أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - عندما تراوغ نسب أديب حسين الجدران















المزيد.....

عندما تراوغ نسب أديب حسين الجدران


جميل السلحوت
روائي

(Jamil Salhut)


الحوار المتمدن-العدد: 2677 - 2009 / 6 / 14 - 09:49
المحور: الادب والفن
    



نسب أديب حسين زهرة من قرية الرّامة في الجليل الفلسطيني في بداية العشرينات من عمرها، تدرس الصيدلة في الجامعة العبرية في القدس، صدرت لها رواية( الحياة الصاخبة) عام 2005 وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وها نحن أمام مجموعتها القصصية الأولى " مراوغة الجدران " الصادرة عن دار الهدى في كفر قرع في نيسان 2009 وتقع في 188 صفحة من الحجم المتوسط، وتحوي خمس قصص قصيرة .
وزهرتنا نسب من عائلة مصابة " بفيروس " الأدب ، فعمها الأديب والناقد المعروف نبيه القاسم ، وقريبها الشاعر الكبير سميح القاسم، وأديبتنا لا تضع اسم العائلة في آخر اسمها ، وكأنها تريد الاستقلالية الذاتية ، ولا تريد أن ينظر الآخرون الى ابداعها مقروناً باسم قريب مهما علا شأنه ، وكأني بها تردد الحكمة القائلة :
ليس الفتى من يقول كان أبي *** انما الفتى من يقول ها أنا
ومع أنني أوافقها الرأي في ذلك ، الا أنه كان لا بد من الاشارة اليه لأن الانسان يبقى ابن بيئته ، ولا مناص له في الابتعاد عن هذه البيئة ، وبما أنني من المؤمنين بأن الأديب يكتب جزءاً من حياته أو من سيرته الذاتية في مختلف كتاباته ، وأنني من المؤمنين بأن معرفة القارىء لحياة الكاتب سيساعده في فهم نصوصه الابداعية كان لا بُدّ من ذكر أن أديبتنا الواعده عاشت يتيمة، حيث توفي والدها وهي طفلة صغيرة، وقد انعكس ذلك بشكل واضح في كتاباتها، مستفيدة من تجربتها في اليُتم ، سواء كانت تقصد ذلك أم لم تقصده، وهذا هو الابداع المولود من رحم المعاناة .
والقارىء لقصص أديبتنا سيجد أنها روائية أكثر منها قاصة، فالنفس الروائي يطغى على قصصها بشكل لافت، من حيث البناء القصصي أو الزمان الذي تدور فيه القصة، حيث أن بعض قصصها تدور على مدار عدة سنوات ، وفي عدة أمكنة ، كما أن طول بعض قصصها يعطيها بعداً روائياً ، فقصة " شراع في عاصفة " تمتد في أربع وخمسين صفحة، في حين قصة"مراوغة الجدران" تمتد في ست وسبعين صفحة، وتطرقها الى الأمور الصغيرة والعابرة ودقة التفاصيل، والخوض في المشاعر وأحاسيس أبطال قصصها كلها أمور من مقومات الرواية، ويبدو أن انشغال أديبتنا في دراسة الصيدلة، وضيق وقتها الذي يحاصرها كي تتفرغ لدراستها قد دفعها الى كتابة القصة، ومع ذلك فانني متأكد أن مستقبلها الابداعي سيكون مع الرواية لا مع القصة،وان كانت ستبدع في كليهما .
وفي مجموعة ( مراوغة الجدران ) القصصية التي نحن بصددها فإننا سنجد أن الكاتبة غرفت مضامينها من بحر الواقع الذي تعيشه هي وشعبها وأبناء أمتها، وهذا لا يعني مطلقاً أنها كانت ناقلة أمينة لهذا الواقع، وإلا لما كتبت أدباً ، لكنها استفادت من أحداث الواقع ، وأشغلت خيالها ولغتها الجميلين وأبدعت لنا قصصاً رفيعاً .
وكاتبتنا تفتتح مجموعتها بالاهداء : " الى من علمني التراكض بين الظل والنور وكيف أكون الى النور أقرب .. اليك .. " فمن هو معلمها هذا؟ وبغض النظر عمّن يكون الا أنه كان قدوة لها وله دور في حياتها، وقد فهمت من الاهداء الذي يحتمل عدة تفسيرات أن هذا المخاطب القدوة قد يكون من دفعها الى تحقيق ذاتها من خلال شدّه على يديها وتشجيعه لها في الكتابة الأدبية أو في التحصيل العلمي، أو في كليهما معاً، وهذا يعبر عن طموح الكاتبة أن لا تبقى في الظل، وأنها تطمح في النجومية، ونحن هنا لا يسعنا إلا أن نتمنى لها النجومية في عالم الابداع الأدبي وفي علم الصيدلة .
قصة شراع في عاصفة :
تتحدث القصة عن طفلين ماتت أمهما وكان كبيرهما وديع في السابعة من عمره وشقيقه مهند في الرابعة، واضطر والدهما للزواج من أخرى لأنه لم يعد في البيت من يعتني بالطفلين بعد زواج عمتهما، غير أن زوجة الأب هذه لم ترحم طفولتهما، كما لم ترحم فقدانهما لوالدتهما (راحت تزداد قسوة وصرامة، وتقوم بضربه وسحبه في دورة المياة لأتفه الأسباب.)ص 14 ولم يكن الوالد يعلم شيئاً من سوء معاملة زوجته لأبنائه، الى أن جاء يوم ماطر أجبرت فيه وديع على الخروج من البيت لاحضار أخشاب للمدفأة، وعندما لم يستطع حمل سوى قطعة واحدة لم تسمح له بدخول البيت وطردته ليحضر المزيد من الخشب، فهام على وجهه الى أن التقطه أحد أصدقاء أبيه وهو في وضع صعب،واصطحبه معه الى البيت، وعندما عاد والده الى البيت وسأل عنه، أجابته:(أنا لم أطلب منه هذا، بل هو أصر على الخروج )ص 17 وعندما اتصل الصديق بالوالد ليخبره أن ابنه عنده، وعرف من ابنه الحقيقة عاد الى البيت(صمت لحظة ليستجمع أنفاسه ثم صرخ بها: أنت طالق، طالق ،طالق) ص 21 وعاش الأطفال في كنف والدهما، وكانت عمتهما المتزوجة تزورهما مرة في الشهر، تنظف البيت وتغسل الملابس وتطبخ لهما، غير أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، حيث دخل والدهما السجن(بعد أن تم القاء القبض عليه بسبب ديون من خلال أعماله التجارية) وحكم عليه بالسجن عشرين شهراً ، ولم يحتمل زوج عمتهما مكوثهما في بيته أكثر من أسبوعين، فوضعهما دون ارادة زوجته في مؤسسة تعنى بالأطفال في مثل هكذا أوضاع، والتحقا بمدرسة القرية وكانا ينامان ويأكلان في مؤسسة رعاية الأطفال، وهناك كان يرفض أن يعامل بشفقة أو كأنه مسكين، وهناك شعر بمسؤولية كبيرة تجاه أخيه(انه الآن وحيد وتقع عليه مسؤولية الاهتمام بأخيه) ص37 وفي المدرسة وجد رعاية خاصة من المعلمة نور ووجد فيها الأمّ البديلة، وعندما عاد الى البيت في احدى الاجازات زار قبر أمّه، وهبط على القبر باكياً وصارخاً(آهٍ يا أمّي الحبيبة، ليتك تعودين) ص43 وفي عيد الأمّ أحضر زهرة برية وقدمها الى معلمته نور(وقال: كل عام وأنتِ بخير .. يا أمّي) وهنا رأى ينابيع من الحنان في عينيها ........ أخذت الزهرة وضعت اليد الأخرى على جبينه وقالت: شكرا يا بني) ص 59 وبعد الدوام المدرسي جمع باقة من الزهور البرية وركض تحت المطر باتجاه قبر أمّه، وعندما وقع بصره على القبر(صرخ بكل ما تبقى من قوة: آه يا أمّي الحبيبة .. وسقط) ص 61 وهنا تنتهي القصة .. ولا أفهم هنا معنى السقوط ، هل سقط نتيجة التعب والارهاق والألم؟ أم سقط شوقاً الى والدته وحزناً عليها؟ أم سقط مغشياً عليه أم سقط ميتاً؟ أم ماذا؟ ويلاحظ أن القصة انتهت قبل خروج الوالد من السجن ، وقبل نهاية العام الدراسي ، وقبل أن تستقر أوضاع الطفلين ، أيّ أن هذه النهاية مفتوحة وعلى كل قارىء أن يتصورها كيفما يشاء، فالكاتبة كتبت صفحات من حياة يتيم ، وانعكاس اليُتم على نفسية الطفل، وعذاباته الناتجة عن فراق والدته، وشوقه الى هذه الراحلة ، وعدم تقبل زوجة الأب لأبناء زوجها وكذلك عدم تقبلهم لها، وفي القصة دعوة غير مباشرة للآخرين بالعناية بالأطفال الأيتام بوعي وكواجب، وليس من باب الشفقة، لأن الشفقة فيها مسّ بالمشاعر ولا يقبلها اليتيم الطفل اليتيم.

