أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي البزاز - نداء الماء















المزيد.....

نداء الماء


علي البزاز

الحوار المتمدن-العدد: 2667 - 2009 / 6 / 4 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


احدى فضائل المكان استدعاء الذكريات بغية التماهي مع الزمن الذي استطاع رغم ارادة الحنين على جعل المكان طللاً، يستيقظ المكان ويُعمّر جغرافياً بالتذكّر، انما الافراط في هذه الوظيفة وجعلها قبّة يؤذي تصوّر باشلار الذي لا يعزل المكان عن الزمن آنيته «المكان يحتوي الزمن» وبحسبه الأمكنة هي أزمنة تُعاني من قلق ما. الحنين إلى المكان، وإعلان هويته المقهورة بفعل النظام السياسي قد جمعا مفهوم المكان عند نخبة من الكتاّب العراقيين في» المكان العراقي: جدل الكتابة والتجربة» «مؤسسة دراسات عراقية». نتلمس في العنوان مقارعة النسيان والتحريض على إشاعة اليقظة لمعالم المدن العراقية المهملة تأريخياً وسياسياً، أي تلك التي أصبحت أطلالاً في واقع اهتمام السلطة ومؤسساتها، وهاهي في هذه الكتابة تقتص من اقترانها بالاهمال وتصبح عيناً تبصر حاضرها ومستقبلها، لكنها تظل محكومة الماضي الذي أعلن وجودها كأثر.» يعيش المكان العراقي واحدة من لحظات وجوده المؤثرة، لحظة امتدت عقوداً من التراجع والاندحار، وها هي تصعد إلى الذروة غير المأمولة للحدث، مدوّنة على مشهد الخراب الواسع كلمتها القاهرة».
الخراب
إذاً، قد عانى المكان في العراق من كونه طللاً، وقد جاءت اللحظة المناسبة لاعانته على الظهور ليضطلع بمهمته، إلا أنه ينفتح على مشهد الخراب، وهكذا فإن احساساً قهرياً وربما قدريأ تشكل بفعل الحروب والانتكاسات جعل العراق دوماً مؤرخ الحزن والدمار. يوغل المكان في صلافته ويفرض مزاجه على البيئة وحتى على الاجساد: ترتدي النساء العراقيات السواد عندما يذهبن إلى حفلة زفاف، وتصبح زيارة المقابر حالة تنفيس بديلة من النزهة، وثمة الكثير من مرادفات الحزن، تحضر حتى في أسماء أكلات الطعام، مثلاً «مدفونة»، أي المحشي، تكثر مفردات الحزن في الحديث اليومي مع تقبّل متميز لها، على رغم اشاعة الطرائف كمعادل لعقاب الحزن. أصبح للمكان وظيفة الاستحواذ على تصرفات الجسد. يتقصى فوكو هذه الصفة عند دراسته السجون والمصحات، وهي مراقبة الجسد وعقوبته، فيطوّر مفهوم العقوبة القضائية إلى مفهوم مكاني، حيث السجن قصاص الأجساد، فالزنزانة الانفرادية لها تأثيرات خطيرة على الجسد البشري مما للزنزانة الجماعية، تعدّدت طرق التعذيب بتنوع هندسة السجن» برج في الوسط والزنزانات حوله» هندسة كهذه تسمح بالمراقبة، إهانة الجسد تكتمل بالمراقبة عندها يدخل الجسد إلى مشاعية الأذى ويسهل اذلاله تحت المراقبة.
عندما احتل البريطانيون العراق، وجدوا بنايات شاهدة على احتلالات أخرى عثمانية وإيرانية مثلاً القشلة، قصر المجيدية، مدرسة الصنائع، المدرسة المأمونية، والشناشيل وهي بناء من الخشب المزخرف يميز بيوت اليهود العراقيين، «كان الطراز المعماري السائد في أعمال المعماريين البريطانيين في العراق في العشرينات، والثلاثينات، ما يعرف بالطراز الاستيطاني المقتبس بدوره من العمارة الكلاسيكية المتجددة وقد تبنى البريطانيون هذا الطراز لبناء مستعمراتهم الذي يتصف عادة بأنه ذو نزعة نصبية، المباني مرفوعة عن مستوى الشارع بعدد من الدرجات، متناظرة، ذات نسق هندسي صارم يعتمد التكرار المنتظم» بنى البريطانيون الثكنات والدوائر الحكومية، بسقوف عالية ذات شبابيك في الأعلى، وبفضاءات واسعة ما جعلها حارة في الشتاء وباردة في الصيف، مستعينين بخبرة العمالة العراقية في هذا المجال. لا تقف العمارة بعيدة عن أغراض الدفاع والعسكر، فمثلاً، أحيطت مدينة امستردام بالقنوات المائية التي تعني في اللغة الهولندية السور، لاغراض عسكرية دفاعية، وحمائية تستقطب منسوب المياه المرتفع درءاً للفيضان، أما شوارع بغداد أيام الاحتلال العثماني فكانت «أزقة ملتوية تقاس بمرور حمار أو حمارين مع حملهما» وهو اجراء دفاعي في تلك الفترة. وبعد تطور معدات الحرب، وتسهيلاً لمرور المدفعية، شُق اول شارع حديث في بغداد عام 1908، وحمل هذا تهديداً للانسان البغدادي، الذي «كان الزقاق هو عالمه الحصين، وفضاءاته ذات قيمة مكانية تفيد معنى الجوار» تتطلب الطرق الحديثة تنظيم المرور، وإعطاء الرصيف أولوية معمارية وهكذا بنيت المحال التجارية، إنه الشارع العصري يساعد على انتعاش الاقتصاد وتشجيع العمران، الرصيف لم يكن موجوداً في عالم الحارة وأزقتها الضيقة. أنشئت بعض المدن العراقية كي تصون المقدس، الذي سيفرض هيبته على عمرانها، ويحدد مكانتها الدينية والاقتصادية لاحقاً بقدر استمرارها في حمل تعاليمه» صنعت النجف أسطورة مقدسة: أن ناقة قادت جثمان الامام علي إلى أن يدفن في هذا المكان، المزيج من زرادشتية آفلة ونصرانية قديمة، هذا القبر السّري كشفته غزالة كان يطاردها هارون الرشيد في إحدى رحلات صيده. دُفن علي إلى جانب آدم ونوح». مثلما طبع التشيع العراق، ختمَ قبر علي مدينة النجف بهيبة دينية وسياسية واجهت القمع والتصدي كلما حاولت الأخذ بمقود السلطة. مدينة النجف محسودة دينياً واقتصادياً، إذ تُعتبر من المدن الثرية في العالم، تصلها الهبات والنذور من كل مكان، وفيها القباب الذهبية، وقد عمل الايرانيون دوماً على اضعاف مرجعيتها الشيعية، بإعلانهم قم مصدراً للتشيع فلم يفلحوا في ذلك. فرض قبر الامام بركاته على المدينة، وساهم في تخطيطها العمراني؛ فيها أكبر مقبرة تاريخية للشيعة الذين يدفنون موتاهم اجبارياً فيها، استحدثت الآن مقبرة مدينة كربلاء منافسة للنجف بسبب الزعامة الطائفية.
النهر
ثمة نداء مائي سري يوجه دفّة المقالات في « المكان العراقي» مسترشداً بالماء على أنه الحنين إلى الحياة. النهران اللذان سُمي العراق انتساباً إليهما ببلد الرافدين، شاركا الجغرافيا التاريخية بصوغ معالم الشخصية العراقية، ودحرا حتى فكرة الصحراء على أنها المرادفة للجفاف والموت. الماء هو حنين معاكس للهجرة قريب من الحضن، الماء الأمومي، الماء الانثوي كما يقول باشلار، ولهذا لم تنأ مقالات الكتاب عن المدينة الخاضعة إلى تصوّر الأمومة، مستعينة بمفردات الحنان على البوح والتقصي في معظم الصفحات؛ أزقة، مقبرة، جدارية، ذاكرة عمارة. يحتاج الانسان في عودته إلى الذكريات معونة الأم مستغنياً عن حضور الأب الذي هو رملي متأتٍ من الجفاف، أو يعمدُ توفيقياً على جعله مائي الصورة، فيتقبل مرافقته في استعادة الماضي، يقول كلوديل:» كلُّ ما يرغبه القلب يُمكن دوماً أن يُختزل إلى صورة الماء». العراقيون أكثر الشعوب استعمالاً لكلمة المنفى، وأشدهم ولاءً للمكان، بقصد استحضار صورة الأم، وحتى في رحيلهم القسري يدخلون المكان الذي غادروه، احتفاءً بالأمومة عندما تؤاخي النهر والرمال. في العراق، السياسة والجغرافيا محكومتان بالماء والصحراء.



