أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بروحو - سيدتي الشاعرة / قصة قصيرة














المزيد.....

سيدتي الشاعرة / قصة قصيرة


محمد بروحو

الحوار المتمدن-العدد: 2712 - 2009 / 7 / 19 - 07:54
المحور: الادب والفن
    


الطريق، نعبره مرغمين . والمسافة الفاصلة بين المدرسة والفيلاج ، تبعد بأميال كثيرة . مسافة كنّا نقدرها بخمسة فراسخ أو ما يزيد.. بعد ما نقطع نصفه . نكون قد أشرفنا على ربوع . تتسع إلى أمداد بعيدة ، نطأ ترابها ، بعد عبور النهر مباشرة ، تتناثر على شساعتها مساكن تنتشر عن اليمين وعن الشمال .
نقطع الطريق صعودا ، بين أشجار سامق علو ها ، الى عنان السماء . من الأرز والصفصاف والزيتون .
كان الطريق ممتعا . تفترش مساحة الارتفاع ، الذي كنا نصعده لاهثين ، من مجرى النهر إلى قمة الهضبة . تاركين النهر يتبع مجراه نحو الخنادق . خنادق وشمها في التواءاته ، الصبيب المندفع بقوة ، أيام الشتاء الممطرة والعاصفة.
كم كانت لحظة جميلة ، أحببتها كثيراً ، أن أظل أطل على النهر ، وأنا أصعد الربوة لاهثا ، بين الفينة والأخرى. أتملى بجداول الماء التي تنساب صافية ، محاذية ، لجنبات الربوع الممتدة على طوله الملتوي ..
وذات صباح ، من أيام الخريف الرطبة ، وأنا أطوي كعادتي ، طريق الهضبة . تناهى إلى سمعي فجأة ، جدال . على شكل ذبذبات موسيقية . كانت سنفونية لأصوات نسائية . صوت امرأة ، تتقاذفه الرياح ، من وراء الربوة، التي كنت أكاد أن أطل من علوها ، على وجه الطريق .
لم أتبين مصدر الأصوات أول الأمر، لكن بتتابع الخطوات ، بدأت ألتحم أكثر في هيجانها . وشيئا فشيئا.. بدت لي على مسافة غير بعيدة ، امرأتان منتصبتان ، اتخذت كل منهما مقاما لها ، على ربوتين متقابلتين ، تطلان على الطريق مباشرة . ذاك الطريق الذي كنت أسلكه مرة كل أسبوع.
كانت إحدى المرأتين ، قد اتخذت مكانا لها ، فوق الربوة ، على الجهة الشرقية من الطريق ، حيث ظلّت الأخرى تقابلها ، في الجهة الغربية منه.
لم أتوقع أبدا ، أن يكون ذاك الشجار ، شجارهما ، حامي الوطيس ، على ذاك النحو . شجار يشخص من كلماته ، ملحمة بطولية ، سلاحها الكلمات ، وخطتها نغمات ، آتية من أصوات أنثويّة نسائية . يتردد صداها في قاع النهر ، كنداء الزمان..
تحت شجرة زيتون مثمرة ، اتخذت مكانا لي ، قبعت به ، أستفيئ بظلها ولأتتبع سجال هذه الحرب الكلامية، ومراحل تطورها . عراك نسوة ، ذهبت السنون بكل أريحتهن ، وضيعت الأيام رقّتهن . سجال في حضرة الأزواج . الأول يعتل بمعول ، يشقّ به الأرض شقاً ، بضرباته القوية المتتالية . والآخر ينسج حبالا من العزف . يتناسق التواءها ومهارة خفّة حركات يديه اليسرى .. القويتين والخشينتين .
يستمعان دون أن ينطقا .. صامتان .. جامدان كصنمين . وحده صوت المرأتين ، هو مايحرك سكون النهر ، هو ما كان يجلجل في شساعة الخلاء .
إنه سجال أدبي رائق . يشدك لتصيخ السمع ، لشذراته المقفاة بلحن الحياة . أدركت ذلك وأنا أنصت إليهما . ثم وأنا أغادر المكان ، لاهيا ، ساهيا عن حاجاتي ، التي سجلتها في ذاكرتي المتعبة ..
