أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد جميل - التحالف السياسي الديني في طريقه الى الزوال















المزيد.....

التحالف السياسي الديني في طريقه الى الزوال


سعد جميل

الحوار المتمدن-العدد: 2709 - 2009 / 7 / 16 - 09:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منذ ان ظهر الانسان العاقل على وجه الارض بدأت تظهر له قابليات عقلية متطورة أهلتهُ لأن يفكر بالظواهر الطبيعية التي تحدث من حوله والتي تخيفه وترعبه, وبدأ يتسائل عن ماهية هذه الظواهر واسباب حدوثها وهل يمكن له تجنب مخاطرها.
لم يستطع ذلك الانسان بتفكيره البسيط وبعدم وجود اساليب تساعده على معرفة هذه الظواهر ان يقترب من الحقيقة ولو بشيء بسيط. بل ذهب بتفكيره وقناعته الى حتمية وجود قِوى غير مرئية خفية تمتاز بالقوة والعظمة هي التي تتحكم بهذ الظواهر, وبدأ يتعبد لهذه القِوى طالبا منها عدم إيذائه.

كان الانسان القديم يعيش في مجاميع صغيرة متنقلة بعيدة عن بعضها البعض بسبب عدم توفر المصدر الغذائي الكافي والذي كان يعتمد بالدرجة الاساس على الصيد. وكانت طقوسهم التعبدية بسيطة جدا كبساطة اسلوب عيشهم.
بعد اكتشاف الانسان للزراعة ازدادت المجاميع البشرية عددا بسبب الوفرة الغذائية النسبية مقارنة بفترة ما قبل الزراعة. استطاعت تلك المجاميع بعد ازدياد اعدادها ان تستنبط من البيئات التي عاشوا فيها تقاليد واعراف وطقوس تسيّر حياتهم وتنظم علاقاتهم الاجتماعية. وكان لكل مجموعة مكان خاص للعبادة, يلتقون هناك في اوقات معينة يطلبون الرحمة والغفران من تلك الالهة الخفية ويتبادلون الحديث حول امورهم الاجتماعية والاقتصادية.

مع تزايد اعداد المجاميع والقرى ظهرت اسواق تجارية يتبادل فيها الناس محاصيلهم. وظهرت في تلك الاسواق حرف جديدة كصناعة ادوات الزراعة ومتطلبات النقل والبيع والشراء. فكبرت تلك الاسواق واصبحت مدن صغيرة واصبح سكانها ينحدرون من مناطق مختلفة. عندها لم تعد الاعراف والتقاليد المناطقية هي التي تسيّر وتنظم حياة الانسان في تلك الاسواق التجارية الصناعية.

الناس في هذا المفترق التاريخي كانوا بحاجة الى مرجعيتين, مرجعية دينية تغذي تأملاتهم الروحانية وترشدهم الى طرق العبادة والتقرب من السماء وتشرع علاقاتهم الاجتماعية. ومرجعية اخرى قوية تحمي مجتمعاتهم ومصالحهم من الغزاة الطامعين بارضهم. وعلى هذا الاساس تشكلت هذه المرجعيتين اللتان تقاسمتا السلطة والتأثير على الشعب.

رجال المرجعية الدينية استطاعوا بفضل القرابين والتبرعات والهدايا التي كان يقدمها الناس من اموالهم وحلالهم ومحاصيلهم ان يبنوا لهم قدسية وتأثير ونفوذ في المجتمع. هذه القدسية تمثلت في ان الهة السماء لا تستمع إلا لدعواهم هذا من ناحية, ومن ناحية اخرى فهم يدعون فقط لهؤلاء الذين يقدمون القرابين اما الفقير الذي لا ناقة له ولا جمل فان غضب السماء سينزل عليه إن لم يدفع فيسارع بالدفع.

