أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - آخر الشرفات















المزيد.....



آخر الشرفات


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 2673 - 2009 / 6 / 10 - 04:53
المحور: الادب والفن
    


1 ـ سقوف

مِن طينِ الفجرِ شيِّدي سقفاً
لوردةِ النارِ التي أذْبَلَها الانتظار
ستأتي طيورُ اللذّةِ
لتؤمَّ المكانَ
اتركيها ومِن طينِ الفجرِ لها
أقيمي أسواراً
لمدنِ الدّهماء التي بها استحكمَ الظمأُ
استبدَّ بها الجوعُ
لمدنِ الفقراء التي ستتحكّمُ بالنورِ والظلمةِ
مِن طينِ الفجرِ الأحمرِ
ابتني لنا وطناً بديلاً
وطناً في تلك الأصقاع

21 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

2 ـ قارورة

قارورتي الوحيدة
أفرغَها فوق سطحِ الألمِ ساهرون
أفرغوها جرعةً جرعةً
قارورتي الوحيدة
تفتت في يدي
مثلَ عصفورٍ رمليٍّ
نحتَهُ على ساحلِ بحرٍ طفلٌ مسافرٌ

21 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

3 ـ الحافلة والمطر

ستأتي الحافلةُ
بعد دقيقتين ستأتي
قالت نفوسٌ مُنتظرةٌ
والمطرُ غاضباً ينهمرُ
انتظرتُ طويلاً ولم تأتِ الحافلةُ
قلتُ ربما تأخرتْ في الطريقِ
أو على كتفيها حملتِ الطريقَ المُتْعَبةَ فتعثّرت
والمطرُ غاضباً ينهمرُ
على بابِ قلبي يطرقُ
مرّت ساعتان .. يومان .. سنتان ثم توالت عقودٌ
لم تأتِ الحافلةُ
وعن النشيجِ ما انقطع المطرُ

21 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

4 ـ شمسٌ في وليمة

شمسٌ في طريقِها إلى الوسادةِ
ضحكتْ مُصادفةً وبانت أسنانُها اللؤلؤ
شمسٌ في مشيتِها تميسُ
اعترضَ سبيلَها ولها أَوْلَمَ البحرُ
كنّا مازلنا على طريقِ الشمسِ
نحثُّ الخطى

21 ـ 05 ـ 2009 برلين

***

5 ـ الصعود

اليومَ حملتُ البحرَ والبرّيّةَ ودخلتُ السريرَ
سأرعى في البريّةِ غنمي
وأفلقُ ، إنْ أردتُ العبورَ ، بعصاي بحراً
أنا شبيه موسى نبيّ الله المُطارَد
الهارب في الكتبِ المقدسةِ جميعها
القاتل على الولاءِ والمحتمي بمَدْيَن مِن قصاصٍ أكيد
لا أكذبُ على شيخٍ غاربٍ ثانيةً
واليوم عيدُ صعودٍ نحو السماء الغبيةِ
قاء الألمانُ أعرافاً
وقالوا بعد اختطافِ العيدِ : هذا يومٌ للأب
كنتُ في قبوٍ مُعتمٍ
أقنعُ سُلّماً صغيراً قديماً بحجمِ عصاي
أنْ يصعدَ معي إلى تاجِ المشتهى
أو سدرةِ المُنتهى
أقنعْتَه وفي طقسٍ غائمٍ ممطرٍ
ركّزتُ في الأرضِ قائمتيه
ورحتُ نحو الغيمِ أصعدُ
كلّما صعدتُ درجتين استطالَ فرسخين
حتى أشرفتُ على سطحِ الغيمِ
وفوق ظهرِ غيمةٍ حُبلى وجدتُ
غيمتين صغيرتين نثاثتين
على ذراعيّ طويتُهما وبهما عدتُ
أنا شبيه موسى السارح في الأساطير
عَبْرَ دركاتِ السلّمِ المُقدسِ هبطتُ
وعلى الأرضِ نزلتُ
ثم مِن على ذراعيّ نفضتُ الغيمتين
اللتين انتصبتا أمامي عاريتين
كفتاتي البئرِ كانتا
بلا شيخٍ أو سقايا

21 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
6 ـ العازف

إلى أعماقِهِ يأخذُني ليلٌ جائع
ينهشُ في حشاشتي
ويقضمُ شيئاً مِن دفءِ الذاكرة
يُرعِبُني هذا الليلُ ويؤذيني
فَمَنْ يحميني مِِن هذا الليلِ يا عازفَ الليلِ ؟
مَنْ ينقذُني مِن وحشةٍ في سمائي تشكّلت ؟
مِن غيابٍ فتّاكٍ ؟
مِن ظلامٍ مُدْلَهمٍّ يتكتلُ مثلَ الغيلان ؟
مَن يُنقذُني يا عازفَ الليل ؟
مِن أحزانٍ شتّى
آه ما أثقلَ حزنَ المنفى !
ما أشدَّ الوطأةَ !
بالأمسِ أشجتني الناياتُ
وسَحَرَني عزفٌ
وقفَ الراعيّ فوق جسدِ الباديةِ
كان مهيضَ الجناحِ
فعابثَ وحدتَهُ وأطلقَ طوفانَهُ
بالأمسِ سمّرني إلى جدارِ الماضي
صوتُ ربابةٍ
وظلَّ حتى الفجرِ يُناغي طفلاً في صدري
بالأمسِ أتعبني الجريُّ خلف رعاةٍ غابوا
في الضبابِ تلاشوا
بالأمسِ يا عازفَ الليلِ
صرتُ الأثيرَ الذي حملَ إليكَ رحيقَ الزهرِ
فأنقذْني .. أنقذْني يا عازفَ الليل

