أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أوباما، وغرفةُ الجلوس














المزيد.....

أوباما، وغرفةُ الجلوس


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2701 - 2009 / 7 / 8 - 08:38
المحور: حقوق الانسان
    


في معظم البيوت المصرية، غرفةٌ مغلقةٌ دائمًا. لا تنفتحُ إلا إذا جاءَ ضيفٌ مُهمٌّ. نسميها "الصالون" في المدينة، ونسميها "غرفةَ الجلوس" عند أثرياء الريف المصريّ، و"المَنْدَرَة" عند عامّته. نفتحُ الغرفةَ وندخلُ، خِلسةً مع الضيف، كي نتلصصَ على مكوّناتها. نجدُ فاخرَ الرياش وأجملَه، نظيفةٌ دائمًا، لا شائبةَ تشوبها ولا ذبابةٌ تحوّم في فضائها، أغلى سجاجيدِ البيت تُفرَش على أرضها، وفوق أرائكها أجملُ أقمشة التنجيد، وعلى حوائطِها مصقولةِ الطِّلاء ترتفعُ الستائرُ المكويةُ وصورُ العائلة. وإن كان ثمة مكيّفُ هواءٍ وحيدٌ بالشقة، فليس أولى به إلا هذه الغرفة، التي مخصصةٌ للضيف العزيز، الذي سيزورنا ساعةً أو بعضَ ساعةٍ كلَّ عام. بقيةُ غرفِ البيت، التي يتكدس فيها أصحابُ البيت طوالَ أيام الأسبوع، طوالَ العمر، هيئتُها كيفما اِتُفق، حسبَ ثقافة ربّةِ البيت وآله وصحبِه. هُم أهلنا "ومنّا وعلينا". ما ضُرَّ لو عَوَز الحيطانَ الطلاءُ منذ عشر سنين! ما ضُرَّ لو اهترأت السجاجيدُ والستائرُ والفُرُشُ أو نسيتْ أن تغتسلَ! لا ضير لو انخلعت ضلفاتُ الدواليب وتصدّعت المرايا! حمّامُ الضيوف، نظيفٌ مصقولٌ مُعطَّرٌ، وحمّامُ الأسرة فليكنْ كيفما يكون.
ويقول كثيرٌ من المصريين إن مؤسسةَ الزواج فاشلة. يقول الرجلُ: "انظروا إلى المصرية بعد الزواج كيف لا تخلعُ الجلبابَ الكستور، ولا تمشِّطُ شعرَها، ولا تبرحُ التكشيرةُ وجهَها، بينما حين تخرج تكون على "سِنْجة عشرة"! وتقول المرأةُ الشيءَ نفسه: "الرجلُ يجلس في البيت بالبيجامه المقلمة المكرمشة. شعره منكوش وشواربه وذقنه مهوشة، شكله "يقطع الخميرة من البيت"! وحين يتهيأ للخروج تجد البارفان وقد فاح، والقميص المكوي والكرافات والبنطلون كسرته مثل حدِّ السيف!" هكذا نهتمُّ، نحن المصريين، بـ"الآخر". نحرصُ على أن نظهر أمامه في أبهى صورنا. هذا الآخرُ الذي يدخلُ بيتَنا ضيفًا، أو ذاك الآخرُ الذي نخرج إليه من بيوتنا زميلاً في العمل كان، أو صديقًا أو عابرَ سبيل. تلك ثقافةٌ ونهجٌ فكريّ، وليس مجرد سلوك عابر. رغم أن الأصلَ هو أن نتجمَّلَ لأنفسِنا؛ لأننا نستحقُ أن نكون جميلين وأن نرى أنفسَنا وما حولنا جميلا ونظيفًا!
هو ذاتُه ما شهدناه بالأمس القريب حينما زارنا أوباما ساعتين. ازدانتِ الشوارعُ بالزهور واغتسلتْ بالماء والصابون وطُليت الأرصفةُ بمصقول اللون. وبمجرد أن غادرَ أرضَ مصر، عادتِ الأمورُ سيرتَها الأولى! حتى أن الفنان عمرو سليم رسم كاريكاتور معبّرًا في "المصري اليوم" صبيحةَ مغادرته: اثنان من عمال النظافة يحملان المقشةَ والدلو، واقفيْن يرتجفان أمام مسئول مُكشّر يزعقُ آمرًا: "خِلصتْ الحدوتة وأوباما مشي. الزبالة اللي كانت حوالين الجامعة ترجع مكانها عشان دي عهدة. وحِسّكم عينكم الدبَّان والناموس ينقصوا، عاددهم بالواحدة!".
والحقُّ أن الأمرَ ليس مزحةً. لأن عدسات الصحف المصرية، المستقلة طبعًا، التقطت بالفعل صورًا للعمال وهم يرفعون أواني الزهر الفخارية عن منطقة مسجد السلطان حسن وتحميلها في سيارات "محافظة القاهرة"، فور مغادرة أوباما المسجد! كأنما سكّانُ مصرَ "خسارة فيهم" النظافة والجمال، اللذان استحقهما الأمريكيُّ الذي لم تَدُم زيارتُه مصرَ إلا ساعاتٍ قليلةً.
تلك الثقافةُ المصرية، وإن وشت بالاحتفاء بالآخر، إلا أنه احتفاءٌ شكلانيّ مظهريّ غير مضمونيّ. فلم نعهد هذا الاحتفاء بالآخر مَعْنيًا بقبول الآخر في اختلافه معنا فكريًّا أو عقائديًّا. هنا يظهرُ الوجهُ الحقيقيُّ؛ فنتناحرُ ونتقاتلُ ونسبُّ ونلعنُ ونُكفِّر! وهذا جوهرُ اختلافنا مع الغرب، وأحد أهم أسباب تأخرنا.
لو زرتَ الغربيَّ في بيته، فلن يفتح لك الصالونَ المغلَق، لأنْ ليس لديه صالونٌ مغلق. سيُجلسك في غرفة المعيشة مع أسرته. ولن يقدم لك الطعامَ على سُفرة طويلة يظهر من وراءها نيشٌ ضخم بمرايا يضمُّ صحونًا ثمينةً وفضيّات لا يستعملها أحد، بل ستأكل في المطبخ الواسع العمليّ النظيف، حيث يأكلُ هو أسرتُه. وسيستقبلكَ الغربيُّ بملابسَ بسيطةٍ كالتي يلبسها كلَّ يوم. سيبتسمُ في وجهك ببساطةٍ، ويحاوركَ ببساطةٍ، ثم يحترمكَ بعمق، وإن كنتَ مختلفًا معه في العقيدة أو في الفكر. - جريدة "اليوم السابع 16/6/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أجملُ قارئ في العالم
- فلتقصّ الشريطَ تلك السيدة!
- مقابر جماعية للمصريين
- ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى
- المواطَنة ودرس الفلسفة
- هذا شابٌ من جيلي
- مصر
- سألتُ الأستاذَ: لمَن نكتب؟
- وأكره اللي يقول: آمين!
- الغُوْلَة
- -شباب يفرح القلب-
- بل قولوا إنّا شبابٌ صغار!
- إنهم يذبحون الأخضرَ
- مصرُ التي خاطرهم
- القططُ المذعورة
- لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!
- أيها الطائرُ الخفيف، سلامٌ عليك
- فريدة النقّاش، صباحُ الخير
- عزازيل ومرآة ميدوزا
- لشدّ ما نحتاجُ إليكَ أيها الشارح


المزيد.....




- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أوباما، وغرفةُ الجلوس