أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد العزيز حسين الصاوي - انقلاب 25 مايو السوداني كان عقاب التاريخ لليسار















المزيد.....

انقلاب 25 مايو السوداني كان عقاب التاريخ لليسار


عبد العزيز حسين الصاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2690 - 2009 / 6 / 27 - 05:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعكس الشائع في تصنيف انقلاباتنا الكثيره فأن 25 مايو 1969 لم يكن الثاني بينها، اي بعد انقلاب 17 نوفمبر 1958، الا بالمقياس الزمني. اما بالمقياس الاهم بما لايقارن بالزمني وهو الفعلي التغييري فأن مايو كان الاول ... وفي اللغة الفارسيه، وكذلك في الادب السياسي المشرقي العربي حتي اواخرالاربعينات، كلمة انقلاب معناها ثوره. بهذ المعني الفارسي- المشرقي انقلاب نوفمبر-عبود لم يكن كذلك حتي من الناحية الشكليه لانه جاء نتيجة عملية تسليم وتسلم بين قيادة البلاد السياسية الرسمية ممثلة في عبد الله خليل رئيس الوزراء وقائد الجيش. اما من الناحية الفعليه فأن تكوين قيادة الانقلاب من كبار ضباط القوات المسلحه كان معناه بقاء الحال علي ماهو عليه بمعني ان أي تغييرات احدثها في مختلف نواحي حياة البلاد لم تكن تعبيرا عن سياق فكري اوبرامجي تثويري التوجه يروم القطع الحاد مع الامر الواقع كما هو الحال مع تغيير للنظام السياسي يقوده ضباط من رتب صغيره ومتوسطه. هؤلاء يشكلون في العالم الثالث جزء من الشريحة الشابة المتعلمة الباحثة عن دور في الحياة العامه لاتتيحه التركيبات الطبقية والسياسيه الموروثة تاريخيا فيجدون مايشبع طموحهم وحقوقهم في الافكار والنماذج التطبيقية الجديده. في السودان كانت الماركسيه وتطبيقها الحركي الشيوعي هي الجاذب الاكبر لشباب ماقبل الاستقلال وبعده مباشرة مشكلة الثقل الاساسي لليسار بينما الهب النموذج الناصري خيال وتطلعات قسم اخر علي درجة اقل كثيرا من التبلور من الناحيتين الفكرية والتنظيميه وتاليا أقل فعالية. من هذه الاوساط المتالفة في التوجه التغييري العام ولكن المتباينه في خلفيتها إنبثق إنقلاب مايو.
وقوع الانقلاب برمزه ورأسه النميري كان الي حدود كبيره حتميا لان نفوذ اليسار السياسي كان قد وصل أعلي درجاته غداة ثورة اكتوبر 1964 بحيث باتت قضية استلام السلطه مطروحة عليه بألحاح ضاعف من درجته ان الاحزاب التقليديه كانت قد أعلنت حربا بلاهوادة ضد الحزب الشيوعي وصلت قمتها بحله. قيادة الحزب في شخصياتها الرئيسيه واغلبيتها كانت بالتأكيد ضد فكرة الانقلاب ولكن لم يكن لديها اجابة مقنعه لسؤال الوصول للسلطه لكون البديل الوحيد للانقلاب كطريق اليها كان الانتخابات وهذه كانت مسدودة. فشعبية اليسار العارمة وقتها كانت مدينيه والمدينة وزنها النوعي كبير ولكن وزنها العددي الانتخابي أقل كثيرا. شعارات اليسار ملخصة في ( لازعامه للقدامي ) وتوجهاته الاشتراكية كانت تزحم الفضاء السياسي والفكري ولكن الريف البدوي والزراعي، المستودع الضخم للاصوات الانتخابية الجاهزة لهؤلاء القدامي، كان باقيا كما تركه الماضي السحيق لاتستنزفه بضع عشرات من الدوائر المخصصة للخريجين.
من هنا كانت جاذبية مخرج الانقلاب والانقلابيين داخل الحزب الشيوعي والجيش وفي اجواء القطاع العريض من اليسار بألوانه المختلفه لاسيما القومي، ماجّرأ شخصية شيوعية قيادية وقتها مثل احمد سليمان لتدعو علنا تقريبا الي تدخل الجيش في سلسلة مقالات بجريدة الايام فتنشب مساجلة صحفية علنية بينه وبين زعيم الحزب عبدالخاق محجوب. بعد وقوع الانقلاب ايضا كان ارتباك اليسار ممثلا في الشيوعيين واضحا فهم معه بشق وضده بالشق الاخر كما هو حال الشق البعثي الناشئ حينذاك من اليسار القومي. فبيان الحزب الشيوعي اعتبر 25 مايو " انقلابا عسكريا وليس عملا شعبيا مسلحا .. ولكنه انتزع السلطة من الثورة المضاده " واللجنة المركزيه توافق علي تحليل عبد الخالق للانقلاب وترفض علي وجه اخر اقتراحه بعدم المشاركة في السلطه الجديده. مايو كان من جهه فرصة اليسار لسلطة دانية القطوف ولكن اليد التي امتدت بها اليه لم تكن مضمونة تماما فمعظم اعضاء " مجلس قيادة الثوره " كانوا أقرباء لليسار ولكن من الدرجة الثالثه وليس الاولي. ففيماعدا فاروق حمد الله المستقل كان بقية اعضاء المجلس واغلبيته اقرب للناصريه بينما دخله الشيوعيان هاشم العطا وبابكر سوار الدهب ضد رغبة الحزب وربما رغبتهما ايضا وكان وضع الوزراء الشيوعيين المدنيين ( جوزيف قرنق، محجوب عثمان، فاروق ابو عيسي الخ.. الخ..) مشابها لان احدا منهم لم يستقل او يرفض ولكنهم أكيدا لم يكونوا مرتاحين لانهم اصحاب تكوين ثقافي مختلف اقله انهم ابناء حركة حزبيه بينما ينظر العسكريون الي الاحزاب بشئ من الشك ان لم يكن العداء بحكم تكوينهم المهني وتأثرهم بالنموذج الناصري ضد- الحزبي لدرجة او اخري.
هذه كانت نقطة بداية الازمة الوطنية الشاملة التي تزداد تأزما وشمولا بأضطراد وصل الي تفتيت عظم البلاد نفسها كوجود مجرد. الاحزاب التقليديه كانت عاجزة عن الاستجابة لامال وطموحات مابعد الاستقلال التغييريه وانقلاب 25 مايو 1969 كان في جوهره الموضوعي إعلانا لانقسام وحيرة القوي الحديثه، مناط التغيير. فالأنحياز الكلي لقسم من هذه القوي للانقلاب كان بمثابة اعلان عن تنكبها للطريق الديموقراطي نحو إنجاز التغيير بينما القسم الاخر الرافض للتغيير الفوقي لايجد سبيلا لاختراق سقف شعبية اليسار الي مستودع الاصوات الانتخابية ولا الي تقديم بديل يحتفظ في الوقت نفسه بالمواصفات الديموقراطيه.
القسم المنحاز لسلطه التغيير المايوي الفوقي انحدر بسرعه الي النقيض ليغدو بعد سنوات قلائل حليفا للتقليدية التي حاربها بكل اسلحته خلال 69-71 ، وبعد سنوات اخري انحدر الي درك تقليدية قصوي ممثلة بتشريعات وتفسيرات للدين أعادت للحياه عهد الحاكم بأمر الله القرووسطوي. فالنموذج الناصري الذي استنسخته القيادة المايويه شكلا وموضوعا اتحادا اشتراكيا وميثاقا وطنيا، كبديل لليسارالمحلي، كان، كما ثبت فيما بعد، غير قابل للاستزراع خارج تربته المصريه وحتي في هذه التربة ثبت ان مجتمع ثورة 23 يوليو، وليس فقط جيشها المهزوم في حرب يونيو 67، كان منخورا بفساد قياداته مالا ونساء، حال اي نظام شمولي مهما كان لونه احمرا او أبيض أو أخضر، وبأنتشار الفكر الديني التبسيطي المتخلف وسط ملايين الشباب الذي حررتهم الثورة من نير الاقطاع المادي.
القسم الاخر من قوي التغيير اليساري بقيادة الشيوعيين ودور متزايد منذ السبعينات ليسار قومي عربي يمثله البعثيون، ظل خلال المكابدات العظيمة التي تعرض لها مع بقية القوي السياسية السودانيه خلال الحقبة المايويه وامتداداها اليونيوي علي اكثر من صعيد منذ 89، بطئ التقدم علي طريق تفكيك العوائق القائمة في تركيبته الايدولوجيه تجاه المسألة الديموقراطيه مما وفر ويوفر مساحة لتمدد اسلام السياسة في اوساط القوي الاجتماعية الحديثه ويرشح قيادات قادمة من الاحزاب التقليديه للحلول مكانه. فتيار التجديد البعثي ( حزب البعث السوداني ) يبدو انه قد توقف عند الجانب السلبي لهذه العمليه وهو النقد الذاتي المفتوح لتجربته دون الايجابي المتمثل في تقديم رؤية جديده وهو الي ذلك نقد ينصب اساسا علي نموذجه العراقي ولايغطي تجربته المحليه بنفس العمق والشمول. والحزب الشيوعي تشير وثائقه الاساسية الصادرة عن مؤتمره الاخير الي وضع توازن دقيق بين تياري التجديد والمحافظه فهو يعتبر انهيار النموذج الاشتراكي السوفيتي انهيارا للنموذج الستاليني وليس الماركسي ويميز بين الماركسيه كمنهج وتطبيقاتها العمليه رغم اقراره بتاريخيته كما لايزال يوحي بصحة نظرية مراحل للتطور التاريخي نحو الاشتراكيه التي تنطوي علي تقييد حرية طبقات اجتماعيه واتجاهات سياسيه معينه، باستمرار الحديث عن مرحلة وطنيه ديموقراطيه.
والحال ان تجاوز هذين التيارين لهذه العقبة الذاتيه لاقيمة له إذا لم يكن افساحا لمجال الرؤية امامهما وامام جميع الساعين لتفكيك ازمة الديموقراطية السودانيه للاجابة علي سؤال الاسئله : إذا كان طريق الغرب نحو توطين الديموقراطية إرتبط بتفكيك التفسيرات الجامدة للدين وإرخاء قبضتها علي العقل النخبوي في ما سمي بحركة الاصلاح الديني فما مدي راهنية هذا التطور بالنسبة للسودان؟ صحيح ان خصائص قضية الدين مختلفة عندنا عنها في اوروبا تاريخيا ولتباين خصائص المسيحيه عن الاسلام، ولكن الشاهد ان تحرير العقل النخبوي السوداني المسلم بما يجعله حاضنة دائمة للديموقراطيه لابد ان يمر بمواجهة صريحة لهذه القضيه. وعلما بأن بعضا من كبار فلاسفة عصرالتنوير الذي نشأ فيه تيار الاصلاح الديني، مثل ديكارت مبتدع مبدأ الشك المنهجي " انا أفكر إذن فانا موجود"، كانوا مؤمنين، فأن قوي التجديد والتغيير القادمة من اليسار والوسط مطالبة بصياغة برامجها السياسية بما يعطي الاولوبة القصوي لما ينمي قابلية التفكير الحر والمفتوح في الدين.





#عبد_العزيز_حسين_الصاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امراه وخليجيه : يضع سره في اضعف خلقه
- العلاقة السودانية-الفلسطينيه: مالايستحسن ان يهمله التاريخ
- العروبه سودانيا ثم الجمهوريه- الملكيه والاحتلال التحريري
- الدراس النيكاراجوي حول كيفية ترويض الغول الامريكي
- الناصريه، والبعث ايضا، كظاهره غير قوميه
- محنة اليسار مع ابطاله الجدد
- ليس اوكامبو وانما جاريث ايفانز و ال R2P
- من تاريخ البعث في السودان -حسن احمد عبد الهادي
- اضاءات تاريخيه: محجوب الشيخ البشير
- حول تقرير الحزب الشيوعي السوداني: اكتوبر 64 كثوره مضاد للديم ...
- كتاب - مرجعات نقديه للتجربة البعثية في السودان-
- ماالذي يجعلك استثناء ك ذكريات وتأملات سودانيه فيما خص الوحده ...
- حكاية مارادونا وشافيز واليسار الجديد- القديم
- السودان : من يخشي التدخل الخارجي ...الحميد ؟
- عن فرج بن غانم وشئ من التاريخ
- الانتقال الديموقراطي : الوسيلة قبل الغايه
- تقرير الحزب الشيوعي العراقي : صوت للعقل
- اخضرار قناة الجزيره وشيوعيون وبعثيون
- اخضرار الجزيره وشيوعيو وبعثيون سودانيون
- نحو مخرج من نفق الازمات : التفكير في المحرمات


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد العزيز حسين الصاوي - انقلاب 25 مايو السوداني كان عقاب التاريخ لليسار