22 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

7 ـ المُتْعَب

أنتَ حصانُ العربةِ الذي
ما أكل سوى الترابِ
وبضع تمراتٍ منسياتٍ مِن ذاك الصيفِ
وما شربَ غيرَ ماءِ المطر
أنتَ حصانُ العربةِ القادمةِ
مِن أعماقِ السرابِ
مِن أغوارٍ سحيقةٍ
وراءك تجرُّ عذاباتِ رجالٍ
آثروا عرقَ الجبينِ
على عطورِ نساءٍ أُغْرِقْنَ
بأحواضِ اللذّةِ
أنتَ حصانُ الرّيحِ
الذي ما استردَّ أنفاسَه بعد سنين

22 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
8 ـ الدافئة

علينا أطلقي مع جسدِ الشمسِ
روحَ ريحانِك
فنحن مِن سكّانِ الغابةِ
أمامنا بِركةٌ للسباحةِ
وأجسادُ نساءٍ مُلتهبات
ثمة واحةٌ للياسمين
تحيطُها أنفاسُ السّيّاحِ
وبضعةُ فاتناتٍ تخمّرْنَ منذ الليلِ
أطلقي زغباً دامعاً لم تألفْهُ العيونُ
وقهقهةً تُثلجُ القلبَ
يا دفئاً يأتي مِن غيهبٍ
أينعي في عيوني
عند أعالي الليلِ
22 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

9 ـ لحظة بكاء
على المصاطبِ الحجريةِ
أنزعُ ثوبَ أحزاني
وأجهشُ على صدرِ الورقِ حنيناً
أكتبُ أشعاراً عن سفرِ الماء
وقصصاً بحجمِ كفِّ يدِ الوليدِ
عن مركبٍ غريقٍ ضاع في القرار
على المصاطبِ الحجريةِ
فوق رصيفِ المنفى تأتي البصرة
تفتحُ صدري وتقرأُ
تقرأ ، تقرأ
حتى تبكي
تنبثقُ في عيني الأشياء
وأسرحُ كراعٍ في فلاة

23 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

10 ـ أُمنيّه

يا بصرُ
يا بصرُ
تعالي ومني اقتربي
ثم بلهفةٍ قبّليني
لعلي ثانيةً أحيا
قبّليني يا بصرُ فلم تعُد
في العمرِ بقية

23 ـ 05 ـ 2009 برلين

***

11 ـ رأيتُك ياسين

مِن على شاشةِ التلفازِ رأيتُ ياسين
مُتلفّعاً بالدهشةِ
صامتَ العينين
على كاهلِهِ يحملُ أحلامَ الشطِّ إلى بطنِ سفينة
ونخيلٌ إلى جوارِهِ
يتشوّقُ لسفرِ الفسيلِ
رأيتُك ياسين
في المدى سارحاً
كأنّ المدينةَ بها غدرَ المكان فارتحلتْ
هل كنتَ مِن عشبِ البريّةِ
تستنشقُ الندى
أم تنتظر للشقيقاتِ عودةً ؟
لن تأتيَ الأرواحُ ثانيةً
ومِن على شاشةِ تلفازٍ طائرٍ
في فضاء
غادرتْك الوجوهُ وكنتَ وحيداً
مثل فرسٍ ضيّعتْهُ الكتيبة
ياسين أُجلب لي سمرةَ العُشّاق
وحمرةَ طينِ التاريخ
ياسين
في المدارِ ليست هي الشمسُ ما ترى
وليس هو النجمُ الذي كان
ليس شيئاً ما ترى
إنها نارُ ربٍّ بنا فجرت
وتلجلجت في الأمداء
يا سين
احمل لي معك أُمنيّةً
هي نشقةٌ مِن صدرِ المدينة

23 ـ 05 ـ 2009 برلين

***

12 ـ عين المُشتاق

لم تكن غابةً في المدى
تلك التي تزحفُ
ولا جندَ الأمير
هو الوهمُ يأتي كلّما اشتاقَ
صدرُ الكريمِ إلى الطلل
كلّما غامتِ الدُّنيا
في عينِ المُلتاع


23 ـ 05 ـ 2009 برلين

***

13 ـ تدفُّق

مثلَ غضبِ ينبوعٍ متمردٍ
يتدفقُ الألمُ
مثل فحيحٍ في خلاء
مثلَ عواء الريحِ
يدهمني الألمُ

23 ـ 05 ـ 2009 برلين


***

14ـ ميدان هانا زوبك Hannesobekplatz

إلى ساحةِ هانا زوبك
نأتي نحن الغرباء وتأتي مثلَنا الحماماتُ
ثم أحياناً تأتي الشمسُ
وطيورٌ أخرى تأتي
وأحياناً ، أحياناً نادرةً جداً في الليلِ
يأتي قمرٌ بهالةٍ باذخةٍ
ونجومٌ شاهقةٌ
لا نعرفُ للوشائجَ بيننا مصدراً
إنما نحن جميعاً نأتي غرباء
عن هذه الأنحاء
القمرُ والهالةُ والنجومُ والشمسُ والحماماتُ وبعضُ الطيورِ ونحن الذين لا نحسنُ الغناءَ
على ساحةِ هانا زوبك في حيِّ الآبارِ الصحيّةِ وأمام حديقةِ هامبولد ، وعلى جسرٍ تمرُّ مِن تحته القطاراتُ
نلتقي في الغالبِ بلا موعدٍ
نلتقي مصادفةً عادةً
هنا فوق ساحةٍ انبثقت فجأةً
وأخذتْ اسمَها مصادفةً
تمرُّ مروراً عابراً كلُّ الأشياء
كلُّ الأحياء
حتى نحن والحماماتُ وطيورٌ أخرى
حتى القمرُ والهالةُ والنجومُ والشمسُ وكلُّ الأشياء
كلُّ الأشياء

24 ـ 05 ـ 2009 برلين

***

15 ـ الغياب
تأتي القطاراتُ وتمضي
وتأتي المراكبُ وتمضي
ويأتي الطيرُ المهاجرُ ويمضي
وتأتي الشمسُ
حتى الشمسُ التي لا تأتي
تأتي وتمضي
تأتي فاتناتٌ وتمضي
ورجالٌ يأتون ويمضون
وحافلاتٌ بلا عددٍ للغجرِ تأتي وتمضي
وعابرون
وعابرات
يأتون ويمضون
حقّاً إلى أين تمضي هذه الكائناتُ ؟
إلى أين تمضي الأشياء ؟
24 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
16 ـ الحسناء

أنتِ فوق الأربعين بقليل
لكنك مِن بين أجمل ما رأيتُ
أنتِ طاعنةٌ في الجمالِ
وأظنُّ أني لم أرَ حسناً كهذا
وفي البقيةِ مِن عمري لن أرى حسناً كهذا
أنتِ الحسناءُ العابرةُ لحدودِ الخيالِ
أنتِ سائحةٌ حملتْ في عينيها البحرَ
وعلى وجنتيها اصطفّت حقولُ الجوري
أنتِ سائحةٌ قادمة مِن أين ؟
جاءت تجرُّ وراءها صحراءَ
متراميةَ الأطراف
أنتِ خارقةُ الجمالِ
صانعةُ الجمال
24 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

17 ـ نداءٌ خفيٌّ

لا تبتعدْ كثيراً أيّها النهرُ الذي أحببتُهُ
وباسمِهِ حنجرتي صدحتْ شغفاً
لا تبتعدْ وتتعثرْ كأنك مِن رائحةٍ كريهةٍ تهربُ
غنائي هو غناءُ الحبيبِ فاسمعْ
جاورْني في المسيرِ واسمعْ مِن أجلكَ شدوي
جاورْني ومثلَ أفعى تلوَّ
مثل أفعى تورّطت بحيوانٍ بريٍّ
زاد عن حاجتِها أو اعترض بلعومَها
أيّها النهرُ الذي أدمنتُ صحبتَهُ
انفضْ عن قدميك طينَ المسافةِ
وقبل العراق اخلعْ نعليك
وادخلْ
أُدخلْ أيّها النهرُ

25 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

18 ـ طريقٌ موحشةٌ

تلك طريقٌ منها لا يأتي مأتى
لا تسلكُها قدمٌ طاهرةٌ
ونفسٌ كريمةٌ نحوها لا تنزعُ
تلك طريقٌ مِن حجرٍ أملس
بلا أبعادٍ أو نتوءاتٍ
تلك طريقٌ موغلةٌ في العتمةِ
تلك طريقٌ موحشةٌ
فلا تطرقْها

26 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

19 ـ الجرف

مِن على جرفٍ صخريٍّ
يتفجّرُ تحته غضبُ نهرٍ
صيّرتْهُ عيونٌ خفيةٌ
أرسلتُ إليكِ
بيدِ الموجِ ورقةً مِن أديمٍ أسمر
كُتبَ عليها ما دار
في الليلةِ الأخيرةِ

26 ـ 05 ـ 2009 برلين

***

20 ـ السوق

ندخلُ سوقاً
إليه تأتي مِن ألفِ مأتى القوافلُ
فيه يُباعُ ما يأتي مع القافلة
وفيه ما حملتْهُ القافلة
ندخلُ سوقاً
في أرجائهِ نُطلقُ فقرَنا الجميل
نبحثُ عن الوردةِ العصية
واحسرتاه
فَجَرَتْ برائحتِها شمسٌ عاهرة
نتلمّظُ للسمكِ المجففِ والنعناع
ولفاكهةٍ تأتي مِن بساتين فوق خطِّ الاستواء
وأخرى مِن مدارِ الجدي
نتشممُ عطوراتٍ مِن بلادِ الهند
وأخرى باريسيةِ الهوى
نتمهلُ أمام نعالٍ نضعُهُ تحت الآباطِ أحياناً
لئلا يبليَ
نتفجرُ دهشةً لرؤيةِ بدلاتٍ رجاليةٍ
وفساتين نساء لم تألفْها العينُ
وفوق أحذيةٍ مِن جلودِ الأفاعي يرحلُ فقرُنا المُسالمُ.
يُسافرُ على الواجهاتِ الزجاجيةِ بحقائبِ نسوةٍ كأنها المرايا المُطرّزةُ بالشهوةِ .
نرى أشياءَ لم نرَ مثلَها على امتدادِ جدبِنا النبيل
ندخلُ سوقاً
نحن الفقراءُ العقلاءُ
ومعنا يدخلُ غافلُ المجنونُ ذو العصا الغليظة والشفتين الكبيرتين ، يستجدي أحياناً قطعةَ نقودٍ وأحياناً يُدمدمُ مِن أجلِ كسرةِ خبزٍ أو تفاحةٍ تالفةٍ . كذلك يدخلُ المُهرِّجُ الوديعُ وعازفُ النايِّ الأسودُ وأغنياءُ لا ينظرون في وجوهِنا الناشفةِ تاركين سياراتِهم الفارهةَ خارجَ أسرارِ السوقِ وفضولِنا .
ندخلُ سوقاً
ومعنا يدخلُ الشحيحُ والمُسرِفُ والقوّادُ
ونساءُ باذخاتُ الحسنِ
شاهقاتُ الملمسِ
ندخلُ
نبحثُ في أقفاصِ الخوصِ عن بلابلَ مُغرّدةٍ
وعصافيرَ تحت غلالاتٍ شفيفةٍ
تنتفضُ في صدورِ النساء
ندخلُ نحن الفقراء
لا نملكُ غيرَ الرؤيةِ
وسيلٍ مِن حسرات
وأمام السوقِ
يخذِلُنا الجوعُ فنسيلَ لعاباً فوقَ الاسفلت
هناك إلى السوقِ دخلْنا
بالقربِ مِن السياراتِ الفارهةِ
التي استعصى علينا لمسُها
هناك حيث الحياءُ يقطعُ أيدينا التي لو فكّرت مرّةً أنْ تمتدَّ إلى كسرةِ خبزٍ نُشاغلُ بها بطوناً خاويةً .
هناك مراراً
في قلبِ السوقِ
كنّا نحن الفقراءَ
دائماً نحن الشرفاء
دائماً لو دخلْنا السوقَ
تأتي القافلةُ
بأمانٍ تأتي
دائماً نحن الفقراء
نحن الشرفاء

26 ـ 05 ـ 2009 برلين

***


21 ـ سلّةُ الحكايا
بردٌ في هذي الحُجُرات
وأنفاسُ قصصٍ ما انتهت
وفي كلِّ زاويةٍ عطرٌ وحكايةٌ
ومخيلةٌ تجوبُ الأنحاءَ
تقتنصُ عبدَ الشطِّ
وصراعَ الأفلاكِ عند أعالي البحارِ
حكايا عن النسرِ الذي صفّقَ بجناحيه فوق
قصرِ السلطانِ ومنه انتزع أجملَ البنات
في الحُجُراتِ ،
حيث لا يكفُّ لسانُ الجدّات ،
بردٌ في الزوايا وبضعُ جمراتٍ مثل ياقوتاتٍ
سهرْنَ في موقدٍ
نُفْرِغُهُ كلّما خنقه الرمادُ
نجلي بالنفخِ وجهَ الجمرات
هي الحكايا
التي لا تكفُّ عن المجيء صيفاً
ولا تكفُّ في فصلِ الشتاء
تنسجُها الجدةُ نهاراً
مثلما تنسجُها ليلاً
تحاكي شهاباً سقط في إثرِ شهاب
هي الحكايا حاضرة حتى في الغياب
بردٌ في الحُجراتِ
مرايا مِن نسيمِ الكلامِ
وجيوشٌ مِن قصبِ الهورِ تُعلِّمُنا معنى الحكايا
في الليلِ تزحفُ نحونا
تخترقُ الطلاءَ الطينيَّ وتحرِسُنا مثلَ شياطين
تقومُ بإعانةِ الأُمهات
وردٌ في بردِ الحُجُرات
يتفتقُ في الزوايا
يُطرِّزُ الثيابَ وشفاهَنا بالدهشةِ المُشققة
وحول البئرِ
وردٌ وبردٌ
حول البئرِ التي تقرقرُ في القرار
لا شيء سوى همسِ الجمرات
ووجوهٍ لنا ترتسمُ على صفحةِ الماء
بردٌ في تلك الحجرات
وحكايا الأحزانِ
التي لن تنتهي بمرورِ الزمانِ
وردٌ على الشفاه
و وجوهٌ سحرتْ صفحةَ الماء
كأنها الأقمارُ

27 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

22 ـ الحقل

خُذْ سنبلةً
بضعَ سنبلاتٍ
وازرعْ حقلاً للقمحِ وتوسّع
اجعلْ مِن الحقلِ حقولاً وتوسّع
أنتَ في مملكةِ الشهوةِ
أنتَ سلطةٌ في برِّ المعنى
خُذْ سنبلةً
وازرعْ مملكةَ القمحِ
ستجدُ حولك عالماً مِن كائناتٍ
سيأتي الطيرُ أولاً
وتأتي الدابةُ
وتأتي الأفعى
ويأتي جرادٌ يملأ عينَ الشمسِ
وتأتي زاحفةً جيوشُ الأرضِ :
يأتي الطحّانون
ومربو الأبقارِ
يأتي صانعو الجعةِ يساومونك على خفضِ الأسعارِ
وأنتَ منها ترفعُ وتوسّع
تأتي شركاتُ المكرونة ومدراءُ المشافي
ويأتي الجماسون ومربو الدجاجِ
وتأتي معاملُ الأعلافِ
وتأتي سفنٌ للنقلِ
وقطاراتٌ تأتي مِن كلِّ الأنحاء
ويأتي يأتي
يأتي البنتاغون
سيسحقُ كلَّ حقولِ الصمتِ
وزهرِ الليلِ
ويحرقُ مملكةَ الشهوةِ
وكلَّ سنابلِ أجدادِك
سيصرخُ بوجهِك أمامَ العالمِ :
إرهابيٌّ أنتَ
تزرعُ أسلحةً لدمارٍ شامل
هذا قمحٌ فتّاكٌ
راديكاليٌّ أنتَ
أنتَ رجلٌ قاتل

27 ـ 05 ـ 2009 برلين

***

23 ـ طائرٌ نبيذيٌّ

جئتُكُم كي أنفضَ عن جنحي الهواء
وغبارَ المسافة
ثم أسيل كالشمعِ المُذابِ فوقَ مائدةِ المساء
أنا نبيذُ المُشتهى
إنْ تلوَّنَ بزهوِ الشفاهِ
تهويمةُ العاشقِ أنا في قاربِ السكون
طائرُكُم الوفيُّ أنا
أشرقتْ بوجهي شمسُ حنينِكُم
فتبعتُ خيوطَها
وتعلّقتُ بدفءِ فتورِها
اقبلوني
أنا طائرُكم المُفارقُ
بأشبارِ أرضٍ لستُ مُدعياً
بمقامٍ عالٍ لستُ طامعاً
فأنا شاهقُ التحليقِ
ومِن شهواتِ الدّنيا
لستُ مُبتغياً شهوةً
ومِن ثيابِكم لن أرتديَ قطعةً
ومِن مالِكم لن آخذَ حفنةً
أنا جسدٌ مِن هواء
لا يمسُّهُ ماء
ولا به علِقَ التراب
جئتُكم نقيَّ الطويةِ نبيلَ المعاني
جئتُكُم بجناحٍ مِن لقاح
وصدرٍ مِن رحيق
أصبُّ في أطباقِكم أنفاسي
وأشتهي مِن بينكم رفيقاً للطريق
كنتُ في سفرٍ
لم أنسَ الطريقَ ولكن
تغيّر وجهُ الطريق
أنا طائرُكُم الوفيُّ
خذوني بلا قيودٍ
أو شروطٍ
أو حتى بلا أسئلةٍ
واستعذبوا تغريداً نسيتموه
في غمرةِ الضجيج
وفي أقفاصِ رغبةٍ عابرةٍ
لا تأسروني
واسمعوا في داخلي المُطْلَقَ الطليق
أنا طائرُكُم الوفيُّ
غدرَ بي البحرُ والبحّارُ
وتركتُ السفينةَ
ثم أتيتُ أنفضُ عن جسدي الموجَ الذي
أوهمني فضيعني
أتيتُكُم بلا قافلةٍ
و سرْبي ضيّعتهُ شواهدُ المكانِ
فتاه في السماء
أنا طائرُكم الغريب
إنْ قبلتموني أدخل في محرابِ اشتياقِكم
وأُنعشُ الذاكرةَ
28 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
24 ـ شجرُ الليل

أنا عاصفةٌ في سكونِ اللامعنى
أهزُّ عروشَ الكلماتِ الغادرة
وأزلزلُ مُدناً مقدسةً
أنا فأسُ الغابةِ
التي باتت عدواً
أحوي مِن شجرٍ أعمى
بعضَ ظلام
أحوي
أحوي
حتى تخرَّ الغابةُ
على ركبتيها عاريةً

28 ـ 05 ـ 2009
***

25 ـ امرأة الكوثر
امرأةٌ في المقهى
تتسلّقُ جذعَ المعنى وتعزف
قبالتي تجلس
وتنهلُ شيئاً مِن عبيرِ الكلامِ :
احتطبوا في الليلِ نخيلَ البصرة
وباتوا في العراء
احتفلوا بعيداً عن أحزانِ النهرِ
ولوعةِ الماء
خارج أسوارِ الرغبةِ
احتفلوا
بلا ثمرٍ يزهو في أطباقِ الليلِ
ولا رطبٍ مِن تلك الأثداء
احتفلوا توّاً
بالملكِ القادمِ مِن بلادِ فارس الذي قيلَ عنه لم ينكسرْ في أيِّ معركةٍ بعد وقيل كما تتضخّم في أرجائنا الأشياءُ : إنَّ اللهَ اختاره لتحريرِ الزنجِ مِن خوفٍ مُزمنٍ ومِن سطوةِ النخلةِ التي زجرتْ خيولَ الغوغاء . ربما كانت متواطئةً مع الخليفةِ في تلك الأيامِ فالنخلةُ لا تذعنُ في العادةِ للأمراء . هي شجرةٌ أدمنت العراء. احتفلوا
قتلوا النخلَ وظلّوا وراء موكبِ الملك يهتفون :
عاش الملكُ العادلُ
وبعد حين عاش الملكُ الجائرُ
حتى أغارَ عليهم " سابور ذو الأكتاف " باني مجدَ الحويزةِ المعظمةِ ومؤسس الفتنةَ الأكبرَ في تاريخِ الشعوبِ ، فتهالكوا بين يديه جميعاً .
حملوا إليه النساءَ والأبناءَ وبايعوا :
عاش الملكُ العادلُ مولانا .
في الألفِ الثاني قبل الميلادِ احترقت البصرةُ على إثر سِفرٍ مِن الأسفار .
أوغرَ الملكُ الفارسيُّ الجليلُ صدورَ الأعيانِ
وألهبَ نفوسَ الدهماء
كانت البصرةُ قصباً وطيناً
امرأةٌ في المقهى
تخصُّ الصمتَ بعذوبةِ الكلماتِ :
لم نأتِ مِن زمنٍ نسطوريٍّ بعد
ولم نيأسْ كما يئسَ الأجدادُ
آخينا ما بين الماءِ وبين الرطبِ الشاهقِ
وقدّمنا الدّفلى بوجهِ الزحفِ القادمِ مِن رملِ الصحراء.
لم نحسبْ يوماً أنَّ بلاداً ستشرعُ أبوابَها أمام جحافلَ تأتي مِن وراء البحرِ وأخرى تأتي مِن بلادِ فارس فتخضّ سطورَ الحرفِ ويضيع المعنى .
لا تسلبْ كوثري
هذا زمنٌ أرقى مِن عطرِ رجلٍ خاضَ غمارَ الليلِ وركبَ البحرَ ثم بعد حطامٍ رسا .
هذا زمنٌ أشهى مِن غنجِ الأنثى وأنقى .
هنا احتفلوا
في عمقِ الصحراء
بعيداً عن ريحانِ الصيفِ في ليلِ البصرة
وعن عصرِ الكرمةِ وسلالِ المشمش .
هنا احتفلوا
بعيداً عن كأسِ الرّمانِ وشوقِ الطلعِ وندىً يتوسدُ خدَّ الجوري .
هنا احتفلوا ، بعد الذبحِ ، في صحراء :
كلُّ حثالاتِ الدُّنيا
هنا احتفلوا
على مشارفِ تمرِ البصرة
امرأةٌ مازالت في المقهى
تجلسُ قبالتي
وتنهلُ مِن عبيرِ الكلامِ
وجعٌ في الخلاء
وجعٌ على الرصيفِ
وجعٌ في صدر المقهى
امرأةٌ في المقهى


