أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - داود تلحمي - هل تفتح الأزمة الإقتصادية العالمية آفاقاً جديدة أمام اليسار؟















المزيد.....



هل تفتح الأزمة الإقتصادية العالمية آفاقاً جديدة أمام اليسار؟


داود تلحمي

الحوار المتمدن-العدد: 2702 - 2009 / 7 / 9 - 10:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أحد المعلّقين على الإنفجار الصاخب، في النصف الثاني من العام 2008، للأزمة المالية والإقتصادية العالمية، التي انطلقت من الولايات المتحدة، أجرى مقارنة رمزية بين هذه الأزمة بالنسبة للعالم الرأسمالي وبين انهيار جدار برلين عام 1989 بالنسبة لتجارب التحوّل الإشتراكي في الإتحاد السوفييتي والدول الأوروبية الشرقية التي اتبعت النموذج ذاته.
فهل نحن أمام تغيير درامي في وضع النظام الرأسمالي العالمي، الذي يسميه أصحابه نظام "الإقتصاد الحر" أو نظام "السوق الحرة"؟
العديد من كبار الإقتصاديين والمحللين الجادين، بما في ذلك الذين ينتمون الى المجال الفكري اليساري، يرون، أن المعطيات الراهنة لا تشير الى استعدادية كبيرة لدى غالبية الشعوب والفئات الإجتماعية المتضررة من هذه الأزمة، ومن سياسات النظام الرأسمالي عامةً، وخصوصاً من سياسات الليبرالية الجديدة والعولمة الرأسمالية، للإنخراط في تحركات وفي بنىً منظمة تطرح تجاوز النظام الرأسمالي، وذلك بمعزل عن مدى جدية الأزمة الإقتصادية الراهنة للنظام الرأسمالي، التي يبدو أنه ليس من السهل تجاوزها بشكل كامل وفي أمد قصير. هذه هي الصورة العامة في عالمنا الآن، ولكن لها استثناءات طبعاً، وهي صورة قد تتغير في مراحل قادمة، إذا ما تواصلت وتفاعلت ترتبات الأزمة الإقتصادية.
ومن ضمن الإستثناءات في هذا الصدد، هناك منطقة جغرافية هامة، هي منطقة أميركا اللاتينية، التي بدأ فيها الإنتفاض على تطبيقات "الليبرالية الجديدة" منذ أواخر القرن المنصرم والسنوات الأولى للقرن الجديد، كما بدأت في بعض بلدانها ترتسم، وإن بشكل أولي وجزئي، ملامح الخيار الإقتصادي- الإجتماعي الجديد، الذي أطلق عليه أصحابه تسمية "إشتراكية القرن الحادي والعشرين".
أما في مناطق العالم الأخرى، سواء العالم الرأسمالي المتطور وبلدان "المركز" الرئيسية أو في باقي مناطق "العالم الثالث" أو "الجنوب"، فالوضع يبدو، حتى الآن، أقل استعداداً وأقل إمساكاً بأهمية الإستعداد لتبني البديل للنظام القائم. هذا، مع العلم بأن مناطق العالم المختلفة شهدت، منذ أواخر القرن العشرين المنصرم، تحركات شعبية واسعة مناهضة للعولمة الرأسمالية وتجلياتها المختلفة ولمؤسسات النظام الرأسمالي العالمي الرئيسية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وقمم الدول الصناعية المتطورة...
ومن الواضح أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول حتى يتبين لقطاعات المتضررين الواسعة من هذه الأزمة أن العلاج، حتى يكون ناجعاً، ينبغي أن يكون جذرياً في نهاية المطاف. حيث ان الأزمة ليست فقط أزمة "الليبرالية الجديدة" ونتاج مظاهر التسيب والجشع المقامر التي مارستها الطغم المالية المسيطرة على الإقتصاد العالمي بشكل متزايد، والتي أخذت تنزع لاعتماد أشكال المضاربة والتلاعب بأموال الناس لتحقيق أرباح سريعة وضخمة لا تُقارن بالأرباح التي توفرها المجالات الإنتاجية الفعلية، وإنما هي أزمة تظهر هشاشة النظام الرأسمالي بمجمله، ببنيته الإقتصادية القائمة على مراكمة الأرباح لدى قلة متناقصة الحجم النسبي، مقابل إفقار غالبية من البشر، يتزايد حجمها النسبي.

