أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ياسين الحاج صالح - الطائفية والأحوال الشخصية في سورية















المزيد.....

الطائفية والأحوال الشخصية في سورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2697 - 2009 / 7 / 4 - 09:37
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


أشرنا في مقالة سابقة (الجريدة، 25/6) إلى أن جميع واضعي مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد في سورية ذكور مسلمون (سنيون)، وحسب معلومات أتيحت مؤخرا يبدو أن بعضهم كانوا مشتغلين بالقضاء الشرعي. ما شأن هؤلاء ليضعوا أحكاما تخص الدروز والمسيحيين واليهود ("الكتاب" الحادي عشر من المشروع)؟ التساؤل مبرر بواقع أن مشروع القانون ينضبط بتصور السوريين كمجموعات دينية، لا كمواطنين ينتظمهم قانون واحد. مجموعات دينية؟ إذن فلتشرع كل واحدة لنفسها. ثم يحال الكل إلى لجنة عليا،
تصدر المجموع في قانون شامل للأحوال الشخصية. أما أن ينظر إلى السوريين كمجموعات معرفة بأديانها، ثم يتولى مشرعون منسبون إلى جماعة واحدة التشريع لغيرهم فهذا غير مقبول شكلا، حتى لو راعى هؤلاء المشرعون شرائع المجموعات المعنية بأتم الحرص.
والحال إنهم لم يفعلوا. في لغته، وفي عشرات من مواده، استخدام المشروع رطانة فقهية إسلامية قديمة، وأظهر فظاظة في المشاعر حيال غير المسلمين، واستخدم تعابير استفزازية بحقهم، غريبة على العصر وعلى قراءات أكثر انفتاحا لـ"الشريعة الإسلامية".
في المادتين 38 و48 من مشروع القانون استخدمت كلمة "ذمي" التي تضمر نظرية سياسية تكون السيادة وفقا لها للمسلمين، ويكون غير المسلمين منقوصي المواطنة. والحال إن هذه النظرية تنتمي لنظام فكري متمركز حول الدين والسماء، مما لم يعد مطابقا لعصرنا، ومما تعد المثابرة عليه تنطعا واستبدادا بأمر الناس جميعا، المسلمين كما غير المسلمين. وفي غير مادة تكلم المشروع على الارتداد عن الإسلام وعلى المرتدين.. يقرر بند في المادة 63 مثلا عدم انعقاد "زواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة ولو كان الطرف الآخر غير مسلم".والسؤال هنا: من يعرف المرتد والمرتدة، ويقرر انطباق التعريف على هذا أو هذه؟ ويبدو أن هناك إجابة ممكنة على هذا السؤال في المادتين 21 و22 اللتين تتكلمان على إنشاء نيابة عامة شرعية تتولى النظر في أمور بينها "فسخ الزواج" حتى لو لم يكن للمدعي مصلحة في ذلك. هذا ما رأى فيه حقوقيون فتح باب لدعاوى الحسبة، وما تفتحه من باب للكيد، ومحاسبة محتملة للمعارضين للسلطة الدينية من مثقفين علمانيين ونساء متحررات، فضلا عن تعارضها مع مبدأ حصر السيادة بالدولة (ينبغي القول إن فكرة قانون غير مدني للأحوال الشخصية تتعارض بحد ذاتها مع وحدانية السيادة واستقرارها في الدولة). ويعرف المشروع كفاءة الزوج بـ"الصلاح في الدين وعرف البلد غير المخالف للشرع" (المادة 53)، ما يعني منح الجهات الدينية سلطة تحديد صلاح الناس من عدمه، وما يجعل معيار الصلاح "الشرع" كما يحدده القائمون عليه. وفي المادة 155 يقرر المشروع أن نفقة الزوجة على زوجها "ولو كانت كتابية". وكلمة "لو" هنا تبخيسية واستفزازية و"طائفية". أما محتوى المادة فمؤشر على نزعة شرعوية ضيقة، منفصلة تماما عن حس العدالة، ناهيك بـ"المودة والرحمة".
وقبل ذلك، كان المشروع قرر في المادة 13 أنه "عند اختلاف طائفة الزوجين تكون المحكمة المختصة بالنزاع المتعلق بالحقوق المبينة في المادة السابقة (الزواج والمهر وانحلال الزواج...) هي محكمة الطائفة التي ينتمي إليها الزوج". في هذه المادة ضرب من شطارة لا يكاد يكون خفيا. فمن المعلوم أنه عند اختلاف الدين بين الزوجين يكون الزوج دوما مسلما، لأنه سيتعين عليه إن كانت الزوجة مسلمة وكان أصلا غير مسلم أن يتحول إلى الإسلام.
ليس الغرض استيفاء مواد المشروع التي تتضمن تمييزا دينيا فظا، فقد تناولتها عشرات المقالات الناقدة للمشروع. أختم بهذا البند من المادة 38: "تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية، حين الضرورة، ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية"! هذا بند يجمع بين التمييز الديني والجنسي والفظاظة والافتقار التام إلى حس العدالة.
في المجمل المشروع متمركز بصورة فظة حول "الإسلام" و"الشرع الإسلامي"، المتماثل مع ذاته دوما، بصورة لا تراعي مصلحة سورية والمجتمع السوري اليوم. لافت للنظر أن المشروع لم يصدّر بمقدمة تحدد "فلسفته" أو الرؤية العامة التي ينضبط بها، من نوع الحرص على أسرة سورية متماسكة وفاعلة، أو العمل على قيام مجتمع سوري موحد ومتفاهم وضامن للمساواة بين أفراده أو جماعاته، أو التوجه نحو أوضاع اجتماعية وأسرية أكثر عدالة وإنصافا وتجاوبا مع مقتضيات التنمية، دون أن نقول شيئا عن "الوحدة الوطنية" وتعاطف السوريين وتوادهم فيما بينهم. والواقع أن فكرة أحوال شخصية دينية تتعارض ماهويّاً مع الوحدة الوطنية وتثبت الطائفية. في مشروع القانون الشخصية هذا، وفي القانون الساري حاليا، السوريون مسلمون و"كتابيون".. وليسوا مواطنين. أو لنقل إن المشروع والقانون الحالي لا يمنعانهم من التصرف في أحوالهم الشخصية كمواطنين فقط، وإنما يلزمانهم بالتصرف كمسلمين ومسيحيين وغيرهم، فلا يعترف بوجود لا-مؤمنين ولا بعلمانيين، ربما يكون بعضهم مؤمنين لكنهم لا يريدون مراعاة الحواجز القانونية المنصوبة بين الجماعات الدينية.
على أن المشروع الذي بين أيدينا ليس طائفيا بمعنى تعريف المشرَّع لهم بأديانهم، بل كذلك لأنه يمنح سلطة التشريع لواحد من هذه الأديان، ولأنه يستخدم تعابير استفزازية في حق جماعات دينية أخرى، ما يمثل خَرَقاً وقلة حكمة حتى من وجهة نظر معيارية إسلامية، وما قد يهدد السلم الوطني. وهو بعد طائفي بمعنى قد لا يكون ظاهرا، ولم يكد يشير إليه أحد ممن تطرقوا إلى المشروع: إنه يضع "سلطة تعريف الإسلام" بيد النسخة السنية من الإسلام. ومن وجهة نظر وطنية وحقوق إنسانية ليست هذه شرعية أكثر من غيرها، وإن تكن "أكثرية". لست افتعل مشكلة، لكن ليس لنا أن نحتج على ما هو غير عادل إلا حين يتفجر علانية. هذا حمق وقصر نظر. هذا فضلا عن أن الأمر ليس مكتوما إلى الحد.
قبل شهور تزوج صديقان شابان لي، رجل مسيحي وامرأة مسلمة تحابّا لسنوات. لكل منهما بيئته الاجتماعية التي لا يرغب ولا يرى مبررا للانفصال عنها. ولقد كان عليهما سلوك طرق متعرجة من أجل إتمام زواجهما بطريقة لا تمس بكرامة أي منهما، فكان أن صارا معا مسلمين ومسيحيين في الآن نفسه. ومع ذلك خسرا بعض روابطهما العزيزة. هذا مسيء للمجتمع السوري ككل. نعرف المحطة الأخيرة لتجاوزه: قانون مدني للأحوال الشخصية. لكن بيننا وبينها جهود كبيرة، أولها نظر أكثر نقدية في العلاقة بين الدين والدولة في مجتمعاتنا المعاصرة.