اما السلطة الحاكمة فكانت دائما بيد الاقوياء او الفتوات او رؤساء العصابات في بعض الاحيان, وكانوا يفرضون الخاوات او الضرائب على الناس بدعوى حمايتهم ومن لم يدفع يكون عرضى للقتل. وكان الحاكم القوي هو الذي يستطيع ان يضم اكبر عدد من المناطق المحيطة بدولته وجعلها تحت لوائه من اجل زيادة واردات الخاوات الى خزينته.

اذا كان هنالك سلطتين يتصارعان من اجل بسط السيطرة والنفوذ والاستيلاء على مقدرات الشعب. ولان المركب لا يقوده الا قبطان واحد وبفضل التجارب والعبر المستخلصة عبر الزمان نجحت هذه السلطتين من التحالف وتوحيد الجهود من اجل مزيد من المنفعة الشخصية.
كيف اذا تحالف الحاكم مع رجل الدين?

كانت عملية جمع الخاوات من قبل ازلام الحاكم عملية ليست بالسهلة. فمن جهة كان الفقر هو السائد في المجتمعات القديمة ولم يكن لاغلبية الناس امكانية دفع الخاوات التي كان يفرضها الحاكم عليهم علاوة على ما كان يدفعونه لرجل الدين. ومن جهة اخرى كان الحاكم يصرف تلك الاموال دون رقيب في بناء قصوره وتسليح رجاله, وكانت سيوفهم مشرعة بوجه الذين لا امكانية لهم على دفع الخاوات او بوجه الذين يعبرون عن امتعاضهم من تصرفات الحاكم.
الحاكم يريد ان تتدفق الاموال الى خزينته بشكل مستمر دون مشاكل او عصيان من الشعب وإلا ضعفت قوته ونفوذه على المناطق الواقعة تحت لوائه. ولم يجد الحاكم من مخرج لهذه الازمة الا بالتحالف مع منافسه اللدود المرجعية الدينية ذات التأثير القوي في قلوب الناس.
استطاع الحاكم ان يقنع رجال الدين بضرورة تغيير خطابهم الموجه للشعب بحيث يتم اقناع الشعب بأن السماء هي من اختارت هذا الحاكم والقائد المؤمن وإن العصيان عليه هو عصيان على السماء.

لكن كيف استطاع الحاكم ان يقنع رجال الدين بهذا الامر وما هو الثمن الذي قبضوه, وخاصة ان رجال الدين يعرفون حق المعرفة انهم مسيطرين على عقول ومشاعر الناس والفضل يعود الى القدسية التي نجحوا ان يصنعوها لأنفسهم. فلماذا اذا وافقوا على ادخال شريك جديد معهم وهو الحاكم واعطاءه هالة من القدسية.

الجواب واضح وهو المنفعة والمصلحة, ولا اقصد بها منفعة ومصلحة الشعب التي لا يهتم بها احد, فالشعب كان وما يزال المطية التي يركبها اصحاب السلطة والنفوذ والتأثير للوصول الى مأربهم. انما المقصود هنا منفعة ومصلحة رجال الدين. رجال الدين هؤلاء يعرفون انهم لا يملكون من القوة التي يحافظون بها على آلهتهم ومعتقداتهم ومناصبهم في حال ان فكرت دولة اخرى غزو دولتهم. فالتاريخ يخبرنا ان اول ما يقوم به الغزاة عند دخولهم مناطق جديدة هو تهديم المعابد وتحطيم الالهة وامام انظار الناس من اجل ان يثبتوا للناس بأن لا قوة ومنفعة لهذه الالهة بدليل انها لم تفعل لهم شيء وبذلك يحطمون قدسية تلك الالهة في نفوس المؤمنين.
ولكي لا يصل الحال الى هذه الدرجة وحتى لا يفقد رجال الدين مناصبهم وكراسيهم كان لزاما عليهم ان يعملوا بكل جهد على تثبيت وتقوية حاكم دولتهم.

