أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم اللويزي - هوبز : الدولة التنين { الإرهاصات الأولية للعقد الاجتماعي}















المزيد.....



هوبز : الدولة التنين { الإرهاصات الأولية للعقد الاجتماعي}


سليم اللويزي

الحوار المتمدن-العدد: 2676 - 2009 / 6 / 13 - 03:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمــــــــــــــــــة

إن النظم والأفكار السياسية الموجودة لم تنشأ طفرة واحدة ، وإنما هي نتيجة لتطور طويل ترجع أولى حلقاته إلى العصور القديمة،إذ ظهرت منذ القدم أنظمة للحكم مختلفة تتلاءم مع ظروف هذه العصور وعقليات الجماعات التي عاشت فيها.كما ظهرت أيضا لمحات فكرية سياسية على لسان الفلاسفة والحكماء تتعلق بنظم الحكم وتفسير طبيعتها وبيان النظام السياسي الأمثل.
وقد توارثت الأجيال هذه الأفكار السياسية الخاضعة لمنطق التطور (الذي يلحق بالزمن والبيئة والفكر البشري والحضارات).
والأفكار السياسية تعني أحد أشكال الأعمال الفكرية حول وضع الإنسان في المجتمع ،والذي ساهم بقوة في وضع الحضارات،والتنسيق والربط بين التمثلات أو الأفكار التي لم يكن بإمكان العقل ، ولا يمكن له، إلا أن يكونها عن الظاهرة الأساسية والجذابة التي تسمى السلطة (جان جاك شوفالييه ،ص،7 )
فالأفكار السياسية هي إذن سلسلة متصلة الحلقات بدأها الأقدمون وتلقاها من جاء بعدهم وهكذا حتى وصل التطور وقتنا الحاضر ،وهذا التسلسل الفكري ليس جامدا وإنما كل جيل يأخذ أفكار الجيل السابق وقد يراها صالحة له فيعتنقها دون تغيير ،وقد لا يراها كذالك فيعدل فيها ويضيف حسبما يقتضي الحال وبذالك يتضاعف ميراث البشرية من ثمار الفكر الإنساني.
وحتى إن حاولنا تقسيم هذا الفكر وذلك بتحقيبه ونعته فكرا سياسيا للعصور القديمة ثم الوسطى ثم عصر النهضة وأخيرا الفكر السياسي الحديث ، إلا انه يظل تقسيما إجرائيا لاغبر . حيث أهمية الأفكار السياسية تظهر في تسلسلها وتطورها وقدرتها على فك رموز الأنظمة السياسية وفهم تقلباتها ثم تطويرها حسب مقتضيات الظروف.
وبالارتباط بموضوع البحث : هوبز : الدولة الصنع / الدولة الليفيتان ، يجد الباحث نفسه أمام الفكر السياسي
في مطلع العصور الحديثة ( أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر ) ، حيث تطور الفكر السياسي في هذه الفترة التاريخية تطورا ملحوظا انعكس على واقع النظم السياسية التي ساد تطبيقها في أوربا في ذلك الحين ، ولا زالت آثارها باقية حتى الآن .
لقد استفاد الفكر السياسي من سياقه العام ( والجانب العلمي ، السياسي ، الديني ، والمجتمعي ) وتجرأ على مناقشة إشكالية السلطة بعيدا عن المنظور التقليدي وارتباطا بالعقل ( الحساب النفعي عند هوبز ) .
فكيف نظر هوبز للسلطة ؟ خصوصا بوجود أطراف ثلاثة متصارعة حولها: الملكية، البرلمان، الكنيسة.
وماهي المفاهيم التي استعملها ؟ علما أن أهمية هذا التنظير وحسب د محمد عابد الجابري تكمن في طرح فرضية " حالة الطبيعة " لتأسيس ظاهرة الاجتماع البشري والتمدن الإنساني على أساس " معقول " يمكن أن يقدم للحاضر ، من الماضي ، لا يساعد على غرس وتجدير مفاهيم التحديث والتجديد في وعي الناس ، ذلك أنه بدون هذا النوع من التأسيس الذي " يكشف " أو " يستنبت " في التراث أسس تجاوزه الجدلي ليبقى مطلب التجديد والتحديث مطلبا طوبويا في ذهن أصحابه،فبهذا الإطار وظفت فرضية "حالة الطبيعة " ، كأرضية لهذا التأسيس.
وجوهرها أن "الإنسان ذئب للإنسان " .
وقبل التطرق إلى نظرية هوبز في السياسية ارتأينا أن نعالج في مبحث أول السياق العام لفكر هوبز تاركين المبحث الثاني لهوبز الدولة الصنع وعليه سنتبنى التصميم التالي :