29 ـ 05 ـ 2009 برلين
***



26 ـ كأسان
في الشرفةِ كأسان
كأسُ نبيذٍ وأخرى مِن روحِ الليمون
الأولى لي
والثانيةُ لفاتنةٍ ستطلُّ هذا المساء عاريةً
ستأتي في غيابِ القمر
بضعُ ورداتٍ ترنحْنَ مِن عذوبةِ طلِّ الظلال
ثملْنَ الليلةَ
وعطّرْنَ المدى برائحةٍ قلّما تفوحُ في أعطافِ برلين
الليلة كأسان في شرفتي
بضعُ ورداتٍ
ندىً وقمرٌ سيغيبُ
وفاتنةٌ ستأتي
ما أشهى ليلَ الشرفةِ
ما أجملني
وأنا أنحتُ نجمَ برلين الفاجرَ في الليل
29 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
27 ـ تلك البلاد بلادي
أُنعشي روحَ البلادِ
تلك البلادُ
بلادي التي تحتضر
أُنعشي جسداً
تعاقبت عليه المُدى
أطلقي نبيذكِ الحياةَ
ولا ترددي
لعلك تنقذين البلادَ
لعلك في اللحظةِ الأخيرةِ
تُحيين العراق


29 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

28 ـ أساطير العشّاق
افتحْ صدرَ العاشق
سوف تَحار
تجد طفلاً يبكي
وردةَ جوري تضحك
مازالت في عمرِ الوردِ
مازالت تَنْهدُ
افتحْ صندوقَ ضبابٍ
سوف تَحار
تدخل بستانَ ندىً
تَعْبر بحرَ خمورٍ وبحرَ طيوبٍ
وفي خيارِك تَحار
افتحْ قلبَ المنفيِّ
تجد في أغوارِ الشريان
وطناً مِن طينٍ وبقيةَ شطآن
افتحْ حُجُرات الليلِ
وادخلْ :
الأولى غابةُ بيلسانٍ اشتراها جدُّنا الأعلى
نبوخذ نصر الثاني وباعها لتجّارِ السبيِّ ابنُه نبونيد بموجبِ خديعةٍ قامَ بها عرّابو الغزوِ الأخميني .
الثانية بحيرةُ وزٍّ عراقيٍّ تخيّلها رسّامٌ مجهولُ الأصلِ في سنةِ سقوطِ الدولةِ البابليةِ ومنها استوحى بيتر باول روبنس لوحتَه " ليدا والوزُّ العراقيُّ " .
الثالثةُ حانةُ سيدوري وفيها سهرَ المدعوون إلى حفلِ زفافٍ لم يتم تلك الليلة .
الرابعة أجمةٌ لشجرةِ عشتار مُنعَتْ مِن التنزُّهِ في أرجائها الدهماءُ ماعدا مَن اغتلمَ ونامَ في سريرِ الإلهةِ الجميلةِ وفحشَ .
الخامسةُ حَيْرَةُ النبيِّ سليمان في استجلابِ عرشِ بلقيس. آه ما أجملَ ضحكةَ بلقيس في ساحةِ القصرِ ! ما أجملَ فخذيها !
السادسةُ عشبةُ خلودِ فحلُ الأسطورةِ جلجامش وأرضٌ شاسعةٌ للبغاءِ يمرحُ فيها انكيدو وكلُّ قتلةِ المعمورةِ .
السابعةُ متاهةُ يزيدٍ وبضعُ قصائدَ سَحَرَنا فيها. نحفظُها رغمَ بغضِنا لفعلِه الشائنِ .
الثامنةُ جمرةُ بروميثيوس موقدٌ في جحيمِ آلهةٍ استفزّها فعلٌ نبيلُ .
التاسعةُ نقطةُ حبرِ ماري انطوانيت الجميلةِ
دمعةُ أُمٍّ وحظٌّ عاثرٌ .
العاشرةُ جيشُ زرقاء اليمامة القادمُ عَبْرَ الوديان . تُرى هل أفاد شكسبير العظيمُ شيئاً لمكبثهِ حين قال :" لا تخشَ شيئاً حتى تزحفَ غابةُ بيرنام على دنستان ".
عشرُ حُجُراتٍ فادخلْ
أُدخلْ غابةَ البيلسان
وترنّحْ في صمتٍ
ستأتي النشوةُ ما بعد الكأسِ الثانيةِ
أما السكرةُ فتخرجُ مِن روحِ الثمالةِ
أخذتْنا الشهوةُ
لا تفتحْ شيئاً مِن هذي الأنحاء
فالبصرةُ حُبلى
تخشى الليلَ وغزواتِ الجُندِ
والبصرةُ كالعادةِ لا تزني إلاّ بمَن تُحِبُّ
لا تفتحْ شيئاً مِن حُجُراتِ الليلِ
لئلا تدخلَ حشراتٌ وغبارٌ ذريٌّ وعيونُ الجارِ الوحشيِّ الفاسق . لكي لا تدخلَ أنفاسٌ عاصفةٌ .
ما أرذلَ هذي الأيامَ !
كنّا نفتحُ أزرارَ قميصٍ
ونصعدُ قمماً مِن عاج
ما أرذلَ هذي الأيام !
كنّا نتنسمُ في الليلِ أريجَ العُشّاقِ
وعند الصبحِ
نهزُّ سريرَ الموجةِ
آه ما أجملَ تلك الأيامَ
افتحْ صندوقَ الدُّنيا
لترى كم فات علينا الوقتُ .

