أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سألتُ الأستاذَ: لمَن نكتب؟














المزيد.....

سألتُ الأستاذَ: لمَن نكتب؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2668 - 2009 / 6 / 5 - 08:12
المحور: المجتمع المدني
    


كان، رحمَه الله، كلما رآنى وقد أخذنى القنوطُ، مما وصلت إليه مصرُ ونزل إليه المصريون، يبتسمُ ابتسامته المشرقةَ الشهيرة، تلك التى خلّدتها الصحفُ والتصاوير. تفاؤله بغَدٍ أفضلَ لمصرَ وحالٍ أفضل للمصريين، هو سرُّه الميتافيزيقى الخاص، الذى ذهب معه إلى الأبد. ذلك التفاؤلُ كان طوقَ النجاة أمام تشاؤمى المستطيل.

«لمَن نكتبُ يا أستاذ؟» أسأله. فيجيبُ: «لكلِّ المصريين، المصريون من أجمل شعوب الأرض». أعاودُ: «نعم، لكن لأية شريحةٍ منهم؟ المثقفون المستنيرون لا يحتاجون كتاباتنا، والظلاميون الجهلاء يرفضونها، والبسطاءُ ينجرفون وراء الصوت الأعلى، وليس أعلى صوتًا ممن خَوَت عقولهم من الظلاميين الغيبيين. يتوعدون الناس بالويل والثبور إن لم يستعيروا عقولهم، ويقصفون أقلامنا ويهددون حياتنا، فيخافنا الناسُ وينفضّون من حولنا، ومن حول كلِّ نور يلمع فى الأفق! فلمَن نكتب إذًا؟ لابد أن نتوقّف عن الكتابة، ونكتفى بالفُرْجَة والحسرة على مصرَ، وهى تتحلّل بين ناظرينا، مثلما يكتفى الجميع بالفرجة، بل وبالمشاركة فى هدمها أيضا من قِبل البعض». يربتُ على كتفى ويشرقُ وجهه بابتسامةِ محبةٍ وإشفاق: القنوطُ رفاهٌ وترفٌ لا يليقُ بكلِّ صاحب قلم يا ابنتى!، أنتِ وأنا وسوانا ممن لديه رسالةُ تنويرٍ ليس من حقّه أن يترك قلمَه ليتفرج، اليأسُ، رفاهيةٌ لا يمتلكها المثقفُ العضوىّ!» إنه المفكر المصرىّ الجميل، الذى طار قبل شهور وتركنا لمصيرنا، محمود أمين العالم.

»لكنهم يا أستاذنا، الظلاميين أولئك، يظنون أن الشيوعيةَ سُبّةٌ، وحتى الليبرالية سُبّةٌ، والتطور والتحضر والمعاصرة والاستنارة والخروج من نفق الماضى كلها مَسبّاتٌ ومثالبُ. بل والعلمانية يظنونها تعنى الانحلال وانعدام الخُلُق وعدم احترام الدين، تصور! بل إن أحدهم، والله العظيم يا أستاذ، يظن أن ثمة شخصًا اسمه «علمان»، ومؤيديه، من ثَم، اسمهم «بنو علمان»، تصور! تصور!« فيبتسم العالم الجليل لغضبتى ويقول: «وإذًا ماذا تنتظرين من هؤلاء؟ إن كانوا متعثرين عند فهم المصطلح، مجرد المصطلح، أيغضبكِ هؤلاء؟» فأقول بحماسة من ظفر بمغنم: «أرأيت؟ فلمن نكتب إذًا؟» لكنه يردف بهدوء: «وهل تظنين أن أولئك هم متنُ المصريين النبلاء؟ هؤلاء يا ابنتى لهم الله، هم على عيونهم عِصاباتٌ فلا يرون، وفى أفواههم أبواقٌ تردِّدُ أقوال سواهم، وداخل عقولهم قِطَعُ أسفنج تمتصُّ الغَثَّ وتفرز الغَثَّ. ووظيفتنا نحن أن نحمى الآخرين من تضليلهم، قبل أن يغتصبوا عقولهم ويدخلوا بهم إلى نفقهم المُظلم، حيث لا عودة».

«لكن فى يدهم يا أستاذ محمود سيفًا مُشْهرًا دائما مُصوَّبًا نحو نحورنا، وكارتًا باليًا لا يسأمون من استخدامه ضدَّ كلِّ قلم يروم الاستنارة». فيسألنى ولم تبرح الابتسامةُ وجهَه: «ما هو؟» وأجيب: «إطلاق الكلام على عواهنه من قبيل: هذا الكاتبُ له أجنده أمريكية، هذا الكاتب عميلٌ صهيونىّ، هذا الكاتبُ يقبض من الغرب!» فيضحك الأستاذ بمرارة: «كأن الغربَ راكدٌ خاملٌ لا يعمل، وخائفٌ من تطورنا وسيادتنا العالمَ فيدسَّ بيننا العملاءَ لكى يعرفوا منّا سرَّ حجر الفلاسفة! الغربُ يا بنتى يعملُ فى صمت، ونحن نتكلم.

