أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - ع. الحق الزروال - الماركسيون المغاربة ومعركة الانتخابات..















المزيد.....


الماركسيون المغاربة ومعركة الانتخابات..


ع. الحق الزروال

الحوار المتمدن-العدد: 2708 - 2009 / 7 / 15 - 08:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ما زال الستار لم يسدل عن معركة الانتخابات، وما زالت جذبته سارية وجارية من أجل استكمال مسرحيته الديمقراطية على النموذج المغربي، إذ ومع إعلان النتائج وما رافقها من تأويل إيجابي وسلبي وما بين البينين.. انتقل الصراع لمستوى آخر، ليتجند السماسرة بأموالهم القذرة وخدٌامهم من مهندسي السياسات الانتخابية، للتخطيط للانقلابات والتهديد بالملفات الوسخة.. بهدف وضع اليد على المؤسسات، الشيء الذي سهٌلته بعض التحالفات السياسية الغريبة التي لا تمت بصلة للادعاءات التي تم تصريفها بشكل ديماغوجي إبٌان الحملة، عبر قنوات الإذاعة والتلفزة وعلى صفحات الجرائد..الخ
بحيث لم تعد هناك حدود بين اليمين واليسار ـ الانتخابي طبعا ـ ولا بين اللبرالي والاشتراكي، واندمج التقدميون بالإسلاميين الرجعيين والمحافظين، وانعقدت التحالفات والتواطئات بين الأحزاب "الوطنية العريقة" والأحزاب "الإدارية المفبركة"..الخ
فبين ليلة وضحاها تم التنازل عن مفاهيم والتزامات "الكتلة الديمقراطية" و"الأغلبية الحكومية".. ليحل محلها شعار "محاربة الفساد والمفسدين" و"الدفاع عن اختيارات الشعب والناخبين" و"تدعيم الكفاءات والأعيان خدمة لمصلحة المدينة والمواطنين"..الخ بغية خلط الأوراق وتبرير تصالح الأعداء وتواطئ الفرقاء، وبشكل خاص بعد دخول حزب الأصالة والمعاصرة" ـ الحزب اللبرالي الجديد ـ على الخط وبروزه كفائز أول، وحزب "العدالة والتنمية" ـ حزب إسلامي محافظ ـ كمستقدم أول على مستوى المدن.

بعض المعطيات الولية عن مجريات الحملة
ويمكن تسجيل بعض المعطيات الأولية عن المعركة الانتخابية، والتي يمكن اعتبارها رؤوس أقلام، أو مدخلا لتقييم شامل وجب علينا كماركسيين القيام به على خلفية ما اتخذناه من موقف وممارسة سياسية، إبان الحملة وقبلها، يعني مقاطعة الانتخابات بالشكل الإيجابي الذي استلزم منا توزيع المناشير الداعية للمقاطعة وإجراء التواصل المباشر مع الجماهير في الأحياء الصناعية والشعبية المهمشة وبإقامة الوقفات والتظاهرات لحث الكادحين على مقاطعة الانتخابات وتعبئتها من أجل السير في خط الاحتجاج والكفاح، وتنظيم النضالات وتقويتها بدلا عن هذه اللعبة المغشوشة والقذرة.
فلن نضيف شيئا إذا اعتبرنا أن الحملة، واللعبة في مجملها فاسدة من أصلها، طالما ظلت مبتعدة عن السياسة ومتجنبة الصراع السياسي الحقيقي الذي كان من المفترض أن ينطلق من التساؤل عن جدوى العملية الانتخابية، وعن أهمية ودور المؤسسات في حل مشاكل الموطنين وتنمية إمكانيات مدنهم وقراهم.. وكذلك الشأن عن دور البلديات وقدراتها على تجسيد "الديمقراطية المباشرة وديمقراطية القرب" المدٌعاة..الخ
غابت السياسة وأفلت المشاريع المجتمعية الشمولية، والتصورات البديلة، والبرامج الواقعية والعملية.. وحلت محلها الوعود الزائفة عن التشغيل وإصلاح البنيات ورفع التهميش.. وساد الإدعاء بالطهرانية ومحاربة الفساد والمفسدين.. وتنافس الجميع لإثبات الولاء لسلطة الدولة ولتوضيح مدى قربهم من شخص الملك وصداقته، والحال أن جميع المرشحين، بدون استثناء، خدم ورعايا للملك، ليس إلاٌ!
