أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عياد البطنيجي - الله والسلطة والمجتمع: الإسلام و الديمقراطية: هل يمكن أن يتعايشا؟















المزيد.....

الله والسلطة والمجتمع: الإسلام و الديمقراطية: هل يمكن أن يتعايشا؟


عياد البطنيجي

الحوار المتمدن-العدد: 2658 - 2009 / 5 / 26 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شاع مصطلح "الحاكمية" في الخطاب الديني السياسي المعاصر، وعلى الأخص في فكر الجماعات الدينية المحافظة، إذ يعود هذا المصطلح، الذي يثير لبسا وغموضا، إلى مفكر إسلامي لا تمثل لغته العربية لغته الأم أو لغته الأولى هو الداعية الباكستاني أبو الأعلى المودودي(1903-1979). وبالرغم أن المودودي مطلع وبعمق غير منكور على الثقافة الإسلامية إلا أنه في صياغته لهذا المصطلح، كما يقول المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري: " لم يلتزم مصطلحات الأصول الإسلامية والعربية التي لم يتضمن أي منها هذه الصياغة الاشتقاقية غير المعتمدة أو المألوفة لا بالمعنى اللغوي العام ولا بالمصطلح الإسلامي الشرعي الخاص".
وقد رد الشيخ حسن الهضيبي، المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين يوضح في رده على المودودي ضمن كتابه( دعاة لا قضاة): " إن لفظة "الحاكمية" لم ترد بأية آية من الذكر الحكيم ولا في حديث من أحاديث الرسول عليه السلام. والغالبية العظمى من (مردديها) تنطق بالمصطلح وهي لا تكاد تعرف من حقيقة مراد واضعيه إلا عبارات مبهمة سمعتها عفوا هنا وهناك".
والغريب أن يتبنى سيد قطب(1906-1966) فكرة "الحاكمية" بمفهومها الإطلاقي منذ أن أصدر كتابه (معالم في الطريق) وهو الفقيه والعالم باللغة العربية، لتصبح "الحاكمية لله" شعار تيار عريض من أنصارهِ وتلامذتهِ في مصر والعالم العربي.
وفي الحقيقة، تعرضت قضية "الحاكمية" لكثير من التمحيص والتحليل والبحث، من قبل العديد من المفكرين، لما لها من علاقة عضوية بالنظام السياسي الإسلامي المنشود، فضلا عن علاقتها بالديمقراطية والحكم والسيادة، وغيرها من المفاهيم السياسية التي يجب على الإسلام أن يبدي رأيا فيها.
وفي هذا المقام، لا نريد التعرض لما كُتب حول ذلك، وهي كثيرةٌ، وبخاصة العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، وبالتالي يكون المقال تكرارا لما قيل. بل ما نبغي إليه هو تقديم تحليلا أو بالأحرى رؤية لم يشير أحد لها مما تعرض لهذه العلاقة. وبداية بوسعنا أن نجزم بوجود نقطة التقاء بين الإسلام والديمقراطية.
أولا، تحديد الإشكالية
الشعب، حسب المنظور الديمقراطي، هو مستودع الشرعية الديمقراطية. الحكومة التي تحكم بموافقة الشعب ورضاه، والحكومة التي تحكم رغم أنف الشعب، أي لا تحظى برضى الشعب تكون حكومة استبدادية أو غير ديمقراطية. وعليه، فإن السيادة تكون بالمفهوم الديمقراطي للشعب، فهذا الأخير هو الذي يوكلها إلى حكومة تحكم باسمه وتحت مراقبته، وتكون مقيدةً من قِبل الشعب ومضبوطة بإطار قانوني أو دستوري.
و"الحاكمية"، حسب منظور مدعيها والمدافعين عنها، تعني أن السيادة لله وحده فالله لم ينسب هذه الصفة السيادية المطلقة(= الحاكمية) إلا لذاته، ولم يلحقها بأي سلطة دنيوية أيا كانت. وبالتالي تغدو "الحاكمية" مرادفا للإلوهية والربوبية. وفي ضوء ذلك، يصبح الإنسان مجردا من كل حق في الأمر والتشريح والتقنين، بل والتنفيذ أيضا، وبالتالي أفرد الله وحده بكل ألوان "الحاكمية" الدنيوية، وفي شؤون الإنسان. وهكذا يصبح الحكم لله يعني لا حكم للبشر. ومن هنا أيضا ترفع الجماعات الإسلامية شعار الحكم لله، ولا حكم للبشر، والإسلام هو الحل.
