أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشدي علي - شهرزاد منسية














المزيد.....

شهرزاد منسية


رشدي علي

الحوار المتمدن-العدد: 2668 - 2009 / 6 / 5 - 02:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان ابوي رجلا عادلا في شربه للخمر..فأيام الاسبوع الاولى هي للبيرة, والخميس بلا شك للعرق. كنت اخاف من العرق ورائحته. للتخفيف من ذلك الخوف بدأ أبي يجمعنا حول القنينة الفارغة, ويرمي عود ثقاب داخلها لتشتعل بقايا العرق الغاضبة في جوف القنينة الى اعلاها..ونضحك كلنا. ومن هنا بدأت احب العرق الذي اتى بالضحكة الى افواهنا الفاغرة. ورحت منذ ذلك الزمان اسرق بيرة (قناني صغيرة عليها اسم شهرزاد) واشربها وحدي, كنت في الرابعة عشرة من عمري. وبعد عامين بدأت اسرق العرق, لتصبح الحياة اكثر انسجاما مع الخيال.. وقلبي استولاه حب كبير, لذلك احببت جارتنا انعام.. وصار عندي شاغل جديد, وهم محفز للبحث عن اجواء وهويات اخرى.. كل شيئ هادئ ورخيم الا منغصا واحدا "التقيئ" الذي كان ينهي ليال جميلة في البدايات: كل حلو بي لولة.

بعد عامين هربت من العراق, الى الصحراء في السعودية, وهناك كانت افكاري الجميلة تموت على نار صاخبة, وادركت ان سقر هي من صنع البشر ايضا. لكن رغم بؤس الصحراء ظلت الخمرة تتنفس, بدأ التخمير ثم التقطير, وانا عاشرت المرحلتين! لكنهما كانا في السر (كل شيئ حلو في السر الا الشرب فهو قبيح) الشرب والحرية صنوان. وبعد الهروب الاخير الى امريكا, رحت اشرب البيرة كل يوم.. في الحدائق العامة, وفي بالكونة شقتي, وفي الحانات, واتحدث الى اشخاص يمسكون اقداحا من البيرة, وفي يدي انا ايضا قدح منها.. نتبادل الحديث وكأن ايدينا فارغة! قلت لروحي: هذه هي الجنة, ولكن كل حلو بي لولة.. فقد حدث مع هذه الافراح منغص, لم يكن التقيئ هذه المرة, بل استرخاء ذاكرتي الى حد التفكك. كنت احفظ الاسماء والاماكن وتفاصيل عن حيوات المشاهير, وولادة وميتات الخلفاء (بعضها كما اذكر كان بشعا للغاية!) لكني وقبل ايام, استيقظت من ليلة مخمورة.. محاولا بلا جدوى ان اتذكر ان كان علي قبل عثمان ام عثمان قبل علي؟ فأدركت ان حالتي اصبحت خطيرة.. وقررت ان اعود الى البصرة, لافقد ذاكرتي هناك بين اهلي واحبابي, بدل ان افقدها في الغربة مثل الافلام المصرية.

لكن اخي الصغير مهند قال لي: شنو تخبلت؟ ولانه رجل واقعي فلم اذكر له شيئا عن تفسخ ذاكرتي. قلت له ضع امي على الهاتف: يمى خير من اللة, بلطو شارع بغداد من الطول للطول, تعال.. والانسان مالة غير اهلة ووطنة. وعزمت علي الرحيل.. لكن قرار الحكومة الاخير بمحاربة الخمرة اربكني, ووضعني بين الخيارات القديمة ذاتها: سرقة البيرة من ابي, التخمير والتقطير في السر, خوفا من الاسلاميين الارهابيين, وخياري الجديد: فقداني للذاكرة. البيرة وثمالتها اللذيذة.. ام بدونها لاتذكر ان علي جاء بعد عثمان؟! قمت الى الثلاجة.. فتحت قوطية "بدوايزر" لها طعم يشبه طعم "شهرزاد المنسية" عبر ذاكرة مهشمة.. شربت قليلا, القيت نظرة الى الجبال في النافذة امامي: كانت الثلوج تغطي رؤوسها المدببة.. والغيوم تشدها الى بعض..ثم بدأت تمطر.



**اشارة: كنت قد هجرت الكتابة الى غير رجعة, لكن قرار الحكومة العراقية الاخير بمحاربة الخمرة, فعل بي ما لم تفعله الاهوال والمصائب التي اجتاحت العراق في الاعوام الماضية: اعادني الى القلم, ورغم انه يرتجف في يدي, ويتحرك بثقل شديد على الورق, الا اني اشعر بمسئوليتي في الوقوف ضد هذا القرار المشئوم.



#رشدي_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اجل تحرير العقل من التخلف


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشدي علي - شهرزاد منسية