أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سناء الموصلي - الأجر المنخفض في ظل اطالة وقت العمل وتكثيفه















المزيد.....


الأجر المنخفض في ظل اطالة وقت العمل وتكثيفه


سناء الموصلي

الحوار المتمدن-العدد: 816 - 2004 / 4 / 26 - 09:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


وفي الواقع فكما يعرف كل دارس للاقتصاد السياسي الماركسي بأن يوجد أسلوبان لزيادة فائض القيمة الذي يحصل عليه في عملية الإنتاج:

1. إطالة وقت العمل المطلق أو مضاعفة تكثيف العمل “فائض القيمة المطلق”.

2. خفض وقت العمل الضروري “فائض القيمة النسبي”. ويتعلق كلا الأسلوبان بمسألة أجر الكادحين.



اطالة وقت العمل

لقد قُلص وقت العمل في البداية بعد ثورة أكتوبر ثم أصبح يطول بالتدريج. وأتذكر حين كنا تلامذة في المدرسة قمنا بتبديل قيادات فرق منظمة الطلائع دون إرادة، ووقتها رددنا عن ظهر قلب وطبّلنا بأن وطننا هو البلد الذي يوجد فيه أقصر يوم عمل في العالم ولكن لم يكن هكذا في الواقع . إذ أصبح يزداد عدد أيام العمل؛ فبدلاً من الخمسة أيام كان قد أدخل نظام الستة أيام وفي سنة 1940 أدخل نظام السبعة أيام عمل في الأسبوع بثمانية ساعات عمل (يعمل العامل سبعة أيام ويرتاح يوم واحد وسمي ببرنامج العمل المنزلق. المترجم). كما انقضت إجازات العمل التي أمدها شهر واحد والتي وُعد بها بعد الثورة إلى 12 يوم عمل. وأنقص عدد أيام الأعياد، فقد ألغيت في البداية الأعياد الدينية- عيد الفصح وعيد ميلاد المسيح وأخذوا بعد ذاك بشطب الأعياد الثورية، إذ اصبح يوم 22 كانون الثاني (يناير)- الذي كان ذكرى “الأحد الدامي” في 1905 يوم عمل(ألحق به فيما بعد 21 كانون الثاني- ذكرى وفاة لينين)، 18 آذار(مارس)- يوم كومونة باريس، كما توقفوا عن الاحتفال بذكرى ثورة شباط(فبراير) 1917 ويوم الشباب العالمي. وأختصر بهذا الشكل عدد أيام العطل الرسمية في الاتحاد السوفيتي بالإضافة إلى الإقلال من تنظيم أيام العمل التطوعية في أيام السبت والأحد لأنها أيام عمل دون أجر. ومن أجل هذا المقرر أو المدخل بشكل أعوج عن طريق إطالة وقت العمل الذي أعطى بحق الزيادة المناسبة للمنتج الفائض فقد أدخلت النومينكلاتورا انضباطاً صارماً في العمل. وهنا بدأ لينين الذي رفع كما نذكر الحملة ضد العمال الذين أرادوا خطف الكثير لأنفسهم وإعطاء الدولة أقل.

كانت المهمة التي أحدثت من قبل الطبقة الحاكمة بالضد تماماً: الخطف للنفس أكثر وإعطاء الكادحين أقل ما ممكن. قام ستالين بإدخال مثل هذه الشرعية القاسية والمعادية للعمال التي لم تعرفها أوروبا منذ زمن بعيد. فقد كان يقدم للمحاكمة حسب مرسوم رئاسة مجلس السوفيت الأعلى في الاتحاد السوفيتي الصادر في 26 حزيران(يونيو) سنة 1940 كل من تغيب عن العمل وكذلك يوضع في نفس المستوى معه كل من تأخر عن العمل 20 دقيقة، إذ يحكم عليهم بالعمل الإجباري. كما أدخلت مراقبة صارمة على إعطاء الأطباء استمارة مرض في حالات المرض الجدية فقط كما هو الحال في معسكرات الاعتقال، فقد وضع معدل لإعطاء راحة عن العمل بسبب المرض من قبل الأطباء في المستوصفات .

يظهر تأثير الانضباط الهام على شغيلة الاتحاد السوفيتي بواسطة دفاتر العمل ووثيقة وصف الشخصية الذائعة الصيت في الاتحاد السوفيتي. أدخل استعمال دفاتر العمل لجميع العاملين في الاتحاد السوفيتي، إذ يسجل فيها جميع تنقلاته أثناء الخدمة ، فبدون دفتر العمل لا يقبل المواطن السوفيتي في العمل وبدون إظهاره لا تجري معاملة التقاعد. كما يجب أن توقع وثيقة وصف الشخصية بـ “مثلث التواقيع” (ويقصد بمثلث التواقيع- توقيع رئيس العمل ولجنتي النقابة والحزب في مكان العمل أيضاً. المترجم) التي بقيت مطلوبة لوقت طويل أثناء التقديم للعمل وألغيت هذه القاعدة شكلياً بعد ذلك لأنهم أخذوا بنظر الاعتبار طلب المعلومات بشكل أكثر خدمة للغرض وغير رسمي من مكان العمل السابق إثناء التقديم لعمل جديد. مع أنهم لحد الآن يطلبون وثيقة وصف الشخصية لأسباب مختلفة جداً، إذ تستخدم كالسوط الذي يحث العامل على العمل.



تكثيف وقت العمل



إن مشاكل تكثيف العمل بعد انتصار الثورة البروليتارية من وجهة نظر ماركس وأنجلس يجب أن لا توجد عموماً لأن جميع الشغيلة سوف يعملون بجميع قواهم كي يصبحوا مالكي كل شئ وسوف يعملون لأنفسهم. فهذا لم يحدث بعد انتصار الاشتراكية الحقيقية بالضبط. وبما أنه سقطت الفرضية، فقد سقطت النتيجة أيضاً.ولم تخفِ قيادة النومينكلاتورا منذ زمن بعيد أن رفع إنتاجية العمل لدى العمال والكولخوزيين هي مسألة من الدرجة الأولى في ظل الاشتراكية. وأول من قال هذه الفكرة هو لينين عشية ثورة أكتوبر حيث فكر بجدل حول ماذا يجب العمل في حالة القدوم للسلطة . لقد أعلن في كتابه “الدولة والثورة” أن الشغيلة السوفيت “لا يمكنهم الاستثناء عن المرؤوسية والمراقبة والمراقبين والمحاسبين”. فقد نبه لينين بمعنى خفي بأنه في ظل الاشتراكية “إن التنحي عن هذا الحساب الشعبي العام والمراقبة يجعل منه بالضرورة صعب بحيث لا يصدق ومع هذا الاستثناء النادر سوف يصاحبه على الأرجح عقاب سريع وجدي، كما يجب ملاحظة القواعد البسيطة والأساسية لكل حياة اجتماعية بشرية التي تصبح مثل العادة بسرعة جداً”. يفهم من قواعد الحياة الاجتماعية البشرية هنا ، ليست ثقافة السلوك في الاماكن العامة وإنما الانضباط في العمل غير القابل للإعتراض في ظل وجود “العمال المسلحون الذين هم عبارة عن الهيئآت التأديبية الحكومية (العمال الحقيقيون- أناس آخرون لأنهم بدون أسلحة ، فمن الذي يخضع للمراقبة ويشرف على المحاسبين ويَتَعَرض “للعقاب الصارم” بسبب العمل المتهاون) . إن سياق أفكار لينين مفهوم ، لأن تعويد العمال على المراقبة والعقاب القاسي هما اللذان يعودان العمال على الإنتاجية العالية لصالح الدولة السوفيتية ، فلم يكن هناك أي شئ جديد في هذه الأفكار .

