صدام في محكمة آل الجلبي تحت العلم الأزرق ؟

علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 822 - 2004 / 5 / 2 - 10:08
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

جاء قرار سلطات الاحتلال الأمريكية قبل أيام بتعيين سالم الجلبي ابن أخ عضو مجلس الحكم الاحتلالي أحمد الجلبي رئيسا للهيئة القضائية التي ستحاكم الدكتاتور العراقي السجين صدام حسين ورجال نظامه ليزيد من الالتباس والتعقيد الحاصلين في الملف العراقي عموما وفي الجزء الخاص بتراث وماضي النظام الشمولي العراقي المطاح به تحديدا . و يمكن تفسير ، أو ربط بواعث ومقدمات اتخاذ هذا القرار واختيار هذا الاسم ( سالم الجلبي ) بأجواء وتفاصيل التخبط العام التي تحكم سلوك سلطات الاحتلال الأمريكية عموما وبفقدانها للمبادهة والمبادرة على الصعيد الاستراتيجي . ففي الوقت الذي جرى فيه تحجيم وقصقصة أجنحة الدور النافذ للعم – أحمد الجلبي- لدرجة أن بعض المراقبين أكدوا أن الرجل قد خرج فعلا من اللعبة السياسية في العراق المحتل ، يتم تعين ابن الأخ - سالم الجلبي - رئيسا للهيئة القضائية التي ستحاكم الطاغية المخلوع . ولن نجانب الحقيقية لو قلنا إن أول من سيسره هذا التعيين هو الطاغية صدام ذاته وأنصاره من مسئولي ومحازبي نظامه ، فلماذا ؟
قبل عدة أيام وفي معرض سردها لقرار تعين الجلبي سالم رئيسا لهيئة قضائية ذكَّرت عدة صحف عربية منها " الحياة " في عدد ليوم 24/4/ " قراءها بما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في عددها ليوم 7/10/2003 ، والتي كانت قد نشرت تحقيقا مفصلا احتوى على الكثير من المعلومات الخطيرة عن هذا الشخص ومنها أن عمه المحكوم بالسجن لعشرين عاما من قبل محكمة أردنية ساعده على إقامة شركة دولية للشؤون القانونية وخدمات المحامات مع الإسرائيلي المعروف "مارك زيل " وأن مقر هذه الشركة يقع في إحدى مستوطنات الكيان الصهيوني ذاته .
ومن الأعمال التي قامت بها هذه الشركة وربحت من خلالها الملايين من الدولارات قضية تقديم الخدمات إلى مؤسسة يديرها " جيمس بيكر " سكرتير الدولة لشؤون الخارجية في عهد بوش الأب والمكلف بملف ديون العراق من قبل بوش الصغير .
بمعنى معين فإن لإصرار الإدارة الأمريكية على أن يحاكم أصدقاؤها وأصدقاء إسرائيل صدام حسين دلالاته الهامة ونتائجه الوخيمة . فمن دلالاته أن الإدارة الأمريكية ما زالت تفكر رغم الكسوف السياسي الذي أصاب الجناح المتطرف في صفوف المحافظين الجدد والهزائم الكبيرة التي حلت بمشروعهم الاحتلالي في العراق ، مازالت تفكر بعقلية الغنيمة والثأر البدائي ولكن ليس من عدوها المزعوم أي صدام ونظامه بل من الشعب العراقي ، وهاهي تحاول جاهدة لعق جراحها و محاولة إنقاذ مشروعها بكل ثمن .
لا جدال أيضا في أن محاكمة صدام حسين من قبل أشخاص كالذين عينتهم سلطات الاحتلال تستبطن إساءة بالغة لذكرى ضحايا القمع الشمولي ولذويهم الذين يراد تحميلهم "معروفا أمريكيا " شكليا وقسريا مقابل تدمير العراق ومصادرة مستقبله وسيادته إضافة إلى ما سوف يثيره تعين أحد أصدقاء إسرائيل قاضيا ليحاكم الدكتاتور من مرارة وأسف في نفوس ذوي الضحايا والشهداء العراقيين من جميع الإثنيات والطوائف والفئات الاجتماعية .
إن سلطات الاحتلال التي قررت أن تعتبر صدام حسين أسير حرب منذ أن ألقي القبض عليه في عملية أثارت الكثير من علامات الاستفهام تحاول استعمال هذه القضية كسعفة لتضبيب الأجواء من جهة و كفزاعة للإلهاء وخلط الأولويات من جهة مقابلة . ثم إنها تقفز على القوانين والمعاهدات الدولية التي تعالج وتحكم حالات الاحتلال العسكري إذ أن قرارا بتعيين قاض أو هيئة قضائية لمحاكم رئيس دولة محتلة سابق ليس من اختصاص سلطات الاحتلال ولا هو من مشمولات هيئة سياسية أو قضائية من أهل البلد المحتل شكلتها السلطات المحتلة وإنما كان الواجب والقانون الدولي يحتم أن تناط محاكمة الطاغية ورجاله بمحكمة عراقية في دولة ذات برلمان وحكومة منتخبين .لقد تميزت إجراءات وقرارات سلطات الاحتلال بقصر نظر لا ينكر ، وسذاجة منقطعة النظير ، و عدم اكتراث بالقانون الدولي وعدم احترام لأهل البلد المعني ، ولذلك نراها هذه الأيام لا تكاد تفتح ملفا من الملفات العراقية الشائكة حتى تقفز إلى ملف آخر أكثر سخونة وتعقيدا من سابقه . فمن موضوع محاكمة الدكتاتور إلى موضوع تصميم علم جديد للعراق لا يعلم أحد مَن صممه وكيف وبموجب إي قانون أو دستور .
إن حلقات سلسلة التخبطات الأمريكية طويلة ، ولن تكون مفردات وترتيبات محاكمة الدكتاتور وأعوانه بعيدة من حيث مغزاها عن قضية تصميم علم العراق التي أعلن عنه مؤخرا . فهذا العلم يشبه إلى درجة مثيرة ولافتة العلم الإسرائيلي من حيث لونه الأبيض والخطين الأزرقين وبينهما خط أصفر قيل إنه يرمز للأكراد على الرغم من أن الشائع إنثروبولوجيا هو أن الأكراد آريون بيض وليسوا من العنصر الأصفر وقد أضيف إلى هذه الطبخة هلال أزرق قيل إنه يرمز للإسلام لإرضاء الأحزاب الإسلامية المتحالفة مع الاحتلال والممثلة في مجلس حكمه . وهكذا إذن فقد صار لون الهلال في العراق الأمريكي أزرق و صار لزاما على الحاكم المدني بول بريمر وحلفائه المحليين الآن أن يبحثوا عن لون جديد للسماء !

#علاء_اللامي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات