أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فواز فرحان - الصراع بين الدين والعلمانية في الولايات المتحدة ..















المزيد.....


الصراع بين الدين والعلمانية في الولايات المتحدة ..


فواز فرحان

الحوار المتمدن-العدد: 2660 - 2009 / 5 / 28 - 09:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شكلت العقيدة الدينية محوراً في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية بشكلها الحديث لا سيما بعد البحث عن القاسم المشترك الذي يجمع قوميات وشعوب مختلفة هاجرت الى الأرض الامريكية وإستقرّت فيها ، فتفاعلات الأفكار الدينية ونتائجها في اوربا تركت أثراً بالغاً في نفوس المهاجرين الذين كانوا على الأغلب من تلك الفئات الرافضة للقوانين المدنية الحديثة التي ظهرت ونمت تدريجياً بعد الثورة الصناعية ، فهذهِ الفئات وجدت ظالتها في الدولة الجديدة التي لا بد لها من ان تجد ما يشكل هوية حقيقية للأمة الجديدة ، على الرغم من ان دستور الدولة الأمريكية فور تشريعهِ كان يشير الى الطابع العلماني للدولة إلاّ ان واقع الحال كان يعكس حقيقة مغايرة تماماً ...
تم إستخدام الدين كسلاح في يد الطبقة الحاكمة لخلق مشترك يقرّبها من دول اوربا ودول وسط وجنوب امريكا ، وأصبحت المسيحية هوية الدولة في بادئ الأمر وراحت تجسّد صيغة الدولة المثالية التي تشترك مع العالم المسيحي في كل مشاكلهِ وهمومهِ ، لقد عمّقت الطبقة الحاكمة في وعي الشعب الأمريكي هذا النوع من الطروحات المثالية كي تبرر لنفسها القيام بكل مشاريعها وتقنع الشعب بأنها القوة التي اختارها الله لقيادة العالم كما تشاء ، يعترف الكثير من متتبعي السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة بأنها إستخدمت أساليب ملتوية لتحقيق الكثير من أهدافها ومخططاتها ومنها خلق الكثير من الأساطير والخرافات للحديث عن ماضٍ ذهبي للأمة الأمريكية وتمجيد الفكر القومي لها ودفعهِ إلى الأمام من خلال المناهج الدراسية التي راحت تحاول خلق مشترك يوحي بوجود قومي لهذهِ الأمة !!
ان القاء نظرة بسيطة الى طبيعة تكوين الشعور القومي عند الشعب الامريكي يقودنا الى ضرورة تشبيهها بتلك الحالة التي تعيشها بلدان العالم الثالث من الناحية النفسية وكذلك شبيهة بحالة اوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، وهو ما يوحي بأن هذه الامة لا تزال في طور قد لا تتمكن من الخلاص منه إلا اذا واجهتها تحديّات من نوع معين كما عانت اوربا من هذا النوع من التحديات بحدوث الحربين العالميتين الاولى والثانية واللتان ادتا الى ان تتخلى اوربا عن هذه الحقبة وافرازاتها والبحث عن هوية جديدة تبتعد في مضمونها عن التطرّف القومي وتكون اكثر اعتدالاً ...
ان التخلص من النزعة الراديكالية المتطرفة القائمة على الاستعلاء عند اغلب الامريكيين يشكل بحد ذاته تحدياً للشخصية الامريكية التي تعرضت لغسيل دماغ طوال حقبة طويلة من الزمن تشبعت بمفاهيم خاطئة تعمّدت الطبقة الحاكمة نشرها لتتلائم مع ما ترسم اليهِ من خطوات لاعادة صياغة الوضع الدولي بما يلائم مصالحها وكي تحظى تلك الصياغة بتأييد شعبي يعطي التبرير للمؤسسة العسكرية التحرك والتنفيذ ...