تميزت السنوات العشر الأخيرة التي جرت فيها الحرب العالمية الأولى باهتمام كبير في صناعة روسيا القيصرية بنظام تكثيف العمل الذي أعد في الغرب الرأسمالي وبالأخص نظام تايلور. فقد ترجمت إلى اللغة الروسية ونشرت الكتب المهمة لتايلور، كما قام المؤلفون الروس بنشر الأفكار التايلورية بين الجماهير مقدمين اقتراحاتهم بإدخالها في مصانع البلاد. وكما كان متوقعاً فقد انتقد لينين بشدة هذه الأفكار وشتم التايلورية ووصفها بـ “النظام العلمي لعصر العَرَقْ”. والحقيقة هي أنه قبل الثورة في سنة 1914، لاحظ لينين الثاقب الذهن في غموض، أن النظرية التايلورية “بلا معرفة وضد إرادة مؤلفيها، لأنهم يهيئون ذلك الزمن حين تأخذ البروليتاريا بيدها جميع عناصر الإنتاج”. وهذا صحيح فبمجرد أن حل هذا الزمن بعد الانتصار في الحرب الأهلية ، إكتشف لينين فجأة في نظام تايلور الرذيل جملة من الفضائل، فَتَحَّت إسم “تنظيم العمل العلمي” أصبح هذا النظام يدخل بنجاح في الاقتصاد الوطني السوفيتي.

إنتهت الحرب الأهلية في القسم الغربي لروسيا في تشرين الثاني سنة 1920 وافتتح مجلس النقابات المركز في شهر آب(أغسطس) سنة 1920 معهد العمل المركزي في موسكو . وبادرنا التعبير الستاليني عن أن الشغيلة السوفيت هم لوالب، وأعلن مُنظمو المعهد بأنهم ينظرون للعمال “كاللوالب ... كالماكينات”. وفي شهر كانون الثاني(يناير) من العام 1921 عقد في موسكو المؤتمر الأول لعموم روسيا حول مسائل التنظيم العلمي للعمل. لقد طرح السؤال بشكل علمي حول كيفية الحصول من العامل السوفيتي على إنتاجية عمل قصوى. فقد ألقى الفسيولوجي ف. م. بيختيروف Bekhteroff محاضرة عن الاستخدام الرشيد لقوى العمل البشرية. ولقد بلغ معهد العمل في غضون ذلك نجاح علمي جدي بوضعه جميع حركات العامل تحت “الضربة” و “الضغط” وبعد ذلك أعد “ميكانيكية الحياة للضربة والضغط”. وقد نظر التايلوريون السوفيت الجدد بتعالي على رائدهم معلنين أنه بالرغم من أن تايلور قد تناول مختلف مشاكل التنظيم العلمي للعمل ولكنه لم يبحثها حتى النهاية وتمكن من إعطاء مجرد إسمه لـ “المصطلح الكرية”.

وأصبحت مؤسسات التايلوريين الجدد تنتشر في الاتحاد السوفيتي . فقد سجل في العام 1925 ما يقارب 60 معهد علمي للعمل في البلاد، ولتنسيق عمل هذه المعاهد اضطر لتشكيل المجلس المركزي لتنظيم العمل العلمي (سوف نوت)؛ فجميع هذه المعاهد الموقّرة انشغلت بضغط وقت العمليات الإنتاجية. إذ درست كل حركة للعامل وسعت إلى تكثيف وقت عمله إلى أقصر حد. وقد رَوَّج المنظرون السوفيت للتنظيم العلمي للعمل ذو المظهر العلمي بأن روّاد العمل أنفسهم سوف يقترحون بإطالة يوم العمل واختصار عدد الأعياد حتى تصبح هذه الخطوط الناقلة أكثر ملائمة لتصور ماركس عن تنظيم العمل التقدمي. غير أنه لدقة كلمة “الخط الناقل” فقد أبدلت في الصناعة بتعبير “الخط التجميعي”.

وقد أعلن لينين قبل هذا أن رفع إنتاجية العمل هو الشرط الحاسم لانتصار الاشتراكية على الرأسمالية . ومنذ ذلك الحين يبقى المطلب العالمي لتكثيف العمل الشعار الخالد لطبقة النومينكلاتورا . ولضمان تكثيف العمل تستخدم النومينكلاتورا نظام ضبط العمل . على الرغم من أن الحديث عنه ليس “بالعصا” ولكن “بالوعي”، وفي الحقيقة فإنه مقام على إرتعاب الشغيلة أمام العقاب، أمام عصا المراقبون النومينكلاتوريون ، ولم يعلن لينين فكرة تشديد نظام العمل فقط ولكن بدأ بإستخدام إجراءات ضبط العمال فوراً بعد أن بان إنتصار البلاشفة في الحرب الأهلية . وفي 27 نيسان(أبريل) 1920 وَقَّع لينين مرسوم قوميسارية الشعب “حول النضال ضد التغيب عن العمل” الذي أخذ بنظر الإعتبار واجب إكمال عمل الساعات التي تغيب فيها العامل عن العمل بوقت إضافي وحتى في أيام الأعياد وقد تبع الخطوة الأولى لشرعية الدولة السوفيتية المضادة للعامل قوانين أخرى تكلمنا عنها آنفاً . ولكن كيف تحدد النومينكلاتورا جوهر نظام العمل في ظل الاشتراكية الحقيقية؟

نستشهد بمجلة ل م ح ش ا س “الشيوعي”: “يشمل نظام العمل الإشتراكي واجب الإدارة بتنظيم العمل الرشيد من جهة ومن جهة ثانية واجب العمال والموظفين والعمل بقوة عطاء كاملة”. إذن يتطلب من الشغيلة الشئ القليل وهو قوة العطاء الكامل. فماذا يتطلب من الإدراة؟ وماذا يعني أن واجبها “تنظيم العمل بشكل رشيد”؟ و “معرفة تنظيم سير النشاط العلمي الذي تشرحه مجلة “الشيوعي”بأن الاستخدام الأقصى لوقت العمل وإقامة الأجواء العملية والمحاسبة والمراقبة”. الحقيقة هي اكتساب فائض القيمة. ومن وجهة نظر النومينكلاتورا فإنها ترى أن قضيتها عادلة جداً في الرفع الأقصى لمعدل إنتاج كل عامل . وبعد أن تشدقت في الصحف عن حماسة الشعب السوفيتي في العمل التي لا نظير لها ، تعتقد النومينكلاتورا في الصميم بأن هؤلاء الحثالة الكسولة يعملون بنصف قوتهم ولا يرغبون بعناد من إعطاء الدولة مثل هذا المقدار من المنتجات بقدر ما يتمكنون من الإنتاج ، فيجب بطريقة ما كسر مثل هذا الاضراب الإيطالي. وفي البحث عن الشتريكبريخوروف(وهم العمال الذين يعملون بغض النظر عن الإضراب الذي يقوم به رفاقهم في العمل ويسمون بكاسرو الإضراب. المترجم) عثرت النومينكلاتورا على مقولة ماركسية عن أن البرجوازية بهدف شق الطبقة العاملة تُنشأ إرستقراطية عمالية تطعمها بفضلات من أرباحها . لقد بدأوا في الاتحاد السوفيتي بإتخاذ إجراءات سريعة لإنشاء فئة إرستقراطية عمالية .

هل تعرفون متى وضع لينين لأول مرة أمام القيادة مسألة تنظيم المباراة الاشتراكية للعمال؟ كان ذلك في كانون الأول (ديسمبر) سنة 1917. وفي نيسان(أبريل) سنة 1919 حدثت “المبادرة الكبرى” التي مجَّدها لينين في أول يوم عمل طوعي(سِبوتنك) يوم السبت لأعضاء الخلايا الحزبية في محطة قطار موسكو لفرز البضائع وهناك جرت أيام العمل الطوعي حيث إلتقط لينين صورة لنفسه في يوم عمل طوعي في الكرملين في سترة مرفوعة الياقة ووضع كتفه تحت جذع شجرة يحملونها فتيان أقوياء البنية من حمايته الخاصة. تظهر المنافسة وكأنها طبيعية ولا يوجد شئ، ولذلك فإن الوثيقة اللينينية المهمة “المبادرة الكبرى” نشرت خلال عشرسنوات فقط من بعد المبادرة الكبرى. وعلى أساس أفكار المبادرة الاشتراكية نظمت النومينكلاتورا في البداية حركة روّاد العمل وبعد ذلك حركة الستخانوفيون ومن ثم فرقة العمل الشيوعي. وقد نشرت في الصحف واحدة بعد الأخرى كما استحسنت من قبل ل م أو اللجان المنطقية في ح ش ا س مختلف “المبادرات” والأساليب. إن مغزى هذه التهويشات تألف ويتألف على الدوام من شئ واحد هو ربط الشغيلة بمعايير إنتاج أكثر ارتفاعاً التي تبدو مع غيرها ليست وليدة خيالات موظفين من مكاتب النومينكلاتورا ولكن كالمعايير الواقعية التي يمكن تنفيذها في الحقيقة وحتى يمكن تنفيذها قبل الموعد المحدد من قبل روّاد الشغيلة. أي خدع استخدمت في هذا من قبل النومينكلاتورا ، يمكن إيضاح ذلك على سبيل المثال بالحركة الستخانوفية. وكما هو معروف بدأت الحركة ليلة 31 آب(أغسطس) سنة 1935 كأن قام عامل منجم “إيرمينو المركزي” في الدونباس ألكسي ستاخانوف Stakhanoff فجأة بتنفيذ ليس معيار عمل واحد ولكن 14 معيار لدفعة واحدة فجأة. حدثني بعد ذلك عامل من ذلك المنجم بأن ستاخانوف لم يتميز بأي تفان بالعمل؛ فقد أحب شرب الخمر ولكنه كان وديع الأخلاق وذا مظهر لطيف وصورته الجميلة أدت إلى أن يكلفوه بأن يصبح بطلاً. ومن ثم انهالت الأرقام القياسية لعمال المناجم كسقوط البَرَدْ. لقد وصلت إلى حد السخافة، إذ أعلن أن نيكيتا إيزوتوف Izotoff استخرج في وجبة عمل واحدة 240 طن فحم، منفذاً بهذا الشكل 33 معيار عمل. فهل تصدق أيها القارئ أنه بدون أية تحسينات تقنية يتمكن عامل واحد من تنفيذ عمل 33 عامل منجم مثله؟ من الواضح أن عمال المنجم أما تكاسلوا أو أن الخبر عن الرقم القياسي كان كذباً . ولكن الكتاب المدرسي السوفيتي للمعاهد العليا والجامعات عَلَّق على الموضوع بتفاهة : “لكن حتى هذا الرقم القياسي كان فيما بعد مرتفع جداً”. في الواقع فإن تنفيذ المعيار قبل الموعد المحدد له بـ 1000% لم يحدث ولم يعزموا على رفعه بهذا الشكل. ولكنه كان مرتفع في الجوهر. حصل روّاد الحركة الستخانوفية على أوسمة وانتخبوا إلى مجلس السوفيت الأعلى وانتقلوا إلى المراكز القيادية متمنين سلامة البقاء وأحسن الأمنيات لرفاقهم السابقين في العمل.

لم تعط محاولات النومينكلاتورا في تنظيم الحركة الستخانوفية بين الكولخوزيين بنفس الأساليب الديماغوغية النتائج المطلوبة. فبالإضافة إلى فقدان الثقة في وعود القيادة الحزبية لم يرض الكولخوزيون الإنزلاق في ضرب الأرقام القياسية من أجل آفاق غير واضحة في إنتظار مكرمة النومينكلاتورا. ولذلك اضطروا لإستحداث أوسمة مكافأة لا سابق لها في التاريخ للكولخوزيون حسب التسعيرة: إذ يمنح الكولخوزي وسام مناسب نتيجة لإنتاجية محددة، ولأكثر من هذه النتيجة يمنح وسام بطل العمل الاشتراكي وظهر أن مثل هذا النظام الفطن قادر على الإيتاء بشئ ما من النتائج الملموسة. لقد ضاربت النومينكلاتورا ليس على غرور الناس فقط، ولكن على الشباب غير المجرب. لقد نظموا من الشباب مجموعات سميت لسبب ما بـ “الفارس الفتى” بهدف مراقبة العمل وإظهار النقص فيه. ورؤساء (الفرسان) هي اللجان الحزبية بالطبع ، لذا فإن دور الخيول خصص للشباب أنفسهم وليس دور الفرسان. كما أنشأت فرق الشباب لبناء المشاريع المختلفة ، ولكن لا تطابق النتائج رغبات النومينكلاتورا دائماً لأن مدينة كومسومولسك على الآموراضطروا في نهاية المطاف إلى بناءها بمساعدة المساجين، ومع ذلك فقد حاولوا عصر الحماس من عندهم ، فقد وصف هذا جيداً سولجينستين في روايته “أرخبيل الغولاك” التي نشرت خارج الاتحاد السوفيتي بعيداً عن عيون الرقابة ، وكذلك في نفس الرواية التي حملت اسم “يوم واحد لإيفان دينيسوفيج” سمحت لها الرقابة بالنشرداخل الاتحاد السوفيتي ، ولكن بعد أن اضطر للتغني بمثل هذا الحماس المزيف. تتوخى جميع هذه الأساليب المختلفة بوعي وأكثر من هذا علانية غاية واحدة: هي رفع كثافة العمل بجميع الوسائل.

