أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - ملامح شخصية الطفل رشيد ( مآذن خرساء 12/48)















المزيد.....

ملامح شخصية الطفل رشيد ( مآذن خرساء 12/48)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 2704 - 2009 / 7 / 11 - 07:18
المحور: الادب والفن
    



حين توطدت علاقتي برشيد، سألته عن سرّ كآبته الحادّة. في الحقيقة لم أصادف في حياتي شخصا مكتئبا بذلك القدرالهائل، اكتئابي لا يتجاوز24 ساعة، و لكن رشيد يمضي أحيانا ثلاثة ايام تحت تأثير كرب نفسي متّصل .
أخذ رشيد شهيقا عميقا ثم أطلق زفيرا حادا ، هم بالكلام مرتين ثم سكت. ندمت فور إحساسي باني حاولت التطلع الي منطقة ممنوعة من حياته، اعتذرت عن تطفلي و تجاوزي حدود اللياقة و الذوق، غيّرت الموضوع تماما . لكن رشيد تكلّم :
ــــ أجتمع لديّ العامل الوراثي، والإستعداد الفسيولوجي و صدمات الحياة.
اطرق طويلا ثم قال:
ـــ حادثتان أثرتا في حياتي، سأحكي لك عنهما في الوقت المناسب.
بعد شهرين، و ذات مساء صيفي طويل، استدعاني رشيد الي بيته.
بعد ان تبادلنا كلمات قليلة قال لي رشيد :
ـــ سأحدثك اليوم عن سري الأول و الرئيسي، أما مأساتي الثانية فيمكن اعتبارها من جملة ذيول مأساتي الأولى... سرّي الأول حملته منذ خمس و أربعين سنة، وها أنا أطلعك عليه. أعلم انك مكروب مثلي و عندك فائض من الهموم يكفيك هموم السنة و الشيعة و ألإٌخوان المسلمين و كلستاقاتا 7 و العنصرية. أعلم انك لست بحاجة الى منغصات اخرى، ولكن كما قال الشاعر و لابد من شكوى الي ذي مروءة... منذ خمس و أربعين سنة كنت أفتش عن إنسان حقيقي يشاركني حمل هذا السر، لكنني لم أجد ذلك الشخص في أحد ممن حولي!
ــ حتى في زوجتك ؟
نظر الي بحزن ثم قال :
ـــ خصوصا في زوجتي .
ـــ ....
ـــ لا شك أنك لاحظت مدى تـنافرنا
تذكرت المثل الإسباني " الرجل السعيد هو الذي يحكي لزوجته كل شيء "
ما أروع ان يحكي الرجل لزوجته كل شيء .
ـــ قبل سنتين، وثقت بشخص كدت أن أبوح بسريّ، ظننته صديقا حقيقيا، لست أدري مالذي جعلني أعدل ساعتها عن ذلك، أثبتت لي الأيام مدى خطئي في تقييمه، كان أمرا يدعو للخجل و الإحباط ...احتقرت نفسي كثيرا، حين اكتشفت معدن ذلك الرجل الذي حسبته ذهبا خالصا فاذا هو أرخص من التراب .
ــ كلي آذان صاغية يا صديقي ...
ــــ حتى تستوعب الحادث و مدى أثره الصاعق على نفس رشيد الطفل و رشيد المراهق ورشيد الشاب ثم رشيد الكهل، أسمح لي بمقدمة قصيرة اكشف لك فيها أهم جوانب شخصيتي، و أشد معالمها النفسية وضوحا .
ــــ ...
ــــ سبق أن حدثتك عن الوساوس القهرية المتتابعة التي كانت تتوالى علي منذ طفولتي المبكرة ، فلا تدع لنفسي أي مجال للسكينة ولا أي فرصة للسلام. بالإضافة الي ذلك، و على الرغم من حداثة سني، كنت مسكونا بشعور طاغ بأهمية الشرف و ضرورة الحفاظ عليه، والموت في سبيل الدفاع عنه! كنت أسمع من حولي وهم يرددون أمثلة من قبيل" النار أهون من العار" و " الشرف مثل الزجاجة اذا انكسرت فلا تقبل الجبر" و" الشرف مثل عود الكبريت معد للإستعمال لمرة واحدة فقط "...
