أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهدي بندق - عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت















المزيد.....

عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2671 - 2009 / 6 / 8 - 08:41
المحور: القضية الفلسطينية
    


انتهت حرب طروادة ، وعاد ملوك وقادة الإغريق القدماء كل إلى مدينته عدا واحدا ً : أوديسيوس ، أو أوليس - عوليس في الترجمة العربية المعاصرة – هذا البطل الأسطوري الذي نسج حوله شاعر اليونان الأعظم هوميروس ملحمته الثانية الأوديسا ، بعد الإلياذة الأشهر . عشرة أعوام في التيه والشتات قضاها عوليس ، ذاق فيها كل أصناف الوجيعة والشوق والمكابدة ، بينما الوطن ينتظر عودته حيث الزوجة والابن والرفاق .
ترى أي سر انطوت عليه تلك "التغريبة " المذهلة ؟ بل و يا ترى لماذا وقعت أصلا ً ، رغم أن الطريق إلى الوطن كان معروفا ً ينادي على عوليس وأصحابه أن اقبلوا ؟! وفيم كان ادعاء الصمم من قبل هؤلاء ؟!
دعنا نتوسل التحليل النفسي للأدب لنفكر في احتمالية أن عوليس وصحبه إنما كانوا يقاومون – في اللاوعي منهم - رغبتهم في العودة ، ربما ليتجنبوا اختبار الفحولة حين يلتقي واحدهم امرأته ذات الأنوثة المتفجرة ، لا سيما وهو يعلم إنه استهلك طاقاتـِه الحيوية َ في مشاغل حرب ( وتجارة أيضا ً ) طالت سنينا ً . تلك إذا ً حالة
واضحة لما يمكن تسميته برهاب العودة للبيت Home phobia التي يعاني فيها المرء من ذعر شديد ناجم عن تصوره أنه لابد سيعجز عن أداء مسئولياته تجاه أسرته وأهل بيته ؛ ومن ثم تراه يضع أمام نفسه وبنفسه العقبات والعراقيل لكي لا يرجع .
على أن الأسطورة تنهي قصة عوليس نهايتها السعيدة ، إذ تجعله يقرر التغلب على رهابه النفسي ، ليكتشف مع عودته إلي وطنه أنه قادر على كنس الفاسدين وإبعادهم عن داره ، إضافة إلى قدرته على حرث زوجه وتجديد نسله.
هدف الأسطورة – كل أسطورة - إلقاء الضوء على بنية الإنسان ، شرحا ً لمكوناته ودرء ً لمخاوفه وتفسيرا ً لمواقفه ، غير أن الأسطورة ذاتها تحتاج لمن يفسرها حتى لا يغم على أحد مغزاها ومرماها . وهنا يأتي دور علم الأساطير Methodology وعلم النفس الاجتماعي ، بل والنقد الأدبي المقترن بالنقد الثقافي العام . فهل لنا أن نحاول قراءة موقف منظمة حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) على ضوء أسطورة عوليس وفي ظل العلوم الإنسانية الحديثة ؟

هوية البيت الفلسطيني

من المسلم به أن الدولة الحديثة في عصرنا إنما تنال شرعيتها من اعتراف دول العالم ( ممثلة في هيئة الأمم
المتحدة ) بغض النظر عما سبق قيام هذه الدولة أو تلك من جرائم ومآس تكون قد أوقعتها بحق شعب أو أمة أخرى . ينطبق هذا على إسرائيل كما ينطبق على أمريكا ذاتها . فالعبرة من وجهة نظر الأمم المتحدة هي محاسبة الدولة عن أفعالها بعد قيامها وليس قبل . وعليه فقد صدر قرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1948 بإنشاء دولة عربية للفلسطينيين جنبا إلى جنب الدولة " العبرية " التي اعترفت بها دول العالم فور إعلانها . وإضافة إلى ذلك صدر القرار 194 لسنة 1948 ليقر بحق اللاجئين في العودة لديارهم أو تعويضهم عما فقدوه من ممتلكات . ومنذ هذا التاريخ طفقت إسرائيل تعرقل ، بينما انبرى الفلسطينيون يناضلون لأجل تطبيق هذين القرارين ، إلى أن انتزعوا اعتراف المجتمع الدولي ( مؤتمر مدريد 1991 ) بحقهم في إقامة دولتهم المستقلة ، وتلا ذلك توقيع اتفاقية أوسلو أيلول 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني . وبناء على هذه الاتفاقية فتحت أبواب الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين لجميع الفصائل بما فيها منظمة حماس . وهكذا تحددت معالم البيت أمام الجميع ، ولم يبق إلا العمل المسئول القاصد انتهاء الاحتلال وإعلان الدولة . فكان منطقيا ً أن تحذف المنظمة من ميثاق تأسيسها الدعوة لإزالة إسرائيل ، مقابل تسليم الأخيرة لها بإقامة سلطة وطنية فوق الأراضي المحتلة ، تمهيدا ً لإقامة الدولة الفلسطينية من خلال التفاوض على حل القضايا المعلقة بين الطرفين .
غير أن حماس ، التي قبلت بالدخول في العملية الانتخابية في ظل اتفاقية أوسلو ، سرعان ما أبدت رفضها لهذه الاتفاقية ، مؤكدة على ضرورة محو إسرائيل من الوجود . وكأنها بذلك قد راحت عامدة تسبح في البحار الأيديولوجية البعيدة ( مخايلات الإسلام الإمبراطوري) ، خوفا ً من الاستقرار " السياسي " المحدد داخل البيت الفلسطيني، هذا الذي صار معدا ً للسكن بموجبات الشرعية الدولية ، وقد تمثل هذا الخوف من الاستقرار السياسي في قيام حكومة حماس المنتخبة بانقلاب حزيران 2007 ضدا ًعلى الرئاسة الفلسطينية ( المنتخبة أيضا ً ) وبذلك أعفى الحمساويون أنفسهم من مسئوليتهم عن الوصول بالقضية الفلسطينية إلى مشارف الحل النهائي ، فضلا ً عن مسئوليتهم " الوطنية " تجاه شعبهم في قضايا التنمية البشرية ، ذات المتطلبات العاجلةوالمستقبلية في آن .


مقاومة أم فرار ؟

ومن جانبها قامت إسرائيل – ربما وهي تتجرع السم – بإنشاء مطار فلسطيني في رام الله ، وميناء بحري في غزة ، إضافة إلي إمداد المدن والقرى الفلسطينية بشبكات المياه والكهرباء والغاز...الخ وما من شك في أن إسرائيل لم تكن لتفعل هذا لوجه الله والإنسانية ، بل لتشهد العالم على حسن نواياها ، بينما هي تعمل في الوقت نفسه على تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية بزرع مستوطنات لليهود في كل مكان ، وتوقيع العقوبات الجماعية على المعترضين ، مثل تجريف أراضيهم ، وهدم بيوتهم وقلع أشجار الزيتون مصدر رزقهم . كل هذا معروف ومتوقع من جانب طرف محتل غاشم له مآربه الشريرة ، التي تستحق المقاومة . ولكن أي نوع من المقاومة ؟
ربما يتذكر الفلسطينيون الآن ذلك النموذج الرائع الذي أطلقته قوى اليسار عام 1987 فيما عرف بانتفاضة الحجارة ، حيث وقف العالم مبهورا ً وهو يرى الصبية والأطفال يطاردون ( بالأحجار) دبابات وجنود الاحتلال مجبرين الكل على الاعتراف بالمسألة الفلسطينية كقضية سياسية عاجلة ، لا مجرد مشكلة إنسانية يمكنها أن
تنتظر . وهو بالضبط ما أدي – في نهاية المطاف – إلى وضع صار فيه لحماس حكومة ذات وزراء ورئيس وزراء ! لكنه الوضع الذي غطرشت الأيديولوجيا على حماس أن تعيه ؛ فإذا بها تخلط بين واقعها كحكومة مسئولة ، وبين عقيدتها كحركة مقاومة ( متعالية على الزمان والمكان ) حتى راحت تشجع عناصرها لممارسة عملياتها الانتحارية لا ضدا ً على معسكرات جيش الاحتلال ، بل على الحافلات والمطاعم والمدارس ودور السينما ...الخ الأمر الذي استهجنه العالم في كل مكان ، بل ووسم بسببه حماس بميسم الإرهاب ، حين كانت إسرائيل هي الأولى به . والأخطر أن حماس ذاتها ( كحكومة ) طفقت تطلق الصواريخ من قطاع غزة ( المحرر ؟! ) باتجاه المدن الجنوبية الإسرائيلية ، وكأنها رتبت لهذا القطاع أن ُيقدم على طبق من ذهب ، كي تشبعه إسرائيل تقتيلا ً وتمزيقا ً وتدميرا ً .
فهل يمكن أن تعد هذه التكتيكات الحمساوية أعمال َ مقاومة ٍ وطنية ٍ ؟ أم تجليات ٍ لإستراتيجية عنوانها الفرار
من الوطن واستحقاقاته ، التذاذا ً " عوليسيا ً " بالتيه في بحار الأساطير القديمة ؟
أشرنا في بداية هذا المقال إلى النهاية السعيدة لأسطورة الأوديسا ، حين عقد عوليس عزمه وتخلص من رهابه ، عائدا ً وطنه ليكتشف فيه أنه قادر وليس عاجزا ً كما كان يظن . فعسى أن تكون إشارة رمزية لعوليس
الفلسطيني فيهتبل الفرصة الأخيرة ، المتمثلة في دعوة مصر لجميع الفصائل للحوار على أساس المبادرة العربية
التي صدرت بإجماع عن مجلس القمة العربي مارس 2002 ، فذلك هو الأرخبيل الوحيد للفتية التائهين في بحار
الوهم ؛ أن يمرقوا منه عائدين إلى أرض الواقع حيث البيت ينتظر جميع الأبناء لكي يطهروه من الفساد ، ويحرروه من الغرباء ، ويستكملوا فيه الأبنية العصرية المنشودة .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الولاء لمصر ولو كره الفرس المعاصرون
- كل ضد إلى ضده
- مياه الأمن القومي بعد إنفلوانزا الخنازير
- هل يستقيل الكاتب من ديوان العولمة ؟
- الإسكندرية والتهاب العصب الخامس
- من عصاها تهرب الحواسب الكونية
- قصيدة : نسخة وذراها الخروج عن النص ِ
- لماذا لا يطلب الأخوان السلطة في مصر
- كتاب البلطة والسنبلة - إطلالة على تحولات المصريين
- غرام الأسياد بين الكفيل والأجير
- النصر الحمساوي بلغة الخبراء العسكريين
- حرب غزة : ثقافة الإبادة الجماعية ضد ثقافة الإنتحار الجماعي
- إلى أين يذهب أهل غزة ؟
- رومولوس العربي يبيع غزة
- قصيدة : القادمون للهلاك
- إسرائيل تعلن الحرب الثقافية على اليونسكو
- الحوار المتمدن يصحح الممارسة اللغوية المعاصرة
- حوار مع الشاعر المفكر مهدي بندق - أجراه وائل السمري
- التفكيك ضرورة حياتية للعالم العربي
- قراءة يسارية في أزمة الرأسمالية العالمية


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهدي بندق - عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت