريبة من الباب التي كانت بنفس وضعيتها في المرة الماضية. جلس عليها, مال إلى الأمام, وضع رأسه بجانب رأس والده وعلى نفس المخدة. نام هناك بجانب والده.
في السريرالأخركانت والدته مستيقظة, عينيها مفتوحة على وسع, مسترخية. لقد سمعت حديثه, ربما الجزء الأخيرمنه. لم تغمض عينيها من مدة طويلة ودون أن تتكلم مع أبنها, دون أن تنبس بكلمة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثاني عشر
- الأرض المحرمة الفصل الحادي عشر
- الأرض المحرمة الفصل العاشر
- الأرض المحرمة الفصل التاسع
- الأرض المحرمة الفصل الثامن
- الأرض المحرمة 6
- الأرض المحرمة الفصل السابع
- الأرض المحرمة الفصل السادس
- الأرض المحرمة 5
- الأرض المحرمة الفصل الخامس
- الأرض المحرمة 4
- الأرض المحرمة الفصل الثالث
- الأرض المحرمة 3
- الأرض المحرمة الفصل الثاني
- الأرض المحرمة
- من أجل أن يحاكم البشير
- عن النظام الدولي ونحن
- الذئب يشم ويطارد 6


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر