أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أدونيس - لماذا لا مكان لبعلبك في بعلبك؟















المزيد.....

لماذا لا مكان لبعلبك في بعلبك؟


أدونيس

الحوار المتمدن-العدد: 2710 - 2009 / 7 / 17 - 09:21
المحور: الادب والفن
    


الخميس, 16 يوليو 2009

- 1-

افتتاح مهرجانات بعلبك، السبت 4 تموز حدث ثقافي لبناني يرتقي الى مستوى الرمز. وهو رمز مزدوج:

من جهة، تُستعاد الثقة عن الشكاكين والمُشككين بحيوية الشعب اللبناني (خارج الساحة السياسية) وقدرته على تجاوز الصعوبات بجميع أشكالها. تُستعاد كذلك الثقة بثقافته المركَّبة المتنوعة التي تذهب عُمقياً كما تذهب أفقياً.

من جهة ثانية، يزداد اليقين بأن انفتاح لبنان على الآخر وإبداعاته ليس من باب التفاخُر والتعاظُم، وإنما هو جزءٌ عضويٌّ من هويته الثقافية، وكأنّ الآخر المختلف المبدع وجهٌ ثان للذات المبدعة في لبنان.

وكان عملاً مُوفقاً أن يُفتتح المهرجان بِخلاّقٍ كبير هو موريس بيجار. فذلك مما يعطي لهذا الرمز فرادة وعُلوّاً. في هذا كله ما يدفعني الى أن أطرح بعض التساؤلات حول «المناخ» الثقافي الذي يُحيط ببعلبك، وحول «المكان» الذي ينهض فيه هذا المناخ.

وأفعل ذلك في ضوء علاقة خاصة مع السياسة تتطابَقُ مع ما يقوله بيير بورديو، العالم الاجتماعي الفرنسي، وهي أنني أفكّر في السياسة، لكنني لا أفكّر سياسياً. وأحرص على هذه الإشارة لمزيد من التوكيد على أنني أبحث وأرى، وأستبصر، وأعتبر، خارج كل انحياز أيديولوجي في استقلال كامل وحرية كاملة.

- 2 -

يرتبط التساؤل الأول بتلك العلاقة الملتبسة بين بعلبك بوصفها ماضياً إبداعياً فريداً، وبعلبك، بوصفها حياة يومية وثقافة سائدة.

بعلبك الأولى «أثرٌ روماني» في التداول التصنيفي التبسيطي السياحي. وهو تداول يستند الى نظرة لا ترى المُنجَز الفني إلا مرتبطاً بالسلطة القائمة في فترة إنجازه، وهي هنا سلطة الإمبراطورية الرومانية.

غير أن بعلبك، من الناحية الفنية - الهندسية لا يصح أن تُختزل في «الرومانية»، أو أن تُحدد بها حصراً. ذلك أنها لبنانية، في خصوصيتها وذاكرتها ومادتها. لبنانية حتى ولو كان مهندسوها من روما نفسها (وليس هناك دليلٌ قاطع).

إنها تنهض على أرض لبنانية، وتتنفس «طبيعة» لبنان، وتتميز عن سواها من الآثار التي توصف بأنها «رومانية» تلك المبعثرة في أصقاع الإمبراطورية الرومانية آنذاك. والصفة «رومانية» تشير هنا، إذاً، الى «الثوب» الذي يلبسه الجِسْمُ وليس الى الجسم في ذاته. وبعلبك تندرج، والحالة هذه، في إطار المنجزات الفنية التي أَبدعَها لبنان الكنعاني الهلينستي الفينيقي العربي.

في كل حال، هذه نقطةٌ قد تكون موضع نقاش بالنسبة الى باحثين كثيرين. وما أقوله، تبعاً لذلك، مجرّد وجهة نظر لا أزعم أنها تحمل اليقين النهائي.

- 3 -

مع ذلك، تبدو بعلبك اثنتين، في انشطارٍ شبه كامل.

كأن بعلبك الحياة اليومية والثقافة السائدة، لا علاقة لها ببعلبك الإبداع المعماري - الفني الفريد. أو كأن بعلبك هذه لا مكان لها في بعلبك: لا مكان لها في مكانها نفسه. كأنها «غريبة» أو «غير موجودة» في المكان الذي لا مكان لها غيره. وهذا هو مدار التساؤل الثاني. فما سببُ هذا «الانشطار»؟

ربما سارع بعضهم وقال: سببُ ذلك «ديني». على هؤلاء أطرح سؤالاً: لماذا، إذاً، «تتنفس» كثيرٌ من الصروح المعمارية الإسلامية العربية هواء الفن المعماري الذي يتجسَّد في بعلبك، سواء بالجامع الأموي في دمشق، أو الجامع العُمري في بيروت، أو في جامع قرطبة الأندلسي، تمثيلاً لا حصراً؟

ولئن قال بعضٌ آخر إن السبب في ذلك عائدٌ الى أن المسلمين العرب أكثر ميلاً الى حضارة اللغة منهم الى حضارة المادة، فمن الممكن أن يطرح عليهم هذا السؤال: لماذا، إذاً، ترك المسلمون العرب آثاراً «مادية» لا تقلّ بهاء وأهمية عن آثارهم «اللغوية»؟ وقد أفادوا في بنائها من فنون الشعوب الأخرى التي سبقتهم أو عاصرتهم. ومن الممكن أن يُضاف الى ذلك أنهم كانوا يدركون أن اللغة مادة من نوع آخر، وأنها «صناعةٌ»، وأنه لا معنى للغة لا تنقلُ معنى. فالإبداع باللغة عند المسلمين العرب هو كذلك إبداعٌ «مادي»: معمارٌ آخر، وصناعةٌ أخرى، وتصويرٌ آخر.