• المبحث الأول : السياق العام لفكر هوبز .
المطلب الأول : الظروف التي أنتجت فكر هوبز
فقرة1: العوامل الدينية والسياسية
فقرة 2 : العامل العلمي والفكري

المطلب الثاني: نبذة تاريخية عن حياة هوبز ومؤلفاته
فقرة 1 : حياة المؤلف
فقرة 2 : مؤلفات هوبز

• المبحث الثاني: فلسفة هوبز السياسية
المطلب الأول : تكوين و تأسيس الدولة
فقرة1 : تكوين الدولة
فقرة 2: تأسيس الدولة

المطلب الثاني : أهداف الدولة وواجباتها
فقرة1 : أهداف الدولة
فقرة 2 : واجبات الدولة










• المبحث الأول : السياق العام لفكر هوبس .

تعكس حياة هوبز بوضوح واقع عصره ، إذ يبتدئ من خلالها تاريخ إنجلترا الحافل بالأحداث الدينية والسياسية والعلمية ، والتي كان لها تأثير على نفسية المفكر والمفاهيم التي تكونت لديه .
وقبل إعطاء نبذة تاريخية عن حياة هوبز يحق لنا أن نتساءل عن واقع إنجلترا خلال أواخر القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر.
فما هي إذن العوامل التي أنتجت فكر هوبز ومفاهيمه ؟

