أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض حسن محرم - جريشة..حكاية بطل شعبى














المزيد.....

جريشة..حكاية بطل شعبى


رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 2680 - 2009 / 6 / 17 - 12:19
المحور: الادب والفن
    


دائما ما يحلم الفقراء بالمخلّص, البطل القادم من وراء الغيب, الذى ينتقم لهم من ظالميهم, ويأخذ لهم بثأرهم من مغتصبيهم, وقد إبتدعت الشعوب هذه الشخصيات الأسطورية منذ أقدم العصور, أوزوريس في الأسطورة الفرعونية, وجلجامش في البابلية, وشمشون في الميثالوجيا التوراتية, وهرقل في الأسطورة اليونانية, وأبو زيد في تغريبة بني هلال, والأمثلة لا نهاية لها.
وفى الحلم الشعبي فإن البطل دائما قريبا من الفقراء, من نفس مستواهم االطبقى, وهو دائما يمثل الخير فى مواجهة الشر, و الذي ينتصردائما فى النهاية .
على أن بطلنا هذه المرّة هو بطل حقيقي, وليس من صنع خيال الفقراء, إنه إنسان بسيط من سكان حي كرموز الشعبي بمدينة الإسكندرية, لم يتعلم فى مدرسة أو جامعة, بل علمته الحياة بكل مرارتها وقسوتها, وتعلم من الشارع ومن ظلم البشر, الغريب أن هذه الحياة القاسية التى عاشها لم تجعل منه انسانا عدوانيا فى مواجهة الآخرين, بل عاش حنوا على أبناء منطقته جميعا, فقيرهم وغنيهم, ضعيفهم وقويهم, بلا تمييز ولا إستثناء.
كان "جريشة" يتيم الأبوين, لم يكفله أو يربيه أحدا, نشأ كنبت شيطانى, يحن عليه البعض ويركله البعض بأقدامهم, عرف ليالى الجوع الطويلة, نام فى برد يناير على الرصيف, وتعرض لكل أنواع الإيذاء والتحرش,
وتعلم أن ينتزع لقمته من فم الذئاب, اشتغل فى أحط وأدنى الأعمال, فى الخدمة بالمنازل, وفى مسح الأحذية, وفى جمع القمامة وغيرها.
عندما شب عن الطوق بدأ بسرقات صغيرة, كاسيت سيارة, ثياب من على حبل غسيل, لكنه لم يتعود النشل, أو سرقة البيوت, إلى أن عرف طريق الجمرك, وبدأت السرقة من السفن الراسية فى الميناء تستهويه, لامست فيه روح المغامرة والمخاطرة والمكسب السريع, سرعان ما ذاع صيته وسطع نجمه, وأصبح واحدا من لصوص الجمرك المشهورين.
تعرض لملاحقة رجال الشرطة, ودخل سجلاتهم كمسجل خطر, أصبح مطاردا, وتحولت حياته الى هارب, فى النهار يعيش فى حيّه ومنطقته محاطا بالناس, وفى الليل فى مقابر العمود القريبة, واتى تتحول ليلا الى أوكار لعتاة المجرمين, حيث لاتجرأ الشرطة على الدخول اليها.
الناس هنا لاتعتبر السرقة من الجمرك خروجا على القانون, بل أن هذا النوع من اللصوص فى نظرهم أبطالا, أصبح جريشة أشبه بالبطل الشعبى "روبن هود" يوزع حصيلته من السرقات على أبناء منطقته, واشتهر بينهم, يضفى حمايته على الجميع, يحمى بنات حيّه من مضايقات الطفوليين, ويحمى سكان المنطقة من عدوان الأراذل, أشبه بعاشور الناجى فى حرافيش "نجيب محفوظ", يحتمى بالفقراء ويحميهم.
فى إحدى الليالى حضرت حفلا شعبيا فوق سطح أحد البيوت هناك, سبوع مولود أقامه قهوجى من المنطقة, كان جريشة ورفاقه حاضرين, عندما بدأ المطرب الشعبى بالغناء, إعتلى جريشة الخشبة, وأمسك بالميكروفون وسط تهليل الجميع ( النقطة دى من جريشة, ومن كل حرامية الجمرك, الرجالة الى بتخطف الجنية من ماسورة البندقية ), وأخذ يرمى بالعملات الورقية الكبيرة تحية للفرح وأصحابه.
كان نشاطه بالليل, وفى النهار تراه جالسا على مقهى فى الحى, يوزع ابتساماته وتحياته على الجميع, عندما يشاهد أطفالا يلعبون الكرة الشراب سرعان ما ينزل للعب معهم, وفى نهاية الماتش يشترى صينية بسبوسة, أو صندوق كوكاكولا يوزعه عليهم, وإذا شاهد بائع خس أو فجل يشترى منه كل ما معه, ويوزعه على السكان.
لم يكن يؤذى أحدا, أو يضمر شرا لأحد, حكى لى "عبد المجيد الخولى" أحد فلاحى "كمشيش" فى سنوات الإبعاد, أنه إشتغل خفيرا لمخزن مواد بناء, وفى إحدى الليالى قبيل الفجر جاءه شخص وحياه, عرّفه بنفسه, كان هو جريشة, قال له أنه بصراحة يمر ببعض الظروف وأنه جاء لسرقة حديد تسليح من المخزن, ولا يريد أن يتعرض له بسوء, بعد حوار قصير اقنعه عبد المجيد أنه بفعلته هذه سيضّره, رجع عما إنتواه, وسهر معه ليلتها حتى الصباح, يدخننان السجائر ويشربان الشاى.
عندما عين للمنطقة ضابط مباحث جديد عرف عنه القسوة والعنف, كان هذا الضابط مصمما على الإيقاع بلصوص الجمرك فى منطقته, حاول أكثر من مرة أن ينصب كمينا لجريشة لكنه فشل, كان جريشة كالثعلب شديد الإحتياط, إحتال الضابط عليه عن طريق إحد البنات الاتى يصاحبهن, إستطاعت أن تستدرجه ليلا من المقابر, لم يكن فى نية هذا الضابط القبض عليه, عاجله برصاصة فى رأسه, سكنت بين عينيه.
إنطلق الخبر فى شوارع كرموز بسرعة البرق, (جريشة قتلوه), وفجأة وبدون ترتيب إنطلق صراخ النساء فى البيوت, ونزل الرجال والأطفال الى الشوارع, شكلوا مظاهرة كبيرة الى نقطة "الفراهدة" فأحرقوها, ثم إستدار المتظاهرون الى قسم "كرموز" ليشعلوا فيه النار, ويحكى لى صديق من سكان الحى أن أمه السيدة الكبيرة التى لم تكن تنزل الى الشارع, نزلت فى هذا اليوم تولول وتهيل التراب على رأسها.
أعلن حظر التجول بالمنطقة, ونزلت قوات الأمن المركزى الى الشوارع للسيطرة على الوضع, قبض على العشرات ورحّلوا الى سجن الحضرة بدون تحقيق, وإكتست المنطقة كلها بالسواد, وفى الجنازة تم القبض على جميع المشاركين, أعلن رفاقه على قبره أنهم سينتقمون من قاتله, ونصّبوا شقيقه "العربى" خليفة له.

