عبدالباقي حسيني
الحوار المتمدن-العدد: 828 - 2004 / 5 / 8 - 06:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قبل عدة أشهر أطلق الرئيس السوري بشار الأسد تصريحات سلبية, حول الموقف من الأكراد, حين صرح لقناة (سي أن أن) التركية, أن قيام دولة كردية في شمال العراق يشكل خطاً أحمر. وقتها علقت على تلك التصريحات ونعتها بالتصريحات اللامسؤولة و ...
لكننا في يوم (2004.05.01) فؤجئنا بتصريحاته لقناة الجزيرة وتعليقاً على الأحداث الأخيرة التي جرت في المناطق الكردية في شمال سورية ( أحداث القامشلي 12 آذار 2004 )
قائلاً:" ان القومية الكردية تشكل جزءاً رئيساً في النسيج السوري ومن التاريخ السوري, وأن احداث آذار القامشلي لم تتم بتأثيرات خارجية, كما ان موضوع الأكراد المجردين من الجنسية هي في المراحل الأخيرة من الحل".
على الرغم من ان هذه التصريحات، لاقت ترحيبا شديداً مفعماً بالسرور من الشارع الكردي السوري, وتم اعتبارها انعطافا تاريخيا، واعترافاً شجاعا من الشخصية الأولى في البلاد, بعد ان أنكر حزب البعث العربي الحاكم ,القومية الكردية, منذ استلامه ووصوله سدة الحكم في سورية عام 1963 ولغاية إعلان مثل هذه التصريحات, لا بل كان يردد على الدوام: ان لا قوميات في البلاد سوى القومية العربية, وهذا مدون في نظامها الداخلي وبالتالي في دستور البلاد.
يتطلع الأكراد الى هذه التصريحات بإطمئنان وغبطة كبيرين , ويأملون من سيادته تطبيق هذه الأقوال على أرض الواقع, والسعي الى معالجة الملف الكردي في سورية بكل جوانبه وذلك بطرق: ديموقراطية- عصرية. لا اعتبار هذه التصريحات "مجرد كلام" قيل في احدى المقابلات ومضى أدراج الرياح .
كان الكرد يأملون خيراً عندما زار الرئيس بشار الأسد محافظة الحسكة عام 2002 , والتقى هناك عدة شخصيات من الجبهة الوطنية التقدمية( وليس القيادات الكردية التي تشكل الشريحة الأهم في المحافظة) و قد سمع وقتها الكثير عن مشكلة المجردين من الجنسية من احدى الشخصيات الوطنية , ولم يكلف خاطره ان يسمع هذه القضية من أصحابها الحقيقيين !.
هنا نتساءل :الا تكفي سنتان من بدء زيارته ، بل و اثنان وأربعون عاما من وقوع هذه المشكلة , لتأخذ طريقها الى الحل؟!
ما الذي كان ينتظره السيد الرئيس لحل هذه المشكلة, التي عانى منها مايقارب ربع مليون كردي من الحرمان لأبسط الحقوق المدنية؟ .
هل كان ينتظر كل هذا الدم ( دم شباب الكورد الذي اريق اثر أحداث القامشلي على ايدي رجال المخابرات والشرطة السوريين) لحل مشكلة "الأجانب" والنظر الى الكورد على أنهم جزء من النسيج السوري؟.
لماذا لم تحل هذه المشكلة بعد عودته الى دمشق؟ وهل ان الفترة كانت غير كافية لاتخاذ قرار , معروف كل جوانبه القانونية والإنسانية؟ هل تشكيل لجان محلية للقيام بهذه العملية في دوائر السجل المدني تحتاج الى هذه الفترة الطويلة؟
ان عملية منح الأكراد المجردين من الجنسية منذ عام 1962, لا تحتاج الى جهد كبير لإعادة جنسيتهم المسلوبة منهم , لأن أغلب هؤلاء يملكون الوثائق والادلة على مواطنتهم من قبل. هنا لا تكفي الأقوال في مثل هذه المواقف الوطنية, بل ثمة حاجة ملحة إلى أفعال عملية , جادة, خدمة للوطن والمواطن.
القومية الكردية عانت الكثير من الغبن والاقصاء في العقود الماضية, وهم يتطلعون اليوم الى هذا التوجه الجديد الصادر من الرئيس السوري وبأمل كبير على ان ينظر الى الملف الكردي كحزمة متكاملة من الحقوق القومية, لا ان تنحصر في عملية منح الجنسية لمواطنين كانوا يملكونها سابقا.ً
الأكراد في سورية يأملون ان تعالج جميع قضاياهم في بلدهم بروح وطنية عصرية, بعيدا ً عن التعصب والغاء الآخر. فهم يتطلعون الى الشخص الأول في سورية الرئيس بشار الأسد للعمل من أجل:
- اطلاق سراح المئات من الأكراد الأبرياء الموقوفين اثر أحداث 12 آذار , واطلاق سراح 27 حدثا (قاصراً) كردياً, لانه تم انتزاع الاعتراف منهم تحت التعذيب. وكذلك إعادة الطلاب الكرد المفصولين من الجامعات السورية الذين تم فصلهم من جامعاتهم زورا.ً
- العمل الحقيقي على تفعيل 2,5 مليون كردي في المجتمع السوري, بعد خمسين عاما من التهميش والاقصاء, وفتح مجالات حياتية متعددة: عسكرية ودبلوماسية وقيادية...إلخ امامهم.
- منح الكرد حقوقهم الثقافية والاجتماعية, واعتبار اللغة الكردية اللغة الثانية في البلاد وخاصة في المناطق الكردية إلى جانب اللغة العربية الرسمية.
- تطوير المناطق الكردية النائية وفتح مشاريع حيوية فيها , وذلك للاستفادة من الطاقات الهائلة الموجودة عند الشباب والشابات العاطلين عن العمل.
ان كل هذه المطالب لا تدخل في صالح الأكراد فقط , بل هي في الصالح العام, لأن الأكراد جزء لا يتجزأ من المجتمع السوري الواجب تفعيله بكل ما فيه من طاقات . الكرد يدركون جيداً ماهية واجباتهم , لكنهم ينتظرون حقوقهم ليبدؤوا ثانية ومن
جديد لبناء هذا الوطن ورفع اسمه عالياً في الداخل والخارج. أنهم مستعدون للدفاع عن كل شبر من بلدهم سورية , وهم فخورون بانتمائهم الوطني .
وهنا تستحضرني الذاكرة ومن التاريخ القريب, ذلك الموقف الوطني الرائع , عندما سأل أحد الضباط الفرنسيين المجاهد الكردي ابراهيم هنانو (قائد ثورة جبل الزاوية) : " أنت كردي, فلماذا تدافع عن العرب؟".
فرد عليه هنانو: " أنا أدافع عن وطني ".
………………………………………………………………..
كاتب كردي سوري مقيم في النرويج
#عبدالباقي_حسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