#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم السادة الرجال -المسلمين- وما وراءه
- بحثا عن توازنات جديدة.. إيران تتحرك!
- تساؤلات بصدد السياق السياسي والمؤسسي لمشروع قانون الأحوال ال ...
- نتنياهو، كيف حصلنا عليه؟ وأي سلم يتحصل منه؟
- ما معنى البقاء في السلطة إلى الأبد؟
- الكثير الذي فات خطابك يا أخ أوباما!
- هذه أو هذه وإلا فتلك: عقائد الحتمية في السياسة السورية
- نظرات في اللوحة الإيديولوجية العربية السائدة
- العلمانية والقومية والامبريالية.. أسئلة مفتوحة
- نظريتان في الطائفية.. بلا نظر
- الكتابة العمومية كسياسة كتابة
- نظرية الحتمية الثقافية في الثقافة السورية مقالة ضد العناد
- الفكرة القومية العربية (والإسلامية) كإيديولوجيتي حرب أهلية
- مسار حرج لتطور الوضع الكردي السوري
- في ذهنية المنفعة ونقد الثقافة
- العلم والفتوى و..الفوضى
- كيف نتقدم؟ أبالثقافة أولا؟
- مفهوم سيادة الدولة كأساس لحرية الاعتقاد الديني
- عولمة التقدم وانبعاث التخلف
- في عالم -الخطيئة الأصلية-


المزيد.....




- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...
- دراسة: النساء أقلّ عرضة للوفاة في حال العلاج على يد الطبيبات ...
- الدوري الإنجليزي.. الشرطة تقتحم الملعب للقبض على لاعبين بتهم ...
- ” قدمي حالًا “.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الب ...
- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
- -اغتصاب الرجال والنساء-.. ناشطون يكشفون ما يحدث بسجون إيران ...
- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس
- -حرب شاملة- على النساء.. ماذا يحدث في إيران؟


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ياسين الحاج صالح - الطائفية والأحوال الشخصية في سورية