يحاول الكثيرون من الامريكيين اقناع انفسهم بأن نظامهم أكثر مثالية للحياة من باقي شعوب ودول العالم غير انهم يتذكروا ما فعلت حكوماتهم المتعاقبة من حملات ابادة وعزل للهنود للحمر وباقي الاقوام الاصلية التي كانت تعيش اصلا على الارض الامريكية فيعودوا لحالة من الاحباط الداخلي الذي يُغذي الشكوك في دواخلهم من طريقة بناء الدولة ومسيرتها ...
بالاضافة الى ذلك التاريخ الدموي الحافل بالتدخلات في دول الجوار وامريكا الجنوبية ، فعند التمعّن في قراءة ذلك التاريخ يشعر الكثير من الامريكيين بالعار الذي تسببت به بلادهم من فقر وجوع ودمار في تلك البلدان ولا يعودوا يعيروا حالة العظمة تلك ايّة أهمية ان كانت ناتجة عن ذلك التاريخ ، بينما يحاول البعض منهم مسايرة هذا التاريخ والوقوف معه ايّاً كانت سلبياتهِ لان العداء للنظام يشكل تحدياً لا يمكن لمن ينتهجهُ الخلاص من سطوة اجهزة المخابرات الداخلية ال اف بي اي والمتخصصة في ملاحقة المعادين للنظام من مثقفين الى فنانين وعمال ونقابيين وغيرهم ..
ان الصراع يبدو واضحاً للعيان للمتتبعين عندما يتعلق الامر بسياسة الولايات المتحدة الخارجية والمعبرين عنها حيث انهم يعبرون عن ولائهم لتلك الطبقة التي اوصلتهم لمناصبهم دون ان يشعروا ، وتعكس اغلب تصريحاتهم بصدد القضايا التي يثيروها طبيعة توجهاتهم وطرق تعاملهم معها والتي تكون موضوعة سلفاً من قبل تلك الطبقة والتي تناسب مصالحها وتزيد من ارباحها وتزيح من يقف في طريقها سواء أكان ذلك دولاً ام منظمات ام قادة ...
إنَّ أحداً لا يصدّق إنَّ أحد أكثر الدول تأثراً بالأساطير الدينية هي الولايات المتحدة نفسها والتي إستخدمت فيها الحكومة موضوع الدين كسلاح للمحافظة على السلطة وهيكلتها من أيّ تحدّ يواجهها خاصةً من قوى اليسار والعلمانية التي تصاعد تأثيرها تدريجياً داخل الدولة في العقدين الأخيرين ..
إنَّ صعود اليمين المتطرّف المتديّن كقوة سياسية منفردة في الحكم لم يأتِ إعتباطاً في ظل دولة تعمل كل مؤسساتها على ترسيخ فكرة الحكومة المباركة من الرب ..
أمّا فكرة فصل الدين عن الدولة والدستور العلماني الذي يتم التباهي بهِ فهو ليس أكثر من وسيلة للتبهرج أمام الأوربيين ، لم تكن هناك نوايا صادقة في بناء دولة علمانية في الولايات المتحدة منذ تأسيسها وتم التركيز على المقدسّات الدينية من قبل الدولة نفسها بحجة الحرية الدينية ، ربما يبرز للسطح تساؤلاً وهو ما الذي يدفع بالحكومات المتعاقبة للحديث عن الحرية الدينية ان كانت الدولة تدين بالمسيحية ؟؟
ان العودة لدراسة جذور الديانات في الولايات المتحدة يوحي لنا بأنَّ المسيحية هي آخر ما وصل الدولة عند تأسيسها وسيطرة البيض على الحكم فيها من خلال الهجرة المكثفة التي حدثت وأدّت الى إنتقال العديد من سكان اوربا بإتجاه العالم الجديد ، عند دخول الاوربيون لأول مرة الى القارة كانت هناك في الولايات المتحدة أكثر من مئتي ثقافة موزعة على شكل قبائل تحكمها نواميس ولغات مختلفة كان من الصعب على الاوربيين إستيعابهم وفهم طبيعة حياتهم وشكلها وكانت تلك القبائل تشكل السكان الأصليين للقارة المكتشفة ورغم تلك المجتمعات المغلقة التي كانت تسمى بمجتمعات الهنود الحمر إلاّ أن واقع الحال دفع بالسكان الاصليين للبلد الى الإستسلام لموجات الهجرة الجديدة لا سيما عندما كان الأمر يتعلق بعدم تعرّض الأقوام الوافدة للسكان الهنود وشرائعهم ، وبدأت الهجرة منذ مطلع القرن السادس عشر ولم تتوّقف حتى يومنا هذا وغيّرَتْ هذهِ الهجرة شكل الدولة ونسيجها الاجتماعي حتى أصبحت مختلفة تماماً عمّا كانت عليهِ في السابق ويرى العديد من الباحثين ان لا وجود لسكان أصليين في القارة لأن الجميع هاجر اليها حتى الهنود الحمر الذي يعتبر بعض المؤرّخون وعلماء الأنثروبولوجيا ان الاقوام الوافدة تعود لجذور هندية وآسيوية أخرى وهو رأي تريد الأغلبية المسيطرة تريسخه لان يدعم نظرية الكتب المقدسة التي تؤمن بأن الانسان خلق في آسيا في بادئ الامر وتوزّع الى إتجاهات الارض الاربعة من خلال الهجرة بدلاً من تلك التي تتحدّث عن تطوّر الكائنات الحية بشكل طبيعي حسب نظرية التطوّر التي إكتشفها داروين والتي تقترب من تحليل نمط معيشة السكان الاصليين للقارة الشمالية من أمريكا ...
إفترض الكثيرون من الذين عكفوا على دراسة واقع الهجرة الى الارض الامريكية وجود جسر معين إنتقلت عبرهُ الأقوام الهندية مع الحيوانات المختلفة يربط آسيا بالقارة الامريكية ومن البديهي ان يدعم المتدّينون رأياً كهذا غير أن الأقرب للواقع هو ان هذهِ الاقوام كانت موجودة منذ فجر الحضارة وتطوّرت بيولوجياً كباقي الكائنات على الارض دون ان يكون لها اتصالاً بالعوالم الاخرى ...
ومن هذه النقطة بالتحديد تتحدّد ملامح تكوين الشخصية الامريكية التي تعاني من ازدواجية الشعور بالتاريخ المؤسس لها ، فبين نظرية علمية تؤكد صحة وجود أقوام كثيرة عاشت على الارض الامريكية تمتلك تاريخاً في النشوء وبين نظرية أخرى نشأت على كتابة التاريخ وفق مصالح طبقة حاكمة سيطرت على الدولة وصادرت تاريخها بما يلائم تلك المصالح تشتت الشخصية الأمريكية لا سيما تلك الاقوام التي جائت من اوربا ، لقد تم عمليّاً تدمير تلك القيم التي كانت سائدة بين السكان الأصليين للبلاد ومن بين تلك القيم الدين بالمفهوم السائد انذاك وإحلال آخر محلهُ ليبدأ عصراً جديداً قائماً على التبشير بدين الأقوام الجديدة التي قدمت من القارة الأوربية بالتحديد ....
هنا يتبادر الى الذهن مجموعة من الأسئلة ويقف في مقدّمتها متى تصبح النصوص الدينية والأفكار الواردة فيها جزءاً من منظومة التفكير والعقل لدى الانسان ؟؟
هل يكمن الخطر في النصوص الدينية ام في العقل المتلقي لها والقادر على تفسيرها ؟
هل هناك أفكار دينية فعلاً تحضّ البشر على قتل بعضهم البعض أم أنَّ هناك عقول تتجذر فيها قيم الشر وتفسر النصوص بما يتلائم مع طبيعتها الشريرة ؟
هل ساهمت التصوّرات الخاصة للوافدين الجدد على الارض الأمريكية في تغيير بعض نصوص وتفسيرات الكتب الدينية التي جاءت معهم ؟؟ وأسئلة أخرى تخص الطابع السايكولوجي لتلك النفس الانسانية التي وجدت ضالتها في قيادة البشر او التأثير عليهم بتلك الطريقة ..!