قصيدة لم تكتب فى رثاء "جريشة" :

الفاتحة له
عاش.. زى دكر النحل
مات ..زى دكر النحل
نعشه.. يدوبك ع الطريق فايت
باع عمره للكيف والضيوف
كان كل من حياه صديقه
وصحابه يغديهم بلحم الكتوف.

فى جنازته بكيت فيه بنات الحارة
لبست عليه سعدية توب الحداد
وعاصت الندابة بالطين القديم جبهتها
- سعدية ما زالت حورية وإنت فين رايح
سعدية مين بعدك يعول بيتها



#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلطنة عمان..وتوليفة التسامح
- هل كانت العالية بنت ظبيان أما للمؤمنين؟
- الهجّالة
- النقاب والتحرش
- حماس تهزم عسكريا,,, وتنتصر سياسيا
- وسيم صلاح حسين...الطفل الكبير..وداعا
- الجماعات السلفية الجهادية وفقه التكفير(6)
- الحب فى زمن الكوليرا
- قصص من السجن
- هل يحلم فلسطينى أن يصبح رئيسا لدولة إسرائيل؟
- ظاهرة الحجاب ... من منظور سياسى
- حسن ومرقص...وقبول الآخر
- الموتى يعلمون الأحياء
- فى الذكرى الثانية لرحيل نبيل الهلالى
- سلطة بلدى....والمعادلة الصعبة
- حين ميسرة...........والأحلام المجهضة.
- الجماعات السلفية الجهادية ...وفقه التكفير(5)
- الجماعات السلفية الجهادية ...وفقه التكفير(4)
- الجماعات السلفية الجهادية ...وفقه التكفير(3)
- الجماعات السلفية الجهادية ...وفقه التكفير(2)


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض حسن محرم - جريشة..حكاية بطل شعبى