هم يخترعون ويبدعون، ونحن نستهلك ونسىء استخدام ما صنعوا للبشرية. اخترعوا الحاسب الآلىّ لكى يتحكمَ الإنسانُ فى المعلومة وينتجَها ويصدّرَها ويتوسلَّها، ونستخدمه نحن للتبذّل والدردشة والمزيد من تفريغ العقل. صنعوا الهواتف ذات الخلايا لحل الأزمات العاجلة، فاستخدمناها نحن فى إرسال رسائل مغازلة فى شريط متحرك فى قنوات التليفزيون! وآلاف الأمثلة الشبيهة».

وشعرتُ أننى نجحتُ فى أن أجذبَ الأستاذَ إلى منطقة قنوطى، وابتهجتُ قليلا لأننى سأتقوى بيأسه على يأسى. لكنه يفاجئنى بطاقة التفاؤل التى لا تنضب منه أبدًا، لأنه جميل ويأبى إلا أن يرى العالمَ جميلا ومحبوبته مصرَ فاتنةً تحت أى شرط وأى ظرف. قال: «المصريون جُماع أعراقٍ وحضاراتٍ مستحيلة. لا مواطنَ فى كلِّ العالم يشبه المواطنَ المصرىّ. المصرىُّ تعاقبت عليه ثقافات ودياناتٌ ومواريثُ تاريخيةٌ معقدة شديدة التركيب.

لذلك اكتسب قوةً وصلادة، عزّ أن تجدى مثيلا لها فى كافة أرجاء الكون. ما ترينه الآن هو العابرُ المتغيّرُ، لكن ثمة خيطًا من الأصالة يسبح تحت العمق فى شريان كل مصرىّ. هذه الأصالة سوف تنجّيه كما نجّته دومًا. وهى رهانُ المثقفين على بقاء مصر، رغم ميراثها الثقيل من حكوماتٍ ظالمة تعاقبتْ وتتعاقبُ عليها. سوف تشهدين أنتِ وجيلُك، أو على الأكثر الجيلُ اللاحق مصرَ وقد عادتْ كما كانت. هكذا يقول التاريخ. ثمة لحظاتُ انحطاط تمرُّ بها الشعوب، تشبه لحظتنا الراهنة، لكنها تتحول وتتبدل، ثم ينجلى الجوهرُ الناصع للطينة المصرية الأصيلة».

هذا حوارٌ تخيلىٌّ، إلا قليلا. هو زادى وزوّادى كلما ألمَّ بى الحَزنُ والقنوط. لم يتم هذا الحوار بينى وبين الأستاذ فى جلسة أو فى جلستين. بل هو جُماع أحاديثَ طويلةٍ تمّّت بيننا. أكتبُه الآن، لى، أولاً، لكى أُخرجه من حيّز الذاكرة المراوغة، إلى حيّز الورق الموثّق. من أجل أن أعود إليه كلما انكسرتُ. أستاذى الجميل، نَمْ مستريحًا باشًّا مبتسمًا مثلما كنتَ دائمًا. فمصرُ باقيةٌ بإذن الله. جريدة "اليوم السابع" 19/5/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وأكره اللي يقول: آمين!
- الغُوْلَة
- -شباب يفرح القلب-
- بل قولوا إنّا شبابٌ صغار!
- إنهم يذبحون الأخضرَ
- مصرُ التي خاطرهم
- القططُ المذعورة
- لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!
- أيها الطائرُ الخفيف، سلامٌ عليك
- فريدة النقّاش، صباحُ الخير
- عزازيل ومرآة ميدوزا
- لشدّ ما نحتاجُ إليكَ أيها الشارح
- قال: لا طاغوتَ يعْدِلُ طاغوتَ الكُهّان
- وإننا لا نبيعُ للكفار!
- أبريلُ أقسى الشهور
- احذروا هذا الرمز!
- الكونُ يتآمرُ من أجل تحقيق أحلامِنا
- ما تشدي حِيلك يا بلد!
- من أين نأتي بسوزان، لكلِّ طه حسين؟
- طواويسُنا الجميلةُ


المزيد.....




- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...
- العراق يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام المثليين


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سألتُ الأستاذَ: لمَن نكتب؟