المطلب الأول : الظروف التي أنتجت فكر هوبز
سنعرض في هذا المطلب العوامل الدينية والسياسية (أولا) ثم المناخ العلمي و الفكري (ثانيا)
فقرة1: العوامل الدينية والسياسية
عرفت إنجلترا أحداث دينية و سياسية مبكرة عجلت بقلب المفاهيم التقليدية حول ظاهرة السلطة ونظم الحكم.
فكيف ساهم الدين في التغيير السياسي .
1- إنجلترا نحو الثورة الطهرية .
قامت الأنجليكانية بتأميم الدين حينما جعلت من الملك الرئيس أو الحاكم الأسمى للكنيسة ونتيجة لذلك شهدت بريطانيا احتجاجا كاثوليكيا وكاليفانيا رهيبا تمثل في حركة المنشقين الموصوفين بالطهريبن ( paritains) .
هذا التعبير الذي اخترع في عام 1565 تقريبا وكان يشمل عدة طوائف يجمع فيما بينها اهتمام مشترك لاستئصال كل أثار البابوية المكروهة من البرتستانية .
فالطهرية ظاهرة دينية لها تأثير سياسي خطير " ولقد كانت لهذه الظاهرة الدينية الحقيقية تأثير سياسي خطير ،فقد انتشرت الطهرية ، كما كتب ف.مورو ( F.MAURO) بشكل خاص لدى بورجوازية المدن وصغار النبلاء في الريف أي لدى الطبقات التي ينتمي إليها النواب في مجلس العموم ...وكانت قوة دينية اتجهت لتصبح قوة سياسية معارضة للملكية " (موسوعة pléiades التاريخ العالمي : ص 176
وبالرغم من التغلب على مختلف أنواع الأخطار أو تلافيها على يد إلزابيت تيودور ، عادت هذه الأخطار لتظهر من جديد وبحدة مع قدوم أسرة ستيوارت الاسكتلندية إلى العرش حيث استمر التشابك السياسي والديني في عهد جاك الأول حتى وصف الطهر يون بأنهم طاعون حقيقي في الدولة والكنيسة ( جان جاك شوفالي ، تاريخ الفكر السياسي ، مرجع سابق ص 230 )
2- الجانب السياسي :
يختزل هذا العمل في المعركة السياسية بين الملك والبرلمان للحد من امتيازات الملك وتجميد تطلعات جاك الأول نحو السلطة المطلقة .
ورغم الصراعات بين المؤسستين الملكية والبرلمانية والتي تعود جذورها إلى ما قبل القرن الثاني عشر والحصول على وثيقة الميثاق الأعظم سنة 1215 لصالح البرلمان الإنجليزي فإن المسيرة السياسية اتسمت بعدم التوافق بين المؤسستين حيث ثم حل البرلمان عدة مرات في عهد الملك جاك الأول ،كما أوشكت الحرب الأهلية على الوقوع بين طرفي الملك والكنيسة الانجليكانية والجامعات من جهة ، والبرلمان والطهريين من جهة أخرى .
وسيرث الملك شارل الأول الخلافة عن أبيه إلا أنها كانت مثقلة بالهموم السياسية ، عجلت بالقبول بعريضة الحقوق سنة 1628.
إلا أنه مع تغير العلاقة بين المؤسستين الملكية والبرلمانية والتي تميزت بعدم لاستقرار، وبحل البرلمان.
وأمام تفاقم الأوضاع السياسية المدعمة بالثورة الطهرية هزم شارل الأول ، وحكم عليه بقطع رأسه سنة 1949 لتعرف إنجلترا الجمهورية بقيادة كروم ويل .
إذا كان ماسبق هو واقع إنجلترا الديني والسياسي بشكل مختصر، فكيف كان حال الواقع الفكري والعلمي ؟
فقرة 2: العامل الفكري والعلمي.
استفاد العلم من التطورات الاقتصادية والاجتماعية إبان عصر النهضة ، حيث أدى تطور علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى تطور التجارة والصناعة ، فبرزت الحاجة إلى معرفة القوانين التي تتحكم في تطور وظائف العلم ، ومن تم ضرورة دراسة وفهم قوانين الطبيعة . فبدأ العقل الإنساني يهتم بالطبيعة وبأنشطة الإنسان المادية ، وكانت أهم نتائج الاتجاهات العلمية في عصر النهضة مناهج البحث الرياضي التجريبي في الطبيعة والتي عممت فلسفيا خاصة في أعمال كاليلي ومع فرانسيس بيكون ( 1561 – 1625 ) .
أما فكريا وفلسفيا ، فقد انعكس تطور الفكر العلمي على تطور الفكر الاجتماعي فأصبحت الظواهر الاجتماعية ومنها السياسية ينظر إليها بعيدا عن نظرية الحق الإلهي وأسسها ، فتم إحياء مفاهيم تقليدية كالعقد والحالة الطبيعية ولكن بمنظور جديد ستتشكل بدايته مع طوماس هوبز .
فكيف كانت حياة توماس هوبز ؟ وماهي عصارة فكره ومفاهيمه ؟

المطلب الثاني : نبذة تاريخية عن حياة طوماس هوبز ومؤلفاته .
فقرة 1 : حياة المؤلف
ولد توماس هوبز يوم 5 ابريل 1588 في مدينة ويستبورت الإنجليزية وكانت ولادة قبل موعدها الطبيعي ، حيث كان هذا العام من الأعوام المضطربة في تاريخ إنجلترا ، تربى في كنف أخيه الأكبر ودرس الفلسفة خاصة النزعة المادية وتشبع بالفكر السياسي و الأخلاقي توفي في 4 دجنبر 1679 ودفن بمدينة هاديوك الانجليزية .
ويعتبر طوماس هوبز فيلسوفا ماديا انجليزيا ومن أهم مؤسسي الفلسفة السياسية في أوربا خلال القرن السابع عشر .عرف بفكره السياسي وباهتمامه بقضايا النظام ( موقع جريدة الأحداث المغربية – "طوماس هوبز" :فيلسوف الإصلاح السياسي ) وتحقيق السلم والتعايش وتفادي النزعات الأهلية .امتد اهتمامه إلى مجلات التاريخ والهندسة والأخلاق والفلسفة العامة .كما شكلت نظريته المتمحورة حول الطبيعة الإنسانية محور الانتروبولوجية الفلسفية في عصره ،كما بلور مفهوم العقد الاجتماعي ،الذي ظل يتردد في أدبيات الفكر الإنساني ليشكل انعكاسه محركا لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ . انشغل هوبز منذ بداية مسيرته الفكرية بدراسة نشوء بنية المجتمعات الإنسانية ،حيث انطلق من سؤال جوهري يتمحور حول ضرورة الخضوع للسلطة . وحاول الإجابة عن هذا السؤال بمقارنة مرحلة "ما قبل المجتمع " و"الحالة الطبيعية " ،ليستنتج الأسباب التي دعت لنشوء تلك المجتمعات ، فتوصل إلى أن إنسان " ما قبل المجتمع "يتركز اهتمامه في المصلحة الذاتية في غياب سلطة تجبر الأفراد على التعاون . كما استخلص إن الإنسان في هذه المرحلة يخشى الآخرين ،ولا يستطيع ضمان حاجياته في ظل سيادة الهمجية ، موضحا إن السبيل الوحيد للخروج من هذه الحالة يتأتى عبر الاتفاق على قوانين مشتركة والية حكومية لفرضها. واعتبر أن وجود السلطة، وان شابتها انحرافا تسبب غلبة العاطفة عن المنطق، من شانها أن تحول دون الرجوع إلى الهمجية. وانشغل هوبز كذالك بالفكر الأخلاقي،لكن بطريقة تختلف عن رؤيته الفلسفية،حيث اعتبر أن فعل الإنسان يتوقف على ظروفه الاجتماعية الآنية. غير أن نظرته هذه إلى الأخلاق تنتفي كلما برزت السلطة السياسية إلى الوجود، حيث يقتضي الواجب، حسب رأيه، طاعة أولي الأمر. ومع ذلك يبقى مجالا الأخلاق والسياسة منفصلين في منطق هوبز،إذ تناول الأخلاق الطبيعية البشرية،فيما تعالج الفلسفة السياسية الوقائع الناتجة عن تفاعل الناس فيما بينهم . وتميزت هذه النظرة للسياسة بالدعوة إلى ضرورة معرفة العالم بناء على استدلال عقلي يتفادى الخطاب العاطفي. وتركز اهتمام هوبز ابيضا على قوانين الطبيعة والعقد الاجتماعي ، إذ اعتبر انه ينبغي على الإنسان تفادي ما اسماه " الحالة الأصلية أو الطبيعية " لأنها تحرمه من " حقه الطبيعي " . فجاءت فكرته حول " القانون الطبيعي " شبيهة بما جاءت به قريحة فلاسفة العصور القديمة والوسطى في هذا السياق ،مشيرا إلى أن العقل البشري فد يتبين بعض المبادئ الأزلية التي من شانها تسيير السلوك البشري . هذه المبادئ هي اعتباره ،مستقلة عن التعاليم الربانية والدينية . وهي قوانين تنشا عن الطبيعة ولا تنزل من السماء. وفي هذا السياق صاغ 19 قانونا طبيعيا حاول من خلال بنودها الانتقال بالإنسان من " الحالة الطبيعية " إلى المجتمع المدني. واعتبر هوبز أن السلطة السياسية الليبرالية لا تؤدي وظيفتها إلا عندما يشعر الإنسان بحافز إضافي خارج عن المصلحة الذاتية . ومن هنا جاء اهتمامه بالدين باعتباره الحافز الوحيد القادر على تشكيل السلوك الإنساني دون انتظار أي مصلحة أو منفعة ذاتية. (موقع الكتروني )
فقرة 2 : مؤلفات هوبس
لقد بدا هوبز بالتعريب عن آرائه في السياسة بدية بترجمة أعمال ثيوسيد يدس ليظهر له فيما بعد حضورا سنة 1942 ( وعمره أنداك 54 سنة كتاب المواطن ) .
أما كتاب الليفياتان محور اهتمامنا فلقد ظهر سنة 1651 فهوبز كان يتصور وهو المفتون ، وفقا للتيار العام في عصره بالهندسة والمنهج لاستنتاجي للرياضيات نظاما دقيقا بشكل تام ومغلقا من كل جانب ، ويفسر انطلاقا من الحركة العالم النفساني والعالم الأخلاقي والعالم السياسي ، مثل ما يفسر العالم الطبيعي لقد كان الأمر يتعلق بالنسبة لهوبز الذي سيسيطر على مبدأ السببية الميكانيكي ، بملاحظة الأسباب والنتائج وتشابكها ، هذا التشابك الذي هو الذي أيضا عبارة عن تسلسل في الحركات، لأن الحركة هي البداية لكل شيء " ( جان جاك شوفالييه ، تاريخ الفكر السياسي ص 324 ) .
لذلك جاء تصور هوبز بالإنسان الصناعي وغير الطبيعي الليفياتان تصورا يجسد الفن والحيلة المطبوع بها العقل البشري ،ويشتق ذلك من الاستشهاد المأخوذ من كتاب الليفياتان والوارد في تاريخ الفكر السياسي لجان جاك شوفالييه ص 327 : " إن الفن هو الذي يخلق هذا الليفياتان الكبير ... الذي تعتبر السيادة فيه نفسا اصطناعية لأنها تعطي الحياة والحركة لمجموع الجسم...إن الحكام والموظفين الآخرين هم مفاصله الاصطناعية. أما المكافئة أو العقاب المرتبطين بمقر السيادة والدين يحركان كل مفصل وكل عضو من أجل قيامه بإنجاز مهمته فهما أعصابه لأن هذه الأعصاب تلعب نفس الدور في الجسم الطبيعي . وأما ازدهار وغنى كل الأعضاء الخصوصيين فهم قوته .لان حياة الشعب هي قضيته والمستشارون هم ذاكرته والإنصاف والقوانين هي عقله وإرادته الاصطناعيتين والوئام في صحته والاضطرابات المدنية دائه والحرب الأهلية موته .
وكتاب اللفياتان شكل عصارة الفكر السياسي الهوبسي وتصوراته حول الدولة معتمدا مجموعة من المفاهيم
- الحالة الطبيعية
- العقد الاجتماعي
- الحالة الاجتماعية
- الفرد والأفراد
- الإنسان الاصطناعي : اللفياتان
- السيادة المطلقة غير القابلة للتجزئة

وكلها مفاهيم سندرسها في سياقها الفكري : نظرية هوبز السياسية وذلك في المبحث الثاني .

• المبحث الثاني : فلسفة هوبز السياسية


بعد تطرقنا للظروف التاريخية التي عاشتها انجلترا بين أواخر القرن 16 و منتصف القرن 17 , و التي كونت مفاهيم هوبز و شكلت نفسيته العميقة المظلمة المؤسسة على النفعية و الخوف , فان فلسفة هوبز السياسية تتمثل أساسا في الحق الطبيعي و ليس القانون الطبيعي,حيث يقول هوبز :" أنا لا أعني بكلمة الحق right شيئا آخر سوى الحرية الممنوحة لكل إنسان لكي يستخدم قدراته الطبيعية طبقا للعقل السليم . و من تم فأن الأساس الذي يرتكز عليه الحق الطبيعي هو التالي: كل إنسان لديه القدرة و الجهد لحماية حياته و أعضائه. وما دام لكل إنسان الحق في البقاء فلابد أن يمنح أيضا حق استخدام الوسائل, أعني أن يفعل أي شيء, بدونه لا يمكن أن يبقى.", و هو بذلك يدافع عن الفردية الاستبدادية و يدحض و لا يأخذ بنظرية الحق الإلهي.
فنظرية هوبز تعتبر أساسا حلقة وصل بين الفكر السياسي النهضوي بين مذاهب الحق الإلهي و الصياغة الأولية لفكرة التعاقد , حيث انطلق هوبز في مقولته حول العقد السياسي من ملاحظته حول الظروف الطبيعية للإنسان, و التي خاصيتها الأساسية الشر و التطاحن.
فكل فرد في صراع مع الآخرين من اجل استعمال حقه و من هنا تأتي الحروب, و هنا تكمن المشكلة: كل فرد يوجد في حالة حرب مع أفراد آخرين, حرب افتراضية.و هكذا يصبح كل فرد في حرب مع الكل و ذلك لعدم وجود قوة قاهرة توقف الكل عند حدهم, و تلهمهم الشعور بالخوف , الشيء الذي يؤدي الى البحث عن حل فرضته مشكلة أساسها التطاحن بين الأفراد.