أنين عند الشاطىء :
هذه القصة تشكل حالة انسانية انتقتها أديبتنا من أرض الواقع، وتكاد تكون موجودة في كل تجمع سكاني في بلادنا، وهي ترك أبناء الأسرة– وغالباً ما يكون الأخ الأكبر– للعمل قبل أن ينهي دراسته للمساعدة في تعليم بقية أشقائه، وعندما يتعلمون ويعلمون ويتبوأون مناصب رفيعة يديرون ظهر المجن للأخ الذي ساعدهم وحتى لوالديهم .
وقد اختارت أديبتنا لقصتها العم أبا جابر الذي انتهى به المطاف بائعاً للترمس والذرة على شاطىء عكا كي يعيل أسرته، بعد أن أفنى حياته يكدح في سبيل تعليم اخوته، وأحدهم " جاسر " أصبح طبيباً ، ولم يقدم المساعدة المطلوبة لأخيه الذي علمه، خصوصاً بعدما(سقط أثناء عمله من على ذلك العلو الشاهق، استغرب كل من علم بالأمر كيف نجا وبقي على قيد الحياة، وحمد كل من أحبه ربه أن الأمر انقضى على كسور في رجليه وذراعيه وضلعين فقط) ص 72 ومع ذلك بقي يحمل هموم وأعباء تعليم شقيقته التي تحتاج الى عامين حتى تنهي تعليمها الجامعي، وتعليم أخيه الذي يقف على أبواب التعليم الجامعي. ورغم معارضته ذهبت والدته الى عيادة ابنها الدكتور جاسر لطلب المساعدة،وعندما عادت قالت بحرقة وألم:( لما دخلت غرفة الانتظار في عيادته، كان في مريض واحد برّه، ولما فات قلت للسكرتيرة اني أمّه وبدّي أشوفه، فاتت وأجت جايبيتلي عشرين ليرة .. وقالت إنو ما بقدر يشوفني لأنه مشغول كثير ما معه إسّا غير هذا.)
(وتصل العقدة ذروتها عندما توجه أبو جابر لعيادة أخيه لاستدانة بعض النقود لاصلاح عربته المعطوبة التي يبيع عليها الترمس والذرة، فما كان من أخيه الطبيب إلا أن أنكره، وسمعه يقول للموظفة في عيادته عندما سألته اذا كان هذا الشخص أخاه فعلاً:(كلا ليس لديّ وقت للمتسكعين) ص 75 عندها صرخ به أبو جابر( وصلت بك الحقارة أنك تخجل مني .. وتقول عني متسكع، لولاي ما حلمت أنك توصل لهذا المركز) ص 75 فرد عليه الأخ الطبيب: أنا لم أتعلم من تعبك أو من نقودك .. أنا تعلمت بحصتي من دكان أبي .. ولا تتظاهر بأنك مسكين .. فالله أعلم أين ذهبت بباقي ثمن الدكان.) وعندما تزوج أبو جابر في سن متأخرة في منتصف الثلاثيناتمن عمره، أنجب ابنه البكر وهو في الحادية والأربعين من عمره، وبقي يبيع الترمس والذرة في سبيل اعالة أطفاله، بينما عاش اخوته سعداء.
وتنتهي القصة بأن أبو جابر وابنه غابا وصخب موج البحر يعلو ليردد " تيرس " " ذرة " .. ترمس ص 85
وفي تقديري أن صخب البحر هنا هو صخب الحياة حيث يضيع فيها الانسان .

مرّ من هنا :
وهذه القصة مضمونها ينبض بالانسانية أيضاً، فبطلها حارس مدرسة، ترك المدرسة قبل أن ينهي تعلميه، وعاد يعمل فيها حارساً، تدور به الذكريات بعد أكثر من أربعين عاما، فيتذكر كيف كانت قريته، وكيف أصبحت وكيف تطور البناء المدرسي من ثماني غرف في زمانه الى أكثر من خمسة وثلاثين صفاً دراسياً الآن ، وبينما هو في هذه الذكريات قال لنفسه(حقاً ان شيئاً لا يبقى على حاله .. وكل شيء في تغير مستمر .. الا أنا بقيت أكثر من أربعين عاماً، وأنا في نفس المكان .. لم أتركه) ص 90
واذا كانت صورة المدرسة تتحول الى ذكرى عند الطلبة بعد تخرجهم ، ويدخلون مرحلة حياتية جديدة فإن (حياة العم خليل في حالة تجمد بمساحة مختصرة) ص 93 لأنه ترك المدرسة قبل التخرج، وعاد ليعمل بها ، وبالتالي ضاع عمره في المدرسة دون أن يتذكره أحد .

مراوغة الجدران :
بداية هذه ليست قصة طويلة، انها رواية تقع في 85 صفحة من الحجم المتوسط يمتد زمانها في أكثر من سبعين عاما، وتدور أحداثها في أماكن كثيرة منها الرّامة -قرية البطل الواقعة في الجليل الفلسطيني - حيفا، تل أبيب، القدس، بريطانيا، لبنان، والأردن، فيها وصف للأحداث الصغيرة، وفيها عدة أحداث لها علاقة بهموم الوطن،ويبدو أن أن قناعة الكاتبة الذاتية بأنها تكتب قصة لا رواية،قد أرّقتها من طول (قصتها)فأخذت تختصر نهاياتها التي جاءت على شكل تقرير اخباري .
وبطل هذه الرواية وائل درزي عربي من قرية الرّامة ، تطلق والداه وهو طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، وتزوج كل منهما من آخر، بينما عاش هو أكثر أيامه في كنف جديه لأبيه، وفي نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، لجأت والدته وزوجها وأبناؤهما منه الى لبنان، ونجا هو ووالده من موت محقق، ليبقى شاهداً على ويلات النكبة، وما حلّ بشعبه الفلسطيني من قتل وتشريد، درس في دار المعلمين في يافا وعاد ليعمل مدرساً في قريته ، اختلف مع أبناء عمّه على بيت أوصى به له جدّه، فسافر الى لندن في العام 1957، وهناك تعرف على فنان مقدسي، وعمل معه في المسرح، وفي تلك الفترة زارت لندن نجوى ابنة الفنان المقدسي، فأحبت وائل وأحبها، ووقف اختلاف الدين بينهما جداراً عالياً حال دون زواجهما، لكنه لم يمنع حبهما الجارف، فالديانة الدرزية تنبذ وتحرم وتقاطع من يتزوج من أبنائها من ديانة أخرى، أو يتحول الى ديانة أخرى، كما أنها لا تقبل من يريد أن يعتنقها، وفي لندن تعرف على لبناني ساعده على التواصل مع والدته من خلال الرسائل، حتى عندما عاد الى وطنه بقي صديقه اللبناني يستقبل الرسائل من وائل ووالدته ويرسلها اليهما، وعندما وقعت حرب حزيران 1967 العدوانية ( توحدت ) فلسطين تحت الاحتلال، وعلى غير ما يرغب به الفلسطينيون وباقي العرب، فزار وائل القدس والتقى بحبيبته التي لم تتزوج بعد، ثم ما لبثت أن تزوجت من ممثل شاب عمل مع والدها وزوجها في مسرحية، كما أن وائل تزوج هو الآخر من فتاة درزية، وأنجب كلاهما وشب أبناؤهما، وتدور الأحداث وتقوم اسرائيل في العام 1982 باجتياح لبنان، وتواصل احتلالها لجنوبه حتى تحريره في أيار 2000 كما يعلم الجميع، ويقوم وائل بزيارة والدته واخوانه في جنوب لبنان، وتتواصل الأحداث بعد وفاة جدّيه ووالده، وزوجته، ووالد نجوى، ونجوى، وابنة نجوى، ووائل نفسه .
أهداف الرواية :
يتضح من الرواية أن الكاتبة تتحلى بانتماء قومي وحسّ وطني لا تشوبهما أيّة شائبة فهي فلسطينية عربية من دروز فلسطين، ويؤرقها فرض الخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي على أبناء الطائفة الدرزية، وما صاحب ذلك من اساءة فهم موقف الدروز الفلسطينيين، والتي ساهم فيها الاعلام الاسرائيلي بشكل كبير، خصوصاً في تركيزه على(وحدة الدم بين الدروز واليهود) ومحاولته الايحاء بأن الدروز قومية منفصلة لا علاقة لها بالعروبة. وان انطلت هذه الأكذوبة على البعض ، فإنها لم تنطل على الكاتبة وعلى الكثيرين من الدروز الذين يرفضون الخدمة في الجيش الاسرائيلي ويسجنون جرّاء ذلك .