وهكذا تبدو مسألة "الحاكمية" عقبة كأداء تعترض طريق كل من يحاول إيجاد لغة مشتركة بين الخطاب السياسي الديمقراطي من جهة، والخطاب الديني من جهة أخرى. فشتان بمن يطالب الحكم لله وحده ولا حكم للبشر، وبين من يطالب الإنسان وحده في حكم الأرض. وبالتالي من هذا المنظور، إما حكم السماء أو حكم الأرض، لا سبيل إذن لإيجاد مقاربة ما توفق وتصالح بين السماء والأرض، بين الدين والدنيا، بين حكم الله وحكم الإنسان، كلاهما إذن متناقضان لا يجتمعان، فحكم الله يعني إلغاء وإنهاء حكم الإنسان، وحكم الإنسان، طبقا لهذا المنظور يتناقض، مع حكم الله. وهكذا وضع الإنسان كطرفٍ نقيضٍ لله. والتساؤل هنا، هل صحيح أن الإنسان هو نقيض الله، وبالتالي يصبح حكمه يتناقض مع حاكمية الله؟ وهل صحيح أن الشعب لا يمكنه أن يكون مصدر السلطة إلا إذا انتقلت السلطة من السماء إلى الأرض؟ أليس بالإمكان أن تكون السلطة مشتركة بين السماء والأرض؟
ثانيا، مسألة "الحاكمية": التباس المفهوم وزيف المسألة
إن المتفحص في مسألة "الحاكمية" يجدها من أكثر المسائل زيفا والتباسا وتشويشا. وبلا جدال، فإن المؤمنين بالله عامة، وبالإسلام خاصة، يسلمون بأن الجاكمية لله وفيما شرع لعباده من نهج وأحكام، ولكن طرح المسألة بما يصادر الدور الإنساني المشروع من قِبل الله أو من قبل الإسلام في خلافة الأرض وإعمارها، ومصادرة الدور الإنساني في تولي السلطة السياسية عليها، نقول هذا الطرح يتناقض مع الإسلام، ويثير الالتباس والتشويش، ليس فقط فيما يخص المفهوم، بل أيضا في موقع الإنسان في المنظومة العقدية الإسلامية.
فالإسلام جعل غاية رسالته هي تحرير الإنسان من عبوديته لغير الله، أي تحقيق الحرية ليغدو كائنا فاعلا حضاريا من خلال إعمار الأرض، وذلك بعد تحريره من إتباع الآباء والأجداد وتقليدهم أو إتباع الملوك والسلاطين الجبابرة، وهذا ما يجعل الشريعة الإسلامية نموذجا يصيغ الحياة البشرية ويحدد أبعادها ومساراتها ومقاصدها: فكيف يصبح الإنسان خليفة الله وهو مستعبد؟ وكيف يتم إعمار الأرض وهو في حالة عبودية لغير الله: عبودية للملوك والسلاطين والآباء والأجداد؟. إعمار الأرض تعني أن يكون الإنسان مبدعا خلاقا وفاعلا وقادرا وليس عاجزا، والإبداع يحتاج إلى الحرية، كلاهما مرتبطان. لذا، كان تحرير الإنسان من العبودية لغير الله ضرورة ولازمة لإعمار الأرض.
1- التباس المفهوم:
"الحاكمية" مشتقة من لفظ "الحكم" القرآني، فإن الحكم في القرآن، ليس محصورا فقط بالله وحده، فثمة حكم لله وحده: " إن الحكم إلا لله"، وثمة ما هو خاص بالأنبياء والرسل: " أولئك اتيناهم الكتاب والحكم والنبوة"، ومنه ما هو خاص بالبشر:" وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". وإذا كانت الآية الأولى" أن الحكم لله" تمثل مستند " الحاكمية لله" وحده فإن الآية الأخيرة" وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" تدل على أن الله سبحانه أوكل قدرا من "الحاكمية" للإنسان المسئول ليحقق العدل بشرع الله في هذا العالم. وبهذا انطلقت مسؤولية الإنسان للقيام بدوره بالانسجام بين طبيعة الحياة وبين إرادة الله، وتسخير القوى التي بين يديه في سبيل الخير، وإعمارها بالإيمان والتقوى والعمل الصالح.