المطلب 1 : تكوين و تأسيس الدولة
إن المشكلة المطروحة أساسا في التطاحن و الصراع بين الأفراد سيحتم البحث عن مخرج من هذه الحالة , و إلا سيكون الجنس البشري في خطر الدمار و الزوال و هو لديه العديد من الوسائل و الإمكانيات للقيام بذلك.
فقرة 1 / تكوين الدولة
ذهب هوبز إلى البحث عن أسباب تكوين الدولة, فالإنسان في مراحله الأولى كان يتمتع بحق شامل مطلق على سائر الأشياء و بالتالي كان يتمتع بقدرة غير محدودة في ممارسة إرادته بغية تحقيق رغباته المختلفة.
فكل فرد في صراع مع الآخرين من اجل استعمال حقه, و من هنا تأتي الحروب , فان لم تكن معلنة, فإنها قائمة بصورة اعتبارية , ففي هذه المرحلة الإنسانية التي سبقت ما قبل الاجتماع كان الشرع السائد هو شرع الغاب , الشيء الذي سيؤدي بالفرد إلى البحث عن حلول, و بالتالي يجد نفسه أمام وسيلتين للخروج من هذا المشكل :
- الوسيلة الأولى تتمثل أساسا في بعض عواطف الفرد التي تحثه بالفعل للميل إلى السلام نظرا لتميزها بالخوف و الرهبة
- الوسيلة الثانية تتمثل في عقله, فيوحي له بمواد ملائمة لاتفاق سلمي يتجلى في القوانين الطبيعية التي يمكن أن يتفاهموا حولها. و هذه القوانين ليست بأوامر و إنما هي عبارة عن تعليمات و قواعد عامة للأخلاقيات التي يكشفها العقل من أجل منع البشر من التصرف بشكل مغاير لمصلحتهم.
و يوجز هوبز هذه القاعدة في عبارة واحدة فيقول :"عامل الناس كما تود أن يعاملوك" , فالعاطفة و العقل إذن هما القوتان الدافعتان للأفراد الطبيعيين في سبيل خلق الرجل المصطنع homme artificiel الذي يسمو عليهم بقوته و يحميهم و يدافع عنهم , و هذا الرجل ليس سوى الدولة أي الشيء العام , أي اللافياتان leviathan .
فقرة 2/تأسيس الدولة
يعتبر عقد الجماعة contrat de société بمثابة لبنة تأسيس الدولة في نظر هوبز , فهو يبتكره الأفراد لأنه لا يعتمد في تكوينه على أية سابقة على قيامه , يقوم بين الأشخاص الطبيعيين لمصلحة طرف ثالث , قد يكون فردا واحدا أو مجموعة من الأفراد , و بمقتضاه يخول هؤلاء الأشخاص الشخص الثالث كل سلطة و يفوضونه في التعبير عن إرادتهم
فالتنازل يجري من طرف كل فرد عن حكم نفسه بنفسه إلى الشخص الثالث , و بذلك تتحد الإرادات – إرادات عدد غفير من الأفراد – في شخص فرد واحد يبدعه الاصطناع .
فهذه السلطة الممنوحة تساعد على تنفيذ العقد المبرم بين الأفراد و الشخص الحاكم الذي يملك السيادة.
و بالتالي فالفكرة الأساسية التي تدور حول كيفية تأسيس الدولة تتمثل في التنازل للحاكم المطلق الذي يملك السيادة.
الدولة في شخص الملك سلطة شرعية يخضع لها جميع الأفراد الملتزمون بالعقد فيما بينهم , و مهما جار الملك أو استبد فان سلطته لن تكون موضوع نزاع .
ليس ثمة طريق ثلاث - حسب هوبز – بين العيش دون سيد في دولة طبيعية أو الحرب , و بين العيش بسلام تحت سلطة سيدة.و يمكن إجمال قوله في ثلاث ثوابت :
- ترك كل المفاهيم و النظريات التي هي موقع جدل و صراع جانبا , مقابل وضع نظرية جديدة تنهي الفوضى الإيديولوجية .
- مؤدى هذه النظرية أن حالة الضرورة الطبيعية تستدعي وجود سلطة سيدة مطلقة و غير مجزأة , دون الاعتداد بالشكل الذي قد تتخذه , على أن تجمع بين السلطة الدينية و الزمنية ( الملك رئيس الدولة و رئيس الكنيسة)
- السمة الأساسية في القرانين الصادرة عن السيد هي العدل, على اعتبار قدرته على الفصل بين العدل و الظلم, بين الصواب و الخطأ, الخير و الشر, و بالتالي لا يمكن أن تكون قوانينه محط مساءلة أو تشكيك مهما اعتبرها المواطن فاسدة.
و عليه فان فكرة الدولة عند هوبز تتلخص في كونها تمثل القدرة الكلية أي فوق كل نقد أخلاقي أو قانوني أو سياسي, الشيء الذي دفع بالعديد من الكتاب إلى اعتبار تنظير هوبز هو تنظير لدولة الاستبداد و إقبار الحرية :الإرهاصات الأولية للعقد الاجتماعي .
أما فيما يخص صفات العقد , فيمكن إجمالها فيما يلي :
1 - يقوم على إرادة وحيدة ألا و هي إرادة الحاكم المطلق
2- يعتبر فريدا و أصليا, أي لم تسبقه عقود تمهيدية, ذلك أنه لا يوجد عقد الخضوع بين الأفراد و صاحب السيادة, حيث أن السيد المطلق لا يلتزم بشيء على الإطلاق قبل الأفراد
3- تنازل الأفراد عن حقهم هو تنازل نهائي لا رجعة فيه , لان الاحتفاظ بجزء من الحقوق قد يؤدي إلى الحروب .
و عليه فان هوبز يفضل النظام الملكي شأنه في ذلك شأن بودان , لأنه في نظره ليس هناك ملك قوي يكون رعاياه في حالة من الفقر و الضعف. كما انه يرفض كل صور الحكم المختلط الذي نادى به كل من بوليبيوس و سيشرون , لان السيادة في نظره لا تتجزأ , فهي إما أن تكون لفرد واحد أو قلة من الأفراد , و إما أن تكون للجميع , و لكنها لا يمكن أن تكون لمزيج من هذه النظم .
المطلب 2 : أهداف الدولة وواجباتها
فقرة1/ أهداف الدولة
هوبز ينطلق من الإجابة عن السؤال .ماذا يمكن أن تقوم به الدولة ؟
فقبل ذلك , يتضح الفرق جليا بين هوبز و بودان ,فهذا الأخير يساند السيادة المطلقة مع وضع حدود باسم الحقوق الطبيعية و حقوق الأسرة و حق الملكية . أما هوبز فينطلق من التنازل المطلق للأفراد عن السيادة لصالح السيد المطلق بصورة نهائية لا رجعة فيها مقابل السلم و الأمن .
• المجال القانوني / صفة السيادة المطلقة التي لا تتجزأ تتمثل في القدرة على إصدار القانون و نقضه, فالسيد المطلق هو صاحب السلطة التشريعية , و لا يمكن إصدار قانون أو تنفيذه إلا برضاه الكامل.
فالقانون حسب هوبز هو الذي يحدد ما هو ظالم و ما هو عادل من أمور الجماعة, هو الذي يفرق بين الخير و الشر.
• الملكية / السيد المطلق هو وحده صاحب الحق في توزيع الأموال بصورة تابثة دائمة, فهو بذلك وحده المالك الفعلي وان الأفراد لا حق لهم لا في التمتع فقط بهذه الملكية و الانتفاع بها.
• الفكر / السلام الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق لا بوجود حد أدنى من الرقابة الثقافية police intellectuelle , فصاحب السيادة إذن عليه القضاء على كل مذهب فكري مغالط يؤدي إلى الثورة .
• الميدان الديني/ فاهم عناصر استتباب السلام يكمن في مفهوم صحيح للعلاقة بين السلطة الدينية و رجال الدين.
فقرة 2 / واجبات الدولة
- إن الواجب الأول للوفياتان يكمن أساسا في الحفاظ على سلطاته و امتيازاته سليمة, فهذه السلطات و الامتيازات هي الوسائل التي تمكنه من أداء وظيفته . فالأفراد قد تنازلوا نهائيا عن حقوقهم لصالح السيادة المطلقة, فانه لا يجوز لهم المجادلة في شرعية الأوامر و النواهي التي يصدرها .
- عليه أن يضمن لرعاياه الأمن و السلام و أن يحافظ على حياتهم من كل خطر يتهددها.
- تطبيق هذا الأمر يقتضي واجبا سلبيا يقع على عاتق السيد المطلق , و هو أن يترك للأفراد الحرية التي لا تتعارض مع السلام و بالتالي , على صاحب السيادة أن يمتنع عن إصدار القوانين غير الضرورية متى كان الهدف من القانون هو حماية الأفراد و توجيههم لا لتقييدهم و تكبيلهم .


