أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بسام البغدادي - هل الله موجود؟ الجزء الثاني















المزيد.....

هل الله موجود؟ الجزء الثاني


بسام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 2713 - 2009 / 7 / 20 - 07:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(حقيقة واحدة مُرة خير من الف وهم مريح)


سنبحث اليوم في مدى أحتمالية وجود الله, و تذكر قبل أن تبدأ بأنه مهما كان أحتمال وجود الله صغيراً فهذا لا يعني بأنه غير موجود, و بالعكس, فأنه مهما كان أحتمال وجود الله كبيراً فهذا لا يعني أنه موجود. و سنبدأ أنطلاقاً من أحد أبرز تعريفات الله الذي تعطيه صفة الخالق أو واجد الوجود و مسبب الاسباب. و خاصة في الاديان الابراهيمية. فأنهُ يُستدل على عظمة الخالق (الله) من روعة الخلائق في السماء او الارض او في البحار و البديع الموجودة فيها. منْ مِنا لم يسمع قول الاعرابي الشهير عندما سُؤل عنما اذا كان هناك خالق للكون فقال:

البعرة تدلُ على البعير
و الاثر يدل على المسير
أفسماء ذات أبراج و أرض ذات فجاج
أفلا يدلان على اللطيف الخبير؟

منطق أستدلالي بسيط و رائع في محاول فهم حقائق الامور و أصولها من خلال الربط بين ما عرفناه و بين ما نبحث عنه. إن الاثر و البصمة التي ينشدها الاعرابي هذا في مثالهِ أعلاه هو تماماً ما سيوصلنا للجواب الواضح و الصريح الذي نبحث عنه فيما أذا كان الله موجوداً ام أن الانسان من أوجده لأسباب أخرى. أذن ما هي الآثار التي تركها الله حولنا و منها نستطيع الاستدلال عليه, و كيف لنا أن نعرف بأن هذه الاثار هي فعلاً بصمات الله وليست بصمات نلصقها بالله زوراً و بهتاناً بدل ان نسجل الحادثة ضد مجهول علمي يجب البحث عنه؟ ما هو المنهج العلمي الذي بهِ نستطيع ان نقولها بوضوح و صراحة بأن هذه فعلاً كانت بصمة من بصمات الله و هذه بصمات مجهولة لا نعرفها بعد؟

لنبدأ اولاً في حصر الاحتمالات المُمكنة, هناك منطق أستدلالي بسيط يساعد الباحث في حصر الاحتمالات المُمكنة لمسألة ما مِن خلال حصر عدد الفرضيات المُحتملة في تلك التي أكثرها منطقية و أبسطها تفسيراً للمسألة المطروحة. هذا المبدأ يعرف بمقص أوكام. لتبسيط المقصود بهذا المبدأ نأخذ المثال التالي.

مثال:
بعد ليلة عاصفة هوجاء خرجت لحديقة منزلك فوجدت أحدى الاشجار ممددة على الارض ولم يرى أحد سقوطها. الفرضيات المطروحة لتفسير سقوط الشجرة لا نهائية و لنأخذ منها.
1. شخص جاء من المستقبل البعيد و قطعها كي لا تسقط على أبنهُ في المستقبل.
2. مخلوقات فضائية قطعت الشجرة ليلاً و رحلت الى مجرة ثانية.
3. جني طوله 200 متر أسقطها في نوبة غضب.
4. بطة عملاقة وردية غير مرئية داست عليها و أسقطتها.
5. الشجرة سقطت جراء العاصفة التي ضربت المدينة ليلة أمس.
6. نيزك جليدي ضرب الشجرة و تبخر كلياً لحظة أرتطامه بالارض.

كما نرى فأن هناك عدد لا نهائي من الاحتمالات التي لا يحدها الا الخيال. جميعها بالطبع مُمكنة فرضياً, بل ولا يستطيع أحدٌ فينا أثبات عدم حدوثها. فما العمل للوصول الى السبب الحقيقي لسقوط الشجرة؟ من خلال تطبيق منطق مقص أوكام الذي يأخذ بأكثر الاسباب منطقية و أسهلها تفسيراً (تذكر بأن الحقيقة قد تكون أعقد من هذا بكثير لكن مبدأ مقص أوكام يقوم بأختصار الجهد و الوقت من خلال أهماله لتلك التفسيرات التي تتطلب ذاتها تفسيرآت أعقد منها). في المثال اعلاه مثلاً, لو أخذنا بأن النيزك الجليدي الذي ضرب الشجرة فيجب علينا أيجاد على الاقل شهود عيان لسقوط النيزك أو ربما بعض بقايا هذا النيزك أن وجدت, و أن لم توجد بقايا او شهود أو أي دليل على وجود النيزك فأن أفتراض كهذا لا قيمة حقيقة له رغم أنه يفسر سقوط الشجرة طبعاً, بل و أذهب ابعد من ذلك ان البعض قد يدعي بأن سقوط الشجرة هو أكبر دليل على وجود النيازك الجليدية. بأمكانك الان تجربة الاحتمالات الاخرى لترى أي منها ممكن تطبيقة ليكون تفسير منطقي و معقول لسقوط الشجرة.

لنجرب نفس المبدأ على فرضية الخلق و التي يتم الأخذ بها كأول و أبرز دليل على وجود الخالق (الله في حالة الاديان الابراهيمية). الفرضية قائمة على مشاهدة ميدانية للوجود الذي نحن جزء منه و ترابط الوقائع فيه في فعل و رد فعل متواصل. بالطبع فأن تفسير الوجود من خلال الخلق هو أحد التفسيرات المُمكنة الاخرى. فهل يوجد تفسيرات أخرى؟ لنرى الاحتمالات الواردة أدناه.

1. الله خلق الكون.
2. آلهة متعددة خلقت الكون.
3. الكون نشأ من كون ثاني أقدم منه و ذاك بدوره من كون أقدم الى المالانهاية.
4. نشأ الكون جراء تضخم كبير للمادة الاولى في العدم.
5. الكون غير موجود.
6. بطة عملاقة وردية أزلية غير مرئية خلقت الكون.

و نفس الحالة هنا فأنه لدينا عدد لانهائي من الفرضيات المُتوقعة و التي قد تفسر الوجود و أسبابه. و أعود لأذكر بأن من حق كل واحد فينا أختيار التفسير الذي يناسبه و يرتاح له, لكن شخصياً و كباحث عن الحقيقة فأنا أبحث عن الجواب الذي يبتعد قدر الامكان عن الوهم المريح و يقترب قدر الامكان من الحقيقة حتى و أن كانت مرة. كل تفسير نختارهُ يجب أن يفسر الظاهرة التي نسجلها (الوجود في هذه الحالة) بدون أن نخضع لميولنا الداخلية او رغباتنا عن الجواب الذي نتمنى ان يكون صحيحاً. و أسجل مرة أخرى بأن مقص أوكام لا يعطينا مباشرة الاجابة الصحيحة لكنه يحدد على كل حال الاتجاه الصحي للبحث العلمي. و لولاه لكان من الصعب الوصول الى حقيقة ما مع كل الاحتمالات اللانهائية الموجودة لكل فرضية و لتحول البحث العلمي الى رجم في الغيب و دروشة عمياء.

