أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليلى فريد - أكبر ضحية















المزيد.....

أكبر ضحية


ليلى فريد

الحوار المتمدن-العدد: 2716 - 2009 / 7 / 23 - 05:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كارثة بكل المقاييس حلت على أسرة مصرية على يد مجرم قاتل، تسبب فى موت زوجة وأم، وتهديد حياة أب، ويتم طفل، وحرمان أسرة من إبنتها الشابة.
ولكن أكبر ضحية فى مأساة وفاة السيدة المصرية فى ألمانيا هو ابنها الطفل؛ فهى الآن ترقد بسلام فى رحاب خالقها، وزوجها من المأمول أن يتعافى من إصابته الخطيرة، ويتمكن من لم شتات حياته المبعثرة من أجل تعويض إبنه عن رعاية الأم، وأسرتها لعل الله يمنحها، مع الزمن، الصبر على ما ابتليت به. أما هذا الطفل المسكين فقد شاهد بعينيه سقوط أمه ميتة وأبيه جريحا، وواجه المرحلة الصعبة التى صحبت اختفاء أمه الفجائى من حياته بدون وجود أبيه إلى جواره، يمنحه شيئا من الأمان المفقود، ويعيد إليه بعض التوازن. وفوق هذا كله، فإن الظروف المصاحبة قد حرمته وللأبد من أن يتمكن يوما من تجاوز التأثيرات السلبية لهذا الحدث المأساوى، وانتزعت منه أى فرصة لأن يتبين- عندما يبلغ مرحلة الإدراك- أبعاد ما حدث لأبويه، ويضعه فى إطاره الصحيح، ويفهم أن المتسبب فيه فرد أجرم ونال جزاء إجرامه، ويحزن ويتألم كما يجب أن يحزن ويتألم كل من أصابته سهام القدر الطائشة؛ ولكن فى النهاية ينجح فى أن يتجاوز هذه التجربة القاسية، ويخرج إلى الحياة إنسانا سويا، لم تتشوه أعماقه بالحقد على أعداء نظريين وهميين، والرغبة فى الانتقام من أشباح هلامية خيالية، حفر الكبار كراهيتهم فى أعماقه، خلال المرحلة الباكرة التى تتشكل فيها الشخصية، وقبل أن يصل إلى السن التى يتمكن فيها من التفكير باستقلالية.
لا داعى لاستعادة ردود الأفعال المصرية العجيبة التى أعقبت هذا الحادث؛ فكلنا شاهدنا وسمعنا ما جرى فى حلبة المزايدات التى تسابق فيها القاصى والدانى فى علو الصرخات، وتحريف الحقائق، ودرجة الخلط، وفنون الإثارة، وخبث التحريض. وفى وسط هذا الغل كله، ضاع جلال الموت وجوهر الحزن على امرأة وأم شابة راحت فى حادث مأساوى؛ ولكنه أولا وأخيرا حادث فردى بدافع شخصى، لا يختلف عن الألوف من أمثاله فى كل زمان ومكان.
وحاولت بعض الأصوات الشجاعة العاقلة أن تقف فى مواجهة الشلال الهادر، وتذكر الناس بالحقائق، وتدعوهم إلى رد فعل محسوب ومتزن. ولكن هيهات أن يكون لكلمة الحق ولا للتصرفات المنطقية مكان فى وسط الهستيريا الجماعية. وكالمتوقع، ألصقت بأصحابها التهم المعتادة، والتى تراوحت ما بين الضعف والتخازل أمام الغرب الصليبى، إلى المشاركة فى العداء للحجاب، ووصلت إلى ادعاءات مريضة من أمثلة التعاطف مع القاتل، والشماتة فى الضحية.
ورغم ضجة الزاعقين الهائجين؛ فلابد أن لايتناسى أى صاحب عقل وضمير هذه النقاط الأساسية:
بأى منطق يصح اتهام ألمانيا والألمان- بل الغرب كله- بالعنصرية على أساس هذا الحادث؟! ألمانيا فتحت ذراعيها لهذه الأسرة. لم يمنع أحد السيدة الفقيدة من ارتداء حجابها. وأتيح لزوجها فرصة لدراسة علمية يحلم بها الألوف، وعاش هو وأسرته (حتى الحادث الأليم) فى ظروف يحسدهم عليها الملايين. شأنهم فى ذلك شأن العدد الذى لا حصر له من الأسر المسلمة التى تنعم بالحياة فى الغرب، ولا ترضى عنها بديلا.
ليس هناك أدنى دليل على أن الخلاف بينها وبين المعتدى ( ورغم أنه روسي أصلا، ليس من الفهوم لماذا لم يعلن الغاضبون الحرب على روسيا أيضا!) قد خرج عن حدود طرفى النزاع، أو أن تعديه عليها كان بتشجيع من الدولة، أو بتأييد من مواطنيها، أو بتستر من الشرطة.