يتردد صدى صوت المرأة الأولى شتماً وقدحا .. بقافية . تصاحبها نغمات موسيقية ، متناوبة . شنّفت سمعي وأطربت أحاسيسي ، واندهشت لها روحي أيما اندهاش ، لتظل الثانية صامتة ، تنصت في سكون . تنظر إلى الأفق البعيد بشموخ وبزهو وانتشاء .. وكأنها تقرأ طالع اليوم ، لتعد لحربها خطة الإقلاع . ولاياتي ردها إلا بعد انتهاء الأولى.. واستخلاصها مما في جعبتها ، من كلمات .. فتسجع الثانية ، بقافية تغاير قافية المرأة الأولى . وبكلمات ترقى لتتخطى معاني كلماتها . تتراقص الكلمات والنغمات ، وضفة النهر تحضننا ، ومجراه يردّدها أسراراً وبوحا ، في ثنايا أدهر الزمن.. المنتفض من حر الشمس ..
تظل المرأتان كذلك لمدة .. حتى تحس كل منهما ، أن نفسها قد ارتوت ، من عناد الأخرى ، فتخبو الأصوات ، ويخف السّجال ويجف ، وكأنه نهر تشبعت أتربته بلهب الحر ، وتتوادعان . وتقفل كل منهما باب بيتها عليها ، في وجه الأخرى . ولا يمكن أن يحدث ذلك ، إلا وغروب الشمس ، ينسج خيوط المساء ، وهو يكاد ينتهي على أفق المغيب .
ولكم أثارني هذا السّجال الغريب ، ولم أكن أتوقع ، حدوثه في يوم ما ، من أيام حياتي..
تابعت طريقي نحو الفيلاج و مضيت ، و أنا أفكر بعمق ، في أحدى المرأتين . تلك المرأة التي كانت تحتل الجهة الشرقية من الطريق ، وفي ذاك المشهد المثير . لا أنكر أنه مشهد ، طبع في نفسي إحساسا بالاعتزاز ، وحب المرأة واحترامها . مشهد لطالما استهواني كثيرا وأنا أركب صورة وجهها ، وقسماته التي طبع الزمان عليه أخاديده . فزادها وقارا ، وصلابة وعزة .. وكم أثارتني تلك الطريقة الحوارية المنمّقة . التي ظل الحوار يدور فيها بينهما ، والذي حبك ذاك السّجال ، الذي دفن في نفسي ، أريج الحياة وحب المرأة .
خمنت أنها أمسية شعرية لشاعرتين ، ترددان فيها ما جادت به قريحتهما . استحسنت تلك الطريقة .
وكنت كلما مررت قرب بيتها ، طوال مدة إقامتي هناك ، أقف للحظة ، أمام بابه المغلق استرجع فيها صدى كلماتها المتناثرة ، عبر فضاء الوادي الموحش ، كما هي بيوت القرية. وأنا أتأمل أبوابها وبيت المرأة ، وأتساءل في صمت . أهي فطرة شاعرات ، يوظفن إبداعهن وقت الغضب..؟ أم هي عفويتهن ، تحرك في نفوسهن خيوط الإبداع ، فتتفجر طاقة السّب والشّتم ، شعرا وكلمات وإبداعا . ليبدعن الأحسن والأجود.!؟
كنت أفعل ذلك كل مرّة ،كلما مررت من هناك . فأحاول أن أستقرئ جوابه ، من وجه إحدى المرأتين ، وأنا ألقاها في طريق العودة إلى القرية .
لا أنكر ، أني كلما صادفتها ، كنت ودون أن تشعر بي ، أبجّلها تبجيلا.. وأقدرها تقديرا.. وأنا القي عليها تحيّة السّلام ، في همس فأقول :
- سلام عليك سيّدتي الشاعرة..
محمد بروحو/ المغرب
-------------------------------------------------



#محمد_بروحو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيوت ورمال
- قارب العبور
- صاحب الكراسة والقلم
- اللحن الأخير
- جبير والخرفان
- نباش منتصف الليل
- متاهات في الزمن الضائع
- فضول / قصة قصيرة
- حضور بلا دعوة / قصة قصيرة
- الرجل الذي تعرى
- عروس البحر / قصة قصيرة


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بروحو - سيدتي الشاعرة / قصة قصيرة