اذا اصبحت الشراكة بين الحاكم ورجل الدين هي مسألة حياة او موت. فلا الحاكم يستطيع ان يضمن استمرارية تدفق اموال الضرائب او الخاوات الى جيبه وعدم عصيان الشعب عليه لولا مباركة رجل الدين. ولا رجل الدين يستطيع ان يضمن ديمومة عقيدته وبقائه في منصبه دون وجود حاكم قوي. وفي كثير من الاحيان سيطر رجل الدين على الحكم ايضا واصبح رجل دين ودولة من اجل ان يحكم الناس على “السراط المستقيم” بعد ان ضمن في جيبه اموال الخاوات والقرابين. اما الشعب فهو كما ذكرنا خارج المعادلة بل كان كالفريسة التي ينهش بها كل من تسلط عليه.

ان قانون البقاء للاصلح او للافضل او للاقوى ينطبق على نجاح هذه الشراكة. ولكن الشعب الذي يطمح الى حياة افضل والى أُناس ترعى مصالحه لا مصالحها هي, الا يوجد قانون ينطبق عليه? للاسف لا, لان التطلعات وحدها لا تكفي للتغيير نحو حياة افضل وهي بحاجة الى عزيمة واصرار على معرفة مكامن الضعف في هذا الشعب المُستعبد ومكامن القوة في الطرف الاخر المتسلط.

اننا لو تأملنا قليلا في سر نجاح هذه الشراكة عبر التارخ ولالاف السنين سنجده بسيطا جدا, ومفتاحه يكمن في تخدير الشعوب في الايمان في الغيبيات والماورائيات. فلو دخل الشك في عقول الناس وتزعزع الايمان بهذه الغيبيات تكون الخطوة الاولى نحو حياة افضل قد بدأت, وتتبعها بعد ذلك كتحصيل حاصل وبدون اي جهد شعبي الخطوة الثانية وهي انهيار هذه الشراكة المقيتة المتسلطة على رقاب الناس بين الحاكم ورجل الدين.

إن انهيار التحالف الديني العسكري بين الكنيسة الكاثوليكية والحكام الاوربيين لم يأتي من فراغ, بل جاء بعدما ضاق الشعب ذرعا من قوانين الكنيسة ورجال الدين, فكفر بهم وبكل المسلمات التي قيّدوهم بها, وكانت بذلك الخطوة الاولى التي ما لبثت ان انطلقت شرارتها حتى بدأت تلك التحالفات تتهاوى من دولة الى اخرى كقطع الدومينو.
وماذا كانت النتيجة بعد انهيار ذلك التحالف الخرافي في اوروبا, اصبحت شعوب محررة هي من تشرع القوانين وليس السماء او من ينوب عنها. والحاكم اصبح منتخبا ولا يستطيع ان يتصرف باموال الشعب كيفما شاء وإلا طُرّ من منصبه.

والسؤال المُلح هنا هو هل يمكن ان يحدث هذا في بلادنا? نعم وبكل تأكيد وفي المستقبل القريب وبوادره بدت واضحة في الكثير من هذه البلدان, وما تعصب وتصلب رجال الدين إلا استماتة اخيرة منهم للحفاظ على كراسيهم. العالم اصبح قرية صغيرة ولا احد يقبل بالظلم والجور الواقع عليه وهو يرى اخيه الانسان الذي يعيش في الطرف الاخر من هذه القرية ينعم بالحرية والرفاهية والعيش الرغيد.





#سعد_جميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجمة الشرسة على الدكتور القمني
- يجب ان تُعطى المرأة الحرية الكاملة من اجل مجتمع افضل
- نبذة عن تاريخ تطور الانسان
- آيات “فضائية” من القرآن
- قراءة في سفر التكوين
- الطبيعة هي التي خلقت الانسان
- لماذا لا يبعث الله نبيا كل خمسين عام
- لماذا خلق الانسان الله 2/2
- لماذا خلق الانسان الله 1


المزيد.....




- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...
- ماذا تعرف عن كتيبة -نتسيح يهودا- الموعودة بالعقوبات الأميركي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد جميل - التحالف السياسي الديني في طريقه الى الزوال