عند تسليط الضوء على موضوع التديّن لدى الانسان الأمريكي فإن من الصعب علينا ذلك دون الاقتراب من الخلفية الاجتماعية التي تتحكم في الشخصية الامريكية المتعددة المراجع ، فالتدين عند الامريكي من الاصول المكسيكية او اللاتينية الاخرى يختلف عنه في الشخصية التي تنحدر من الاصول الاوربية او الاسيوية وغيرها وبالتالي يخضع موضوع الجمع بين الحالات الى قواعد معينة تلعب الدور الابرز في انتشار الدين والأساطير داخل المجتمع الامريكي ...
وتتميّز الشخصية الأمريكية إستناداً للدراسات التي قام بها علماء النفس والاجتماع في الولايات المتحدة بأنها شديدة السلبية وتحيطها المخاوف والقلق تجاه الآخر وتجنح نحو السيطرة دائماً على مركز القوة سواء أكان ذلك السلاح أو المال وهذه الخصوصية جاءت نتيجة لتراكمات نفسية عاشتها هذه الشخصية ومنها الحروب الاهلية التي نشبت في الماضي على الارض الامريكية ...
لقد تركت تلك الحروب حالة من التوجس من الآخر داخل المجتمع نفسه وراحت الطبقة الحاكمة تحاول علاج هذه الظاهرة من خلال نشر الدين والاساطير الدينية لتوحيد نسيج المجتمع قدر الإمكان وإحداث نوع من القواسم المشتركة بين مكوّناته لكن الفشل دائماً كان يلازم جهود من هذا القبيل لانه كان يتقاطع في بعض الاحيان مع مطامع الاوليغاركية المالية الحاكمة وبالتالي كان يتعرّض لتهميش من قبل المشرّعون انفسهم وتكون النتائج في النهاية مساعدة لخلق تناقضات حادة في الشخصية الأمريكية التي تم تضخيمها وشحنها بطريقة سلبية لخدمة أهداف الأوليغاركية الحاكمة المتحكمة في الحياة والمجتمع في الولايات المتحدة ...
ان موضوع الصراع بين العقلية الدينية والعلمانيون كان الى حد بعيد عاملاً من عوامل تطوّر المجتمع الأمريكي فلولا الجدل الذي نشأ في الأصل كنتيجة موضوعية لتطور المجتمع في مرحلة حسّاسة من مراحل تحوّله وانتقاله الى حالة أخرى أفضل لما شهدت الدولة ولادة عقول نيّرة تطمح لتحقيق العدالة ودولة الحرية الحقيقية وليست دولة عسكرية تحكمها أقلية بطريقة مسرحية تتحكم في صياغة الحدث وانتاجه وإخراجهِ ويقع في النهاية ضحية له المواطن البسيط الذي أصبح مخدوعاً بأن هناك ديمقراطية حقيقية في هذا البلد ...
وكذلك فإن العودة لدراسة التسلسل الزمني لنشوء الفكر الديني في الولايات المتحدة يقودنا في نهاية المطاف الى التعرّف على التكوين الحالي للشخصية الامريكية بهذا الصدد ، وبرز الصراع بين تيارين في المجتمع الامريكي أحدهما يطالب بعلمانية كاملة للدولة تبتعد عن التركيز على الدين في وسائل الاعلام وابرازه كما يحدث في المناسبات القومية الامريكية وآخر يرى انها تعطي صورة طيبة عن التعددية الدينية في هذا البلد ، غير ان الحكومات المتعاقبة ومنذ نشوء الدولة الامريكية فشلت في تنفيذ أحد الخيارين بشكل كامل فهي لا تستطيع ان تكون دولة علمانية كاملة لانها ستفقد الكثير من رصيدها في الشارع الامريكي المتديّن وكذلك لا تستطيع ان تكون دولة دينية الطابع لانها ستفقد الكثير من أصدقاءها ناهيك عن انها ستعطي فرصة كبيرة لاعداءها في النقد لدولة بهذا الطابع ..!
