أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن جميل الحريس - تفسير الحديبية برواية أمريكية ............... ج / 15















المزيد.....


تفسير الحديبية برواية أمريكية ............... ج / 15


حسن جميل الحريس

الحوار المتمدن-العدد: 2671 - 2009 / 6 / 8 - 07:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صلح ساركو .... ج / 3
الأدب لايطعم خبزاً ، ومن أراد إشباع ذاته عليه أن يعود موائد أيديولوجية لا يؤمن بها ولا تتوافق مع عقيدته ، هذا حال زمن العبودية الفكرية وعصر المادة ، فإما أن تكتب لجاهل أحمق يتملق عظمته ويتألق بماله ، وإما أن تنعي أفكارك بنعش الصمت ليوم القيامة المغيّب ، بعض الإنسانية ذئاب جريئة وقحة وأغلبها خراف فقدت عقولها في وحل الفقر والقهر وقلة باقية من إنسان لا يعرف متى وكيف يحدد وجهة وجوده ، لهذا الفصل دوافع دفينة عبرت سماء أمتنا بخديعة تتكرر مرة تلو الآخرى ، وقد عرفتها الإنسانية الأولى بما يعرف بالخيانة والغدر ، وليس صلح ساركو إلا نموذجاً مكرراً لسلفه القديم المتجدد دائماً بعباءة المؤامرة المعاصرة ، إنما وقبل أن نبدأ علينا أن نكشف عن أهم فكرة في عملية الخديعة والمؤامرة وهي فكرة ( إختراق الخصم ) وكيفية إصابته .
أيديولوجية الاختراق
والمقصود بها قدرة اللاعب السياسي على معرفة ذاته ومعرفة مجتمعه المحيط به والقادر على فتح ثغرة نوعية داخل أيديولوجية خصمه بصورة عملية ، ولكي يكون لاعباً سياسياً يجب أن تتوافر في ساحة ذهنه سمات شرطية قادرة على تحويل تحليلاته الفكرية من صورتها الخيالية الموجودة في ذهنه إلى مرتكزات واقعية قابلة للتنفيذ عملياً ، والسمات الشرطية هي :
- أن يكون لدية إطلاعاً واسعاً على مختلف الأيديولوجيات المتوافقة مع عقيدته والمختلفة معها وأن يكون مدركاًُ لمركباتها العقائدية وغاياتها .
- وعليه معرفة أيديولوجية خصمه وعلى وجه الخصوص معرفته الأكيدة بأهدافها كي يختار لنفسه أفضل المواقع الملائمة لمناوراته المحتملة ، وهنا يبرز أهمية الموقع الملائم المفروض أن يكون مركزياً ، لنبين أهم مواصفات الموقع الملائم :
- يجب أن يتوفر في الموقع مساحة كافية للاعب السياسي كحدود آمنة له أثناء قيامه بمناوراته السياسية .
- وان يكون الموقع بمثابة نقطة انطلاق لمناوراته وبالوقت ذاته هو نقطة إسناد خلفية له .
- ويجب على الموقع أن يمنح اللاعب السياسي قدرة ادراك كافية ليستوعب ردات فعل محسوبة وغيرها ليست محسوبة بنسب محتملة متقاربة .
- وان يتوافر في الموقع قدر زمني كافٍ يمنح اللاعب السياسي فرصة ثمينة ليشكل في ذهنه صورة خيالية عن مجتمعه الآني ويمنحه قدرة على اتخاذ قراره بشأنها كترجمة واقعية لتلك الصور لتصبح قرارا تنفيذياً فعلياً يُعمل به بما يتناسب مع تبدلات الزمن المتوافقة .