الأجر المنخفض



دخلت العلاقة بين مقدار أجور الشغيلة وأسيادها المستغليين منذ زمن بعيد في أبجدية الاقتصاد السياسي فقد صاغ دافيد ريكاردو (1772-1823) القانون الاقتصادي التالي: كلما كانت الأجور مرتفعة ؛ كلما انخفض ربح صاحب المشروع وبالعكس. تتصف أجور الشغيلة في جميع البلدان الاشتراكية بالانخفاض ، وفي نفس الوقت مستوى عال من الأرباح المعبر عنه في عدم تناسب الحصة العالية للتراكم مع أجور الشغيلة (تشكل هذه النسبة في الاتحاد السوفيتي ما يقارب 25% من الدخل القومي). معروف من الاحصاء مفهوم “معدل عدد أعضاء العائلة” الذي يتكون من زوج وزرجه وطفلين. ويحسب الحد الأدنى للمعيشة لمثل هذه العائلة بالحد الأدنى للموجود إذا كان رب العائلة يتمكن من إعالة الأربعة أشخاص جميعهم. ويغيب في الإحصاء السوفيتي مفهوم الحد الأدنى للمعيشة ، إذ يصطدم الشخص السوفيتي معه مجرد أن يقرأ في الصحف أنه في إحدى الدول الرأسمالية توجد نسبة ما من الشغيلة يحصلون على أجور أقل من الحد الأدنى للمعيشة ، فيذهل المواطن من أن هؤلاء العمال لم يموتوا من الجوع؟

فلم يخطر على باله بأنه هو وجميع هؤلاء الذين يحيطون به ، ومن يرى في الشارع -باستثناء أشخاص متغطرسين يركبون سيارات الليموزين- يحصلون جميعهم على أقل من الحد الأدنى للمعيشة ، لأن أي مواطن سوفيتي اعتيادي يمكن أن يعيل براتبه عائلة تتألف من أربعة أشخاص؟ إن معدل أجر العامل والموظف في الاتحاد السوفيتي حسب الإحصائيات الرسمية يساوي 182 روبل في الشهر قبل خصم الضرائب. يساوي هذا حسب سعر الصرف الرسمي السوفيتي (100 مارك ألماني يساوي 28,8 روبل) ما يقارب 630 مارك ألماني غربي. ومن هذا سوف تخصم الضرائب واشتراكات النقابة فيبقى ما يقارب 550 مارك. أما في ألمانيا فيستلم العامل بمعدل 5 مرات أكثر من ذلك.

يعيش ربع سكان الاتحاد السوفيتي في مناطق زراعية. ويتكون أجر الكولخوزي من 138 روبل شهراً وفي الحياة السوفيتية الواقعية فإن الأجر المتكون من 182 روبلاً في الشهر يعتبر راتباً جيداً. ومن الواضح أن معدل الأجر الحقيقي يشكل على سبيل المثال 100-120 روبلاً في الشهر. ولا يمكن أن يقال أنه رقم مضبوط لأن إحصائيات الأجور تعتبر سراً حكومياً لا يمكن البوح به. إن سبب هذه السرية أصبح مفهوماً من الواضح أيها القارئ.

وكيف يكون الأمر من رفع الأجور؟

تؤكد النومينكلاتورا أن زيادة إنتاجية العمل يجب أن تسبق زيادة الأجور. وتشرح الدعاية السوفيتية بشكل بليد وعن طيب خاطر بأنه في البداية يجب أن يكون الإنتاج أكثر ومن ثم حصول نقود أكثر وخلافاً لذلك ممنوع لأنه لا يوجد مكان تتقاضى منه النقود ، وإنما يحصل عليها بعد أن يُصرّف الإنتاج فقط. يظهر البديل لأول وهلة كأنه مقنع ولكنه غير مفهوم؛ لماذا بهذا المقدار من البديهية لم يفهمها البلاشفة أنفسهم؟! وهكذا في مقررات المؤتمر الثاني عشر للحزب (سنة 1923) ثُبّت أن رفع أجور العمال يجر خلفه بالذات رفع إنتاجية العمل وليس بالعكس. أما في سنة 1926 فقد حدث نقاش في المؤتمر الحزبي الخامس عشر بين النومينكلاتوريين الستالينيون والمعارضة، وفي ظل هذا أعلنت المعارضة: “إن مسألة الأجوز يجب أن تطرح ليس بهذا الشكل، بأن العامل في البداية بجب أن يعمل بإنتاجية عالية ونتيجة لذلك يحصل على أجور مرتفعة، ولكن القاعدة يجب أن تكون العكس: إن رفع الأجور يجب أن يصبح مقدمة لرفع إنتاجية العمل”. فمن الواضح أن الدليل المزعوم لم يكن مقنع بهذا الشكل على الأرجح ونقول ببساطة: هو متكلف بالضبط. نفرض أنك عامل في بناء مصنع. هل تحصل على أجر بعد أن يصبح المصنع جاهز ويبدأ بإنتاج المنتجات وترد النقود من بيع دفعات المنتجات الأولى؟ إذا كان هكذا يمكن أن تموت من الجوع حتى إنجاز البناء. سوف تحصل على الأجر كل أسبوعين وبكلمات أخرى سوف يدفعون إليك مقدماً. والسؤال ليس من أين تأخذ السلفة (يأخذونها من هناك حيث تأخذ الدولة السوفيتيية النقود من مطبعة النقود الحكومية). السؤال حول شئ آخر: لماذا تستطيع الدولة دفعها لك؟ هي تستطيع عمل ذلك لأن الإنتاج في البلد لا يبدأ من المصنع الذي تعمل فيه. يجرى الإنتاج على قدم وساق بالإدخار والإكتساب مستمر لفائض القيمة الضخم. لا يجري الحديث عن أن النومينكلاتورا المعدمة يجب عليها في البداية أن تقوم بتصريف المنتج الذي أنتج من قبلك كي تسوي حساباً معك. يجري الحديث عن فائض القيمة هذه بالذات.

تعيش النومينكلاتورا على حساب رفع أحور الشغيلة ولكنها لا تريد التخلي عن الجزء المتواضع الذي إكتسبته من فائض القيمة. وهي لا تريد أن تعمل هذا حتى في توقعات رفع إنتاجية العمل اللاحقة، إذ تعي النومينكلاتورا شدة المشكلة كلها التي توجد بينها وبين الكادحين ولا تصدق أن الشغيلة سوف يكونوا مستعدين للرد على رفع إنتاجية العمل برفع الأجور، إذ تفضل النومينكلاتورا أسلوب الإكراه كحافز مادي للشغيلة وهو في نفس الوقت السوط المنظم والدعائي وليس كعكة العسل التي يمكن تقديمها للشغيلة. إن هذا ما يميزها عن الرأسماليين ويضعها في صف واحد مع الإقطاعيين ومالكي العبيد. ولكن تقتبس النومينكلاتورا في هذه الحدود أساليب الإستغلال المنتشرة في الرأسمالية، إذ يفصل خط دقيق في الاقتصاد السياسي الماركسي للرأسمالية بين شكل دفع الأجور حسب الوقت كأقل استغلالا وشكل الدفع حسب القطعة الذي يرمي إلى إمكانية عصر فائض القيمة بشدة أكثر .