في أغلب الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري وعلى وجه الخصوص في ولاية تكساس الامريكية نص البرنامج السياسي للحزب على محاربة وتبديد فصل الدين عن الدولة في القوانين الامريكية ، وهذه الحالة عادة ما تنسجم مع المزاج العام للنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة ويحظى من يرّوّج لطروحات من هذا النوع بدعم لا محدود غالباً مايصل صاحب الحملة في نهاية المطاف الى السلطة او حكومات الولايات ...
قد يعتبر البعض ان ذلك يدخل في إطار الحرية السائدة في المجتمع الامريكي وهو رأي قريب الى الواقع لكن طبيعة الطرح هنا في تقديري يدخل في إطار ترسيخ الدين في الذهنية الامريكية الى أبعد زمن ممكن وهو يدخل في نفس الوقت في الاطار العام للسياسة التي تسير عليها الاقلية الحاكمة في الولايات المتحدة ...
ولم تتمكن القوى العلمانية في المجتمع من مقارعة هذا النوع من الطروحات بسهولة لانها تفتقد للدعم الذي يؤهلها لمجاراتها ، فكانت حركة الحزب الشيوعي الامريكي محدودة وضعيفة لاسيما وان الحكومات الامريكية كانت تصوّر الشيوعيون على أنهم حلفاء لأعداء الولايات المتحدة وهو ما كان يسهم في نشر الخوف والتردد من التقرّب لهذه الطروحات ، فقد كانت ألآراء التي يحملها الحزب تواجه بآلآف المقالات المدفوعة الثمن من قبل السلطة والمؤسسات الدينية الاخرى المنتشرة في طول البلاد وعرضها ، وكانت المهمة الملقاة على عاتق العلمانيون في الولايات المتحدة صعبة للغاية في ظل تساوي طروحات المؤسسة الحاكمة مع المنظمات الدينية واللوبيات المسيطرة على الاعلام والسياسة في البلاد ...
ومع تنامي حالة التذمّّر لدى أوساط واسعة من المثقفين في المجتمع الامريكي من طبيعة السياسات التي تنتهجها حكوماتهم راح اليسار يوّجه ويشرح أبعاد المخاطر التي تتهدد المجتمع الامريكي من سياسات النظام الحاكم فيها ويوجه حملته للمثقفين هذه المرّة لاحداث تغيير ما من فوق يلعب دوراًفي أخذ الجماهير الفقيرة التي راحت تلتف حول هذا النوع من الطروحات طواعية فتمكنت من التأثير أولاً في قرار محاكم الاستئناف التي إتخذت قراراً عام 2002 ينص على أنَّ عبارة باسم الرب او باسم الله التي تستخدم في المعاملات الرسمية والمناسبات الفدرالية هي عبارة غير دستورية ينبغي التخلص منها ...
والى حد عام 1947 كانت المحاكم الاتحادية تفرض على الحكومة صرف مبالغ لتعليم الاطفال الدين في المدارس الخاصة وتكاليف مواصلاتهم إلاّ أنَّ النضال ضد هذه القوانين إستغرق حتى عام 1962 حتى تمكنت تلك القوى من بسط تأثيرها في القرار عندما إتخذت المحاكم أول قرار يمنع الصلاة في المدارس والمؤسسات الحكومية الأخرى وإعتبرت المحكمة ان الدين يمثل رأياً شخصياً لا يجوز الاستناد إليه في وضع القوانين البشرية ...