والتحليل السياسي على مختلف أشكاله الزمنية والفكرية هو جزء رئيسي من كلية اللاعب السياسي وليس العكس صحيح إطلاقاً ، ولهذا فإن ثقافة اللاعب السياسي وسلوكه وحسن اغتنامه للفرص المتاحة بين يديه يعتمد على مستوى قدرته في ترجمة أفكاره الذهنية لتتحول إلى قرارات عملية قابلة للتنفيذ واقعياً ، من هذه الفكرة نستطيع أن نحكم على حذاقة اللاعب السياسي ان كان مبتكراً وذكياً أو كان مجرد آلة تردد أفكاراً كانت منذ مدة طويلة فاعلة ومؤثرة ولكنها اليوم باتت أفكاراً غير عملية لا بل بالية ، واللاعب السياسي الحاذق يستطيع أن يفند مكنوناته الذاتية ويحدد مستويات مصداقيتها من عدمها من خلال تعمقه بالمجالات الفكرية والحقول الذهنية التالية :
1 - حقل الثقافة : عليه أن يميز بين كونه مثقف وبين كونه عامل بالثقافة فقط ، فالمثقف رائد ابداعي شمولي يبتكر صوراً خيالية ذهنية قابلة للتحويل إلى واقع عملي ، وهو يعالج الفروقات الفكرية من مختلف نواحيها النوعية ويختار منها أفضل السبل الصالحة لترسيخها عملياً ، ولهذا يجب أن يكون للمثقف ذهن إبداعي تجاوز مرحلة إدراكه لغاية وجوده ودخل فعلياً في ساحة وعيه للحقائق المحيطة به كي يتمكن من تصحيح أذهان البشرية ليلتفوا حول عقيدته الفكرية ويؤمنوا بها ، بينما العامل بالثقافة ذي نوعين :
أ – نوع نفعي فقط : وهو الذي يمتهن الثقافة كمهنة يقتات منها عيشه فقط وفق مبدأ الحكمة العملية .
ب – ونوع تقليدي محدود المكانة الفكرية : وهو رديف ثانوي يحاول قدر استطاعته أن ينشر فكراً ما أعجبه دون أن يدرك غاية إيمانه به .
وكلا النوعين ليسا من الابداع في شيء حتى وان صارا من المشاهير لأنهما وببساطة شديدة جداً هما حالة تكرار لثقافة سابقة قد تكون عقيمة المناهج والسلوك العلمي والعملي ، ولهذا يسهل علينا أن نطلق على صاحبيهما سمة واحدة مشتركة هي ( التقليد التفاضلي القصير الأجل ) أي ليس باستطاعتهما أن يبتكرا شيئاً جديداً كحل لأية معضلة بل يلجأن دائماً وأبداً إلى حلول سابقة !! من هنا نرى أن المقلد الثقافي لم يتجاوز مرحلة إدراكه الحقيقي للوقائع بل لازال في دائرة إطلاعه المرئي المقروء نظرياً فقط .
2 - حقل العلم : العلم ضرورة لاغنى عن وجوده بذهنية اللاعب السياسي كرافد تطبيقي يرسّخ قناعته التجريبية ويحوز على صفة تحليله المنطقي لمختلف مصاعب مجتمعه الآنية والتي وقفت عثرة بوجه إيجاد حلول ناجعة لها ، ومن حاز العلم استطاع وضع خطط علمية سليمة لمعالجة كافة النواحي العلمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأدبية والفنية وهذا بحد ذاته يعتبر جزءا هاماً من الوجود الكلي ، وبالتالي يجعلنا نؤكد بأن العلم جزء هام وضروري من كلية الحضارة وليس هو الحضارة كلها ، فالحضارة وعاء يحوي مخطوطين متكاملين ومتسايرين ونشطين ، ولا تكتمل الحضارة بأحدهما دون الآخر وهما :
- مخطوط بناء الإنسانية العامة .
- ومخطوط بناء الصروح العلمية .
ولكي نلج أفنان الحضارة لابد وأن نجعل مسار بناء المدنية العمرانية المعاصرة متسايراً تماماً مع مسار بناء الذات الإنسانية للفرد ومجتمعه الآني لنضمن لحاقنا بركب الحضارة الحقيقية الراجين لها .
3 – حقل الفلسفة : من البديهي أن يتمتع اللاعب السياسي بمعرفة فلسفية متميزة لمختلف النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية والفنية كي يتمكن من تكوين أيديولوجية فكرية محددة خاصة به توّجه دفة ذاته الذهنية ليكون قادراً على ترجمتها لواقع حسي نشط ، ومن عرف قدر نفسه استطاع أن يعرف مجتمعه الحاضر والمستقبلي ومكنوناته العقائدية وأنماطها وتوجهاتها وظروفها الآنية مما يجعله في مقام المبدع الذي يخطط لحياة مجتمعية آمنة وسليمة ، وبما أن وجوده الخاص مرتبط بالوجود العام للحياة ويتبادلان التأثير بينهما فإن أيديولوجية ذاته الفردية عامل فصل مؤثر بمستوى معالجته لملفات قضاياه المصيرية وبالتالي فإنها توّجه أفعاله العملية في مواجهة الصراعات الطبقية الناشطة بمجتمعه من مختلف نواحيها الاجتماعية والعقائدية والروحية الوطنية وكذلك توّجه مواقفه حيال الصراعات القومية والاقليمية والعالمية ، لهذا لابد من وجود الوعي المتميز بذات اللاعب السياسي ليستطيع العثور على صراطه المستقيم الآمن من بين مجموعة سبل المتناقضات المحيطة بسبيله وبالتالي يكتشف نفسه ويعرف موطئ قدمه ويدرك حدود مسؤوليته في تحرير طريقه وطريق مجتمعه كله ، ولذلك فإن للفلسفة دور هام ورئيسي في إظهار التفكير السليم من عدمه وهي تطبيق مركزي لتحقيق التوازن بين الفرد ومجتمعه وكذلك هي التي تحقق التكامل بين المجتمع الحاضر ومحتوياته الكائنة وبين الذي يجب أن يكون عليه المجتمع في حاضره ومستقبله ، والفلسفة الحقة تجعل فكرة ( ماهو كائن الآن ) كحالة استمرارية تتكامل مع فكرة ( ما يجب عليه أن يكون ) وليست حداً فاصلاً بينهما ، وهي العلاج الناجع لشفاء التباين الشديد بين مختلف العقائد السياسية والروحية وليست ضرباً من الخيال والوهم كما يزعم البعض .
أداة الإختراق
وهي المادة الذهنية المعّدة لإحداث ثغرة في كيان فكري أو في أيديولوجية مقابلة سواء كانت مناوءة أو مسايرة لعقيدة الكيان المراد اختراقه ، وقد تكون هذه المادة مهيئة مسبقاً لتنفيذ عملية الإختراق أو من الممكن تعديلها لتصبح موائمة لطبيعة الكيان المراد اختراقه ، ولذلك لابد أن نؤكد بأن هذه الأداة وفي معظم أحوالها ذات طبيعة بشرية ، وربما ينوب عنها لاحقاً وفي مراحل متقدمة من عملية الإختراق معدات وتجهيزات متطورة تكمل المهمة المنوطة بها ، والفرق بين الأداتين أن الأداة البشرية ( مفكرة ) وتعي تماماً مفاهيم أفعالها وتتكيف مع ظروف البيئة المتبدلة للكيان المخترق بينما المعدات والتجهيزات أدوات ( غير مفكرة ) وهي موّجهة ومسّخرة ولاتملك الوعي الكافي لتدرك مفاهيم أفعالها داخل الكيان المراد اختراقه ، قد يقول أحدهم أن المعدات ورغم أنها غير مفكرة إلا أنها دقيقة جداً في تنفيذ مهامها المنوطة بها وأن نسبة أخطائها قليلة جداً أو تكاد تكون صفراً بينما الإنسان الأداة تكون نسبة أخطائه أكثر بكثير من نسبة