أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - مصطفى الكمري - أحفاد نيرون














المزيد.....

أحفاد نيرون


مصطفى الكمري

الحوار المتمدن-العدد: 2716 - 2009 / 7 / 23 - 10:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


كان الإمبراطور الروماني نيرون غاية في الخشونة وفساد الأخلاق. فجال فى خاطره يوماً أن يتمتع بحريق روما مثل ما حدث لمدينة طروادة. فأمر بحرق مدينة روما لهذه المتعة الرخيصة. ولما اندلعت ألسنة اللهب، صعد إلى برج عال بعيداً عن المدينة وهو يأكل ويشرب. وتناول بيديه قيثارته و راح يغني طرباً من كلمات الأناشيد والأغاني التي قالها الشعراء في وصف طروادة أثناء احتراقها.

سنتين بعد هذه الجريمة الشنيعة مات نيرون منتحرا. ليصير في نظر البعض مجرد أسطورة تحكيها الجدات لإخافة الأطفال المشاغبين. لكن الحقيقة أن نيرون لم يمت إلا فيزيائيا. فروحه الشريرة لم تتوقف منذ ذلك التاريخ الى الآن، عن السفر عبر الزمان و المكان، في بحث دائم عن نفوس ضعيفة تسكنها، لتصل الماضي بالحاضر و ليبقى حريق روما دائم الاشتعال.

روح نيرون تسكن اليوم في أعماق الكثير من الناس عبر العالم. ففي كل المجتمعات يختبأ أحفاده بين جموع الناس في انتظار ساعة الجريمة. في المجتمعات المتقدمة كما المتخلفة, هناك أحفاد لنيرون يتربصون و يتآمرون من أجل إيذاء الآخرين و الاستمتاع بمعاناتهم و صيحاتهم و استغاثاتهم.

في المجتمعات المتقدمة فهم الناس هذه الحقيقة، فأقاموا أنظمة لدولهم يصعب معها صعود أحفاد نيرون لمناصب المسؤولية و كراسي الحكم، و جعلوا الحاكمين تحت سلطة الشعب يعزلهم متى ما أخطأوا و يتركون مناصبهم جبرا بعد دورات محددة حتى لا تسكنهم روح نيرون الشريرة، و حتى لا يكون الشعب أول ضحايا السادية و الهمجية. و جعلوا من العدالة سلطة قائمة الذات و من القانون سقفا يعلو و لا يعلا عليه يستظل بظله كل المواطنين سواء بسواء، لا فرق بين بعضهم البعض إلا بمقدار التزامهم و احترامهم لبنوده و مساطره. لذلك تقدمت هذه المجتمعات، و أسست دولا قوية تؤمن بالحياة و تضمن الكرامة لمواطنيها، فصار أحفاد نيرون تائهين في شوارعها، ينتظرون ساعة غفلة لارتكاب جريمة معزولة هنا أو هناك، ما يفتأ القانون أن يقتص لضحاياها.

في المغرب كما كل المجتمعات المتخلفة، لا زال الناس بعيدين عن فهم هذه الحقيقة، لذلك وجدت روح الشر ضالتها فوق أراضيه فراحت تعبث و تلهو بأرواح الأبرياء، مستغلة في ذلك طبيعة نظام الدولة الذي يمكن أحفاد نيرون من تسلق مناصب المسؤولية، و التحكم في رقاب العباد. إنهم منبثون في كل أجهزة الدولة و على أعلى المستويات: غياب الديموقراطية يمكنهم من أن يصيروا وزراء و سفراء و مسؤولين كبار، استفحال الرشوة يمكنهم من شراء القانون كأي سلعة رخيصة الثمن، اقتصاد الريع يمكنهم أن يصيروا أرباب شركات و تجارا كبارا و عدم استقلالية القضاء و عدم نزاهته يجعلهم في منأى عن كل حساب أو عقاب... و النتيجة دولة ضعيفة على حافة الإفلاس و مجتمع مريض منهك.

في الختام بقي أن أشير أن نيرون لم ينتحر إلا بعد أن ثار ضده الناس، بعد أن اقتنعوا أنهم ميتون ميتون فالأجدى الموت بكبرياء و كرامة. عندها أعلنه مجلس الشيوخ عدوا للشعب... فاختفت معه ديكتاتورية الرومان و أعلنت ديموقراطية روما... و به وجب الختام و السلام.



#مصطفى_الكمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل دون عودة
- الثقة المفقودة واستحالة التقدم
- كثير من الظلم... قليل من العدل
- محرقة من أجل الانتخابات


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - مصطفى الكمري - أحفاد نيرون