ففي نكبة العام 1948 تعرض الدروز الفلسطينيون الى القتل والتشريد والويلات كما هو حال بقية شعبهم، فلجوء والدة وائل وزوجها الثاني وأبنائهما الى لبنان ترك غصة ومرارة في قلب وائل، ولم ينقذه من القتل سوى طفولته حيث لم يتجاوز عمره الخامسة عشرة في حينه، كما أن قوات الأمم المتحدة هي التي أنقذته وآخرين من القتل عندما اقتادتهم القوات الاسرائيلية لقتلهم خارج القرية- كما كانت تفعل مع بقية مواطني القرى الفلسطينية- كما أن أراضي الفلسطينيين الدروز صودرت هي الأخرى، ففي الحديث عن وائل عندما سافر عام 1952 الى يافا للدراسة في دار المعلمين، تتحدث عن جدّه فتقول:(والرجل العجوز الذي تركه كان قد هرم أكثر خاصة مع قرار مصادرة أرض كان يملكها في جبل الكمانة، وهو الجبل المقابل للقرية ..... وفي النهاية خسر الأرض كلها التي جاوزت خمسة وثلاثين دونماً) . ص 131 وتوفيت الجدة وفرض التجنيد الاجباري على الدروز(كل هذا ساهم في رحيل جدّه) ص 131 وكانت وصية الجدّ:(أرضك ما تتركها .. أرضك عرضك وأغمض عينيه.) ص131
والذي يعرف واقع الحياة في فلسطين لا يحتاج الى الكثير من الذكاء ليرى أن أوضاع الدروز فيها لا تختلف عن بقية أوضاع الفلسطينيين من حيث التمييز بل هي أكثر سوءاً حيث يتعرضون أيضاً الى استلاب قومي .
وقد كان واضحاً في الرواية أيضاً أن الدروز طائفة منغلقة على نفسها دينيا حيث لا يسمحون بالتزاوج ما بينهم وبين أيّ ديانة أخرى، كما أنهم لا يقبلون أيّ شخص من ديانات أخرى اذا حاول اعتناق ديانتهم .
ومما يلفت الانتباه أن أديبتنا في روايتها هذه التزمت بالدين والعادات والتقاليد وهي تكتب عن قصة حب وائل ونجوى،فقد كان حبا عذريا.
الجدران :
كانت الكاتبة ذكية جداً في اختيارها(مراوغة الجدران) اسماً لروايتها هذه وليحمل اسم مجموعتها القصصية، فالجدران جدران حقيقية ووهمية، فهناك جدران الحدود التي فرقت المرء عن والديه وأمّه وبنيه واخوته، وهناك جدران الديانات التي تمنع التزاوج خارج اطار الدين الواحد، وهناك الجدران الاجتماعية التي تحاصر الفرد،وهناك جدران التوسع الاحتلالي،وجدران الحروب والكراهية.
اللغة والأسلوب :
تمتلك أديبتنا لغة أدبية جميلة، لديها تشبيهات واستعارات لافتة، لغتها سلسة لا تعقيد فيها، وأسلوبها ينساب بعذوبة يطغى عليه عنصر التشويق .
يبقى أن نقول أننا أمام أديبة في بداية شبابها، وأمامها مستقبل واعد،ويسجل لصالحها أن رواية مراوغة الجدران هي العمل الأدبي الأول– حسب علمي- الذي يتكلم عن أوضاع الدروز الفلسطينيين،وعن انتمائم القومي والوطني .





#جميل_السلحوت (هاشتاغ)       Jamil_Salhut#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة سلمان ناطور في ندوة اليوم السابع في القدس
- الخامس من حزيران والهرولة الى الخلف
- اثنان وأربعون عاما عجافا
- اطفال الشرق الاوسط في يوم الطفل العالمي
- ذاكرة سلمان ناطور في رحلة الصحراء تأريخ للمأساة وسخرية من ال ...
- دولة تحارب شعبها
- هل سيسمع اوباما -لا- العربية
- مجموعة -اكليل من شوك- القصصية والتميز شكلا ومضمونا
- في ذكرى نكبة فلسطين
- التعذيب في العراق وغيره
- وقفة مع الاول من ايار
- قراءة في ديوان الشاعر تميم البرغوثي
- سرّ الرائحة قصة أطفال تدعو للحفاظ على البيئة
- اسرائيل دولة يهودية وللفلسطينيين التيه
- القدس مدينة التعددية الثقافية
- الثقافة المحلية ليست بالحسبان
- -السنجاب الخائن- حكايات على شكل قصص
- ثقافة - العصرنة -
- القدس العاصمة الأبدية للثقافة العربية
- السحر - حكاية شعبية


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - عندما تراوغ نسب أديب حسين الجدران