أخطاء المعدات مما يؤثر بشكل ملموس على نسبة أدائه لمهامه وبالتالي قد لاتتجاوز نسبة نجاح مهمته ربع نتيجة المعدات المستخدمة ، ولهذا نجد بمضمار الجاسوسية إلزاماً على الأداة البشرية أن تتخلص من عواطفها ومبادئها وأخلاقها الطبيعية لتصبح مسألة ضميرها مفقودة كلياً ، وهنا يظهر عقد الخيانة بفصوله المؤلمة وتتكشف الجاسوسية بأبعادها اللاإنسانية بما يعرف بخيانة الفرد لذاته ومجتمعه ووطنه وأمته حتى تصبح خيانته شاملة لقيم الإنسانية العامة ومبادئها السامية ، وأما الذكاء فهو كضوء القمر ، والعقول البشرية كلها تذهل في سحره وروعته راجين الوصول إليه والتمتع به ، إنما قليلون جداً من استطاعوا الحصول عليه أو رؤيته لأن الذكاء مثلما السماء المحيطة بأراضي عقولنا البشرية نراها ولانستطيع الإمساك بها ، وكذلك العقل البشري قادر على التحليق والطيران بأجوائها ليصل إلى مرحلة ندعوها بالإكتشاف والإبتكار ، وأما وسيلة إبحار العقل البشري برحابها كائنة بالتفّكر والتبصّر بما يحيط به ، ولهذا فإن أول خيوط إشراق العقل هي التفكر والبصيرة .
وربما يذهب بعضهم لأقرب من أرنبة أنفه قائلاً ( إن تبعيته لحزب ما هو بحد ذاته فلسفته الذهنية ) ولكن هذا الطرح غير كافٍ ليجعل منه لاعباً سياسياً لأنه لم يعمل على إدخال روح جديدة تعيد الحياة لفلسفة قديمة ورثها عن أجداده أو استقاها من فكر غريب عن واقعه الحاضر المختلف أيديولوجياً وزمنياً مع محيطه ، وهذا بغض النظر ان كانت فلسفته المسبقة الصنع ذات صبغة دينية عقائدية أو مادية صنعية ، إذ أثبت التاريخ أن متغيرات الزمن قادرة على تعتيم فكر فلسفات قديمة وعدم الأخذ بها كاملة كما هي وصار جائزاً الاستعانة ببعض أجزائها شريطة تطويرها لتتواءم مع متطلبات الواقع المتبدل زمنياً فضلاً عن توافقها مع القيم الشاملة للديموغرافيا المتباينة ، ولم يعد سرد الأساطير والإيمان بها مقبولاً بهذا الزمن حتى وان كانت مجللة برداء الدين الغامض ، إنما ومهما استرسل الذهن البشري بتخليق معتقدات وضعية صنعية لن يستطيع مجاراة العقائد السماوية المقدسة لعلة أن أصحاب الميثولوجيا الصنعية يريدون إقرار أيديولوجيا موّحدة اسمها ( أيديولوجيا الحاكم الإلهي البشري المقدس ) سواء كان نصفه إلهاً أو نصفه بشراً أوكله إلهاً أو بعضه بشراً ، فإنها أيديولوجيا تعبّر عن نظرية التبعية العمياء الإستبدادية وتساعد على إظهار تيارات متناحرة وصراعات تجعل من بقية البشر من حيث النتيجة كدواب مسيّرة وغير مفكرة ، وشق آخر من الإيديولوجية الصنعية يقر بمبدأ الإصطفاء العنصري وهو معروف بإيديولوجيا ( شعب الله الخاص ) وكذلك ( الشعب الآري ) وغير ذلك من أسماء تلك الشاكلة لتكون الحياة كلها من حيث النتيجة على مرتبتين فقط :
- أعلاها خاص وحصري ملك ( العنصر الأوحد المختار المقدس )
- وأدناها مكان واحد مخصص ( لبقية الشعوب والأمم ) كدواب مسيّرة ومسّخرة .
