|
لماذا يدير الخليج وجهه عن العراق ؟
باسم محمد حبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2683 - 2009 / 6 / 20 - 08:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عرف العراق منذ أقدم العصور بأنه دولة ذات امتداد خليجي ، بل كان يطلق على الخليج اسم البحر الأسفل أي أسفل بلاد الرافدين ، وكانت سواحله الشرقية والغربية خاضعة على الدوام للسيطرة السياسية والحضارية لبلاد الرافدين حتى أن بعض مناطقه قد سميت بأسماء رافدينية ، مثل مكان ( عمان الحالية ) وتلمون أو دلمون ( البحرين وساحل الإحساء ) .. الخ ، وقد شهد الخليج على الأرجح أول سفرة بحرية مدونة في التاريخ بعد أن خاض جلجامش مياهه بحثا عن مقر إقامة جده اوتو نبشتم ، ثم أصبح الخليج جزءا من أقاليم الدولة الاكدية التي عدت أول إمبراطورية يشهدها التاريخ ، لأنها شملت معظم أرجاء العالم المعروف آنذاك باستثناء مصر التي كان تعيش آنذاك عالمها الخاص ، حيث أشارت النصوص المسمارية إلى وصول الملك الاكدي (نارام –سن) إلى منطقة مكان (عمان الحالية ) وضمها إلى مملكته ، ثم استمرت الصلاة الحضارية والسياسية عبر مختلف الحقب التالية التي كان العراق خلالها احد أهم مراكز الحضارة في العالم ، ولم ينعزل العراق أو تنقطع صلته بمناطق الخليج حتى أثناء الاضطرابات السياسية فقد كان يطلق على الخليج خلال العهد الأشوري والكلداني بالبحر الكلدي ، ورغم السيطرة الفارسية التي استمرت بضع قرون فان الصلاة العراقية الخليجية لم تنقطع ، وخير دليل على ذلك امتداد سيطرة المناذرة لتشمل معظم أرجاء هذه المنطقة إلى حدود عمان ، ثم وبتحول العراق إلى مركز العمليات الشرقية للفتوح الإسلامية ، أصبح الخليج خاضعا لإدارة أمراء العراق سواء في العهد الراشدي أو الأموي ثم لخلافة بغداد العباسية ، أما العثمانيون فقد جاء اهتمامهم بالخليج انطلاقا من وجودهم في العراق وكان لوالي البصرة نفوذ اسمي وفعلي على بعض المناطق الخليجية ، وبعد حصول العراق ودول الخليج على الاستقلال خلال القرن العشرين بدأت العلاقات العراقية – الخليجية تدخل مرحلة جديدة ، فقد أصبح العراق عنصرا مهما من عناصر الاستقرار في المنطقة ، وأصبح دوره محوريا من خلال خلق توازن بين ضفتي الخليج ، حتى بدا الخلاف بالنزاع العراقي – الكويتي الذي تسبب بما تسبب به ، ويبدوا أن دول الخليج قد أخذت تعمل على الابتعاد عن العراق وتأسيس دورها التاريخي الخاص منذ ذلك الوقت ، وخير مثال على ذلك أبعاد العراق عن المؤسسات الخليجية الاقتصادية والسياسية والثقافية ، وتأسيس مجلس التعاون بدون العراق ، ثم الطرق على قضية الفروق الجغرافية والسكانية والحضارية بين الطرفين ، وتعمد الإعلام الخليجي استثناء العراق عند ذكر مجموعة الدول الخليجية . إنني هنا لا أريد أن انفي الفوارق الكبيرة بين المنطقين ، ولا أحاول أن أدعو لضم العراق لمجموعة مجلس التعاون الخليجي وأي منظمة خليجية أخرى ، وكذلك لا أسعى لتفنيد الحجج الخليجية فيما يتعلق بحاجة دول الخليج للابتعاد عن العراق نظرا للظروف غير المستقرة لهذا البلد ، بل كل ما أسعى إليه هو إيضاح الحقائق التاريخية والثقافية بل وحتى السكانية فيما يتعلق بعلاقة العراق بالخليج ، حتى ينظر الآخرون بايجابية إلى الدور التاريخي العراقي ، ولعل أهم ما يمكن أن نذكره هنا هو أن الخليج ولد عراقيا ، وان أقدم هوية له هي الهوية