فلا يمكن لأي مواطن مغربي عاش عن قرب ظروف الحملة الانتخابية الأخيرة، بألاٌ تلفت أنضاره الأموال الطائلة التي صرفت على الحملة، سواء في إطار الدعاية أو في إطار شراء أصوات الناخبين والمنتخبين، لا يمكنه بألاٌ يلاحظ أن كلام جميع المرشحين من الأحزاب المتنافسة، ينصب على اتهام بعضهم البعض بالسرقة، وسوء التدبير، والتبذير، والزبونية العائلية والقبلية والحزبية، واستغلال النفوذ..الخ لا يمكن للمواطنين كذلك بألاٌ يستنتجوا بأن الأحزاب الانتخابية جميعها، عجزت عن تقديم أي تصور سياسي أو تدبيري لعمل "الجماعات"، واكتفت بنشر الثقافة الغوغائية، والسب والشتم، ونشر "غسيل" الأحزاب الوسخ بما فيه غسيل "الملابس الداخلية" حتى، لبعض المرشحين..الخ
لم ترق الحملة الانتخابية، وعبر مختلف أطوارها، لمعركة سياسية في المستوى المطلوب والمفترض حسب المنظور البرجوازي وادعاءاته حول الديمقراطية، وسقطت كل المبررات التقليدية لليسار، عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الانتخابات في تنمية الوعي في أوساط العمال والكادحين، وبدت العملية وكأنها لعبة مفهومة يعرف الجميع، وبالتراضي، شروطها وقوانينها الخفية والبادية.. شروط توافق وتواطئ حولها الجميع، من مرشحين وناخبين وأجهزة السلطة التي ادعت وما زالت تدٌعي الحياد وتلبس لبوس الحكم خلال أطوار اللعبة من بدايتها لنهايتها!
فالجميع قبل، توافقا أو تواطئا، بأن تأخذ اللعبة وجهها الصحيح، وبأن تزيل الأطراف أقنعتها، وبأن تعترف بألاٌ سلطة داخل الانتخابات، لغير سلطة المال كان قذرا أو نظيفا..
لقد سئم الكادحون والبؤساء والمهمشون، لغة الوعود بإصلاح الأوضاع المزرية، وأحوال الأحياء الشعبية والمهمشة، وبضمان مستقبل الأبناء الدراسي، وتحسين الأحوال الصحية والأمنية للمواطنين، وصيانة الحق في السكن اللائق، وتحقيق حلم الأبناء بالظفر بمنصب شغل..الخ لقد أصبحوا يطالبون صراحة وبدون لف ولا دوران بـ"حقهم" فورا ونقدا و"بعدها ليحل الطوفان"..! وفق منطق "قبضت الأحزاب، وقبض المرشحون، فلما لا يقبض الناخبون؟!"
فأمام انفتاح السوق الانتخابية ودخولها المرحلة العلنية، بعد أن اتخذت الدْلالة كشكل حاسم بين "البايع والشاري".. ما كان من المشاركين والمشتركين إلاٌ أن استمعوا للعروض المقدمة، ليبسطوا بعدها شروطهم وسومتهم، هم كذلك، في أثمنة التزكية، ورأس اللائحة، وثاني اللائحة، وذيل اللائحة، ووضع الاسم في القائمة، وثمن البطاقة الانتخابية، والصوت يوم الاقتراع، وثمن المشاركة في الدعاية، وفي المداومة، وفي تأديب المنافسين.. دون أن ننسى أثمنة غض الطرف عن الخروقات من لدن الجهات التي تدعي الحياد وتشرف على عملية الانتخابات..الخ
من مظاهر الضعف السياسي الذي لازم وهيمن على الحملة الانتخابية كذلك هو المستوى الهزيل الذي ظهرت به الغالبية مما أصبحت تسميهم الصحافة بالكائنات الانتخابية، من منشطي الحملة وبعض المرشحين حتى، الذين تقتصر معرفتهم بالانتخابات وعلى الرمز الانتخابي وفقط، دون أن تكون لهم معرفة تلقائية باسم الحزب ومكان مقره، وباسم الزعيم المحلي أو الوطني، البرنامج الانتخابي وموقعه في الصراع السياسي، دور المؤسسات المنتخبة..الخ

مقاطعة الانتخابات موقف سياسي شعبي وعريق
لسنا ملزمين من داخل هذا المقال، بالرجوع للتاريخ لكي نذكر بالفترات والتجارب التاريخية التي سبق وأن قاطعت الجماهير الشعبية خلالها المؤسسات بالرغم من الظروف القمعية الأكثر همجية التي سادت حينها، أي خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.. لكن التزامنا بمعطيات ووقائع اليوم، يجبرنا من حيث المتابعة والتحليل والاستنتاج، الوقوف عند بعض الوقائع ذات الدلالات الواضحة والتي يمكن اعتبارها من بين المؤشرات المهمة عن مستوى الوعي في أوساط الجماهير الكادحة.
فمن الوقائع التي لا يمكن اعتبارها مفاجأة، الامتناع الجماعي لسكان العديد من الأحياء والدواوير الغفيرة المهمشة، لدخول اللعبة الانتخابية، ولجوؤهم لمقايضة الدولة بتحقيق بعض المطالب البسيطة، كالطريق والمدرسة والمستوصف والكهرباء والماء الصالح للشرب.. أو مقاطعة الانتخابات. معبٌرة بذلك، وبصدق، على أن الدولة هي الطرف المعني الأول والأخير بنجاح الانتخابات وليس المواطنين.. بعد أن غدت الانتخابات المحلية أو التشريعية، سيان، وسيلة واضحة وفجة للبهرجة ولإقناع واستمالة الرأسمال العالمي الإمبريالي للاستثمار في المغرب، من جهة.. ومن جهة أخرى، لفك الخناق عن المشاريع الاقتصادية السياحية والعقارية والصناعية المأزومة والمرهونة باستقرار سياسي واجتماعي مفترض ويفترض فيه كذلك أن يلقى الدعم من طرف نوع من أنواع الديمقراطيات الغربية بالشكل "المتعارف عليه عالميا ودوليا"، ولو من باب الإدعاء والزعم.
لم تعد الدولة، المدعمة والمحصنة بأجهزتها القمعية المتنوعة، وبروادها وزبانيتها من الرموز الجلادين الدمويين، وبمفكريها وخطبائها من المرتزقة السياسيين.. تخاف على سمعتها وبكارة ديمقراطيتها "الطاهرة".. لم تعد تخاف التشويه والتشهير الذي قد يلحقها داخل المحافل الدولية المشتغلة على ملفات حقوق الإنسان.. فلديها الآن طابورا، في حالة تضخم قصوى، من الأبواق "الحقوقية" المتفانية من أجل سمعة المغرب ونظام وحكم المغرب، أبواق لا تتوانى عن التطبيل لسمفونية "الانتقال الديمقراطي" و"طي صفحة الماضي"، من قبيل "أمينة بوعياش" ـ رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ـ و"أحمد حرزني" ـ رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ـ وآخرون من "المراقبين" المحليين والدوليين، المأجورين.. من الذين أجمعوا على أن "الانتخابات مرت في أجواء عادية، وفي مجملها حرة ونزيهة، باستثناء بعض حالات التوتر المحدودة.." وهو ادعاء وافتراء سيكرس، لا محالة، وضع المعنيين في الخندق المعادي للديمقراطية ولـ"حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ودوليا".