هذا ما كتب في كتاب الاقتصاد السياسي المدرسي الذي أستشهد به آنفا : “يؤدي نظام العمل حسب القطعة إلى التشديد الدائم لكثافة العمل . ومع ذلك فهو يخفف من مراقبة صاحب المشروع للعمال . إن درجة شدة العمل تراقب هنا من قبل كمية ونوعية المنتجات التي يجب على العامل إنتاجها كي يقتني الوسائل الضرورية للمعيشة . ويضطر العامل لمضاعفة إنتاجيتة حسب القطعة فيكدح أكثر . لكنه حالما يبلغ قسم كبير أو قليل من العمال مستوى جديد وعال من كثافة العمل ، يخفض الرأسمالي من تسعيرة القطعة الواحدة”. و “يحاول العامل من الحفاظ على الكمية العامة من أجره بأن يكدح أكثر: العمل ساعات كثيرة أو إنتاج ... في حدود ساعة واحدة والنتيجة هكذا: كلما يعمل أكثر، كلما يحصل على أجر أقل . ومن هذا تتألف الخاصية الخطيرة للعمل حسب القطعة في ظل الرأسمالية”. ولكنه في ظل الاشتراكية الحقيقية لا يستخدم بالطبع أسلوب الإستدعاء هذا، المفضوح من قبل ماركس والماركسيين السوفيت؟ الجواب هو أنهم يستخدمونه وبشكل واسع. فحسب البيانات الإحصائية المنشورة من قبل الجهاز المركزي للإحصاء في الاتحاد السوفيتي في العام 1975 أن 56,2% من العمال الصناعيين والبنائين حصلوا على أجور حسب القطعة و 43,8% فقط حصلوا على أجور حسب الوقت. وعند ذلك أعلن أن طريقة العمل حسب القطعة في الاتحاد السوفيتي هي “الشكل التقدمي للأجور”.

ولكن كيف يكون الحال مع إستنكار الماركسية لهذا الشكل من دفع الأجور؟ تنسلخ الماركسية عنه بإستشهاد قياسي على أنه في ظل الاشتراكية يعمل العمال لصالح أنفسهم. حين تتقدم النومينكلاتورا بطلب رفع إنتاجية العمل في الاتحاد السوفيتي كي يسبق رفع الأحور، فهي تنطلق على الأرجح من أنه في الأسلوب البيروقراطي للنثقيف، يسجلون جميعهم كدارسين لـ “رأس المال“، أما واقع الحال فهم حتى لم يفتحوه. وفي الواقع ، نأتي بصيغة قالها ماركس بلسانه . إذ يستنتج أنه في ظل الاشتراكية يجب أن تزداد علاقة العمال بقيمة ما ينتجوه، معنى هذا علاقة فائض القيمة بالأجور التي يحصلون عليها. ولكن هذا هو ما يوجد حسب ماركس، إذ يعبر عن العدد الذي حصلنا عليه في نسب مئوية ومعدل فائض القيمة الذي هو معيار الإستغلال. هذا هو ذلك المعيار الذي تطلب النومينكلاتورا مضاعفته! وقد قلنا أن حساب الجهاز المركزي للإحصاء في الاتحاد السوفيتي لمعدل أجور العمال والموظفين أقل بأربعة مرات من أجور العمال المحسوبة من قبل إدارة الإحصاء الفيدرالية . لكن حتى هذا الرقم لم يشمل أكثر الفئات السكانية الميسورة: أصحاب المشاريع وملاكين الأراضي وقد شمل مقابل هذا العاطلين عن العمل وطلاب المدارس الصناعية في الإنتاج. وعلى العكس من هذا شمل الرقم السوفيتي النومينكلاتورا- وزراء ومارشالات ... الخ ولكن لم يشمل الكولخوزيين والمتقاعدين والطلاب . معنى هذا أن الفرق الحقيقي أكبر من هذا .




#سناء_الموصلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزار دعنا- شهيد الصحافة الحرة


المزيد.....




- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...
- جامعة كولومبيا تعلق المحاضرات والشرطة تعتقل متظاهرين في ييل ...
- كيف اتفق صقور اليسار واليمين الأميركي على رفض دعم إسرائيل؟


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سناء الموصلي - الأجر المنخفض في ظل اطالة وقت العمل وتكثيفه