لماذا يتم التغافل عن أن المحكمة الألمانية لم تحرم السيدة من العدالة، فهى قد حكمت لها ضد خصمها؛ وهذاهو ما دفعه إلى الإنتقام؟! وأفراد الأمن لم يقفوا متفرجين، بل أطلقوا الرصاص فى الحال على المعتدى، وهذا هو السبب فى الحادث المؤسف الذى تعرض له الزوج؛ فقد أصابته رصاصة عن طريق الخطأ وهو فى مرمى النيران (وطبعا لم يفت على بعض المحرضين الزعم بأن رجل الأمن قد قصد استهدافه).
اعتداء المحكوم عليهم فى قاعة المحاكم على المدعين أوالشهود، وأحيانا القضاة وأعضاء هيئات التحكيم، شىء متوقع وغير نادر الحدوث، حدث ويحدث وسيحدث رغم كل الإجراءات الأمنية المشددة. والعالم كله يضع هذه الجرائم فى إطارها السليم، ويتعامل معها فى حدود القانون.
ما الذى دعى إلى الإسراع بالتهديد والوعيد للألمان وغيرهم؟! هل وجد المحتجون أن القاتل المعتدى لم ينل العقاب الذى يستحقه على جريمته الشنعاء؟! هل أطلق سراحه، وشوهد وهو يرتع بحرية ذارا للملح على جراح الأسرة المكلومة؟! هل نقل معززا مكرما إلى دار استشفاء ليستريح من متاعبه النفسية؟! ولماذا المطالبة بأن تتدخل القيادات السياسية فى ألمانيا فى هذه القضية؟! هل لأنهم يفترضون أن القضاة هناك لن يحكموا بالعدل إلا لو أتتهم أوامر عليا؟! ولماذا استنكار أن وسائل الإعلام الألمانية قد تعاملت مع الحادث كأشباهه من الحوادث الجنائية؟! هل كان من المرغوب فيه أن تنصب للقاتل محاكمة علنية، يستغلها محاميه فى إبراء ساحته بحجة أن الإثارة الإعلامية قد حرمت موكله من فرصة عدالة غير منحازة مسبقا؟!
لماذا لم يعتبر الإصرار على إرسال مندوبيين مصريين لمتابعة سير المحاكمة تدخلا فى الشئون الداخلية لألمانيا؟! ولماذا لم يحتج الألمان بضراوة على هذا؟! هل ياترى لأنه لا شىء فى منظومة تعاملهم القانونى يخشون الكشف عنه؟!
ورغم انهمار الاعتذارات الرسمية، ورغم درجة المشاركة فى العزاء التى فاقت كل المألوف، ورغم التأكيد بأن الجانى لن يفلت من العقاب، وأن الأسرة المصابة ستنال كل التعويضات التى تستحقها، فإن المهيجيين لم ولن يتوقفوا؛ لأنهم فى الواقع لا يرغبون فى التهدئة، وترك الأسرة تلعق جراحها فى خصوصية. فقد وجدوا فى هذه المأساة الشخصية فرصة لا تعوض لتوظيفها لتحقيق أهدافهم فى شحن النفوس، ولاستغلالها فى ترويج رسائل التحريض والكراهية، ومبررا لممارسات التمييز، وأعمال الإرهاب، ومؤامرات الانتقام السابقة واللاحقة.
وليس هناك من ضرورة للتساؤل عن مدى مصداقية هؤلاء فى غيرتهم على العدالة، ورفضهم للظلم، و معاداتهم للجرائم التى مبعثها الانتماء الدينى، ومطاردتهم لها فى كل أنحاء المعمورة. فقد عرفنا جيدا، وتأكدنا من واقع تجارب مريرة ذقناها كثيرا على أرض الوطن، أنهم لا يرون ما يفترض أن يروه عند مواقع أقدامهم، ويتجاهلون ما يحدث فى عقر دارهم. فالعدالة عند هؤلاء ليست معصوبة العينين الإثنين؛ وإنما عين واحدة فقط هى التى لا ترى. فإحدى عينيها نافذة البصر لدرجة أنها ترى أطيافا وتهويمات من التمييز الغير موجود أصلا؛ ما دام يتعلق بمن يرضون عنه. بينما العين الأخرى عليها عصابة كثيفة، تمنع عنها رؤية المظالم الواضحة وضوح شمس الظهيرة؛ مادامت تقع على المغضوب عليهم.