إذ لا يمكن لعاقل أن يتكلم عن انتخابات حرة ونزيهة، والحال أنها من ألفها إلى يائها مبنية على الغش والتدليس والتوطئ مع أعداء الديمقراطية، وعلى شراء الذمم في سوق الدلالة والنخاسة..الخ
فمن التسجيل والتقطيع الدوائري، مرورا بسلطة وزارة القمع، الداخلية، التي تلعب دور المعبئ والمحفز والمنشط والملمع والرادع والحكم.. في نفس الوقت، وصولا إلى عصب القضية المدمٌر لأي ادعاء عن الديمقراطية والحرية والنزاهة، ألا وهو المال، الذي هو بمثابة السلطة الحقيقية التي لا قوة فوق جبروتها وقراراتها، فإلى جانب سلط الجاه والأعيان والقرب من القصر والدولة.. هناك سلطة المال الحاسمة التي تصنع الكل والجميع، في آخر النتائج والمطاف.
فكما العامل الكادح، حر في أن يبيع قوته للرأسمالي أو يموت جوعا، كذلك اضطرت الغالبية من 20% التي شاركت في الانتخابات للاختيار بـ"حرية" بين أن تبيع أصواتها وتسخر أبناءها لخدمة من يدفع أكثر، من المرشحين.. أو تتسكع على جنبات الطريق في مواقف طلب الشغل وأمام بوابات الشركات والمعامل والمصانع.. بحثا عن المصروف اليومي الذي قد يقيها ويقي أبناءها من الجوع والحاجة، ولو لبضع أيام معدودة..
فبواسطة المال، تم شراء التسجيل والتزكية والدعاية والمشاركة وبعض أنواع المقاطعة، والتصويت، والصمت والتواطئ..الخ خلال العملية الانتخابية ككل، وهي حقيقة لا ينكرها سوى الدجالون والمرتزقة والمستأجرون، والحال أنها أصبحت حقيقة عامة ملازمة لجميع التجارب الانتخابية، وإن اختلفت الأساليب والأشكال، في العالم كله. قد يتخذ المال واستعماله في العمليات الانتخابية، داخل البلدان المتخلفة أشكالا فجة ومفضوحة، لكنه يبقى كمعطى أساسي ورئيسي، حاضر وبقوة في جميع مراحل العملية الانتخابية في أي بلد من بلدان "الديمقراطية العريقة".. الشيء الذي لن ينكره سوى الجهلة والمشعوذون ومحترفو السياسة الذرائعية، الانتهازيون الذين تنكروا لتاريخهم، ولتاريخ نضال وكفاح شعبهم من أجل ديمقراطية حقيقية تقيهم السؤال والشحاتة على أبواب الدكاكين الانتخابية والحزبية، المقيتة.
بهذا لا يمكن الكلام عن النزاهة وحرية الاختيار في وضع مختل تضبطه سلطة المال والجاه والقرب من الأجهزة التي تخوٌف وترعب المواطنين في يقظتهم وغفوتهم، سواء بسواء..