ولايشك أحد بنبل أهداف الثورة الفرنسية وشعاراتها الإنسانية المعلنة بالحرية والعدالة والمساواة إنما مصدر الشك حولها ينطلق من سؤالنا التالي ( هل استطاعت الثورة الفرنسية تطبيق مبادئها على واقعنا العربي ؟!! وهل هي قابلة لتطبيقها علينا ، وهل لازالت حية وقادرة على اقناعنا بأنها ستنصفنا كأمة إنسانية ؟!!! ) .... كان علينا البقاء على قمة مقابلة لقمة يتربع عليها الغرب ، ولكننا وللأسف تنازلنا عن مكاننا الطبيعي بإرادتنا ورضينا النزول بواد سحيق ليس فيه بصيص أمل حقيقي نبصر من خلاله واقعنا الآني كأمة إنسانية لنا حقوق مثلما غيرنا من الأمم المعاصرة !!! فالغرب يتربع على قمة مصائر العالم كله ولازلنا نحن كأمة عربية نتنافس فيما بيننا على أفضل موقع في الهاوية رغم مخزون إمكاناتنا الهائلة مادياً وبشرياً ، ورغم أن الليبرالية أعلنت أهدافها ( بالحرية والعدالة والمساواة ) وولدت من رحمها الثورات الانكليزية والأمريكية والفرنسية وأشرفت على نموها وكانت أيديولوجيتها الاقتصادية والسياسية إلا أنها لم تفكر إطلاقاً بتطبيق أهدافها الانسانية تلك على أمتنا العربية من منظور الإنسانية العامة ، لأننا كنا ومازلنا بنظر الغرب عموماً مجرد دواب مسيّرة فقط !! ولزاماً علينا أن نسير خلف قيادتها لنحيا كأنعام أليفة مدللة ، وليس السبب كله من نظرة الغرب لنا بل هو في أغلبه من تخلف ذواتنا الفكرية المتحجّرة وكذلك تبرّجنا بماضي أمتنا كزينة نستر بها عروقنا مع علمنا الأكيد أن ماضينا لايواكب زمن حاضرنا ومستقبلنا ، ونستشهد على تلك النظرة الدونية بنموذج حي من حاضرنا والذي ورد ذكره بلقاء أجرته قناة الجزيرة الفضائية مع الرئيس الفرنسي ( نيكولا ساركوزي ) بتاريخ ( 20 / 1 / 2008 ) عندما قال ( الشركات الفرنسية تود العمل في الخليج من أجل دول الخليج ؟!!!! ) وقوله هذا هو ترجمة لأيديولوجية ذات مرتبتين :
- أعلاها : الشركات الفرنسية في القمة .
- وأدناها : دول الخليج في وادي الحاجة والتخلف والغمة .
وان رتبنا قوله مجدداً لوجدناه وفق الصيغة التالية ( الشركات الفرنسية لم تأتي لدول الخليج لحاجة ماسة بها لتنال منه الفضل والنعمة بل هي أتت للخليج كي تتفضل على أصحاب الأرض وتضعهم على طريق التنمية !!! ) في ظاهر قوله تصويب حقيقي لعقد التزامات إقتصادية متكافئة ، بينما أراد في باطنه إحقاق نزعة الاستيلاء الاقتصادي على مقدرات تلك الدول تحقيقاً لمبدأ إقتناص الفرص السانحة المشتتة وتجميعها مجدداً خدمة للليبرالية اليمينية التي تولى ساركوزي زمام حقيبتها عندما احتل قمة حزب التجمع من أجل الجمهورية في حزيران 1999 ، هذه عقيدة ( الفوقية ) وليست عقيدة ( التشاركية ) الحميدة بين البشر ، إنما هل قضية التنمية الاقتصادية هي كل هم وهدف ساركوزي ؟؟؟؟ أم أن أيديولوجية الشراكة التي اقترحها عبارة عن رداء سهرة إغراء ينزع ورقة التوت الساترة لأمتنا العربية ؟؟؟ ان تركنا جسد الساهرة ودققنا نظرنا بردائها الساحر لوجدناه مليئاً بمآرب تلزمنا أن ننفذ له مطالبه التالية :
- يجبرنا كأمة عربية أن نعيد النظر في ترتيب رؤيتنا تجاه من هو عدونا ؟؟ أي يريدنا لزاماً أن نستبدل وجهة رؤيتنا لعدونا الكائن في الغرب ( إسرائيل ) ليصبح عدونا ( الذي سيكون ) منذ هذه اللحظة وبالمستقبل نحو الشرق المتمثل ( بإيران وحركات المقاومة ) .
- وبدقة أكثر يرى ساركوزي أن حقوقنا التي نطالب بها ليست في جهة الغرب ( فلسطين المغتصبة ) بل هي في جهة الشرق ( إيران ) ، وهكذا ومن وجهة نظره تصبح إيران هي المغتصبة لفلسطين والجولان وجنوب لبنان وليست إسرائيل الغاصبة ، وبالتالي تتغير فكرة الحدود الآمنة وتتكون رؤية جديدة لحالة التوتر القائم في الشرق الأوسط ، وكأنها عملية تجميد للوضع القائم على حدود إسرائيل لتكون مستقرة وآمنة ، وبالوقت ذاته تنقل الصراع العربي مع إسرائيل ليصبح صراعاً عربياً مع إيران ريثما يتم تهيئة الظروف الملائمة للعدوان عليها وعلينا ، وهي الفكرة ذاتها التي قام عليها عندما دعى لمؤتمر ( شراكة دول حوض المتوسط ) لأننا لودققنا ملياً بخارطة دول حوض المتوسط لوجدنا معظم الدول قد طبّعت علاقاتها مع إسرائيل عدا بضع دول هي ( لبنان وسوريا وليبيا والجزائر ) !!!
- وماأراده ساركوزي هو إقرار توازن إقليمي جديد هدفه الرئيسي تخلي إيران عن برنامجها النووي حرصاً منه على تلبية أمن إسرائيل ومطالبها ، إذ قال في المقابلة ذاتها ( نريد لإيران أن تتخلى عن سلاحها النووي ) .
- وقد تناسى ساركوزي شعار الثورة الفرنسية والليبرالية التي ينتمي إليها والمتمثل ( بالحرية والعدالة والمساواة ) واستبدله بعقيدة انتهازية غدرت بقيم الإنسانية العامة وفق مبدأ ( عدو عدوي .. صديقي ) و ( عدو صديقي .. عدوي ) و ( وصديق صديقي .. صديقي ) وهي العقيدة الأمريكية ذاتها التي قامت على مبدأ صيد المنفعة والمصالح وليس على مبدأ إقرار الحقوق الشرعية ، وقد أشار لها في المقابلة ذاتها بقوله ( سأحاول السير على هذا الطريق الذي يقول بأن فرنسا ينبغي لها أن تعرف من هم :: حلفائها :: وأن تكون قادرة على الحديث مع جميع الأطراف وبنفس الطريقة )!! وهو ترجمة لقوله الصريح عن موقفه المؤيد لإسرائيل والداعم لأيديولوجيتها وإيمانه المطلق بتأمين أمنها عندما قال لزائره ايهود اولمرت رئيس وزراء إسرائيل في تشرين الأول 2007 ( إن أهم إنجاز في القرن العشرين هو إنشاء دولة إسرائيل ) !!! وأكد عن إيمانه هذا بقوله لصحيفة ( LA Nouvelle Observatoire ) الصادرة بتاريخ ( 22 / 1 / 2008 ) قائلاً : ( أي حرب فيما يتعلق بإيران ستكون بسبب أمن إسرائيل ) !!! فهل خرج ساركوزي من دائرة ترتيب أوراق أحداث الشرق الأوسط ؟؟؟ أم أنه كان ومازال محرك لتياراتها ؟؟؟ وهل من عاقل يصدق رواية ساركوزي بأن القاعدة العسكرية الفرنسية المنشأة حديثاً بالإمارات العربية المتحدة مؤلفة فقط من ثلاث طائرات عسكرية وبضع عشرات من الجنود الفرنسيين ؟؟ سنتناول وبشكل تفصيلي ( صلح ساركوزي ) وكيف تم تنفيذه منذ منتصف عام 2008 وحتى يومنا هذا لنرى كيف استطاع وضع خططه الخفية ونفذها بدقة أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ومرحلة مابعده بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب الدول الأوربية ومصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية ؟!!
الساركوماسونيك
مبدأ الحرب الخفية أكثر فاعلية وعنف من مبدأ إعلان حرب على شعب ما أو أمة بأسرها ، والعمل خلف الكواليس الخلفية هو بحد ذاته موّجه حتمي لدفة الأحداث الواقعية والمستحدثة وقد يستمر لشهور أو لسنوات عدة ، وتعتمد الحرب الخفية على مبدأ الخدعة المبيتة المبتكرة والتي ان اتقن تنفيذها ستؤدي إلى تبديل قسري بمسار أحداث المنطقة المستهدفة ، وبدورها تعتمد الخدعة المبتكرة على مبدأ اقتناص الفرص السانحة أو تخليق تلك الفرص أو إعادة تشكيلها ثانية لتصبح مهيئة لإقتناصها زمنياً وفق خطط معّدة مسبقاً ، وللحرب الخفية هيكلية موّحدة إنما بوجوه مختلفة إذ تنطلق أفعالها بدءاً من نقطة مركزية فكرية محددة الأهداف لتتطور لاحقاً وتترجم ذاتها إلى مخطط منظم يكون في معظم توجهاته ذي أهداف سياسية مما يضعنا في مواجهة واقع تحليلي لمفهوم السياسة وتفرعاتها العقائدية !!! وبشكل واضح ومبسّط نعرّف السياسة كمفهوم كلي بأنها تعبير نموذجي لمنهج عقائدي له أهداف محددة تنتهي بنتيجة مرجوة تحقق آماله المستهدفة بغض النظر عن مسيرة سلوكه أو مساره سواء كان سرياً أو معلناً ، ومن المهم جداً معرفة الدافع الذي أطلق الشرارة الأولى لإقرار تنفيذ الفكرة المنظمة وإلا لكانت الغوغائية سيدة مسار السياسة بزمنيها الحاضر والمستقبل ، وربما يكون الدافع متعدد الوجوه إنما له هدفاً مركزياً يحوم من حوله أهدافاً أخرى ولهذا نرى الدافع كمخلوق حي ينتقل من الوسط المادي إلى وسط الساحة الذهنية الفكرية مما يؤكد أن الوجود المادي قد تفاعل بأسبابه المحركة قبل تفاعله ذهنياً بشقيه الخيالي والمتوقع ، وحيث ينشأ الدافع يكون الذهن ساكناً ليست لديه حوافز مسبقة حتى تظهر تفاعلات ذهنية ضرورية تؤول الخيال وتحوّله لحالة نشطة ، لم تفلح السياسة الأمريكية منذ بداية الألفية الثانية في تنفيذ أهدافها بما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط رغم محاولاتها المتكررة ذاتها كل مرة ورغم تعدد أوراقها ذاتها مع اختلاف نسبي في اختيار أدواتها إلا أنها فشلت لأسباب عدة أهمها :
- كانت أهدافها مكشوفة أمام أبصار حلفائها وأعدائها سواء بسواء .
- ولأنها حددت سلوكها في معالجة ملفات الشرق الأوسط باعتمادها على سلاح قوتها فقط .
- وكذلك لأنها نقلت دبلوماسيتها المفروضة من أعلى نقطة في هرم سياساتها إلى أدناها وحشرتها لتصبح كواحدة من مكونات ميدانها العملي المفعم بقوتها العسكرية ، وهكذا صارت دبلوماسيتها كعتاد تقليدي من ضمن عتادها العسكري وليست مادة مستقلة بذاتها وعلى وجه الخصوص بما يتعلق بدبلوماسية مكافحة الإرهاب التي نعايشها .