رن الهاتف رفع رشيد السماعة .. إستأذنني قبل أن يستغرق في مكالمة خارجية من شقيقته في السويد .
سكبت بعض من العصير... الشرف بضاعة معدة عربيا للإستهلاك اليومي ... صحن رئيسي لا يغيب...الشرف بالنسبة لعربي ليس كالصدق بالنسبة لنرويجي... أنا لا أتحامل على النرويجيين " الصدق بضاعة أثمن من أن تستعمل يوميا " هكذا يقول المثل النرويجي . فصل الصيف في تونس و في كل البلاد العربية، هو فصل الأعراس، فصل الحصاد وفصل رجوع المواطنين المغتربين من فرنسا و ايطاليا و ألمانيا و غيرهم من البلدان ..في بلادي، الصيف مهرجان حقيقي لإستعراض شرف البنات و فحولة الرجال!... في الصيف تقام احتفالات بدائية مخجلة لا تخلو منها قرية و مدينة تونسية، و تقام فيها طقوس وثنية لا تمت للذوق الإنساني بصلة، و لا علاقة لها بالإسلام من بعيد أو قريب . مجرد مراسيم يتخلى فيها المجتمع عن أي معيار للرجولة غير سرعة انتصاب الذكر و القدرة على اختراق غشاء البكارة في مدة قياسية، حدّها الأقصي الساعة الأولى من الحياة الزوجية، لكسب الرهان في الجولة الأولى .. العريس في تونس يحتاج الى مستشار في الجماع، عادة يكون متزوجا و محنكا يسمونه" الوزير" . هو الذي يرشد العريس عن الوضع الأنسب لإختراق الزوجة بأسرع وقت ... الوزير لا يهتم بما قد تحدثه هجمة العريس الفظ و المتلهف لفض غشاء البكارة من دمار في نفس الزوجة، و من تأثير سلبي قد يبغض لها الجماع مدة حياتها الزوجية، المهم لدي العريس ووزيره هي السرعة و الفاعلية و الحسم .لأن الموقف لا ينتظر التهاون، و ألسنة الناس لا ترحم . لأجل ذلك كان من الضروري أن يتناول العريس بعض الخمر حتى يستعين بها ربما على ضبط أعصابه، أو على المزيد من الجرأة أو مزيد من القدرة الجنسية، لست ادري بالضبط سبب شرب الخمر في تلك المناسبة، فانا لم اشرب خمرا في حياتي، اذا استثنينا ما شربته و انا طفل صغير من بقايا كنت أجدها في كأس أبي، كنت افعل ذلك بدافع الفضول لا غير .
الرجل في تقدير أبناء وطني ليس المواطن الحرّ الذي يناضل للحصول على حقه في الحرية و العدالة، و يسعي الى تمكين غيره من تلك الحقوق .. الرجولة ليست أخلاقا و شيما عالية، بل فحولة وقدرة جنسية فائقة، الرجل الفعلي هو الذي يتمكن من تمزيق بكارة عروسه حتى يقطع الطريق على أي أقاويل تشكك في رجولته، و حتى لا يدع أهل العروسين و الجيران و الضيوف يرابطون أمام باب غرفة نومه في انتظار نتيجة العملية الجنسية الشبه علنية . كنت في السادسة عشر حين تزوج أخي، بعد دخوله على عروسه، بقي الضيوف ينتظرون في بهو الدار ! بعد دخوله بخمس دقائق سمعت العروس تصيح مستنجدة " عمتي! عمتي " كل الحضور أدركوا فورا أن اخي يتعرض الي مقاومة شديدة ،لا بد انهم تساءلوا " لماذا لم تساعده حتى يجتاز هذا الإمتحان الذي يحتاج الى أعصاب فولاذية ".

.. كيف يمكن تعريض بشر ما الي تجربة محرجة كهذه؟!... اذا أقررنا نحن المسلمين هذا العمل، فكيف نلوم الشعوب البدائية اذا مارست الجنس على قارعة الطريق؟ هل أن ذكر الإنسان مثل سيف يستلّ كل لحظة؟ أم هو مجموعة من الأعصاب و الأوعية الدموية التي تمتنع عن الإستجابة لأي إثارة، مادام المرء مضطرب البال، وما دامت تحركاته تحت المجهر؟ كان صوت إستغاثة العروس مسموعا لجميع الحضور، بالطبع لم يهب أحد لنجدتها، تبادل بعض الحضور ابتسامات خفية ذات مغزى ظاهر. كان اخي في الطابق الثاني، وكان الحضور معتصمون في الطابق الأرضي، الوزير فقط كان يتردد بين الطابقين. كان يصعد حينا الي "غرفة العمليات" للإدلاء بنصائح إضافية قد يحتاجها وضع استثنائي طارئ . كما كان ينزل حينا آخر الي الحضور ليتبادل معهم بعد الكلمات، و ربما ليتزود منهم ببعض التوجيهات التي غابت عنه ...بعد قليل هدأت الأصوات ، تلا ذلك فتح الباب، ثم نزول الوزير و على وجهه آثار الخيبة:
ـــ فشلت المحاولة الأولي ! يبقي الأمل في المحاولة الثانية ...علينا الإنتظار .
بعد قليل انتشرت المعلومة بين الجميع .

الرجال متفاوتون تفاوتا كبيرا في القدرة الجنسية، الرجل العادي يمكن ان يعيد العملية الجنسية بعد فترة تتراوح بين ربع ساعة وأربع و عشرين ساعة. اذا قام ذكر الرجل ثانية خلال 24 ساعة فهذا أمر طبيعي. اذا احتاج الرجل الي أكثر من ذلك الوقت لإنهاض ذكره عليه باستشارة الطبيب المختص. حين لاحظت اعتصام الضيوف في أماكنهم وإصرارهم على البقاء، سألت شقيقتي عن السبب أجابت " أخوك جمال ما زال ما عرّسشي( لم يتزوج بعد!)"...في المرة الثانية تحقق الهدف وأصبح جمال رجلا حقيقيا يمكن له ان يقابل الناس دون حرج... ذات مرة قرأت في مجلة سؤال يقول ماهي المعركة التي تسفر عن جريح و أسير و كان الجواب: الزواج : امراة مفتضة وزوج أسير للحياة الزوجية! كثير من العرسان دمرتهم عادة انتظار النتيجة الى حد أصابهم بعجز دائم .. يحدث أحيانا أن يعجز العريس بفعل الإحراج و الضغط عن جعل ذكره ينتصب، اذا لامته عروسه تضاعف حرجه، وكلما أضاف يوم فشل آخر زاد إحراجه. في بعض القرى التونسية يعرض قميص نوم العروس في الطريق العام وعليه آثار دماء بكارتها، أحيانا يتخذ قميصها راية يرقص الناس حولها.. مثل عراة افريقيا. كان والد الفتاة يمسك بندقية صيد لإثبات رجولته هو ايضا، أما بإطلاق الرصاص ابتهاجا بسماعه الخبر السعيد و إثباتا بأنه كان رجلا حقيقيا حين حافظ على بكارة ابنته، و اما لإثبات رجولته بأثر رجعي، إفراغا للبارود في جسد ابنته لغسل العار. في مصر هناك امراة متخصصة تلف يدها بخرقة بيضاء و تتولى بنفسها فض البكارة . أحد الشبان في بلادي استعان بصديقة للقيام بالمهمة عوضا عنه، و كانت النتيجة اكتشاف الأمر و انتحار والد العريس!
وصلني صوت رشيد كان قد فرغ من مكالمته الهاتفية .
