أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبده وازن - سنة الجائعين














المزيد.....

سنة الجائعين


عبده وازن

الحوار المتمدن-العدد: 2700 - 2009 / 7 / 7 - 09:19
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



الإثنين, 06 يوليو 2009
< شاهدت على احدى الفضائيات العربية فيلماً وثائقياً عن الجوع في العالم، وكانت المذيعة الشابة أشارت مسبقاً الى ان الفيلم موجّه للكبار فقط لأنه يتضمّن مشاهد قاسية، وأفادت من ثم أن الفيلم أنجزته احدى الوكالات الإعلامية العالمية «احتفاء» بالجائعين الذين تخطى عددهم هذه السنة المليار بحسب منظمة «الفاو».

كان الفيلم قاسياً جداً على عادة الأفلام التي تصوّر الجائعين والتي يشاهدها «مواطنو» العالم في منازلهم وهم مسترخون على الكنبات وفي أيديهم أجهزة «الريموت كونترول». وفعلاً أغمضت عينيّ أمام بعض المشاهد التي تتجاوز مفهوم «القـسوة» لتصبح لاإنسانية أو وحشية بالأحرى. هل يمكن تخيّل طفل يرضع ثدي أمّه فلا يجد فيه حليباً فيصرح بصوت مخنوق؟ أليس من حقه الذي منحته اياه الطبيعة أن يحصل على الحليب من هذا الثدي؟ ولكن إذا كـان الـثدي ضـامراً ومتهدّلاً مثل كيس من قماش فمن أين يسيل الحليب؟

لا يمكن وصف هذه المشاهد التي التقطتها الكاميرات من «ضواحي» العالم أو من أطرافه شبه المنسية والمعدمة، من الدول التي لا أدري لماذا تسمى «نامية» وهي دون مرتبة النمو، من آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا وأميركا اللاتينية والكاريبي والشرق الأوسط... لا يمكن وصف تلك النسوة السمراوات أو السوداوات اللواتي لم يبق منهن سوى وجوه نحيلة وشفاه مشققة وأضلاع نافرة، يجلسن على الحجارة تحت الأشجار أو يقفن أمام أكواخهنّ، نظراتهن خفيضة وألمهنّ لا يُحدّ! أما الأولاد فليسوا يختلفون عن أمهاتهم، بقهرهم وتعاستهم، وبخيبتهم التي لا يجدون لها معنى، وكذلك الرجال الذين حوّلهم الجوع الى أنصاف أو أرباع رجال. أطياف لا يكاد المرء يبصرها من شدّة هزالها أو تضاؤلها. ولم تنس الكاميرا نقل صور لأطفال مصابين بمرض غريب سببه الجوع، وقد تغيّر لون شعرهم وغزا وجوههم طفح من بثور...

يشعر المرء بالخزي أمام مثل هذه المشاهد التي يقال فيها، أقل ما يقال انها «وحشية». مشاهد كهذه أشدّ قسوة من مشاهد القتل والإبادة... الضحايا هنا يموتون ولا يبصرون ما حصل، لا يرون أجسادهم تتمزّق وأشلاءهم تتطاير في الهواء. أما أولئك الذين يحيون على حافة الجوع فهم يبصرون أنفسهم وهم يموتون ببطء أو يحتضرون جوعاً بصمت.

يشعر المرء أمام هذه المشاهد بالخزي ويكتشف أنه ليس بإنسان، يدرك أن حضارة عصره ليست بحضارة وأن العولمة كذبة كبيرة وكذلك الثورات الحديثة على اختلاف حقولها... لقد فشلت حضارة العصر في انقاذ العالم من الجوع بل في الحدّ من تفاقمه وانتشاره. العالم يتقدّم والعلم يتقدّم لكن الجوع يتقدّم أيضاً والفقر والمهانة والذلّ. وعاماً تلو عام يزداد عدد الجائعين، وقد تخطى هذه السنة الخط الأحمر: أكثر من مليار جائع في العالم! هل يمكن تصوّر هؤلاء الجائعين؟ هل يمكن تخيل ماذا يفعل هؤلاء؟ كيف يقضون نهارهم؟ كيف ينامون؟ كيف يستيقظون؟

كان حرياً بهذه السنة أن تسمى «سنة الجائعين»! لقد تخطى الجائعون المليار (أو البليون بالإنكليزية)، وهذا رقم لم يبلغوه قبلاً، وهم الى ازدياد كما «تبشرنا» الوكالات العالمية. هذه السنة، سنة الانهيار المالي، أكل أثرياء العالم «الحصرم» لكن فقراء العالم هم الذين ضرسوا وجاعوا... هم أيضاً يدفعون ثمن الأخطاء التي يرتكبها العالم الحديث أو ما بعد الحديث، يدفعون الثمن باهظاً جداً.

ما أبشع عبارة «سوء التغذية» التي تستخدمها المنظمات الدولية في كلامها عن الجوع. الجوع لا يُسمى إلا جوعاً، جوعاً ومجاعة... «سوء التغذية» عبارة لا جدوى لها أمام تلك المشاهد «الوحشية» التي تصوّر أحوال الجائعين في العالم غير «النامي». هل هؤلاء الأطفال الذين يحيون على الرمق الأخير يعانون «سوء تغذية»؟ أي سوء تغذية هذا الذي تعانيه امرأة أضحت شبحاً هزيلاً؟

أكثر من مليار جائع في العالم... هذا الخبر الذي حمله بيان منظمة «الفاو» قبل أيام كاد أن يمر كأي خبر عادي، بلا صدى ولا أثر. مواطنو العالم الأول لا وقت لديهم ليضيعوه في مثل هذه القضايا، العلماء في مختبراتهم يبحثون عن مستقبل أفضل، الأطباء في المستشفيات، القضاة والمحامون في المحاكم، رواد الفضاء في مركباتهم، الموظفون في مكاتبهم، مصمّمو الأزياء يتبارون على المسارح، الأطباء البيطريون ينهمكون في معالجة الحيوانات الأليفة... وآخر أخبار العلم اختراع «روبوت» يمكن اخضاعه للتربية العائلية وكأنه طفل.

الجائعون وحدهم ينظرون الى السماء، ينظرون اليها حتى تمسي عيونهم زرقاً من كثرة ما نظروا الى السماء وبكوا، كما قال شاعر مرّة.
عن الحياة اللندنية



#عبده_وازن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائية المنسية منى جبّور كتبت -فتاة تافهة- في السادسة عشرة ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبده وازن - سنة الجائعين