- والأهم من ذلك كله أن أيديولوجيتها اعتمدت على مشورة فئة واحدة دون أن تأخذ بمشورات فئات أمريكية أخرى سواء أكانت مشوراتهم مغايرة لها أو متوافقة معها حيال مستقبل الشرق الأوسط .
- ومما لاشك فيه أن الإدارة الأمريكية السابقة لم تضع الخطط المناسبة لتحافظ على مكانتها كقطب أوحد عالمياً بل خسرت أهم طفرة وجودية في مسيرة تكوينها واستمراريتها ، وهنا مكمن غبائها وحماقتها إذ فوتت على نفسها فرصة استيلائها على العالم بأسره وذهبت بزمنها الذهبي المتاح لها إلى العدم الغوغائي وفقدت أهم فرصها الثمينة عبر تاريخها كله ، إذ تصرفت بشكل غير عقلاني مما جعل زمن امبراطوريتها قصير جداً لم يتجاوز سنوات عدة ، وانهارت امبراطورية القطب الأوحد عالمياً بصورة اعتباطية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها .
- ويعزى فشل سياسة القطب الأوحد عالمياً أن الإدارة الأمريكية السابقة جعلت الملفات كلها في سلة واحدة دون أن تخلق توازنات مفترضة بين مكونات طموحاتها وأطماعها ، ولم تمتلك التمييز الاستراتيجي الحكيم بين واقع ملف وملف آخر بل رمت الملفات كها في مكان واحد ذي واقع موّحد لافروق بينها .
- والنقطة الهامة بهذا الحقل أن الإدارة الأمريكية السابقة فشلت في وضع جدول زمني متسلسل لتنفيذ أهداف ملفاتها المختلفة أثناء أهم مراحل تكوين امبراطوريتها العالمية المستجدة حينذاك ، مما شكّل عبئاً ثقيلاً أرهق جسد سياستها كقطب أوحد عالمياً وبالتالي توقف نمو امبراطوريتها لتبدأ مرحلة تراجعها وانحدارها نحو الهاوية بسرعة أكثر مما هو متوقع لها ولتدخل في مرحلة ذوبانها ذاتياً .
- لقد وضعت الإدارة الأمريكية السابقة على وجهها غطاء استراتيجي واحد لا بديل له دون أن تأخذ بإعتبارها مسألة اختلاف فصول المعادلات الإقليمية المتبدلة عالمياً ، إذ كانت نظرتها ذاتها لملفات سياستها تجاه أمريكا اللاتينية بالقدر ذاته مع ملفات شرق آسيا وملفات الشرق الأوسط مما سرّع بإنهيار استراتيجيتها المتخبطة الحالكة .
...... يتبع



#حسن_جميل_الحريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفسير الحديبية برواية أمريكية .......... ج / 14
- تفسير الحديبية برواية أمريكية .......... ج / 13
- قوافل
- جبران خليل جبران ..... ج / 5
- الملك ميلانو العربي 313 – 2008 م
- جبران خليل جبران .... ج / 4
- جبران خليل جبران .... ج / 3
- جبران خليل جبران .... ج / 2
- جبران خليل جبران .... ج / 1
- يَم
- تفسير الحديبية برواية أمريكية ........... ج / 10
- تفسير الحديبية برواية أمريكية .............. ج / 9
- للفقر مصداقية باكية .......... ج / 10
- للفقر مصداقية باكية .......... ج / 9
- للفقر مصداقية باكية .......... ج / 8
- للفقر مصداقية باكية .......... ج / 7
- للفقر مصداقية باكية ..... ج /6
- للفقر مصداقية باكية .... ج / 5
- أريد ولدي
- مرمر


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن جميل الحريس - تفسير الحديبية برواية أمريكية ............... ج / 15