ان الفاصل يبدو كبيراً للغاية بين المنجزات التي حققتها اوربا في هذا المجال عن تلك التي تسعى اليها الفئات العلمانية في الولايات المتحدة ، فالنضال في اوربا جرى على أساس عقلاني غير ديني لتغيير القوانين التي تتحكم بالحياة هنا ،
وتوصلوا بعد ذلك الى جملة من القوانين القادمة من النظريات الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت في مجتمعاتهم والتي أسهمت في نهاية الأمر في إحداث التطوّر ...
أما في الولايات المتحدة فلم يتمكن اليسار الا في العشر سنوات الاخيرة من إزاحة الوصايا العشر لموسى من المباني الحكومية والمؤسسات الرسمية الاخرى ، وكذلك دفعوا المحكمة الاتحادية العليا التي تعتبر أحد أضلاع السلطة الرئيسية في الولايات المتحدة الى الابتعاد عن الاعتراف بالدور المركزي للدين في حياة الامريكيين ، وكذلك طالبت بعض المجاميع اليسارية بحذف عبارة بأمر الرّب من ميثاق الدولة لانها تعطي طابعاً إلهيّاً للحكومة ورجالها وتجعلها تتحكم كما تشاء برقاب البشر ، في الوقت الذي تُمارَسْ فيه أبشع الاعمال الشريرة من قبل أعضاء هذه الحكومة منذ تأسيس الولايات المتحدة كتصفية السكان الاصليين للقارة ومروراً بإلقاء قنبلتين ذرّيتين على هيروشيما وناغازاكي وتصفية العديد من مناضلي حركات التحرر الى إغتيال قادة الكثير من الدول وحتى التعذيب في السجون الامريكية الذي كان يخضع لتعتيم إعلامي رهيب منذ مطلع القرن العشرون وحتى يومنا هذا ...
والحرب الاخيرة التي شنتها الولايات المتحدة تحت حجة مكافحة الارهاب لا تخرج من نطاق هذه الاعمال التي تفتقد للأدلة والمصداقية ، لذلك تعتبر الاقلية الحاكمة والفئات الخاضعة لها اليسار والعلمانيون على الارض الامريكية الخطر الحقيقي الذي يهدد الهيكلية الدينية التي قامت على أساسها الدولة والتي إستندت لها كعقيدة في الكثير من الحروب التي شنتها في الداخل والخارج ...
ان الكثير من التبريرات التي تنساق اليها الادارة الامريكية في شن حروبها تكون على أساس انها نابعة من رغبة الاله في شنها ونابعة من دراسة دقيقة للكتاب المقدّس بعهديه وهو ما يُخرج العلمانيين من طورهم عندما سماعهم بحجج من هذا النوع في الوقت الذي تعتبر بلادهم البلد الثاني عالمياً في الفضاء بعد روسيا ..
وعادةً ما تكون هذه التبريرات أداة للتأثير في اصحاب النفوذ من المنظمات الصهيونية بجناحيها المسيحي واليهودي وكذلك أصحاب اللوبيات الارمنية واليهودية وغيرها ، فالكثير من هذه المنظمات تتخصص في تأهيل شخصيات المستقبل للإدارة الامريكية او حتى للعمل في المؤسسات الدولية التابعة لها ومنظمات الامم المتحدة التي لا تزال أسيرة قوانين تم وضعها إستناداً لنتائج الحرب العالمية الثانية ...

ان المواقف وحرية الرأي والتعبير إذا ما تعارضت مع طبيعة النظام السائد تواجه بكم هائل من الهجمات لا يمكن لاحد ان يتوقع مداها في داخل الولايات المتحدة ، وهي المشكلة الاساسية التي تواجه اليسار في الولايات المتحدة ...