2- التباس موقع الإنسان في المنظومة العقدية الإسلامية:
الإنسان ليس نقيضا لله. فدعاة "الحاكمية" يطالبون بتجريد الإنسان من أي شكل من أشكال الحكم، وتجريده من حق سن القوانين وتنفيذ الحكم، فمشاركة الإنسان لحكم الله تعني- حسب سيد قطب في كتابه معالم في الطريق- الاعتداء على أخص خصائص الألوهية. والنتيجة المنطقية لهذا الموقف كما يوحي السياق العام لكتاب معالم في الطريق" لا يمكن التعايش بين حاكمية الله وحاكمية البشر( كما لا يمكن التعايش بين الخير والشر، والحق والباطل)، ولا بقاء لطرف إلا بالقضاء على الطرف الآخر".
وهنا، تبرز التساؤلات التالية، وهي: كيف يصبح الإنسان خليفة الله في الأرض وهو مجرد من أي سلطة؟ ولكن التساؤل الأهم هو: هل حكم الإنسان يتعارض مع حكم الله؟ وإذا كان ذلك كذلك لماذا فضل الله الإنسان على باقي مخلوقاته حتى الملائكة؟ (وهذا يرفع الإنسان إلى المستوى الكبير لدى الله فيكون أفضل من الملائكة)، وإذا كان حكم البشر يؤدي- كما يقول سيد قطب- إلى جعل البشر "بعضهم لبعض اربابا"، وأن حكم البشر يعني الشر والباطل، وبالتالي إفساد الأرض، ألآ يعكس كل ذلك فقدان الثقة في الإنسان وعجزه عن عمارة الأرض، كيف يكون ذلك وهو خليفة الله في الأرض وفضله على المخلوقات جميعا؟!
إن دعاة "الحاكمية" ودعاة لا حكم إلا لله، وبالتالي لا حكم للبشر، هؤلاء يضعون الإنسان ويجعلونه في تناقض مع الله، وكأن الإنسان نقيض الله!، وهو ليس كذلك.
من المعروف في المنطق أن الشيء لا يمكن معرفته إلا بواسطة نقيضه، والأمور لا تعرف إلا بمتناقضاتها: فالخير والشر، فإن أحدهما لا يعرف إلا بنقيضه، فلا يمكن معرفة الخير إلا إذا عرفنا الشر، والنور لا يدرك إلا بالظلام، والصحة لا تعرف إلا بالمرض، وكيف لنا بمعرفة المر بدون معرفة تذوق الحلو.
لذا، يغيب عن دعاة "الحاكمية"، وأيضا عن الباحثين في مسألة "الحاكمية" ومشتقاتها كالقول لا حكم إلا لله، ولا حكم للبشر، يغيب عن هؤلاء هذا المبدأ. فعندما يقال إن الحكم لله ولا حكم للبشر فذلك يعني أن الإنسان هو نقيض الله، وهذا مخالف للإسلام نفسه، لأن نقيض الله ليس الإنسان، بل الشيطان. وبالتالي فالصحيح هو أن لا حكم إلا لله ولا حكم للشيطان، وليس لا حكم للإنسان.
فصفات الإنسان أحيانا تتداخل مع صفات الخالق . وهنا كان لابد من التوضيح بأن هناك صفات إذا نُسبت إلى الخالق فهي صفات كمال أما إذا نُسبت إلى المخلوق فهي صفات نقص. فالله تعالى خلق الإنسان على صورته، وليس المقصود، بالطبع الصورة الحسية، وإنما المقصود قرب صفات العبد من صفات الرب، فصفات الله تعالى هي: العالم، المريد، القادر. وأسمائه هي: الله، الرحمن، الرحيم.. والنسب الموصول بين الله، تبارك، وتعالى، وبين الإنسان إنما هو هذه الصفات، وهذه الأسماء. وقد جعل الله تبارك، وتعالى، الإنسان عالما، مريدا، وقادرا، ولم يجعله جاهلا، وغير مريد أو عاجز . وذلك لا يعني أن يظن المشاركة في كل وصف توجب المماثلة، فكون العبد رحيما، صبورا، شكورا، لا يوجب المماثلة، كونه سميعا، بصيرا، عاملا، حيا، فاعلا، بل أقول، إن الفرق بين الله، وبين الإنسان، هو أن صفاته تعالى في جانب الكمال، وصفات الإنسان في جانب النقص. وما عمل الإنسان في العبادة، إلا محاولة قطع هذه المسافة التي تفصل بين صفات النقص، وصفات الكمال، فالصلاة والصيام والزكاة، هي مدارج الكمال المنشود. يقول الرسول(صلى): "تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم" . وما ذاك إلا بترفع العابد عن نقص صفاته، وتعلقه بكمال صفات الله. والعبادة، التي يسد الإنسان نقصه بها ويقطع المسافة التي تفصله عن الله، مفهوم واسع، فالصلاة عبادة، وعمل الخير عبادة، وعمارة الأرض عبادة... الخ.
واضح من هذا أنه لا يمكن اعتبار الإنسان نقيضا لله بل هو في حالة انسجام وتكامل مع الله، فالإنسان خليفة الله فكيف لخليفته أن يكون نقيضا له؟ فالله العالم، الرحيم، القادر، خلق الإنسان، إن التزم بمنهجه، عالما وليس جاهلا، رحيما وليس قاسيا، قادرا وليس عاجزا. إذن الإنسان يحمل بداخله صفات الله، ويطالبنا الرسول بالتخلق بأخلاق الله. وهكذا، فالإنسان ليس نقيضا لله فذلك هو الشيطان الذي يمثل الشر المطلق مقابل الخير المطلق: الله.
وفي ضوء ذلك، لا يعني أن الحكم لله تجريدا لحكم البشر، بل بالعكس هو استكمال لحكم الله المسئول عن تحقيق العدل بشرع الله في هذا العالم.
ومن هنا، أصبحت الديمقراطية، التي تعني حكم الشعب وتعطي للإنسان سلطة على الأرض ولكنها سلطة مقيدة وبحدود، لا تتعارض مع حكم الله.
ومن هذا المنظور، فـحاكمية الله لا تعني تجريد الإنسان من السلطة والحكم في ميدان خلافته ونيابته عن الله، فسياسة الدول وتنفيذ العمران وتنظيم المجتمع، وحكم الإنسان في هذه الميادين إذا التزم النهج الإلهي، لا يتناقض البته مع حكم الله، بل يعُد التنفيذ لحكم الله أن يكون في الأرض خليفة عن الله، قوله تعالى: " إذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة". فحاكمية الله حق لا أحد ينكر ذلك، وهي لا تنفي سلطان الإنسان السياسي، وإمارته وحكمه، بل تنفي حكم الشيطان وإمارته.
وإن كان الإسلام لا يفرق في نظامه الشامل بشكل قاطع بين الدنيا والدين، بين السماء والأرض، وبين الدين والدولة، فإنه يميز بين حقوق الإنسان وحقوق الله، وأنه أعطى للإنسان سلطانا واسعا على الأرض بشرط الالتزام بالنهج الإلهي، وأن يكون الحاكم واعيا وعادلا. وهكذا حاكمية الله لا تتعارض مع "حاكمية" الإنسان في الكون وفي شؤون الدنيا. وإن لم يتم النظر لمسألة "الحاكمية" والتميز بين حقوق الله وحقوق الإنسان، وبين حاكمية الله و"حاكمية" الإنسان، إذ لم يتأكد هذا التمييز ، فإن الطريق سيبقى مسدودا والجدل عقيما، وستبقى الحياة الإسلامية المعاصرة تكرارا للجدل القديم بين الخوارج والفرق الإسلامية الأخرى، وستبقى هذه المنازعة القديمة متجددة ولكنها بثوب جديد وبمصطلحات مستحدثة لن تؤدي إلى حل هذه المسألة بل ستؤدي إلى مزيد من النزاع، وستبقى مسألة العلاقة بين الإسلام الديمقراطية محكومة بهذا المنظور أي بالتميز بين حقوق الله وحقوق الإنسان وبين حاكمية الله و"حاكمية" الإنسان؛ وأنهما غير متناقضين، بل هم في حالة تكامل وانسجام وتوافق.
لذا، فحرية الإنسان السياسية، وحكم الشعب، ومنحه السيادة كل ذلك لا يتعارض مع حاكمية الله، لأن إرادة الأمة لا تتناقض مع إرادة الله( لا تجتمع أمتي على ضلالة)، وبالتالي للشعب الحر سياسيا سيادة و"حاكمية" (بشرية بالطبع)، بمعنى أن بوسعه تحديد مسيرته بأي اتجاه يريد. لذا، لا يمكن تصور دولة إسلامية تقوم أو أن تستمر بمعزل عن الناس وإرادتهم. لأن الدولة لا يمكن أن تقوم دون إرادة الناس ورغباتهم، وهي لا تأتي إلى الوجود، ولا يمكن لها الاستمرار والاستقرار بغير إراده الشعب، لأن إرادة الشعب تعكس إرادة الله( لا تجتمع أمتي على ضلالة)، إذن في المحصلة الأخيرة، ليست حاكمية الله ببعيدة عن الأرض، وليست الديمقراطية ببعيدة عن السماء. ولا داعي للظن بأن الديمقراطية تتنافى مع الإسلام.