الرافدينية ، أما العلاقة السكانية والثقافية فالأمر المعروف أن اللغة العربية ذات صلة قربى قوية باللغة العراقية المعروفة بالاكدية التي تعد الأخت الكبرى للغة العربية ، وان الخط العربي الحالي مشتق من الخط النبطي سواء الانباري أو الحيري ، وليس هذا فقط بل أن الدين الإسلامي واصل النبي محمد (ص) هو امتداد للديانة الإبراهيمية ولشخص النبي إبراهيم ، اللذان هما من أصل عراقي سواء بالدلالة التاريخية أو الدينية . إذن ما الداعي إلى هذا التجاهل والنكران ؟ أليس من الضروري الانتباه إلى مكانة العراق ودوره في استقرار المنطقة ؟ أليس من مصلحة دول الخليج احترام مكانة العراق وقيمته الإقليمية ؟ وضرورة مساعدته على تخطي الظروف التي يمر بها ، حتى يساهم في تجنيب المنطقة مخاطر عدم الاستقرار ، ثم لماذا تدير دول الخليج وجهها عن العراق ؟ هل تعتقد أن بإمكانها النجاة من أهوال الظروف بمعزل عن عراق قوي ؟ وهل تجد في الدور العراقي ما يخيفها ؟ . إذا كان على دول الخليج أن تخشى من شيء فعليها أن تخشى من خطر ابتعاد العراق واحتمال تحالفه مع دول أخرى ، أو ينظم إلى رابطة إقليمية أخرى في المنطقة أو محيطها ، فبإمكان العراق وإيران مثلا الارتباط معا تحت أي مسمى كان ، فيكون في هذا الأمر ما يخيف الخليج بحسب وجهة نظر دوله . إذن على دول الخليج أن تتدارك موقفها وتعدل علاقتها مع العراق وان تبدأ ذلك من الآن ، لان خروج العراق من أزماته بدون أن يكون لدول الخليج موقف ايجابي منه ، ربما سيلقي بضلاله على علاقاتهما في المستقبل ، وقد يؤدي إلى إنتاج سياسة عراقية فيها كثير من التقاطع مع ما تتطلبه حاجة دول الخليج وضروراتها .
#باسم_محمد_حبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما بين بكاء الحسين على أخيه العباس وبكاء جلجامش على انكيدو
-
النبي يوسف ... هل هو نسخة توراتية لشخصية جلجامش ؟
-
هل للفساد دور في تضخيم ظاهرة المثلية في العراق ؟
-
جمهورية أميركا الإسلامية !!؟
-
مصر .. نعم ما اخترت يا اوباما
-
عقدة الكهرباء أم عقدة الفعل العراقي
-
حملات تستهدف الشباب في العراق
-
معركة التاميل والجانب الإنساني
-
الساكت عن الفساد شيطان اخرس
-
من اجل مركز وطني لتوثيق معاناة العراقيين واضرارهم
-
التدين والنبوة من منظور تاريخي
-
ما حجم المسكوت عنه في واقعة السقيفة ؟
-
هل تضررت ولم تحصل على تعويض ؟
-
آثار حضارة وادي الرافدين بحاجة إلى حماية دولية
-
ضوابط دولية لتدريس مادة الدين
-
المسؤول العراقي أول من يستفيد وأخر من يضحي
-
الديمقراطية في العراق مطلب تاريخي
-
الدين في ذمة السياسة
-
اختلافنا مع المثليين لايعني قبولنا بما يقع عليهم من عنف
-
نوبل حلم عراقي كبير
المزيد.....
-
مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر
...
-
لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس
...
-
عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية
...
-
تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م
...
-
-المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي
...
-
بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
-
وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت
...
-
الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
-
خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|