ـــ كنت اسمع من والدتي و الجيران و أهل الحي أن المرأة " أ " سيرتها مثل الزفت، و ان البنت " ب" قد طردها زوجها ليلة الدخلة بعدما وجدها مفتضة، و ان الفتاة " ت" كان زوجها شهما حين وجدها مفتضة و لم يفضحها واكتفى بتطليقها بعد ستة أشهر من الزواج بدعوى انها لا تحسن الطبخ. و ان زوج العروس" ث" لم يتمكن من فضها بعد، بعد مرور ثلاثة ايام من المحاولات المتكررة، و أن الشك بدا يتسرب الي الزوج، في حين بدأ هل الفتاة يروجون إشاعة كون الزوج مسحورا و عاجزا، كمحاولة استباقية لتطويق الأزمة.. الشرف كان موضوعا مركزيا في مجتمعنا النسائي و الرجالي على حد سواء ؟ سقوط شقيقتك في تجربة جنسية تفقدها بكارتها يعني سقوط كل العائلة و على مدى عقود طويلة ...أبي تخلص شقيقاتي بطريقة مخجلة كن يشكلن عبئا حقيقيا، كان لا يتردد في قبول أي خاطب يطرق بابنا ، حتى انه زوج بعضهن من منحرفين و مسجونين سابقين، ... لو تقدم الشيطان نفسه لخطبة إحداهن لما رده أبي خائبا ... كان يخشي ان تفتح الملفات القديمة لعائلة فتبور شقيقاتي ولا يجدن أزواجا.. أبي كان خائفا لأن عمّته التي بلغت الثمانين قد هربت من بيت أسرتها منذ ستين سنة لتتزوج الرجل الذي تريده ..و على سنة الله و رسوله. كان ذلك كافيا كي تطرد من العائلة التي سببت لها عارا لا يمحى الي الأبد . شقيقاتي دفعن ثمن ذلك العار غاليا. شقيقاتي لم يشاهدن قط عمة أبي التي أخطأت في حقهن منذ ستين سنة!... كان الشرف حديث مجتمع الأطفال أيضا، فقد كنت أسمع من أطفال الحي أن أمّ الصبي " أ " قحبة، و أن الصبيّ" ب " مشكوك في سيرته، و أن الصبي" ت" مأبون علنيّ لا يتردد في الذهاب مع الأطفال الكبار، و ربما مع الرجال أيضا، ليفعلوا به الفاحشة... كان مجرد سماعي لتلك النعوت يجعلني أتجمّد من الخوف، كنت أخشى أن أوصم يوما ما بتلك التهمة الشنيعة... كان يرعبني مجرد تمكن مخلوق ما من رؤية مؤخرتي مكشوفة أمام نظره ... لم أكن أتصور أبعد من ذلك. يا للفضيحة و للعار، كيف أمشي في الطريق، وكيف أنظر في وجوه الناس وأنا أدرك انهم يعلمون انني قد تطوعت بعرض مؤخرتي للإيجار أو حتى لوجه الشيطان، كيف سيكون موقفي أمام أمي و أبي و إخوتي و أقاربي و أهل حيّي و زملاء دراستي، كيف يمكنني الحياة لو علقت بي تلك الوصمة، كيف أصنع إذا وجدت نفسي ذات يوم موصوما بذلك العار، أي أرض ستقلّني و أي سماء ستظلني اذا وجدت نفسي مسربلا بالفضيحة و مطوقا بالعار، ثم وجدت كل الأبواب موصودة في وجهي بما فيها باب القبر؟! .
.. حين لاحظت ارتجافة ذقن رشيد ايقنت انه سيشرع في البكاء، استأذنته و دخلت الحمام، اكره رؤية رشيد يبكي أمامي ، تعمدت الإبطاء لأعطيه فرصة البكاء، حين خرجته وجدته منخرطا في بكاء مرير، بدأت لي الفاجعة تتضح شيئا فشيئا، اكتملت الصورة في ذهني لم تبق الا التفاصيل الصغيرة . لم أعد الى مكاني بل جلست بجانب رشيد، ثم وضعت راحة يدي علي فخذه الأيمن و ربتّ عليه، كان يتكئ على جانب الأريكة معتمدا على مرفقه الأيمن. كما كانت يده اليسرى تغطي نصف وجهه .
ـــ تشجّع يا رشيد .. أنت رجل جيّد، لا شكّ أن الله سيكون بجانبك .
لم أجد أي كلمة عزاء تناسب مأساوية الموقف، أنا لست حيال شخص عاميّ ترضيه كلمات بسيطة، رشيد أدرى مني بوجوب الرضا بقضاء الله، و بما أعده الله للصابرين ، كما هو أعلم مني بأن الحياة محرقة حقيقية، وأن كل العزاء انها محرقة مؤقتة. لو كانت لرشيد زوجة يبادلها الحب لخففت عنه بعض ما يلاقيه، هممت بأن أروى طرفة تبدد عنه سحب الكآبة، عدلت عن ذلك خصوصا وأن رشيد لم يدخل بعد في التفاصيل الدقيقة .استمر رشيد يبكي حتى ارتفع شهيقه، تركته يفعل ذلك دون أن أشوش عليه ، كل ما استطيع به خدمة رشيد هو حسن الإنصات و التضامن، خصوصا و أنا الشخص الوحيد الذي يمكن أن يبثه همومه و يشكو إليه أحزانه . فعلاقة رشيد بزوجته متوترة جدا و الثقة بينهما مفقودة ، وحبال الود مقطوعة ، ولا أمل في إصلاحها حتى في المستقبل البعيد حسبما يبدو لي .. ليس لرشيد كتفا يبكي عليه فلأكن ذلك الكتف. أن يحدثني رشيد عن سر حياته، فذلك يعني ثقته المطلقة بي، و يقينه القاطع بأني سأتعاطف معه، فلأكن في مستوى ثقته و يقينه .