30 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

29 ـ حلمٌ مرعبٌ
ما أرعبَ تلك الليلةَ
حمامةٌ في الحلمِ
مِن الألمِ تتلوى
كانت منفوخةَ البطنِ والرقبةِ والأوداج
على الأرضِ تتمرغُ وفوق درجاتِ السلمِ الرخاميةِ
أسألُها لا تُجيب
وإليَّ تبعثُ نظرةَ استغاثة
ألمُ حمامةٍ في الحلمِ أرعبني
تمرُّ بين قدميّ
تزحفُ نحوي
تستنجدُ
يا الله ماذا أفعلُ وأنا في أعمقِ أعماقِ الحلمِ
حمامةٌ بعذابِها تُعذِّبني
ما قبل الصحوِ بقليل
أظنُّ تغيّر الحالُ
أظنُّها مِن الألمِ برئتْ
أظنُّ الحمامةَ لن تموتَ
أظنُّها استقامت بها الحالُ
ما قبل الصحوِ بقليل فتحتُ دُرْجاً
وبحثتُ عن كتابٍ مخبوء فيه
ما قبل الصحوِ بقليل
صحتِ الحمامةُ وصار الدِّرْجُ لها ملاذاً

30 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

30 ـ النسر
في أعلى البرجِ في برلين
نسرٌ حطَّ منذ الضحى.
كيف أخطأ السبيلَ نحو الجبالِ ؟
كيف قطعَ المسافةَ ؟
هل يدري أحدٌ ؟
إنما الطائرُ كان زائرَ برلين الغريبَ في ساحةِ الكسندر
كان الزائرَ السماويَّ في هذا المخاضِ .
نسرٌ يتفرّسُ تارةً في تمثالِ الشيخين ماركس وإنجلز وتارةً يُحَدِّقُ بعقاربِ الساعةِ العالميةِ وكأنه على موعدٍ ما ، أو هو على موعدٍ مع ساعةِ صفرٍ .
نبتون إلهُ البحرِ الجاثمُ على مقربةٍ مِن الشيخين يشحذُ فالتَهُ تحسُّباً لأيِّ طارئٍ .
نبتون إلهُ البحرِ المُتجبِّرُ يوعزُ لحورياتِه أنْ يحذرْنَ مِن تقلُّبِ مزاجِ الطائرِ ويأمرُ كائناتِهِ أنْ تدخلَ الماءَ .. أنْ تختفيَ تحت الموجِ .
مازلنا في الظهيرةِ
نرقبُ نوايا الطائرِ العملاق
ونمتحنُ سلوكَ الريحِ
في ساحةِ الكسندر هاجتِ النوارسُ
فزعَ الحمامُ
وأطيارٌ أخرى تركت المكانَ
فيما النسرُ لا يكفُّ عن مراقبةِ عقاربِ الساعةِ وتمثالِ الشيخين غير عابئٍ بالبشرِ .
الشمسُ الصيفيةُ في أحسنِ طلّةٍ
ورذاذٌ يأتي مِن نافورةٍ
يسقي وجوهَ صبايا قبّلتها الشمسُ
جئْنَ اليومَ في قافلةِ السيّاحِ
مازلنا في منتصفِ الميدان
نُرثي ماضينا
وأمام نهودِ الفاتناتِ نتحسّرُ
آه ما أبخلَ تلك الأيام !
ما أحلكَ تلك الأزمانَ !
كأنّ العمرَ حزنٌ وبكاء
مازلنا في منتصفِ الميدان
نتأهبُ لكلِّ احتمال
نرقبُ سلوكَ الطائرِ
وننتظرُ ما سوف تسفرُ عنه تلك الحَيْرَةُ
هذا نسرُ الغلطةِ
هل هذا نسرٌ للغلطةِ ؟
لا أظنُّ فالطائرُ هذا لا يُخطئ درباً في سماء.
الطائرُ هذا خبرَ الأمكنةَ وسبلَ السماء.
ما بعد الظهرِ اجتمعتْ قوافلُ السيّاحِ
واُسْتُلّتْ نواظيرُ لكي تُقرِّبَ سلوكَ الطائرِ المحميّ برأسِ البرجِ .
عدساتُ التصويرِ هي الأخرى جُهِّزت للغرضِ نفسِهِ .
الشيخان مازالا هادئين وسطَ المرجِ الأخضر.
حورياتُ نبتون مازلنَ يخطفْنَ قواريرَ البيرةِ مِن أيدي شبابٍ لطفاء.
والنسرُ الفاجعُ يزرعُ الذعرَ في نفوسِ حماماتٍ لا يعرفْنَ غيرَ الأمان وفي سلوكِ النوارسِ القادماتِ مِن نهرِ شبريه المعتمِ .
هذا نهرٌ بلالونٍ
أو هو بلونِ الاسمنتِ
بلونِ القاعِ
هذا نهرٌ بلونِ الطينِ
لم أرَ نهراً بهذا اللون
بالبشرِ تلهو النوارسُ
بالنوارسِ تلهو البشرُ
أنا وقوافلُ السيّاحِ وكلُّ الأطيار
ننتظرُ انقضاضاً مِن نسرٍ أخطأ سبيلَ الجبالِ وولجَ المدينةَ.
تُرى هل أخطأ النسرُ سبيلَ السماء ؟
عصراً فرشَ النسرُ جناحيه
عصراً صفّقَ بهما
عصراً أقلعَ مِن أعلى البرجِ نسرٌ
عصراً حلّقَ بعيداً
صار شاهقَ الارتفاع
نحوه توجّهت نواظيرُ السيّاح
نحوه صوِّبت الكاميراتُ
بعد دقائقَ مِن التحليقِ انقضَّ مِن شاهقٍ نحو تمثالِ الشيخين .
اقتلعهما مِن مكانِهما وارتفع
العيونُ تُتابعُ النسرَ الذي توارى
خلال ثانيتين توارى
بلمحِ البصرِ عن الأنظار توارى
حملَ بين مخالبِهِ تمثالَ الشيخين وغاب.