#علي_البزاز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي البزاز: لا أنتظر الشعر من القلق بل من الأفكار
- أجراس ساهية
- جيل دولوز و -الكتابة الابداعية-
- -حبّ من أجل الله- لداميان هيرست ..أغلى جمجمة في العالم تنتصر ...
- (العراق مجزّأ) لجيمس لونغلي.. البلد المستباح تحت نير الاحتلا ...
- الهولندي هاري خيرتز يقتفي الأثر ويخضّع الصعوبة نحن مسافرون ن ...
- الفنان الهولندي رمبرانت في لوحة -الحارس الليلي- ساعي الضوء ا ...
- الفنان العراقي محمد قريش يجاهر بحب اللوحة -القبيحة- تعرية ال ...
- الدورة الثالثة والاربعون لمهرجان كارلوفيفاري السينمائي: غياب ...
- رمزية اللون في فيلم »البيت الأصفر«: مديح الدولة
- ثلاثة قرود« للتركي نوري بلجي جيلان : زمن المطر وزمن القطار و ...
- شيعستان« و»السيستاني« للإيراني بهراني ...العراق في سوق السين ...
- صمت لورنا لداردين في مهرجان كارلوفي فاري... الوجه والقفا
- «محمود صبري بين عالمين» لبهجت صبري: الجدارية الغائبة
- المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية في أمستردام - : يدعمون الا ...
- فيلم - ستاب هورست- للهولندي اميل رفروا يحيا التعصّب في الحيا ...
- أين الغابة يا أيتها الزهرة التي حديقتها بين قوسين؟ سعدي يوسف ...
- أدباء ومثقفون عرب في مهرجان -الكلمة الحرّة- في أمستردام / ال ...
- فيلم -العودة الى الينابيع - لجودي الكناني / التعبير مالك الج ...
- خضوع- للهولندي تيو فان غوغ


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي البزاز - نداء الماء