انتظرت دقائق حتي كف رشيد عن البكاء، ولكن صدره بقي يعلو و ينخفض بين حين و آخر .
ــ أظن انك حدثتني عن باب القبرأو شيء من هذا القبيل ؟
مسح رشيد عينية بكم قميصه ثم أجاب :
ـــ نعم ، حين فكرت بما قد يقع لي، مرت أمامي فكرة الإنتحاركإمكانية للهروب، لكنني لم أتوقف كثيرا أمام تلك الإمكانية، لأني ولدت متدينا، كما ولدت موسوسا ومسكونا بهاجس الشرف. كنت أخشى عذاب الله منذ بدأت أعقل. كما كنت أسمع أن قتل الإنسان لنفسه أو لغيره من شأنه أن يدخله جهنم والي الأبد، لأجل ذلك كان خوفي مضاعفا بسبب وجوب بقائي في أرض المحرقة حتى النهاية في صورة وصمي بتلك التهمة. كنت مسكونا بهاجسين، أولهما إمكانية اتهامي بذلك الشيء الفظيع، وثانيهما كيفية تعايشي مع العار الذي سيلفني من كل ناحية، خصوصا و أن تركيبتي النفسية شديدة الحساسية و التأثر... كانت وساوسي القهرية تحملني الي النظر الى الحياة بمنظار أسود، كما كانت تحملني على توقع أسوأ الكوارث في كل حين... أحيانا يتملكني هاجس بأن أبي سيموت قريبا.. كنت اقلق كثيرا اذا تأخر موعد رجوعه الي البيت، لم اكن أخلو من همّ يضغط على قلبي، فكلما تبخر هاجس عوضه هاجس ألعن و أبقى.
قاطعت رشيد :
ـــ لكن مالذي جعلك تتوقع تلك الوصمة، والحال انك بعيد عن كل شبهة.
سحب رشيد شهيقا طويلا اتبعه بزفير حادّ ثم أجاب :
ـــ مما قوّى احتمال تعرّضي الى تلك التهمة، كوني صبيا وسيما يعيش في مجتمع ذكوري لا يختلط الرجال به بالنساء، بمعني انه لا يوجد الفتيات في متـناول الشبان، فالأغلبية العظمى من البنات لا يتنقلن الا بعلم أهلهن، واذا رأيت فتاة مع شاب فهي مخطوبة أو في طريقها الي الخطبة، لأجل ذلك كان اللواط ضرورة لحلّ المشكل الجنسي. ففي كل مرة أتفوق فيها على صبيّ في معركة، كان يتراجع خطوات تمكنه من ضمان مسافة أمان، قبل أن ينعتني بأن شكلي لا يختلف عن شكل أي بنت. في الحقيقة كنت كذلك، فقد كانت ملامحى رقيقة جدا، لنقل أنثوية، كما كنت سريع الخجل، فأي ملاحظة توجه إلي سرعان ما تجعل وجهي يحمّر كحبة طماطم .. ليس ذنبي على كل حال... حين بلغت الثامنة، كنت أحاذر أن تشوب سيرتي شائبة... لأجل ذلك كنت أتجنب الإختلاط بمن هم اكبر مني سنّا. كما كنت أنبه جاري و زميلي شريف الى التأسي بي في ذلك، حفاظا على شرفه أيضا .
ــــ ...