فأين النزاهة، إذن، حين يتنافس المرشحون عبر الصراخ والزعيق حول برنامج واحد ووحيد لن يحققه أحد من الأحزاب الثلاثين؟
أين هي الحرية في الاختيار، حيث تستدرج الكتلة الناخبة ـ 20% أو أقل في المدن العمالية الكبيرة ـ عبر شراء الأصوات مباشرة أو عبر تقديم الوعود بالتشغيل، وبالتهجير، وبالخدمة الإدارية أو بتقديم بعض الامتيازات ـ عبارة عن أكشاك وعربات للباعة المتجولين، في الغالب ـ.. أو عبر القمع والترهيب، وهو ما يحدث عامة في المناطق النائية والقروية حيث تجر الجماهير المعدمة جرٌ النعاج لتحشر داخل العربات والسيارات والشاحنات والحافلات.. في اتجاه مكاتب التصويت لتأدية " الواجب الوطني"..!؟
فهل يمكن حسب "النزاهة والحرية" التي يتكلم عنها "الحقوقيون الشرفاء"، تصور اشتراك العمال والعاطلين وفقراء البوادي وشباب ونساء الأحياء الشعبية..، في الانتخابات، عبر تقديمهم لوائح خاصة بهم، تتكلم عن مشاكلهم ومطالبهم الخاصة دون الحاجة لاستعمال الأموال؟
هل يمكن للموظفين والحرفيين والتجار، الصغار والمتوسطين من ذوي المداخيل المتراوحة بين 5000 و10000 درهم، الانخراط في اللعبة الانتخابية وتشكيل لوائح خاصة بهم في بعض الأحياء بالاستغناء عن المال كذلك؟
لا يمكن طبعا، ودليل كلامنا هو الوقائع الحية، ويمكن في هذا الإطار الإطلاع على تجربة "تحالف اليسار الديمقراطي" ـ المشكل من أحزاب "المؤتمر الاتحادي"، "الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" و"الاشتراكي الموحد"ـ حيث تبينت الحاجة خلال التجربة الحالية أو خلال تجربة شتنبر 2007 لرأس اللائحة من العيار الثقيل، رأس، من الذين نسميهم في ثقافتنا الشعبية بـ"مول الشكارة" ـ صاحب المحفظة ـ يعني ممول العفونة الانتخابية.. الذي أسقط "الرفاق" في تهافت انتهازي براغماتي، همٌه الأول والأخير هو المقعد الانتخابي بغض النظر عن ادعاءات "اليسار" حول أهداف الحملة، من تعبئة وتعريف بمكونات اليسار وأهدافه وبرامجه النضالية..

دلالة الأرقام لن تعفينا من العديد من المسؤوليات التاريخية
للأرقام الانتخابية دلالة كبرى.. فبالرغم من عملية النفخ والتكييف والتحكم.. فهي تبقى مؤشر مهم وأساسي لقياس مستويات الوعي لدى الجماهير المعنية بالتغيير.
فنسبة 52% المعبر عنها من لدن وزارة الداخية، كرقم شارك في الانتخابات، رقم بعيد عن الصحة، ولا مصداقية له.. بالنظر للغموض الذي يلف مرجعيته.. فهل هي الكتلة الناخبة التي وصلت السن القانوني للتصويت، يعني 22 مليون مغربي؟ أم هي لوائح التسجيل قبل التشطيب؟ أو بعد التشطيب؟ لا شيء من هذا أو ذاك ولا توضح التصريحات أيا من المرجعيات التي استندت عليها.
فنسبة المشاركة لا تذكر إلى جانبها نسبة الامتناع التي تمت بإرجاع الأوراق بيضاء، أو مشطوبة ومدعمة بتعليق أو شعار أو موقف أو سباب، أو بصق في العديد من الحالات.. وهو تعبير البسطاء المرعوبين الذين لم يتخلصوا من خوفهم وفزعهم من جبروت السلطة القمعية إلاٌ وهم وراء الستار العازل عن الأنظار ليمارسوا حريتهم المحجوزة.. إنه نموذج "للحرية والنزاهة والمصداقية"، "المتعارف عليها عالميا ودوليا"!
فأرقام الداخلية نفسها، أعلنت عن بعض حالات الامتناع أو ما يسمى بالأوراق الملغاة، وصلت لحد 25% في بعض المدن أكادير وتطوان مثلا، 18% بفاس و28% بآسفي.. و11% على النسبة العامة.