الولايات المتحدة: الأزمة سهّلت مجيء أوباما، وفتحت أبواب "تغيير"... محدود

وفي البداية، لا بد من الإشارة الى أن نجاح أول مرشح رئاسي من أصل إفريقي في الولايات المتحدة والطروحات التي تقدم بها في مجالات مختلفة، سواء في المجال الإقتصادي أو في التعاطي مع القضايا والصراعات الدولية وسياسات الولايات المتحدة في العالم، هذا النجاح ساعدت عليه، جزئياً، تفاعلات الأزمة الإقتصادية في الولايات المتحدة، والتي ساهمت بالإطاحة بالتيار الأكثر يمينية وعدوانية في الخارطة السياسية الأميركية، ممثلاً بإدارة جورج بوش الإبن. وإن كان من الضروري الحذر من الرهان على كون هذه الهزيمة هي هزيمة دائمة ونهائية لهذا التيار اليميني.. أي إن التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة على صعيد القمة التنفيذية لصالح التيار الذي يشكّل باراك أوباما واجهته هو تغيير ظرفي وقابل للتراجع عنه. وإن كان قد شكّل، بالتأكيد، تطوراً مهماً وانتكاسة كبيرة لليمين الأميركي المتطرف. فالتيار الذي يمثّله أوباما أكثر ميلاً لاتباع سياسات داخلية وخارجية أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية من تيار "المحافظين الجدد"، وحلفائه أنصار التوسع الإمبراطوري، بقيادة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، الذين سيطروا على السلطة في ظل إدارة بوش الإبن.
لكن الأهم من هذا التغيير الفوقي، الذي له طابع ظرفي وآني من قبل أصحاب النفوذ والقرار الأساسيين في المجالين الإقتصادي والإستراتيجي في هذا البلد الرأسمالي الضخم والمركّب، كما ذكرنا، هو التغيير الذي يمكن أن يحصل على صعيد وعي الشارع الأميركي، وهي مسألة غير مرئية وغير ملموسة حتى الآن بشكل واضح. ولكن الأمور قد تتغير وفق تطور تفاعلات الأزمة ومدى قدرة أو عدم قدرة إدارة أوباما على إعادة إنعاش الإقتصاد الإميركي وإعادة الأمل لدى المواطنين الأميركيين بإمكانية توفر فرص عمل ملائمة لهم وغير مهددة بشكل دائم، كما كان عليه الحال خلال الأشهر الأخيرة، التي شهدت ارتفاعاً سريعاً ومتواصلاً في نسبة البطالة، التي باتت تقترب، في أواسط العام 2009، من نسبة الـ 10 بالمئة من القوة العاملة، كما شهدت تباطؤاً في حجم الإنتاج في شتى المجالات، وتراجعاً ملموساً في مجال الإستهلاك الشعبي.
***
ومن المفيد أن نذكّر، في هذا السياق، أن الأزمة الإقتصادية العالمية الكبرى السابقة في ثلاثينيات القرن الماضي فتحت أبواباً لتطور مناخات يسارية في عدد من بلدان العالم، بما في ذلك في عدد من البلدان الأوروبية وبعض بلدان آسيا وفي الولايات المتحدة نفسها، التي تنامت فيها في تلك الحقبة قوى اليسار الجذري والحركات العمالية والنقابية. لكن هذه القوى والحركات تعرّضت في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة في مرحلة المكارثية والعداء للشيوعية والإتحاد السوفييتي التي رافقت بدايات المرحلة الدولية التي أُطلق عليها تعبير "الحرب الباردة"، لعملية اضطهاد وملاحقة وتصفية واسعة. وهي ملاحقة استهدفت أيضاً، في الستينيات خاصة، حركات تحرر وحقوق السود، الأفارقة الأميركيين، التي تعرضت بدورها، لعمليات اضطهاد واسعة في تلك المرحلة.
وربما كانت مفارقة الأزمة الكبرى الجديدة، في هذا السياق، أن يقود رجل من أصل إفريقي محاولة إخراج البلد من الأزمة واستعادة الرأسمالية الأميركية لعافيتها، واستعادة الدور الإمبراطوري الأميركي العالمي لشيء من المصداقية النسبية، بعد أن بددها اليمين الأميركي المتطرف خلال السنوات السابقة، وبعد أن بدأ التفرد الأميركي بالسطوة العالمية، إثر انهيار الإتحاد السوفييتي، يتراجع شيئاً فشيئاً لصالح تعددية قطبية بدأت ملامحها في التبلور خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة بشكل خاص.
ومعروف أن مرحلة أزمة الثلاثينيات الماضية شهدت أيضاً صعود عدد من الأنظمة القومية اليمينية المتطرفة، الفاشية وعسكرية النزعة، في أوروبا وآسيا الشرقية، قادت في نهاية المطاف الى اندلاع أكبر الحروب وأكثرها دموية في تاريخ البشرية.
وربما تغيّر العالم اليوم كثيراً عمّا كان عليه قبل ثمانين عاماً في مجالات عدة. لكن لا ينبغي استبعاد أي احتمال، ومن الضروري التسلح بيقظة دائمة.

أوروبا: الأزمة تعزّز، في الأمد المباشر، قوى اليمين التقليدي... واليمين المتطرف

وإذا أخذنا القارة التي شهدت بدايات نمو النظام الرأسمالي في التاريخ البشري، القارة الأوروبية، فإن مستوى الوعي السياسي الأكثر تقدماً في مجتمعات هذه القارة منه في الولايات المتحدة، وتراكم خبرات وتجارب القوى المستنيرة والتقدمية فيها، لم يوفّرا بعد أرضية نهوض عام متجدد لقوى اليسار الجذري، بعد الإنعكاسات السلبية لانهيار التجربة السوفييتية على وضع اليسار التاريخي في هذه القارة، من جهة، والتراجع الذي عانى منه اليسار عامةً، واليسار الجذري خاصةًً، من جهة أخرى، بفعل هجمة مرحلة العولمة الليبرالية الجديدة في هذه القارة على قوى اليسار والنقابات العمالية، خاصة منذ أواخر السبعينيات الماضية، أي منذ مجيء حكومة مارغريت ثاتشر الى السلطة في بريطانيا، والإنتشار اللاحق لهذه المدرسة في أقطار القارة الأخرى. كل ذلك بالرغم من كون الأزمة قد أصابت وضربت بقوة العديد من البلدان الأوروبية، حتى المتطورة والغنية منها، حيث ازدادت نسب البطالة وتقلصت فرص العمل وزادت التوترات الإجتماعية، التي انعكست في بعض الحالات في حراكات شعبية ومواجهات عنيفة في شوارع بعض بلدان أوروبا الجنوبية والشرقية، والغربية أيضاً.
ولفت الإنتباه في المراحل الأولى لتفجر الأزمة المالية والإقتصادية أن بعض البلدان، وفي المقدمة ألمانيا، موطن كارل ماركس، شهدت اهتماماً متزايداً بأعمال هذا المفكّر البارز، الذي، وإن كان قد عاش وكتب في القرن التاسع عشر، إلا أن تحليله للنظام الرأسمالي ولتناقضاته الملازمة لوجوده اكتسب راهنية متزايدة، مع تفاقم السمات السلبية لهذا النظام في مرحلة العولمة وتطبيقات الليبرالية الجديدة. حيث تناقلت وسائل الإعلام في حينه أنباءً عن تزايد مبيعات مؤلفات ماركس، وخاصة مؤلفه الأهم، "رأس المال"، الذي لا يُعتبر عادةً كتاباً سهلاً للقراءة.
وإذا أخذنا بعض المؤشرات الأولية على تطور المزاج السياسي الراهن في القارة الأوروبية، انطلاقاً، مثلاً، من نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة التي جرت في الأسبوع الأول من حزيران/يونيو 2009 الماضي، نلمس أن قوى اليمين الرأسمالي التقليدية، وأحياناً بعض قوى اليمين المتطرف العنصري والمعادي للهجرة الأجنبية وللعرب والمسلمين، هي التي استفادت، في الأمد المباشر، من الجزع الذي أصاب قطاعات واسعة من الجمهور الشعبي نتيجة انعكاسات الأزمة.
فأحزاب اليمين، أو يمين الوسط، التقليدية الحاكمة حالياً في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا حققت نجاحاً ملحوظاً في انتخابات البرلمان الأوروبي. وحتى في البلدان التي يحكمها أحزاب يسار الوسط، التيار الإجتماعي الديمقراطي، تقدمت فيها أحزاب اليمين المعارضة على الأحزاب الحاكمة، وهو ما حصل، مثلاً، في كل من بريطانيا وإسبانيا والبرتغال وهولندا والمجر.
وهنا يمكن أن نسجّل استثناءً بارزاً واحداً هو حالة اليونان، حيث تقدم حزب يسار الوسط المعارض حالياً، الحركة الإشتراكية لعموم اليونان "باسوك"، على حزب اليمين الحاكم في البلد، حزب الديمقراطية الجديدة، في هذه الإنتخابات.
ويمكن أيضاً إضافة جزيرة قبرص الصغيرة الى هذا الإستثناء، حيث حافظ الحزب اليساري "أكيل"، الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية الحالي، ديميتريس خريستوفياس، على وزنه التقليدي في البلد، بأصوات متقاربة مع حزب اليمين الرئيسي، حيث حصل كلا الحزبين على أكثر قليلاً من ثلث أصوات الناخبين. كما احتفظت قوى اليسار الجذري بحضور ملموس في بعض بلدان أوروبا الجنوبية والوسطى.
وما يمكن قوله بشكل مختصر، على ضوء هذه المؤشرات، هو أن الشعور المتزايد بالقلق لدى قطاعات واسعة من الجمهور في البلدان الأوروبية لم يدفعها في هذه المرحلة الى خيارات جذرية، أي الى المطالبة بتجاوز النظام الإقتصادي الحالي، نظام السوق الرأسمالي، وهو خيار يدخل في عالم المجهول بالنسبة لها. خاصةً وأن ليس هناك نموذج مرئي للبديل المقنع المتناسب مع مستوى تطور بلدان القارة، أي ليس هناك نموذج لتجربة تحول إشتراكي ناجحة في بلد متطور صناعياً واقتصادياً يحترم ويعزز الحقوق والحريات الديمقراطية ويتميز بحضور وفاعلية المجتمع المدني فيه. ولذلك، وخوفاً من المجهول، وإزاء وضع معيشي متدهور يوماً بعد يوم، ومستقبل مقلق غير مضمون، وغياب آفاق الخروج السريع من الأزمة، مالت قطاعات واسعة من الجمهور الأوروبي، بما في ذلك من الشغيلة وصغار الموظفين والمنتجين الصغار والعاطلين عن العمل أو المهددة وظائفهم، الى المراهنة على اليمين الحاكم، المجرّب سابقاً، والذي تمكّن في الماضي من تجاوز أزمات النظام الرأسمالي، التي تلاحقت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخاصةً منذ السبعينيات الماضية، بالرغم من كون هذه الأزمات أقل خطورة وعمقاً من الأزمة الراهنة.
وكما هو واضح، فقد ابتعدت غالبية هذا الجمهور عن أحزاب يسار الوسط، التيار الإجتماعي الديمقراطي، في معظم الحالات، على الأغلب لكون معظم أحزاب يسار الوسط التي كانت في الحكم في أوروبا في السنوات الماضية، وما زالت قلة منها حاكمة حالياً، مارست، في نهاية المطاف، سياسات ليبرالية جديدة، ولم يتوانَ بعضها عن المساس بالضمانات والمكتسبات الإجتماعية للقطاعات الشعبية العاملة أو المتقاعدة، وهو ما جرى، على سبيل المثال لا الحصر، في بلدان مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا. مما أفقد هذه الأحزاب اليسار- وسطية أي تميّز بالنسبة للجمهور الواسع عن أحزاب اليمين، ففضّل هذا الجمهور الأصل على النسخة في غالبية الحالات.

اليابان... اهتمام شبابي متزايد بالفكر الإشتراكي، وتعزّز لوضع الحزب الشيوعي

بالمقابل، يشهد اليابان، الدولة الرأسمالية الثانية من حيث حجم الناتج القومي الإجمالي بعد الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، سنوات تفاقم الأزمة، اهتماماً متزايداً، في أوساط الشباب بشكل خاص، بالفكر الإشتراكي، بما في ذلك كتابات كارل ماركس. كما يشهد إقبالاً على الإنتماء للحزب الشيوعي الياباني، الذي بات يستقبل، في الآونة الأخيرة، أكثر من 1000 طلب جديد للعضوية شهرياً. مع العلم بأن هذا الحزب التاريخي، الذي تأسس في العام 1922 ولم يتمكن من العمل العلني إلا بعد هزيمة العسكرية اليابانية في العام 1945، والتي كان قد عارضها بقوة ودفع الثمن غالياً لمعارضته هذه، هذا الحزب يحتل حالياً المرتبة الرابعة بين أحزاب اليابان من حيث الحضور البرلماني، والمرتبة الثانية من حيث حجم العضوية. حيث يتجاوز عدد أعضائه الأربعمئة ألف عضو، وهو ما يضعه من حيث العضوية في مرتبة مباشرةً بعد الحزب الحاكم، الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي يشهد، في الأعوام الأخيرة، نزفاً متزايداً في حجم عضويته، بعد سلسلة الفضائح والإخفاقات التي لحقت به، وفشله في إخراج البلد من أزماته الإقتصادية والإجتماعية المتلاحقة.
ومعروف عن الحزب الشيوعي الياباني أنه كان يحافظ على درجة من الإستقلالية تجاه الحزب الشيوعي السوفييتي في العقود الأخيرة التي تلت الحرب العالمية، كما حافظ الحزب على موقف متوازن أبان الخلاف بين الحزبين السوفييتي والصيني منذ أواخر الخمسينيات الماضية.
وقدم الحزب الشيوعي الياباني، في العام 2004، برنامجاً سياسياً ورؤية استراتيجية جديدة إنطلاقاً من معطيات اليابان الخاصة. ويدعو البرنامج الى التحول نحو الإشتراكية على مراحل، بدءً بمرحلة تحول ديمقراطي يتشكل خلالها تحالف شعبي واسع من العمال والشغيلة والمزارعين والصيادين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويستهدف التحلل من التبعية للولايات المتحدة والتخلص من الوجود العسكري الأميركي وإنهاء سيطرة الإحتكارات الكبرى على الإقتصاد الياباني. وشهد خطاب الحزب الشيوعي الياباني ورئيسه الحالي كازوو شيئي تجاوباً متزايداً في أوساط الشبيبة اليابانية، بما في ذلك الشبيبة الجامعية، خلال السنوات الأخيرة، بسبب تفاقم الوضع الإقتصادي في اليابان ولجوء الحزب اليميني الحاكم الى قوننة صيغة عقود العمل قصيرة الأمد، مما جعل العديد من الشبان والعاملين في اليابان يشعرون بغياب الضمانات لإيجاد عمل مناسب ومتواصل لهم، حتى خريجي الجامعات منهم، بحيث بات أكثر من ثلث القوة العاملة في اليابان يعمل في مجالات العمل المؤقت أو قصير الأمد، وأكثر من 44 بالمئة منها يعملون أعمالاً جزئية، أي بدوام جزئي، وهو وضع قام الحزب الحاكم بترسيمه عبر استصدار قانون في البرلمان في العام 2002، عارضه الحزب الشيوعي بقوة، داعياً الى حماية حقوق العاملين وتوفير الضمانات الإجتماعية الأساسية لهم.
وكان الحزب الشيوعي قد حصل على 7،3 بالمئة من الأصوات في الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في العام 2005، وهو ما يوازي زهاء الـ 5 ملايين صوت، وهو رقم مهم، لكن الحزب يطمح، طبعاً، الى تحسينه في الإنتخابات القادمة المتوقعة في الخريف القادم.
وما يسهّل مهمة الحزب الشيوعي الإستقطابية هذه، في زمن الأزمة الإقتصادية المتفاقمة، هو كون الحزب الثاني المنافس للحزب الحاكم، الحزب الديمقراطي، حزباً يمينياً أيضاً، ولا يطرح، بالتالي، تغييرات جذرية على الصعيد الإقتصادي – الإجتماعي. بينما لم يعد هناك حضور للحزب الإشتراكي، الذي كان له نفوذ كبير في مراحل سابقة، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وبات خلفه، الحزب الإجتماعي الديمقراطي، حزباً ضعيفاً لم يحصل في انتخابات العام 2005 على أكثر من 5،5 بالمئة من الأصوات.
كما ان الحزب الشيوعي يلجأ الى وسائل عصرية في شرح مواقفه، معتمداً على شبكة الإنترنت ووسائل الإتصال العصرية الأخرى، وعلى مجلات أو كتب الرسوم التي تقدم برنامج الحزب وأدبيات الفكر الإشتراكي بأسلوب سلس تجعله في متناول المواطن العادي، خاصةً وأن الرسوم المطبوعة والمتحركة تحظى بشعبية واسعة في بلد مثل اليابان. وجدير بالذكر، أن صحيفة الحزب "الراية الحمراء" يتجاوز توزيعها حالياً المليون وستمئة ألف نسخة. وهكذا، يكون الحزب الشيوعي الياباني حالياً أحد أقوى الأحزاب اليسارية الجذرية في البلدان الرأسمالية المتطورة من حيث حجم العضوية والحضور الإنتخابي.

بلدان آسيا وإفريقيا الفقيرة... المصائب تتراكم، والآفاق متلبدة

أما في معظم بلدان آسيا وإفريقيا، بما يشمل منطقتنا العربية، فإن الأزمة الإقتصادية تأتي لتتراكم فوق جملة من الأوضاع المأزومة التي كانت تعيشها العديد من بلدان هاتين القارتين قبل انفجار الأزمة، سواء بسبب الفقر وقلة التطور أو قلة الموارد، أو الفساد المستشري والإستغلال الخارجي المستمر، وهو ما ظهّرته في السنوات الأخيرة تلك المشكلات الناجمة عن أزمة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها. ويبدو من الصعب، حتى الآن، رصد صعود ملحوظ لليسار في هذه البلدان، باستثناء حالات محدودة.
ويمكن هنا أن نسجّل، على سبيل المثال، حالة جنوب إفريقيا التي شهد الحزب الحاكم فيها، المؤتمر الوطني الإفريقي، تحولاً على مستوى القيادة لصالح التيار الأكثر شعبوية والأقرب الى اليسار، وهو تيار يلقى دعم قوى اليسار المنظمة الأخرى والنقابات، ويدعو الى اهتمام أكبر بوضع المواطنين البسطاء وعدم الإكتفاء بالتركيز السابق على التطور الإقتصادي الإجمالي للبلد (ماكرو- إكونوميك)، الذي هو في النهاية تطور يُفيد شريحة ثرية من البيض وقلة من الأفارقة السود، ولا ينتج عنه بالضرورة تحسن ملموس في وضع الغالبية الساحقة من المواطنين. ولكن بدايات هذه المرحلة الجديدة تبدو، حتى الآن على الأقل، صعبة وغير واضحة من حيث النتائج الفعلية الملموسة بالنسبة للمواطنين.
وهناك، من زاوية معينة، سمة مشتركة بين هذا البلد الإفريقي وبلد آسيوي عملاق مثل الهند، من حيث كون التنمية الجارية هناك في العقدين الأخيرين بوتائر عالية نسبياً أفادت، بالدرجة الأولى، القطاعات العليا وبعض الفئات الوسطى، ولم توفر تنمية متكافئة لكافة قطاعات المجتمع، وخاصة فقراء الريف وأحياء الصفيح في المدن. ولكن العملية الإنتخابية الأخيرة التي جرت في الهند خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضيين لم تُظهر تحولات لصالح اليسار، بل جاءت النتائج لصالح الحزب الرئيسي الحاكم، حزب المؤتمر الوطني الهندي، الذي قادت حكومته في السنوات الماضية عمليات خصخصة وتنمية وفق وصفات "الليبرالية الجديدة". ومن المبكر الحكم إذا ما كانت هذه الظاهرة الإنتخابية عرضية أو أكثر عمقاً واستدامةً. وكل شيء يتوقف على الدروس التي يستخلصها اليسار الهندي مما حصل في العملية الإنتخابية، وهو يسار ذو خبرة طويلة ووعي فكري وسياسي متقدم.
وتنبغي الإشارة هنا الى ظاهرة قد تتطور، وقد تتراجع، في بلد بهذا الحجم، خاصة إزاء تفاقم أوضاع سكان الريف، حيث يجري، في حالات عديدة، انتزاع الأراضي من المزارعين لصالح الشركات والمشاريع الكبرى. والظاهرة المقصودة هي ظاهرة العمل المسلح، وهي ظاهرة قديمة نسبياً، حيث بدأت منذ الستينيات الماضية، بحدود معينة، ولكنها شهدت انتعاشاً في السنوات الأخيرة بسبب ما ذكرناه من تنمية إقتصادية غير متكافئة يدفع ثمنها فقراء الريف بشكل خاص. ومن الصعب المقارنة على هذا الصعيد مع بلد متاخم أصغر كثيراً من الهند وأقل تطوراً، وكان يعيش وضعاً استبدادياً متخلفاً، مما فتح المجال أمام نمو الحركات اليسارية الجذرية في هذا البلد، بما فيها تلك التي مارست العمل المسلح ولقيت تجاوباً شعبياً واسعاً، والمقصود طبعاً هو النيبال، المملكة السابقة التي تحوّلت مؤخراً الى جمهورية، وتحتل فيه القوى اليسارية الجذرية ثقلاً كبيراً.

***
أما في المنطقة العربية، فبالرغم من وجود سمات خاصة بكل بلد، إلا انه يمكن الحديث عن اتجاه عام يجعل التدهور في الوضع المعيشي، وفي الأوضاع السياسية والإجتماعية عامةً، يصب في الغالب لصالح اللجوء الى الدين والتيارات السياسية التي ترفع شعارات دينية، وهي تيارات استطاعت في العديد من البلدان العربية أن تستقطب لصالحها الإستياء الشعبي المتزايد الناجم عن ممارسات السلطات والشرائح الإجتماعية الحاكمة والمسيطرة، وعن استمرار تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لغالبية المواطنين.
فيما لم تتمكن قوى اليسار حتى الآن، في غالبية الحالات، من أن تلعب دوراً بارزاً، حتى في البلدان التي كان فيها حضور قوي لهذا اليسار في مراحل تاريخية سابقة، بين الخمسينيات والثمانينيات الماضية خاصةً. فقد عانى اليسار العربي عامةً من جملة من العوامل الموضوعية والذاتية، من بين أبرزها انعكاسات انهيار تجربة الإتحاد السوفييتي. ولكن من الضروري التدقيق أيضاً في الأسباب الذاتية لهذا التراجع.
وإذا أخذنا الإنتخابات اللبنانية التي جرت في مطلع حزيران/يونيو الحالي، على سبيل المثال، ونحن هنا نتحدث عن بلد صغير نسبياً واستثنائي في المنطقة من حيث تركيبته المتنوعة على الصعيد الديني والمذهبي ومن حيث التعددية السياسية وهامش الحريات الواسع المتوفرة فيه، نرى أن الإصطفاف اتخذ في غالب الحالات طابعاً طائفياً ومذهبياً في هذه الإنتخابات، بمعزل عن مستوى التطور الثقافي والإقتصادي المتقدم نسبياً لهذا البلد مقارنة ببلدان أخرى في المنطقة. فيما لم يتمكن اليسار المستقل من تحقيق أي حضور له في المجلس النيابي الجديد. ويمكن تسجيل ملاحظات شبيهة حول الوضع في العراق من حيث الإصطفاف الديني والطائفي، الى جانب الخصوصية القومية الكردية، دون إغفال انعكاسات الحالة المأساوية التي يعيشها البلد على أرضية الإحتلال الأميركي – البريطاني له.
كما يمكن تلمُّس انعكاس الأزمة على اليمن بزيادة حجم الإضطرابات في المناطق الريفية، كما في مناطق جنوب البلد، الذي كان بلداً مستقلاً حتى العام 1990، حين تم توحيد شطري اليمن. وقد وصل تأزم الأمور في الجنوب الى حد تنامي الدعوات العلنية للإنفصال والعودة الى دولة مستقلة في الجنوب، وهو ما عززه الشعور لدى قطاعات واسعة هناك بأن التنمية لا تجري بشكل متكافئ بين شطري البلد، وأن هناك إجحافاً بحق الجنوب. وتشهد بلدان عربية أخرى تجليات مختلفة لانعكاسات تردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية، تصل في حالة بلد مثل السودان الى حد تهديد بقائه كبلد موحد، خاصة مع تفاقم التدخلات الخارجية في أوضاعه، ناهيك عن الحالة المزرية التي يعيشها بلد بات ممزقاً مثل الصومال.
من زاوية أخرى، فإن انعكاسات الأزمة الإقتصادية على البلدان العربية الغنية بالنفط والغاز الطبيعي وقليلة السكان، وخاصة دول الخليج، أثّرت بالدرجة الرئيسية على العمالة الوافدة، وهي تتشكل بالأساس من العمال والموظفين العرب، ومن الأيدي العاملة الآتية من بلدان جنوب آسيا، باكستان والهند وبنغلادش بشكل خاص.