خاتمـــــة:

إن توماس هوبس وهو ينظر لانتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية عن طريق العقد الاجتماعي كان ينظر لتكوين الدولة وتأسيسها لحقوقها وواجباتها.
فهو ينظر للسيادة المطلقة الغير القابلة للتجزئة والتي سبق أن قال بها جان بودان إلا أن منظوره كان خارج أسس نظرية الحق الإلهي وبالاعتماد على العقل في تفسير السلطة المطلقة، فدفاع توماس هوبز عن الملكية المطلقة هو تبرير عقلاني أوقعه في ورطة حتى مع الانجليكانيين لذلك ابتعد عن السياسة بعد عودته لانجلترا واشتغل بالهندسة فالهوبسية وحسب الحركات للفكر الهوبسي كانت على المدى البعيد على الأقل ثورية للغاية
تضرب صفى بكل البناء الأخلاقي والسياسي الوسيطي الذي سعى بودان جاهدا لانقاد جزء منه على الأقل .
فالسيادة عند هوبس كانت تدفع السيادة عند بودان لنتائجها المنطقية القصوى كانت إسقاطا على الصعيد السياسي لفردية فلسفية كلية تعطي قيمة مطلقة للإرادة الفرية .
إن نهاية الاستنتاجات كانت هذا اللفياتان العملاق المهيمن بلا منافسة ولا مشاركة على العدد الصغير من الأفراد اللذين نشأ منهم بالأصل .
هوبز وهو يتحدث عن عدد من الأفراد لم يترك مكان لعدد من التجمعات مثل الأسرة أو الأجسام المتوسطة بين الدولة والأفراد .
كما أن هوبز نظرا للدولة الصنع اللفياتان دون أن ينظر لمجموع الدول وبالتالي هل المجتمع الدولي هو حرب اللفياتانات ؟


المراجع المعتمدة:

• جان جاك شوفالييه ,تاريخ الفكر السياسي (من المدينة الدولة إلى الدولة القومية), ترجمة د.محمد عرب صاصيلا , ط3 , بيروت , 1995.
• د.مصطفى الصوفي , مدخل لدراسة مفاهيم القانون العام,(إشكالية العلاقة بين السلطة و الحرية ) ,ط1 ,آسفي , مطبعة M.H.A.publicité ,2004
• د. محمد عابد الجابري , الحق الطبيعي و القانون الطبيعي,مقالة , http://www.hem.bredband.net

مواقع الكترونية :
www.ao-academy.org
www.almadapaper.com
www.agora.org



#سليم_اللويزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النخبة المحلية و تطوير مفهوم المشاركة السياسية
- الظاهرة الحزبية بالمغرب:التجمع الوطني للأحرار نموذجا


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم اللويزي - هوبز : الدولة التنين { الإرهاصات الأولية للعقد الاجتماعي}