لنجرب التفسير السادس لنشؤ الكون و نبحث في مدى أحتماليته. بمجرد أفتراض ان بطة عملاقة وردية غير مرئية خلقت الكون فأن اسئلة كثيرة تخطر على بال كل واحد منا, منها على سبيل المثال لا الحصر. هل شاهد أحدنا بطة وردية تخلق كون آخر مُسبقاً؟ هل وجود البطات الوردية العملاقة أمر متعارف عليه؟ على فرض وجودها هي فما حاجتها للكون كي تخلقه؟ هل هي بطة لوحدها ام لديها بطات أخريات أكبر او أصغر منها؟ لماذا لا تُطير فوق رؤسنا لنراها و نؤمن بقدرتها بكل بساطة؟ و غيرها الكثير من الاسئلة التي من حق كل أنسان طرحها في وجه مثل هكذا فرضية. ماذا لو أن تلك البطة العجيبة شائت خلق الكون فعلاً و لكن لحكمة ما لا يعرفها احد الا هي فأنها مختفية عن الابصار؟ بالطبع فأن هذا لا يجيب عن اي سوآل من الاسئلة الاخرى التي طرحناها بل يفتح الباب واسعاً للمزيد من الاسئلة التي تثيرها مثل هذه الفرضيات. بمعنى آخر فأننا فسرنا الوجود بسوآل أكبر منه. و الاجابة بسوآل هي في أغلب الاحوال هروب من الجواب وليس جواباً.

أترك الان الباب واسعاً أمامك لتجربة الفرضيات الاخرى التي تفسر الوجود وفق نفس المبدأ, أو حتى فرضياتك الخاصة بك التي ربما تعثر عليها و تعتقد أنها تحمل قيمة تفسيرية للوجود بما فيه. و قبل أن تُحدد أختيارك للجواب الذي تعتقد بأنهُ نهائي أطرح على نفسك هذا السوآل, هل أختيارك للاجابة كان نابعاً من ميول معينة لتلك الاجابة بذاتها أم لرغبة جادة للوصول الى الحقيقة. تذكر بأننا حتى الآن نبحث في أحتمالية وجود الله بناء على فرضية الخلق الذي يحتاج لخالق. حاولنا هنا فقط تحديد أكثر الاحتمالات عقلانية لتفسير الوجود الذي يعتبر الدليل الاكبر على وجود الله لدى الغالبية العظمى من المؤمنين بوجوده. لأنه لو كان أحتمال وجود الله كبيراً (كما يفترض البعض) فهذا لا يعني بالضرورة أنه موجود كذلك فأن غياب أحتمالية وجود الله لا يعني بشكل من الاشكال بانه غير موجود.

أخيراً و بغض النظر عن مدى ضعف او قوة أحتمالية وجود الله الموضوعية مقارنة بالاحتمالات الاخرى المطروحة في تفسير الوجود فأنني سأنطلق في الجزء القادم من أن أحتمالية وجود الله هي الاكبر و الاكثر منطقية في تفسير الوجود. و سنخضعها للمنهج ألافتراضي الأستنتاجي لتجربة صمودها كفرضية في وجه تجارب مصممة لها لأختبار مدى مصداقيتها من عدمهِ. أذا كان الله موجوداً أو لا فمن الافضل التأكد من فرضية كهذه خصوصاً لأهميتها القصوى في حياة الملايين من البشر.

أراكم في الجزء القادم.



#بسام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الله موجود؟ الجزء الاول
- الالحاد تحت المجهر
- الى شقرآء تدور في فلكي
- الحجة الغائية في أثبات وجود الله
- هل الالحاد دين جديد؟
- الكتاب الذي هز عرش الرحمن بل قلبه
- التاسع من نيسان يوم تحرير ام سقوط؟
- لا يوجد شئ اسمه ثمن الحرية
- وطني كوكب الارض, وديني سعادة الانسان
- هل أنت مخلوق لا يتطور ام على قمة سلم التطور؟
- هل نستطيع أخذ نظرية الخلق على محمل الجد فعلا؟
- هل نستطيع أخذ نظرية الخلق على محمل الجد؟
- الشعرة التي ستقصم ظهر نظرية التطور
- الرجل الذي أخرج الانسان من كهوف الاديان , الجزء الثاني
- حياة الرجل الذي أعاد رسم خارطة الحياة
- دارون الرجل الذي أخرج الانسان من كهوف الاديان
- هل كان المسيح ابن الله فعلاً ام كان أبن...؟
- هل حان الوقت لمحاكمة نزار قباني؟
- انجازات عام سعيد اسمه 2008
- مؤتمر صحفي مع الله ومحمد و المسيح


المزيد.....




- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بسام البغدادي - هل الله موجود؟ الجزء الثاني