مهمات مباشرة لليسار... تهيئةً لتحولات جذرية لاحقة

ويبقى أن نشير، انه، بمعزل عن قدرة النظام الرأسمالي على تجاوز الأزمة الإقتصادية الراهنة، وهذا احتمال وارد، إلا أن هذا التجاوز لن يزيل، على الأغلب، عناصر الإختلال التي قادت الى هذه الأزمة، والتي يمكن أن تتجدد بأشكال أخرى، وربما حتى بصيغ أكثر حدةً، في مراحل قادمة.
ومن المفترض أن تكون قوى اليسار، بالتالي، أكثر استعداداً في السنوات القادمة لمواجهة هذه الإحتمالات وتحويلها لصالح مشروعها الجذري، أي لصالح تجاوز النظام الرأسمالي ولصالح التحول نحو توفير مقدمات الإنتقال نحو نظام أكثر عدلاً على الصعيد العالمي، وباتجاه المساهمة في هذه المهمة الكبرى لرسم معالم ما أسماه طليعيو أميركا اللاتينية "إشتراكية القرن الحادي والعشرين".
وفي هذا السياق، أعتقد أن من المفيد الأخذ ببعض المهمات المباشرة التي طرحها المفكر اليساري المصري البارز سمير أمين لقوى اليسار والقوى الشعبية في إحدى مداخلاته في أواخر العام 2008. ويمكن تلخيصها، مع بعض الإضافات، بالعناوين التالية:
* العمل من أجل نظام عالمي آخر قائم على تعددية القطبية وعلاقات دولية أكثر إنصافاً، ونظام إقتصادي ومالي أكثر تكافؤاً، لا يتحول الى غطاء لمصلحة دولة أو مجموعة قليلة من الدول.
* العمل على إعادة تنظيم وحدة الشغيلة في كل بلد عبر إيجاد أشكال تنظيمية ملائمة للمرحلة الجديدة، التي ستبقى، على الأرجح، تتميز بتنامي نسب البطالة وغياب الإستقرار في فرص العمل وفي الوضع الإقتصادي عامةً. والأشكال التنظيمية المقصودة هنا تشمل الجانب السياسي، كما الجانب النقابي. ومن الضروري، بالطبع، الإستفادة من تجارب الماضي على هذا الصعيد، والإستناد، بالتالي، على تعميم ممارسة الديمقراطية الشعبية الحقيقية في هذه الأطر.
* مجابهة سعي القوى الرأسمالية واليمينية المسيطرة لتفتيت المجتمع وتنمية نزعات الإنكفاء عن العمل العام والجماعي، وتشجيع الإكتفاء بالبحث عن الخلاص الفردي، أو الهروب الى الحلول الغيبية، خاصةً في ظل استمرار تردي الأوضاع الحياتية للناس، وفي ظل فرض أجواء من المنافسة المتزايدة على فرص العمل، المتقلصة بوتيرة متزايدة.
* التركيز على مناهضة التجليات العسكرية والعدوانية المحتملة لتفاقم أزمة النظام الرأسمالي، وذلك من خلال العمل على إنهاء الأحلاف والمشاريع والقواعد العسكرية الكونية والإقليمية التي تزيد من التوتر في أنحاء العالم، بدءً من حلف شمال الأطلسي وامتداداته المتسعة جغرافياً في شرق أوروبا وفي آسيا وإفريقيا، وانتهاءً بالآلة العسكرية الإسرائيلية العدوانية في منطقتنا، والتي يتم استخدامها كأداة ضاربة إقليمية ضد محاولات شعوب المنطقة أخذ مصائرها ومواردها الطبيعية بأيديها.
* التصدي لمحاولات القوى اليمينية المسيطرة في بلدان "الشمال" لإدامة هيمنتها وتكريس استمرارية نظام من "الأبارتايد" الكوني بين "الشمال" الغني المتمتع بالرخاء الواسع و"الجنوب" الفقير والمستغلة موارده الطبيعية لصالح هذا "الشمال". وهذا "الأبارتايد" بات ملموساً بصورة مباشرة ومصغرة في بلدنا المحتل، فلسطين، حيث تتجاور مستوطنات الإحتلال في القدس والضفة الغربية مع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية المحيطة، التي تعيش حالة من البؤس والفقر المتزايدين، في استعراض وقح لمستوى الرخاء والتطور الرأسمالي الإسرائيلي. ويمكن تلمّس هذا "الأبارتايد" أيضاً في نمط الإستغلال البذيء لمصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية المحتلة لصالح المستوطنات الإسرائيلية مقابل ترك القليل منها لسكانها الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين وثرواتها الطبيعية. ولا شك انه من مصلحة القوى الشعبية وقوى اليسار في البلدان الرأسمالية المتطورة، برؤية استراتيجية لمستقبل شعوبها، أن تتسلح بموقف أممي متضامن مع "الجنوب" وشعوبه، وليس مدافعاً عن الإمتيازات قصيرة الأمد التي تتحقق لسكان "الشمال" من عملية الإستغلال المستمرة لـ"الجنوب". ومن هنا، أهمية التأكيد على أن مناهضة الإمبريالية عنوان رئيسي ومركزي في برنامج اليسار الجذري في المرحلة الراهنة والمراحل القادمة، سواء أكان ذلك في بلدان "الشمال" المتطورة إقتصادياً، أو في بلدان "الجنوب"، بطبيعة الحال.
* وفي هذه البلدان الأقل تطوراً، بلدان "الجنوب"، هناك أهمية كبرى للدفاع عن ملكية الشعوب لمواردها الطبيعية، والعمل على تنمية القطاع الزراعي لتأمين أعلى درجة ممكنة من الإكتفاء الذاتي، وكذلك، حيث أمكن، من التكامل على صعيد إقليمي، كما تحاول أن تفعل بعض بلدان أميركا اللاتينية في سعيها للتكامل والتعاون الإقليمي، بديلاً عن الإرتهان لمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ونموذج أميركا اللاتينية نموذج مفيد، بالتأكيد، للأخذ به في منطقتنا العربية، حتى ولو كان التكامل على صعيد مناطق أو تجمعات إقليمية جزئية متقاربة جغرافياً.
***
وعلى الصعيد الفلسطيني، لا شك أن التبعية الإقتصادية لدولة الإحتلال، إسرائيل، التي هي جزء من النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ومشروع إمبريالية صغيرة إقليمية، تضع عوائق كثيرة أمام تطور المجتمع الفلسطيني وتنمية طاقاته، بما في ذلك في مجال الزراعة، الذي لا زال مجالاً مهماً في خارطة الإقتصاد الإنتاجي الفلسطيني، وما زال يتعرض لمنافسة غير متكافئة مع سلع الدولة القائمة بالإحتلال، ناهيك عن الإعتداءات المستمرة التي يتعرض لها المزارعون الفلسطينيون من قبل المستوطنين الإسرائيليين في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وكل أشكال الإعاقات والإضطهاد والإذلال التي يمارسها جيش الإحتلال في القدس والضفة الغربية، والحصار التجويعي الذي يفرضه على قطاع غزة، وكل ذلك بهدف زرع اليأس والقنوط وروح الإستسلام لدى الشعب الفلسطيني ومحاولة دفع مواطنيه الى الهجرة خارج فلسطين، في سياق عملية "تطهير عرقي" غير معلنة، أو غير مباشرة. ولا يُغيّر من الأمر كون الآثار الفعلية للأزمة الإقتصادية العالمية غير ملموسة بحد ذاتها للمواطن الفلسطيني العادي، الذي يعاني، على أية حال، منذ سنوات طويلة، من تردي أوضاعه المعيشية والحياتية، بحيث لا يستطيع أن يميز بين الآثار السلبية لممارسات الإحتلال وبين ما يمكن أن يكون انعكاساً للأزمة الإقتصادية العالمية.
ومن مهمات اليسار الفلسطيني الرئيسية، بالتأكيد، الى جانب المشاركة الفاعلة في النضال التحرري الوطني بهدف إنهاء الإحتلال وتحقيق الإستقلال الوطني وإزالة الغبن اللاحق بالشعب الفلسطيني، بما في ذلك بملايين اللاجئين منه، داخل الأرض المحتلة وخارجها، من بين هذه المهمات الدفع باتجاه تنمية إقتصاد وطني مستقل وقادر على توفير الصمود للمواطنين في أرضهم، يؤمّن شيئاً فشيئاً فك الإرتباط مع الإقتصاد الإستعماري الإسرائيلي وينفتح على بلدان المحيط العربي والبلدان الصديقة الأبعد. كما من الضروري والحيوي لقوى اليسار الدفاع عن مصالح وحقوق الفئات الشعبية المتضررة من استمرار الإحتلال ومن غياب التنمية المستدامة أو استمرار الإعتماد على التمويل الخارجي، مع تنامي شرائح رأسمالية وبيروقراطية طفيلية تابعة، مستفيدة من علاقاتها مع رأس المال الخارجي، وأحياناً حتى على حساب الإقتصاد المحلي وآفاق تنميته وصموده.
ولا شك أن الوحدة الوطنية هي قضية مركزية وضرورية في مرحلة التحرر الوطني، في وضعنا الفلسطيني خاصةًً كشعب صغير يواجه عدواً أقوى بما لا يقاس منه. لكن اليسار في الحركة الوطنية ينبغي، في الوقت ذاته، أن يحافظ على دور متميز في مجال الدفاع عن مصالح وحقوق الفئات المغبونة، من قطاعات الشغيلة والمزارعين وصغار الموظفين وأصحاب المشاريع الصغيرة والعاطلين أو شبه العاطلين عن العمل، وهم باتوا نسبة عالية من قوة العمل المفترضة، وبالتالي من مجمل الجمهور الفلسطيني.