وفى الواقع أن معظم الذين لا يشبعون من الهجوم على الغرب وتعصبه ومؤامراته ضدهم، يتمتعون بجرأة يحسدون عليها فى التواء المنطق وازدواج المعايير. فبينما نجد أن العديد من الأشخاص (مسلمين ومسيحيين) يحجمون- رغم كل الإغراءات- عن العيش فى بلاد مثل السعودية أو باكستان، ويفسرون ذلك بوضوح بأن قوانين ونوعية الحياة فيها لا تناسبهم. وبهذا تنتهى القصة ببساطة، بدون أن يسببوا أى مشكلة لأنفسهم أولأهل تلك البلاد، نجد أن الذين يرغبون فى أن يتحور العالم بأسره ليصير حسب هواهم، يستميتون فى اقتناص أى فرصة للاقتراب من شواطىء هذا الغرب الكريه. ولو نجحوا فى الوصول إلى أراضيه، يتشبثون بهذه الفرصة بأيديهم وأسنانهم؛ حتى لو لم تكن هناك ضرورة تحتم وجودهم فيه.
أتذكر يوم استوقفتنى سيدة عربية فى سوبر ماركت فى انجلترا، وطلبت منى أن أقرأ لها مكونات كل ما تنوى شرائه من أطعمة للتأكد من خلوها من أى مشتقات "خنزيرية". وبعد أن انتهيت من فحص كوم المشتروات، بدأت تبثنى شكواها من المشقة التى تلقاها فى اختيار الطعام فى بلدان الغرب التى تمضى هى وأسرتها فى إحداها أجازة كل صيف. فكما قالت، أنها تحتاج للتدقيق فى كل ما يأكلونه؛ خوفا من أن يكون مدسوسا فيه شىء من " رائحة الخنازير". أما اللحوم والدواجن، فتضطر إلى الذهاب إلى المحلات الباكستانية- البعيدة عادة- للتأكد من أنها حلال. ولكن عندما قدمت لها النصيحة الكفيلة بإراحتها تماما من متاعبها؛ فاقترحت عليها أن تمضى هى وأسرتها العطلة فى بلد يلتزم فى طعامه بمثل ما تلتزم به، رمتنى بنظرة شذراء، واستدارت بدون تحية أو شكر!
وفى الأسابيع الماضية، استضاف البرنامج الحوارى الشهيرعلى الفضائية المصرية، والد الشاب المصرى المقبوض عليه فى أمريكا. واستمعنا للقصة من وجهة نظر الأب الحزين ( وطبعا كان الله فى عونه، فما حدث مع الإبن هو مصيبة لأى أسرة). وأسهب الأب فى وصف التعصب الذى يلقاه إبنه من الأمريكان، والظلم الذى يعانيه من قضائهم، والمعاملة السيئة التى يجدها فى سجونهم؛ كل ذلك بسبب جنسه ودينه. ولكن عندما بدأ لومه يتجه إلى تقاعس الدبلوماسية المصرية فى حل المشكلة، أشرك مقدم البرنامج فى المناقشة أحد المسئولين المصريين عن هذا الملف. ففوجئنا من شرحه للموقف الحقيقى، بأن القضاء الأمريكى على أتم استعداد لترحيل الشاب فورا لمصر؛ حيث يتم التعامل مع التهم الموجهة له فيها، والحكومة المصرية لاتمانع مطلقا فى استقباله فى أى لحظة. ولكن العقبة تأتى من المتهم وأسرته؛ فهم من يرفض عودته لوطنه!! فيا سيدى الأب الشاكى: لماذا لا يحضر إبنك لبلده، حيث لا يقابله تعصب بسبب دينه، أو تمييز بسبب جنسه، وحيث ينعم بما يفتقده فى أمريكا من عدالة فى المحاكم، ومعاملة إنسانية فى السجون؟! سؤال لم نسمع له إجابة.



#ليلى_فريد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياحة مصرية
- سياحة العشوائيات وفيلم المليونير....
- عزازيل وغضبة الرعاع
- نافدْة على الشرق من خلال عيون غربية
- خطى رؤوف عباس...سيرة ذاتية أم وصية أخيرة
- أسقف كانتينبرى و الشريعة
- غلوش... يغلوش ... رسالة لمحاورى قداسة البابا
- لماذا لا يعودون من حيث جاءوا ؟!
- إن كان هذا هو ما يمكن لأعمالكم الفنية تقديمه للأقباط... فسعي ...
- السياحة الدينية كما يجب أن تكون
- مرحى...مرحى...أطباء وقتلة
- الجميلة ليست قادمة
- شهر العسل المر
- الأيقونة التي احتجبت
- المسيحية في بريطانيا تعلن الثورة على الغبن
- إنهم يقولون .. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون!
- لست وحدك
- من مات غنيا مات موصوما
- عندما يعتذر البابا
- التعامل الإيماني والعقلاني مع تحدي المقدسات إنجيل يهوذا وشفر ...


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليلى فريد - أكبر ضحية