31 ـ 05 ـ 2009 برلين
***

31 ـ تخلِّي
تركتُ على وجهِ اليمِّ زورقي
وعن مجذافي تخلّيتُ
أفرغتُ زجاجاتي التي
منها التهويمةُ تأتي
في حوضِ الماء
وسكرتُ مِن أنفاسٍ مُضمخةٍ
بنداءاتِ البصرة
اليومَ حين صرتُ على أبوابِ البصرةِ
خفَّ جسدي
وظلّت تحملُني الريحُ
أنا القادمُ ونجمةَ الصبحِ
لا أحملُ سوى ذاكرتي
وشوقِ سنين

31 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
32 ـ صيفُ ألبا

إلى نهرِ ألبا مِن ناحيةِ دريزدن
في العادةِ لا يأتي الصيفُ بيسرٍ
إنما النسوةُ
يمزجْنَ الأجسادَ وموجَ النهرِ
فيخرجُ ضوءٌ كضوءِ الشمسِ
فتأتي الشمسُ
ويأتي الصيفُ
في نهرِ ألبا
مِن جهةِ دريزدن
نسوةٌ يخلقْنَ الصيفَ

31 ـ 05 ـ 2009 برلين
***


33 ـ أعلى الشرفات

وارفة ورائي شجرةُ السلالةِ
بشرٌ للرفعةِ خُلقوا
لشموخِ النّفسِ
لارتفاعِ الهامِ
فقراءُ الحالِ ولكن لا ينزعون
عن النفوسِ عزّةً
مشّاؤون
حاضرو مُلِمّاتٍ
فرسانُ اللهِ عند الشدائدِ
سابحون في الرّيحِ التي لا تكفُّ عن العويلِ
ربابنةُ في أعالي البحارِ
مُؤَيّدون بالصدقِ وبالوفاءِ مُتَوّجون
كنّا نأتي مِن باديةٍ
آه ، ما أشقاها !
زرعتْ جذراً فينا لسموِّ المعنى
وتركْنا فيها بذورَ حنين
نأتي
مِن وراءِ حقولٍ فائضةِ الثراءِ
مِن برارٍ علّمتْنا الإسراءَ
وأسرارَ النجمِ
وعلّمتْنا لغةَ المسافةِ
وهاجسَ الخُطى
كنّا نأتي مِن هناك
سَحَرَتْنا الطينةُ الحمراءُ
والجرفُ الآمنُ
ونارٌ تشبُّ في الأرجاء
طيبةُ أرضٍ أصّلتْ فينا حُبّاً
كنّا نوقدُ فانوساً لليلٍ
لا نعرفُ فيه الخوفَ
وكنّا بروعةِ الأشياءِ نتشببُ
مثلما نتشببُ بفتنةِ النساءِ
وقّادون نحن
فوقَ كلِّ رابيةٍ
للعابرِ في الليلِ
والتائهِ عَبْرَ الصحراء
عاصفون بوجهِ المُغيراتِ
دفّاقون نحو يبابٍ
نروي خرائبَ الخرائطِ
وقحطَ الحقولِ
نحن ندىً لكلِّ ترابٍ
للطيبِ نفّاحون
وارثو الجمالِ
كرمٌ فينا وأيادٍ بيضاء
فدنانُ نبيذِنا تمتلئ كلّما أفرغها ضيفٌ
وكلّما مِن زادِنا أُطعمَ العابرون
فاضتْ بالزادِ موائدُنا.
عصاميون
لو شحَّ في سمائنا مطرٌ
وأُجدِبتْ أرضٌ لنا
لا نشكو للجارِ
جوعاً ألمَّ بنا
ولا ضيماً لحقَ بنا.
جئنا
ومِن ورائنا شجرةٌ وَرَفتْ
وتشعّبتْ بها الأغصانُ والورقُ
قومٌ لا نصلحُ لغيرِ حضارةٍ ازدهرت
وإنْ غمّنا الآن زمنٌ
لابدّ للغمِّ مِن فرجٍ
وللزمانِ لابدّ مِن ذهاب
حاطبو زَبَدِ بحرِ التواريخِ نحن
معمّرو صدرِ البرّيّةِ
حافرو بئرِ الرّيحِ
وللنجمِ لنا صعدةٌ
عشقتْنا المجّرةُ فصارت
جارةً فينا تلك الكواكبُ
صيّادو نسيمٍ
نقطفُ أعناقَ الجبالِ
إنْ صارت علينا تطاولُ
ونحو الهامِ نرفعُها
إنْ تواضعت لنا
قادمون
مِن أعرقِ سلالاتِ الدُّنا
حكمْنا الأرضَ وبنا
أُمتحنت سلالاتٌ لأقوامٍ توّها غربت
انهضْ
أُسميك المجدَ الجميلَ
في الأرضِ الحبيبة
انهضْ
عابتْ تفاصيلُ الكمالِ
إنْ لم ترفدِ النصَّ
وارفةً
مازالت ورائي شجرةُ السلالةِ

31 ـ 05 ـ 2009 برلين
***



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرفات برلين
- نص خارج من معرض العبيدي
- بماء عين الحمام اغتسلي
- خليل السّحاب
- امرأة المُلك
- أمسية
- سبب للحنين
- مجالس
- مزامير الغربة
- في حضرة الملاك
- حسرة في مقهى
- عدن حانة البحّار الأزلية
- دهشة الكوثر
- على مياهك أصبُّ هديلي
- ابن الرؤيا
- أغنيتان ليوسف الصائغ
- عطرٌ لجسدِ البلادِ
- عشقتنا أميركا
- حَيْرَةٌ على الكسندر بلاتس
- صاحب الهمس .. يحيى علوان حين يكون نديماً


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - آخر الشرفات