*** هذه المادة هي تطوير لمداخلة تم تقديمها في ندوة انعقدت في رام الله (فلسطين) في أواخر حزيران/يونيو 2009 وتناولت تجارب تفعيل دور اليسار وتوحيد قواه في العالم وفي فلسطين، بحضور عدد من المشاركين اليساريين من بعض بلدان أميركا اللاتينية وأوروبا ومن الهند.






#داود_تلحمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار الأوروبي: هل من مؤشرات للخروج من المرحلة الرمادية؟
- لماذا تراجع اليسار في انتخابات الهند الأخيرة؟
- على خلفية خطوات فنزويلا وبوليفيا التضامنية ابان محنة غزة... ...
- من ستالينغراد، عام 1943، الى معارك جورجيا 2008... تطورات الق ...
- حول سمات وآفاق الوضع الفلسطيني بعد الحرب على غزة (من ندوة لم ...
- هل بالإمكان تجاوز الأزمة الإقتصادية العالمية بدون حروب كبيرة ...
- نجاحات جبهة فارابوندو مارتي الإنتخابية في السلفادور تؤكد است ...
- الحرب على غزة... وخطة شارون- داغان لتصفية مشروع الإستقلال ال ...
- بعد عشر سنوات على رحيل عالم التاريخ والتراث هادي العلوي...ما ...
- نهاية نهاية التاريخ..!
- حول الموقف السوفييتي من مسألة فلسطين في العامين 1947-1948
- حول بعض الملاحظاتٍ على كتاب -اليسار والخيار الإشتراكي-
- في أربعين -الحكيم- جورج حبش... نكبات فلسطين المتعاقبة وتحديا ...
- -اليسار والخيار الإشتراكي... قراءة في تجارب الماضي وفي احتما ...
- 90 عاماً على الثورة البلشفية في روسيا.... هل كان بالإمكان تف ...
- حروب النفط والصراعات على منابعه وممراته مرشّحة للإتساع
- القرن 21 سيكون قرناً آسيوياً؟
- صعود الصين وتنامي استقلالية روسيا...يؤشران لتوازنات عالمية ج ...
- ملاحظات على هامش إنتخابات الرئاسة في فرنسا
- اليسار يرسم خارطة جديدة لأميركا اللاتينية، ومشروع عالم بديل


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - داود تلحمي - هل تفتح الأزمة الإقتصادية العالمية آفاقاً جديدة أمام اليسار؟