خليل الخالد
الحوار المتمدن-العدد: 2714 - 2009 / 7 / 21 - 06:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اردت ذات يوم - وكنت في حالة صفاء ذهني - ان اكون حقانيا مع عقلي و مسعفا لعلمي المتواضع حتى يتوه و لا انجرف مع التيارات المتحاملة على الاسلام من خلال اغراق نفسي ب التحليلات الشخصية الناقدة او قراءات لماتوصل اليه الاخرون وذلك من المواقع العلمانية و الاخرى المحاربة للاسلام بشكل جهوري من مسيحية و ملحدة . فعمدت ذلك اليوم لمشاهدة بعض القنوات الفضائية الاسلامية حتى اسمع وجهة النظر الاخرى التي تبيض من وجه الاسلام و التي من المفترض انها تتحدث عن الجانب المغيب عني لعلي اعيد التوازن من جديد اي ان اجد بعض ما يشرف المسلم و يحرص على الامساك به كدليل على الحق الموجود هذا الفكر عن غيره مما لدى البشر.
الا ان ما وجدت كان مغايرا جدا , تركز هذه المحطات على كيفية قراءة القران الكريم و ضرورة عدم اللحن ( الغلط بالقراءة ) باحرفه او بتجويده ومسابقات حفظ القران لقراء من شتى البلدان و غيرها ممن تهتم باعراب مفرداته او الحديث عن اعجاز علمي يملا صفحاته ضاربين بعرض الحائط بكل التفاسير العريقة للكبار امثال ابن كثير و القرطبي ,,
وما ان اخذت قيلولة قصيرة -بعد خيبة الامل تلك -هممت بالخروج لحاجة لي و تتطلبت ان استقل تكسي, وكالعادة عليك ان تسمع القران الكريم الذي هو صوت من اساسيات التكسي في هذا الزمان وهو كصوت المحرك مرافق للسيارة. كان الاستاذ الشيخ يقرا سورة مريم ( المرغوب سماعها اكثر السور) و شيخنا بالكاسيت يتفنن بتجويدها بينما السائق كالمخمور يسوق السيارة , الا انني لم اكن مثله بل متابع الشيخ في كل كلمة وتحاملت على نفسي كثيرا حتى لا انجرف وراء سحر التجويد و خطر ببالي ان اسال السائق عن الاية رقم 33 والتي تقول بلسان عيسى: وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا و عن الاية رقم 15 من نفس السورة و التي تقول: وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا - كنت اريد ان اعرف لماذا كلمة اموت عند عيسى تفيد ان عيسى سيموت في المستقبل وانه لم يمت بعد و حين قالها بخصوص يحيى افادت انه مات و مع ان الكلمتين جاءتا في الزمن المضارع اي الحاضر, الا انني تراجعت عن السؤال لاني وجدت ان هذا السائق مبسوط بقزازة القران و سكرته وهو بهذا الشكل ولا يريد اي شيئ اخر ولا يريد ان يفهم. ومن هذا الموقف فهمت لماذا محطات التلفزيون الاسلامية لاتعطي معاني القران اي اهتمام وذلك لعدة اسباب: اولا- التدبر بمعان القران غير مطلوب على المستوى الشعبي وكل الشعب المتعلم منهم و الجاهل يستمع الى القران مثل هذا السائق ويكفيم الانخطاف بتجويده فهو حشيش مجاني ومخدر مسموع به بل ومشجع عليه وخصوصا مع الجوع و الجميع يعرف كيف يسمع.
ثانيا- مصائب القران الاملائية و النحوية اولا وانتهاءا بابسط الاخلاقيات المعروفة و ابسط حقوق الانسان, ناهيك عن اسباب النزول و النواحي العقائدية و تضارباتها. ثالثا- الخوف الذي يجتاح نفوس الشعب المسلم و الخوف الذي يرتسم على وجوه ( اهل الذكر ) يجعلك تضرب بسؤالك عرض الحائط و تمشي ( بكرامتك ) عارف كل شيئ, فبمجرد السؤال اذا انت تشكك في عقيدتك اذا انت مرتد اذا اذا اذا ...كل ذلك يجعلك تعود الى نفسك فتشجبها و تزجر عقلك و تستغفر الله و تستعيذ به من الشيطان الرجيم فتدير مسجلة الصوت و تختار من القراء الشيخ مشاري العفاسي او عبد الباسط عبد الصمد او جديد علي الحجار اذا كان المساء قد حل و تستمع او بالاحرى تسكر بهذا التجويد لكلام الله الذي لا يفوق اي عقل لكن يرعب الكثير من العقول.
حين يركز المرء في كلام القران المجود لفترة طويلة نسبيا فان التجويد وهذا اللحن يفقدان رونقهما الذي كان, وصدق من سمى هذا اللحن تجويدا لان التجويد لايقال الا عن الشيئ الذي تنقصه الجودة
للتجويد تاثير مشابه للخمرة الا ان تاثير التجويد على الدماغ يكون بمجرد سماعه فان لم تتصدى له بالتركيز بالكلمات و فهم مقاصد الايات فان خلايا الدماغ سيصيبها الشلل المؤقت ويزول هذا الشعور بمجرد زوال المؤثر الا وهو التجويد. بينما الخمرة فتاثيرها لايكون بمجرد الشرب وانما بعد فترة و جيزة و بحسب الكمية ان كانت كافية لان تحدث تغييرا في دماغ الانسان و يمتد هذا التاثير لفترة حتى بعد قطع المشروب وذلك على عكس التجويد.
وعلى فكرة لايشترط التجويد ان يكون من القران حتى يعطي سكره او سحره وانما لاي نص انت تسمع تجويده سيعطيك نفس التاثير. فمثلا لو قرا مشاري العفاسي او غيره من فطاحل التجويد خطاب اوباما -المترجم للعربية- بطريقة التجويد فان المسلم سينود معه يمنة و يسارا ويقول الله ويروح فضل اوباما في الخطاب هباءا منثورا, ومن ذلك نفهم ان التجويد شيئ و القران شيئ اخر تماما, تخيل لو انك تقرا القران بقراءة عادية ؟؟؟؟لا اعتقد ان احدا سيسمعك, وعندها سيبادر سائق التكسي علي بالسؤال سابق الذكر بدل ان اساله انا.
تخيل لو انك تعصر العنب و تقدمه للضيوف, لا اعتقد ان احدا سيستسيغ طعمه
فانهم قد جربو الخمير حيث ضاعت طعمة العنب...
#خليل_الخالد (هاشتاغ)