أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمن دارا سليمان - العراق الجديد : معوقات بناء الدولة الوطنية















المزيد.....

العراق الجديد : معوقات بناء الدولة الوطنية


عبد الرحمن دارا سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 2690 - 2009 / 6 / 27 - 05:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يزال العراق الجديد الذي انبعث من رماده بعد عقود طويلة من الخراب والموت السياسي هشا وضعيف البنيان. ولا ينجم هذا الضعف فقط بفعل التحديات والتدخلات والضغوط الإقليمية والدولية ، رغم خطورتها بطبيعة الحال ، وإنما تشكل العوامل الداخلية بدورها ، مصدرا للهشاشة وعدم الاستقرار السياسي، لا تقل أهمية عن تأثير العوامل الخارجية التي راهنت ولم تزل على إفشال التجربة الديمقراطية الوليدة وتخريبها منذ اليوم الأول لما كانت تنطوي عليه من تهديد لأركان الأنظمة المحلية المستبدة في دول الجوار، وتعرية شرعيتها السياسية . وعندما تم إدراج العراق رغما عنه بعد عام 2003 ، كساحة أمامية لمواجهة الإرهاب "كما وصف حينها" ، وبات جزءا من أجندة دولية لا مصلحة مباشرة للعراقيين فيها، وإنما جاء كتحصيل حاصل لمجموعة من الأخطاء الفادحة من قبل الأطراف السياسية الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، بعد أن تم حشد وتعبئة الكتل المتزايدة من الإرهابيين المتسللين عبر الحدود في بادئ الأمر، وجمهورهم الضائع والمضيع والجاهز والذي لم يكن يرى في الحياة اليومية، إلا صورا من اليأس والإحباط والعدمية الناشئة أصلا عن سنوات الفشل الذريع للسياسة والاقتصاد والتنمية وأشكال الإدارة المختلفة، التي كانت سائدة طوال العقود الماضية في عموم المنطقة ، وبشكل صار معه الموت والانتحار وإشاعة الخراب والتخريب والفوضى، مطلبا يجد مسوغاته الدينية الرخيصة والمشوهة التي تروج لها ذات الأنظمة القائمة وبالتحالف المعلن أو الضمني مع الحركات والجماعات الدينية ورجال الدين المرتبطين بهم مباشرة أو بصورة غير مباشرة .

وكما هو معلوم، فقد لعب الإرهاب الوافد دورا مأساويا خطيرا في تعطيل وتخريب وعرقلة بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها الفتية خلال السنوات الست الماضية ، كما ساهم في تعزيز وتكريس الأصطفافات الطائفية بهدف المزيد من التمزق والتشرذم في الهوية الوطنية الجامعة التي كانت تعاني أصلا من مشاكلها الموروثة .

وقد لا يكون محض صدفة فقط ، أن تحدث عملية التغيير السياسي للنظام الديكتاتوري العراقي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، أو نتيجة لتسريب معلومات كاذبة ومبالغ فيها، عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي كانت بحوزة النظام كما أشيع وقتها وكما ساهم النظام ذاته في الترويج لها وتعمد الغموض حولها ، واهما أن ذاك التلويح الخفي ، سيكون سببا كافيا قد يجنبه الحرب . ولكن المؤكد أن عملية التغيير كانت قد اختمرت عبر قناعات إستراتيجية مغايرة لما سبق ، ولعل أهمها وأخطرها هو: التوقيت واللحظة السياسية المؤاتية والمناسبة لعملية التغيير .

فقد جرت تلك العملية وقت تفريغ السيادة الوطنية من معناها الفعلي والتقليدي لدولة خاضت حروبها وحصارها وتمزقها الداخلي الناتج عن السياسات الهوجاء للنظام السابق ، بالإضافة لتفريغ " الدولة " نفسها من أي معنى ومغزى خارج التكتلات الإقليمية والعالمية التي باتت معروفة في العصر الجديد ، عصر عولمة الحقل السياسي والاندماج المتزايد الذي صار يشهده النظام العالمي .

والواقع تاريخيا، أن مشروع البناء الوطني للدولة العراقية الحديثة دخل مرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد بعد ثورة 14 تموز عام 1958، والذي بدأ كأهم مشروع للتقدم والتنمية والتحديث والثورة الثقافية والإصلاح الزراعي وتصفية الاستعمار، وما كان ذاك إلا ثمرة لأوضاع وظروف تاريخية وسياسية تميزت بتراجع الهيمنة الغربية المباشرة في المنطقة عموما، اثر مرحلة الاستقلال الوطني والدخول في حقبة الجمهوريات ، ولكن ذلك المشروع الوطني الطموح، تداعى وتفكك تدريجيا نتيجة ضغوط وعوامل داخلية وإقليمية بالدرجة الأولى، حتى بلغ ذروته في الأنهيارالشامل في أعقاب حرب حزيران 1967 والتي مست تداعياتها ونتائجها العميقة مجمل ما كانت تسمى في الأدبيات السياسية حينها بحركة التحرر الوطني وبمجمل الأوضاع الداخلية في الدول العربية قاطبة ومنها العراق .

أدت الأوضاع الجديدة إلى فراغ كبير في مضمون وجوهر الدولة الحديثة التي باتت خالية من أي مشروع وطني فعلي يمكن أن تقوم وتستند عليه لتصبح جسدا بلا روح .

وما كان بعدها للنخب العسكرية والمغامرة والصاعدة من العوالم السفلى للمؤامرات والدسائس وانقلابات البيان رقم واحد، إلا التمسك بذات الشعارات الواهية القديمة عن الثورة والتحرير والمعركة والقضية الكبرى، وتجييرها لصالحها نتيجة افتقادها للشرعية السياسية الداخلية الحقيقية .

هكذا أصبحت الدولة بلا قيم عليا تغذيها ولاضوابط أخلاقية يمكن أن تردعها ، وتحولت إلى مجرد جهاز تقليدي من الأمن والمخابرات وأدوات القمع ومصادرة الرأي والحريات العامة، وجهاز بيروقراطي ضخم ينخر فيه الفساد، والى العداء المعلن مع الأفراد والجماعات المخالفة على حد سواء . وبهذا التحول التدريجي الخطير الذي طرأ على كيان الدولة من فكرة لتحرر الفرد إلى أدوات قسرية عمياء تستهدف قمعه وإذلاله والحاقة كتابع مهمش لصالح النخب السياسية الجديدة الصاعدة ، بدأ الانهيار الشامل لمنظومة القيم الاجتماعية التي تؤسس مدنية أي مجتمع، يستدعي وجوده الجماعي المشترك قيما ومعاييرا تبرر ذلك الوجود وتكسبه المعاني الإنسانية .

وما مظاهر الفساد الإداري والمالي وتخريب قيم العمل وانعدام التضامن والتكافل الاجتماعي وإشاعة الأنانية والغش والكذب والتزوير وسرقة المال العام وانعدام الضمير واستسهال خرق القوانين والتلاعب بها، التي نشهدها اليوم في العراق على صعيد الدولة والمجتمع معا ، إلا بعضا من تداعيات ذلك الانهيار لنظام القيم الاجتماعية والذي لم يجد بعد بدائله الضرورية والمطلوبة .

وكما جرى تفكيك المثل العليا والقيم العميقة ومعاني الوجود المشترك تدريجيا وببطء خلال فترة زمنية طويلة نسبيا ، فمن غير المنتظر أن إعادة إنتاجها ونفخ الروح فيها ثانية سيتم بين ليلة وضحاها . ولكن المؤكد أن تلك القيم والأواصر لن يتم بناءها عبر الكلمات والخطابات والوعود ولا حتى بمجرد توفر النوايا الصادقة بدون أدنى شك، ولا تعود ثانية إلى صفاءها الإنساني الأول عبر خطب الجمعة والمواعظ الدينية حول الحلال والحرام والخير والشر ، وإنما تتم عن طريق المشاركة الحقيقية للإنسان العراقي في الشأن السياسي العام ونقله من مجرد تابع ومهمش إلى مركز الاهتمام السياسي وجوهر العملية السياسية برمتها .

هذا هو الرهان والتحدي الحقيقي الذي سوف تتوقف على نتائجه صورة العراق الجديد.



#عبد_الرحمن_دارا_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جثث بلا قبور: مابين عمو بابا ووزير التجارة الفاسد
- العراق الجديد:في التحول الديمقراطي واعادة الاعتبار للسياسة
- العراق الجديد:هل يمكن بناء دولة القانون بدون العلمانية؟-الجز ...
- العراق الجديد:هل يمكن بناء دولة القانون بدون العلمانية ؟
- عن الانتخابات العراقية وثوب الديموقراطية اواسع
- الخلفيات الاجتماعية والسياسية لاعادة تأسيس حركة الانصار1979/ ...


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمن دارا سليمان - العراق الجديد : معوقات بناء الدولة الوطنية