أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - صدفة غريبة














المزيد.....

صدفة غريبة


عزيز العرباوي

الحوار المتمدن-العدد: 2660 - 2009 / 5 / 28 - 09:01
المحور: الادب والفن
    



صدفة التقيت به في محطة القطار ، لكنها تلاشت بعد وقت غير طويل مثل صديقين غابا عن بعضهما والتقيا مرة ثانية . ربما أكثر بكثير مما كنت أظن لأول وهلة . والمصادفة لم يكن من المرجح إغفالها أو تركها تمر دون أن أشعر بها أو أسجل فحواها الدقيق في ذكرياتي .
ولست أعني بذلك أن هذه الصدفة مجرد لفتة تهافتية مرت بسلام أو أنها كانت عملية صوغ حياة جديدة أو تشكيل صداقة حديثة . انحنى مقوسا يحمل حقائبي معي . ظننته سيسرقها بعدما باتت الصدفة في مهب الريح . قبضت بيدي على كتفيه وأسرعت بإظهار ابتسامة جذابة على شفتي . قلت في نفسي : ماذا أفعل ؟ قد يكون قصده خيرا ومساعدة لي. حاولت خلق أوضاع جديدة لم تكن في حسبانه . إن السلوك عند المرء الذي يغريه المصادفة يدفعه إلى اتخاذ مواقف وقرارات قد تغير مسار حياته ، وقد تغير رؤية الآخرين له .
نهض الشاب من جانبي على الكرسي وحقائبي الملتهمة في أحشائها كل قصائد الزمان وشعر الضعف والفقر الخاصين بي ، ترتج بين يديه ، ظننتها في أول الأمر تستنجد بي . وسرعان ما تمكنت من فحوى رسالتها الموجهة لي . حتما كانت تطلب منه إطلاق صراحها ، وتؤكد ذلك له . لكنه كان يحدثني بطلاقة غير معير أي اهتمام لاستنجادها . تستحق هذه الأغراض ما يجري لها من تحت رأسي .
الساعة تنتظر دورها لتعمل في جو من الإغراء والمنافسة الشريفة ...رجال الشبابيك لازالوا يرتقبون النظرات المصوبة إليهم . الزبائن منهمكون في أنحاء الفضاء الفضي يرسمون لوحات فقيرة ومطلية بزيت المحركات .الأطفال الصغار يكبرون بسرعة البرق بفعل الانتظار الطويل . تمكن الشاب من تجاوز رجل الباب الخلفي للمحطة ، بنظرة حادة وهمهمات متراتبة ، أحسست أنها تعودت عليهما . وانطلق إلى مقعدين بعيدين عن كل الناس دون أن يطلب مني أن أتبعه . كان يعرف أنني سألحق بحقائبي مهما ابتعدت ومهما استنجدت بالآخرين .
كذلك كانت المصادفة هي التي جعلتني أتبع هذا الشخص ، أكلمه بكل تلقائية متخصصة . ارتمى على المقعد وتوجه بالنظر إلي وكأنه يراقب تصرفاتي العادية . بينما لم أجد بدا من تغيير مسار نظراتي إلى أمكنة متهرئة داخل المحطة . قطارات في عداد الموتى ، مقاعد وكراسي تحمل تلك الأعضاء المتناقضة ، أشخاص منهمكون في تبني الانتظار واليأس والفراغ . كان الزبائن يلجون مراحيض المحطة وهم دون إرادة فاعلة تقنعهم بمعارضة صاحبها . كما أنهم حبب إليهم الانتماء إلى قسم التلوث قصد الانتهاء من الآلام التي تعصف ببطونهم . وبين هذه الأجساد المتباعدة والمتعارضة كانت تتوزع أفكاري واقتناعاتي ومعظم إحساساتي بالذات داخل حقائبي ، بحيث كنت أكاد أنتفض لمجرد ألا أخرج من بين أحضان المصادفة وألج عالم التضارب والاختلاف .
ظل يبحث عني ما بين المقصورات واحدة واحدة ، مثل طائر فقد بيضه على شجرة في غابة كثيفة . كنت أراقب إيمانه العميق بالحصول علي . وكان هذا الأمر يحز في نفسي ويدخلني في عالم مليء بالشك والريب من أمر هذا الشاب الذي ظهر بين يدي بسرعة وصدفة غريبتين .
كانت المقصورة محشوة بالأجساد الأنثوية . فيها تمكنت بالإحساس بالأمان وبرائحة عطر لم تكن غريبة عني . جلت بنظري بين الوجوه البشوشة لفتيات في متوسط العمر ، وصدفة مرت بين أحضان نظراتي ابتسامة عميقة في المعرفة واللقاء . ثم أعدت الكرة ، لايزال تأثير بالغ في الابتسامة يمر بخاطري ، وقد انفعلت انفعالا دقيقا للرؤية التي سيطرت على نظراتي لعدة دقائق . ثم قمت من مجلسي وتوجهت إلى جانبها ، كانت صدفة غريبة بالفعل لا ترقى إلى الصدفة التي احتلتني في المحطة . إنها صديقتي القديمة في قاموس الزمن ، والباقية في تفكيري في قاموس الصداقة . كانت رشيدة هي الأخرى مندهشة من رؤيتي وكأنها رأت رجلا بارعا في التخيل والتغير . ظلت ترمقتي دون أن ترد علي ببنت شفة. أزاحت خاصرتها بعض السنتميترات وكأنها خائفة من مس شيطاني فعلا . كان الزمن كفيلا بنسيان طفولة بأكملها ، وبالأحرى بضع سنوات من اللهو واللعب في شارع ضيق وفقير .
وأخيرا انتهى آخر حق لي في التقرب منها ، دخل الشاب الذي صادفته في المحطة . عدت بسرعة إلى مكاني خوفا من أن يسبقني إليه . لكنه هذه المرة ، لم أتقن دوري ، لقد سبقني إليها قبل سنوات دون أن أدري ذلك . لقد كان زوجها ، وخاتمه الذهبي مازال بين عيني يمرر ذكريات الطفولة والمراهقة معها .

عزيز العرباوي

كاتب من المغرب

[email protected]



#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تغيب شمس العراق :
- ثقافة النقد الذاتي عنذا نخبنا المثقفة :
- الموت : قصص قصيرة جدا
- طفل في هيأة شاعر
- غريب بين النساء : قصة قصيرة
- ثقافة الاستهلاك في مجتمعاتنا :
- الحب في زمن الرخام
- علاقة الإدارة بالأستاذ والصراع المتبادل :
- الوصول إلى الحقيقة : قصة قصيرة
- عندما يكون بعض مثقفينا أبواقا للظلم :
- ثلاثة وجوه : قصص قصيرة جدا
- لحظات حزن لداء القلب
- تجديد الفكر العربي من بعض الشوائب :
- الحياة رخيصة : قصة قصيرة :
- وهم رجل زير نساء
- الإعلام العربي والنفاق الواضح :
- بداية : قصة قصيرة :
- عندما يصبح ما هو ثقافي يتيما وحقيرا :
- مدارات في الثقافة والأدب : رؤية تحليلية :
- تفاصيل غبية : قصة قصيرة :


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - صدفة غريبة