بعد وفاة العلامة الالماني البرت آينشتاين تم إعادة دراسة جميع الوثائق والرسائل والكتب التي خلفها وموقف هذا الرجل من الدين والرأسمالية دفعا الحكومة وصناع القرار في الولايات المتحدة الى الحكم عليه بأنه كان يميل للشيوعية ورغم الاكتشاف المتأخر لموقفه شنت الكثير من الصحف المأجورة للسلطة هجوماً على تلك الأفكار وعلى شخصية آينشتاين نفسه لان مواقفه تلك كما تم تصويرها تعارض أحد أهم الركائز التي قامت على أساسها الدولة الامريكية وهي الدين والاسطورة التي أصبحت تسيطر على المجتمع بقوة ...
هذا الشئ يقود المرء للحكم ايضاً على العدو المفترض الذي تجسّده الحكومات المتعاقبة باليسار وسخرت مبالغ مالية ضخمة لمهاجمته وفي كل مرة كانت تفشل لان هناك في المجتمع الامريكي فئات لا ترغب ان تكون ضحية تضليل وتشويه للحقائق والتاريخ بهذه الطريقة ، وفي نفس الوقت كانت الحملات التي يقوم بها ناشطي اليسار والعلمانية في الولايات المتحدة رغم محدوديتها والدعم البسيط وميزانيتها تكاد لا ترى الا بالمجهر قياساً لمئات الملايين التي تسخرها الاوليغاركية المالية الحاكمة تحقق نجاحات مثيرة للاهتمام والاعجاب لانها تسهم في كشف طبيعة الحكومة التي يسيطر عليها أغلبية من تجار المخدرات والاسلحة لقد أدرك الكثيرون في الولايات المتحدة بشكل متأخر ان العالم يسبقهم بكثير في مجال القضاء على الخرافة والجهل المسيّطرَين على العقل البشري وكذلك في مضمار تحديث القوانين البشرية حتى انهم أصبحوا أكثر خجلاً عند الحديث عن الحرية والديمقراطية أمام نظرائهم في الدول الاخرى ، ان العلمانية اليوم أصبحت واحدة من أخطر المفاهيم السائدة في المجتمع الامريكي كما يعتقد غينغيرتش وغيره في دائرة صنع القرار لا سيما وانهم أدركوا جيداً حجم تراجع تأثيرهم في الرأي العام الامريكي ...
هذا الصراع يتقدم الى الامام اليوم بسبب فقدان الاساس العلمي للطروحات التي ترّوج لها الادارة الحاكمة لمصلحة تعزيز فصل الدين عن الدولة في واحدة من أكثر دول العالم تعيش إزدواجية في الادعاء والتطبيق لبنود أساسية في القانون الامريكي الذي يخص حياة الانسان فيه ...




#فواز_فرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهود يهوه .. ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي
- الأيادي الصفراء للرأسمالية ...
- التأثيرات السلبية لألعاب الكومبيوتر على الطفل ...
- النظام لا يزال حديديّاً ...
- أحباب في العالم الآخر ...3
- معجزات البرلمان العراقي ...الخمس عشرة ..!!!
- مالذي إعتبره لينين أساساً متيناً للنظرية الثورية ؟
- لم يعُد لينين بيننا !!
- سقوط الارادة الدولية ...
- حادثة المؤتمر الصحفي لبوش بشكل معاكس ...
- مكافحة العنصرية والأيدلوجية الدموية ...
- ما الذي ننتظرهُ من الإنتخابات المقبلة ...
- الفرصة الكبرى لليسار السياسي الأمريكي ..
- ثورة اكتوبر ...ودولة المجالس العمالية
- سفراء الولايات المتحدة وأشواك اليسار المتمرّد
- الموضوعية ...في وسائل الاعلام الغربية
- حول عودة المهجّرين قسرياً ...
- الثوابت الفكرية للاتحاد الاوربي ...
- الهدف من الإتفاقية الأمريكية مع العراق ...
- دراسة في واقع ألسياسة ألأمريكية .


المزيد.....




- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فواز فرحان - الصراع بين الدين والعلمانية في الولايات المتحدة ..