فضدا على تصريحات وزارة الداخلية وادعاءات مرتزقة "النضال الحقوقي" وكذا الساسة المستفيدين..الخ أجمع المتتبعون، والمناضلون، والصحافيون، والعديد من القادة السياسيون بمن فيهم بعض المشاركين في اللعبة.. على اعتبار التصريح بنسبة 52% والمرجعية التي اعتمدتها، مغالطة سافرة تفقئ الأعين، فالمرجعية التي يجب الاحتكام إليها هي الكتلة الانتخابية الحقيقية التي ينص عليها قانون الانتخابات.. فمن أصل ما يفوق 22 مليون من المغاربة الذين بلغوا السن القانوني للتصويت، لم يتجه لصناديق الاقتراع سوى أقل من 7 مليون منهم، فقط.. علاوة على هذا أقرت الجهات الرسمية بحقيقة 11% كنسبة من أصل السبعة ملايين تقدمت بورقة ممتنعة أو كما يعتبرها الخطاب الانتخابي الحزبي والرسمي بالأوراق الملغاة.
لم تتعدى النسبة الحقيقية العامة 20% كمشاركة، ولم تتعدى نسبتها في المدن الكبيرة 10% في أقصى الحالات.. فالحقيقة بادية للعيان، ولن تبددها التصريحات الحماسية والمتفائلة التي أطلقتها الأجهزة الإعلامية للدولة والأحزاب والعديد من "الحقوقيين" من خدامها الأوفياء.
فمن السخيف جدا أن تتباهى الدولة بكثافة المشاركة في البادية وفي المناطق الصحراوية المتنازع عليها.. فبعد أن كان للبادية وكتلتها الانتخابية، دور المحجم والمقزم لأحزاب "الحركة الوطنية" خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.. نجد الدولة الآن، عبر أجهزتها القمعية والإعلامية توظف كل إمكانياتها وآلياتها لتلميع صورتها وخطابها ومشروعها "الديمقراطي الحداثي" الانتخابوي، بتحجيم وتقزيم موقف المعارضة والمقاطعة، الجماهيري، لخطها ونظامها وأسلوب حكمها وتدبيرها "للشأن العام".
فالحقيقة العامة التي لا يجادل حولها عاقلان هي أن مركز الوعي السياسي في عصرنا، وفي ظل هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي، هو المدن الحضرية، في المغرب وفي البلدان المشابهة وبتفاوت بسيط في البلدان "الديمقراطية" العريقة. لا نقول طبعا، بانعدام الوعي في البادية، لكن يمكن أن نجزم بأن مستواه متخلف بشكل بارز عن مستواه بالمدن، نفس التفاوت أو بدرجة أقل نجده حين نقارن مستويات الوعي بين المدن الصناعية الكبرى والمدن الصغيرة والمهمشة..
فأن تتباهى الدولة ومن يدور في فلكها بنسبة المشاركة "العالية" في البادية، فذلك لا يعبر سوى عن غباءها.. كذلك الشأن بالنسبة لمناطق النزاع الصحراوية، فأن تتبختر بنسبها الخيالية التي وصلت عهد الاستفتاءات إلى 99.99%.. فهي بلادة واستبلاد سياسيين يستهدف بوضوح، الرأي العام الخارجي باعتبار النسب المنفوخ فيها، نصرا سياسيا ضد أعداء الدولة والنظام القائم، الحقيقيين والمفترضين.. من جبهة البوليساريو والجزائر ومدعميها من الدول والحركات السياسية في أمريكا والغرب بشكل عام.. وليس إلاٌ.

من هم المقاطعون للانتخابات، وماذا يشكلون؟
فالانتخابات، إذن، عملية سياسية تستفيد منها الدولة ونظامها القائم على الاستغلال والقمع والاستبداد، والمشاركة فيها ربح للدولة والنظام، ومقاطعتها انتصار للنقيض الطبقي، أي الجماهير الشعبية الكادحة ومناضلوها الأحرار، وبالتالي خسارة فاضحة لديمقراطية النظام المزعومة.
والمقاطعون للانتخابات أنواع، النوع الأول والرئيسي يتشكل من 80% من الكتلة الانتخابية المفترضة، إضافة لأطفالها وأبناءها، حيث من المفترض أن تحل الانتخابات مشاكلهم وأن تعبر عن احتياجاتهم ومتطلباتهم.
النوع الثاني هو مجموع التيارات الاشتراكية، الإصلاحية منها والثورية، المنظمة وغير المنظمة ـ حزب "النهج الديمقراطي"، تيار "الخيار اليساري الديمقراطي القاعدي"، تيارات الحركة التروتسكية، وتيارات ومجموعات الحركة الماركسية اللينينية ـ وهي تيارات عملت، في غالبها، على تجسيد المقاطعة الإيجابية، أي بالدعوة والشرح لموقف المقاطعة، عبر البيانات، والوقفات، والمظاهرات والتواصل المباشر مع الجماهير المعنية بمقاطعة الانتخابات وبعدم تزكية المسلسل السياسي القائم على إنتاج وتكريس الفقر والبطالة والتهميش والنهب والتبذير للثروات، والقمع وخنق الحريات..الخ
الصنف الثالث، نجد داخله الحركة الصحراوية المطالبة بالاستقلال، التي دعت وتدعو دائما لمقاطعة الانتخابات مقاطعة سياسية تنزع الشرعية عن حالة وضع اليد التي تحاول الدولة تكريسها في المناطق الصحراوية.. وقد وظفت الحركة إمكانياتها التقنية والبشرية وباتصالاتها المباشرة مع جماهير السكان بالصحراء الغربية لمقاطعة الانتخابات ولشرح مغزاها السياسي.
نجد أيضا بعض تيارات وجمعيات الحركة الأمازيغية وإن كانت في أغلبها تشترط فقط دسترة اللغة الأمازيغية لتكتمل وتنضج ديمقراطية النظام القائم، فما يمنعها عن المشاركة في الانتخابات هو عدم اعتراف دستور الدولة باللغة الأمازيغية كلغة وطنية، وفقط!
نجد كذلك التيارات الظلامية التي تقاطع بشكل سلبي العملية الانتخابية، أبرزها "جماعة العدل والإحسان" التابعة لـ"عبد السلام ياسين" والتي تفضل عدم المشاركة وعدم الدخول مع النظام في أية مواجهات، مدٌعية بأن النظام يستهدفها ويعمل ما بوسعه لجرٌها لاصطدامات غير مستعدة لها.
في هذا السياق ندرج إحدى الملاحظات الهامة حول بعض الممارسات الملتبسة والغامضة، التي وضعت بعض النقابيين في ارتباك بيٌن.. حين يتم، من جهة، اتخاذ موقف المشاركة في انتخابات اللجن الثنائية أو اللجن المتساوية الأعضاء، المؤدية قطعا إلى مؤسسات الديمقراطية الشكلية والمزيفة، من مجالس جهوية وغرفة ثانية ـ نموذج خديجة الغامري عن حزب "النهج الديمقراطي" والتي تمثل الاتحاد المغربي للشغل في الغرفة الثانية منذ انتخابات 2002 ـ ومن جهة أخرى، يتم الإعلان والتصريف لمقاطعة الانتخابات المحلية والتشريعية، في فضاءات أخرى..
ويمكن اعتبار أن "الارتباك" همٌ بشكل كبير النوع الثاني من المقاطعين، أي مناضلي ومناضلات الحركة اليسارية الاشتراكية، بمن فيهم بعض الماركسيين اللينينيين، الشيء الذي يدعو إلى مسائلة الرفاق والرفيقات ومطالبتهم بتوضيح هذا اللبس وهذه الازدواجية في الموقف.

هل أدت المقاطعة أدوارها النضالية؟
بالنظر للطريقة التبريرية التي لجأت إليها أجهزة وزارة الداخلية والإعلام، وبعض الأحزاب السياسية المستفيدة من نتائج الانتخابات ومن عدد المقاعد المحصٌل عليها.. يمكن الجواب على هذا السؤال بالإيجاب.