ـــ على الرغم من انحداري من عائلة تحتل موقعا مزمنا و ثابتا في قعر المجتمع الجزائري، فقد ولدت بحساسية مفرطة ضد أي اهانة مهما صغرت، كنت مرهف المشاعر الى حد كبير، لست أدري من اين أكتسبت تلك الخاصية الشاعرية اللعينة، و ليس في أسرتنا بكل فروعها شاعر ، بل لا اعرف من يحفظ بيت شعر واحد .. فوالد جدّي كان مرابـيا، وجدي كان قاطع طريق، وابي سكيرا . منذ طفولتي كنت عزيز النفس، كما كنت حريصا على حفظ كرامتي، في احدى المرات حين بلغت الثامنة رغبت في زيارة شقيقتي الكبرى فاتن، كانت تسكن و زوجها حامد في قرية ريفية تبعد حوالي 20 ميلا عن مدينتنا، بقيت حوالي شهرين و أنا أجمع ثمن التذكرة . حين سألتني والدتي كم ستبقى هناك أجبتها " لا أدري، حسب الظروف "! بعد ثلاثة ايام قفلت راجعا، عندما قدّرت ان زوج أختي قد تضامن أكثر من اللازم مع كتكتوت صغير لا حقته طويلا قبل ان أضربه بحجر، لقد أغمي على الكتكوت في واقع الأمر لكنه سرعان ما أفاق، لكنني لم أقبل تصرّف زوج شقيقتي .

حين دق جرس الباب فتحته عوضا عن رشيد، كان جاره محمود الصومالي يطلب إعارة مكنسته الكهربائية لبعض الوقت!
ــ سلمها له .... تجدها في المطبخ، علي يسارك، قل له لا تحتجزها عندك بعد فراغك منها .
حين أغلقت الباب قلت لرشيد :
ــ ذات مرة أعرت جارتي الباكستانية ميزان ألكتروني " خمس دقائق ثم أرجعه لك، سأستخدمه لمعرفة وزن حقائب السفر حتي لا أتورط في حمل وزن إضافي ادفع ثمنه غاليا " هكذا طمأنتني . ... لكنني أنا الذي دفع الثمن غاليا، فقد ارتفع وزني 10 كليوغرام أثناء السبعة أشهر التي بقي فيها الميزان حبيس دارها! فقد سافرت دون أن ترجعه لي!
حين نظرت الى الساعة أيقنت ان صلاة العصر قد فاتتنا في المسجد. حتى لو لم تفتني، كان من غير اللائق مغادرة رشيد دون أن أسمع بقية مأساته. ذهبت الي الحمام. توضأت ثم صلينا معا. لم يستغرق الأمر سبع دقائق، مقدار ما يدخن شخص ما سيجارة . بعض المسلمين يمضي سبع ساعات امام التلفزيون، فاذا سالته لم يترك الصلاة تعلل بضيق الوقت! فقط 10 في المائة من المسلمين يصلون. 9 من عشرة مصلين لايفهمون اسلام محمد. رغم ذلك، يستمر الغرب في تحذيره: " الذئب، الذئب " .
بعد الصلاة قال لي رشيد:
ـــ بعد المقدمة الضرورية بقي علي أن أروي لك بقية القصة، ببعض الإيجاز.



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طفولة شقيّة ( مآذن خرساء 11/48)
- مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)
- مع الفرنسي بلال ( مآذن خرساء 9/48)
- العمارة اللعينة (مآذن خرساء 8/48)
- مع مبشرة حسناء(مآذن خرساء 7/48)
- دناءة ( مآذن خرساء 6/48)
- لقاء ( رواية مآذن خرساء5/48)
- جولة ليلية (فصل من رواية)
- هروب (فصل من رواية)
- مأساة حارث بتروفيتش فصل من رواية
- مائدة من السّماء !( فصل من رواية)
- إصرار (قصة قصيرة)
- حداد ( قصة قصيرة )
- إستياء ! ( قصة قصيرة جدا)
- مقدمات ( قصة قصيرة جدا)
- لماذا استحق قاضي قضاة فلسطين اللعن (خبر و تعليقان)
- إستهانة القرضاوي بعقول المسلمين
- ضرورة محاكمة القرضاوي وعصابته الإخوانية كمجرمي حرب
- أقبح فتوى في تاريخ الإسلام أصدرها الكاهن الإخواني جوزيف القر ...
- الإقتصاد الإسلامي- قمّة و عن يمينها و يسارها منحدران-


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - ملامح شخصية الطفل رشيد ( مآذن خرساء 12/48)