وليس هناك لحنٌ دون وتَر.

وليس هناك وتَرٌ دونَ آلة.

ولعل بعضهم لا يرى تفسيراً لذلك الانشطار إلا في «خَللٍ» قائم عند الناس، في حياتهم اليومية، أو في ثقافتهم السائدة، أو في أفكارهم المنقولة اتباعاً وتقليداً. ومثل هذا «الخلل» يمكن التغلّب عليه وتجاوزه، لأنه ليس من «الطبيعة»، وإنما هو «نازلٌ» أو «وافدٌ» بعوامل متنوعة. فإذا زالت هذه العوامل، زال «الخلل»، وعادت الوحدة الطبيعية في حياة الإنسان بين الفن والعمل والحياة.

- 4 -

الوحدة بين الفن والعمل والحياة إنما هي الخاصية الرئيسة في الفن الإسلامي العربي، بعامة، وفي الفن الإسلامي، بخاصة (أصفهان، على سبيل المثال، مَدينةٌ - فَنّ الى درجة تُتيح أن تُوصَف كذلك بأنها فنٌ - مدينة).

كان العربي المسلم يصنع، مثلاً، طاولة أو خزانة، للاستخدام اليومي، وتكونان في الوقت نفسه، آيتيْنِ في فن الصنع. وهذا ينطبق على باب البيت الذي يسكنه، وعلى نوافذه، وعلى الآنية فيه، وعلى مختلف أدواته. فلقد أزال الفنان - الصانع المسلم العربي، بمهارته وحساسيته، الهوة بين الأداة والفن. كانت منجزاته الفنية أدوات لتجميل الحياة، وكانت في الوقت نفسه إبداعات تُفصح عن عبقريته في تكوين الجمال وفي إعطائه أبعاداً مادية وإنسانية تفتح آفاق الحساسية والفكر والمخيلة، وتضفي البهاء على الحياة، فيما تولّد اللذة والمتعة.

- 5 -

«الخَلل»!

كيف يمكن الاستمرار في تقبّل هذا «الخلل» في مدينة قد لا تتفوّق على بهائها الهندسي الإبداعي أية مدينة في العالم؟

منذ حوالى نصف قرن أتردد على مدينة بعلبك - الحياة اليومية، عابراً الى بعلبك - الحياة الحضارية. وبدلاً من أن أرى، كما كنت أفترض، تغيراً في اتجاه الأفضل أو الأقل سوءاً، في الطريق الى المعابد والهياكل والأروقة والأعمدة وما تبقى، أو في الإقامة، أو حتى في النظافة التي هيت «من الإيمان»، كان افتراضي هذا يخيبُ كلياً، ويتشرّد بين أكداس النفايات، في الزوايا وتحت السيارات في كل مكان. ولا تَسَلْ عن المُلصقات الي تملأ مداخل المدينة ومخارجها، ولا تَسل عن الشوارع والأزقة. ولا تَسَل عن «المطاعم» و «المقاهي».

لو كنتُ قادراً أن أصل الى السيد النبيل القادر، حسن نصر الله، لتجرأت أن أقول له أشياء كثيرة لا مكان هنا للجهر بها، ولكنت بدأتها قائلاً: إن غياب «صورك عن شوارع بعلبك هو أجمل ظهور لك، وأبهى حضور في القلوب والعقول.

- 6 -

«الخلل»!

لكن، ما اسم تلك الشرارة التي تخرج الآن من غيمة فوق بعلبك؟ وما بَرقُها، وإلى ماذا تَنتَسب؟ أسأل لأنها تفتح مخيلتي على ذكرى ذلك المساء عندما غسلتُ جسم النهار بضوء هلال في يومه الأول.



#أدونيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تيمور ومهيار
- خواطر حول «الحالة الدينية - السياسية» في ايران
- مزامير الإله الضائع
- لو أن البحر يشيخ
- براغ : كيمياء تحوّل الغيمة امرأةً
- لم يعد يعرف الليل ُ كيف يحيّى قناديلنا ( مقتطفات 2)
- لم يعدْ يعرفُ الليلُ كيف يُحيِّي قناديلَنا (مقتطفات)
- زيارة الى غرناطة تحية الى كمال بلاّطة
- جَذْرُ السَّوْسَن
- من يوميات المتنبي
- صورٌ وصفيَّة لحالاتٍ أمْلَتْها نبوءاتُ الأعمى
- الصقر( مقاطع )
- أفصحي، أنت أيتها الجمجمة !
- الغائب قبل الوقت
- أغاني مهيار الدمشقي (مختارات)
- حجاب الحاضر، حجابٌ على المستقبل
- لماذا أثارت زيارتي إلى إقليم كردستان العراق (14 - 24 نيسان - ...
- عشرون قصيدة ليانيس ريتسوس
- سبع قصائد ليانيس ريتسوس
- انظرْ الى سيف الطّاغية كيف يُشحذُ وإلى الأعناق كيف تُهيّأُ ل ...


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أدونيس - لماذا لا مكان لبعلبك في بعلبك؟