فسواء من حيث النفخ في نسب المشاركة العامة، أو من حيث المشاركة في البوادي وفي المناطق الصحراوية المتنازع عليها، أو بالطريقة التي قدمت بها هذه النسب بحالة انتشاء بادية توحي بإحراز النصر المبين على خصوم الدولة وأعدائها الداخليين والخارجيين.. يمكن اعتبار اللعبة الانتخابية محط نزاع سياسي حقيقي ما بين النظام ومعارضيه.
لقد مكنت المقاطعة مجموع تيارات الحركة الاشتراكية من التواصل المباشر مع الجماهير المعنية بالتغيير، وقد احتضنت الجماهير بتلقائية موقف المقاطعة بدون ريبة ولا تشكيك.. عكس التيارات المعارضة الأخرى التي اختارت المشاركة بدعوى الشرح والتعبئة والفضح.. والتي تبيٌن فيما بعد بأنها لم تفضح سوى نفسها، بالنظر للطرق البئيسة التي التجأت إليها والتي لم تتجاوز الفضح لبعض مظاهر الفساد الانتخابي من طرف المنافسين، ليس إلاٌ.
لقد أخفقت جميع القوى اليسارية المشاركة في الانتخابات، في تجسيد ما تدٌعيه من دفاع عن المشروع الديمقراطي، ومن فضح لطبيعة النظام ولديمقراطيته الزائفة، فإلى جانب استعمالها السلبي والانتهازي لرصيدها في العمل النقابي والحقوقي، ولمعاناة بعض مناضليها، في السابق، من الاعتقال السياسي.. التجأت في حملتها الانتخابية للاستعانة والاستفادة من الأعيان وبعض الرموز من النخب الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.. بنفس الطرق المعهودة من لدن الأحزاب الانتخابية المحترفة.
فإذا كان الهدف من المشاركة في الانتخابات هو التواصل مع الجماهير الكادحة، الفقيرة والمهمشة.. أي السواد الأعظم من المجتمع، فقد تبين بالملموس أن أحسن طريقة وأنجعها وأنظفها.. هي المشاركة عبر الدعوة للمقاطعة، فإذا كانت الجماهير واعية كل الوعي بحقيقة اللعبة الانتخابية، فالحاجة إذن لمن يتجرأ ليعبٌر عن زيف اللعبة وطرح البديل العملي الذي ندعٌمه كماركسيين في هذه اللحظة التاريخية التي يمر بها بلدنا وشعبنا، ألا وهو تكريس الخط الاحتجاجي الجماهيري المنظم وتحفيز الشباب وطلائع الحركة الاحتجاجية لأجل بناء وتنظيم آليات النضال الطبقي الحاسمة، ولنشر الوعي الطبقي الاشتراكي على أوسع نطاق.. وبشكل خاص في الصفوف العمالية بتحفيزها على فرز قيادات مناضلة في مستوى المهام المطلوبة، وعلى بناء نقابات عمالية حقيقية وجمعيات ونوادي تثقيفية اشتراكية.. دون إهمال للمهمة التنظيمية المركزية، الشرط الذي لا بد منه لفتح آفاق التغيير الحقيقية، حزب الطبقة العاملة المستقل، الأداة الثورية الحاسمة التي لها القدرة لوحدها على قيادة نضالات الكادحين في اتجاه التحرر الاشتراكي الذي لا بديل عنه.
ومع ثقل وقوة هذه المهام، لا يمكننا كذلك إهمال المتابعة اليومية لجميع نضالات الكادحين والمتضررين من وجود واستمرارية نمط الإنتاج الرأسمالي.. بطرح وتدعيم ملفاتهم المطلبية وباتخاذ المبادرات الميدانية في جميع ميادين وحقول الصراع الطبقي، من أجل تنمية وتطوير الوعي، ومن أجل المراكمة النوعية في ميدان التنظيم ومن أجل تجميع القوى وتركيزها خدمة لمشروع التغيير.

ع. الحق الزروال
16/6/2009





#ع._الحق_الزروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - ع. الحق الزروال - الماركسيون المغاربة ومعركة الانتخابات..