وفي الختام، ثمة ملاحظة هامة وهي أن كلا من المفكرين الديمقراطيين والإسلاميين يقرون بنقص الإنسان العادي وشكهم في قدراته ومواهبه فيما يتعلق بالسياسة والحكم. وهذه حقيقة يقرها التاريخ والتجارب الإنسانية: لم يكن الإنسان العادي أبدا صانعا للقرار فيما يتعلق بالسياسة والمجتمع!. فالدولة المدينة(أثنا) لم تكن الديمقراطية المباشرة تعمل بمشاركة كل الشعب، بل أن الدور الأبرز كان بيد النخبة من أفراد الشعب. وعليه، فالديمقراطية حدود وهو ما يعني أن للسيادة الشعبية حدود، وبالتالي فالديمقراطية ترسم حدودا للصواب والخطأ، وللعمل والامتناع، والدين يفعل نفس الشيء. وهذه نقطة التقاء أخرى. لذا يبدو لنا من هذا السياق أن الحاكمية الإلهية بدت لنا أرضية بعض الشيء، ويظهر لنا أيضا أن الديمقراطية سماوية بعض الشيء. لأن هذه الأخيرة لا تقوم على قبول التعددية بشكل مطلق وغير محدود، فهل تقبل الديمقراطية الأمريكية حزبا سياسيا يهدف إلى تقويض الحكم الديمقراطي فيها وإنشاء حكم دكتاتوري؟ فالتجربة التاريخية تقول إن دول ارويا الغربية لم تقبل الأحزاب الشيوعية من العمل داخل النظم السياسية الغربية إلا بعد أن اعترفت بالنظم القائمة، وبعد أن نبذت العنف وتغيير النظم بالطرق الراديكالية أز الثورية وبالعنف، وإنما بالإصلاح التدريجي، أي أن تعمل داخل النظم القائمة وضمن آلياته وأدواته.
وكذلك الحال لا يعارض الدين التعددية بشكل مطلق وغير محدود. فالدين يقبل بالتعددية، ولكنها مشروطة بقبول الجميع لقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية، والإجماع. والخلاصة هي أن قبول التعددية في النظام الديمقراطي مشروط فهي لا تعترف بالتعددية خارج كل الأطر والحدود، كما أن الفكر الإسلامي لا يصر على الوحدانية إصرارا مطلقا بل يعترف بالتعددية، وهذه نقطة التقاء ثالثة بين الديمقراطية والإسلام.
خلاصة المسألة، إن حكم الله لا يتعارض مع حكم البشر، لأن الإنسان ليس نقيضا لله، بل الشيطان هو ما يشكل نقيضا مع الله. وأن الإسلام يحتمل تفسيرات كثيرة وهي تفسيرات رحبة يمكن أن تتعايش معها الديمقراطية، ويمكن أن يتعايش معها أيضا أفراد كثيرون غير متجانسين مذهبيا. وإن الديمقراطية لا تقبل التعددية بشكل مطلق، كما هو الحال مع الإسلام. ومن هنا ضرورة السعي من أجل بلورة إجماع عام ومقبول بين أفراد المجتمع لمن أراد امتلاك السلطة والسيطرة على الحكم. وضرورة فتح حوار من أجل التفاوض بين كلا الأطراف، إسلاميين وعلمانيين وغيرهم من أجل إيجاد لغة مشتركة للعمل السياسي.



#عياد_البطنيجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ضرورة تجديد القيادات الفلسطينية
- ابن خلدون والأزمة الفلسطينية
- من فشل العلمانيين إلى فشل الإسلاميين... ماذا بعد ؟
- العلاقات السورية الإيرانية ومستقبل المفاوضات السورية الإسرائ ...
- نهاية النخب السياسية الفلسطينية
- التحالف السوري الإيراني: تاريخه، حاضره، مستقبله
- هل الأزمة المزمنة للسياسة الفلسطينية تكرر أزمة الحضارة العرب ...
- أنابوليسِ: رؤية تحليلية استشرافية
- التنشئة السياسية والعنف السياسي في النظام السياسي
- أزمة النظام السياسي الفلسطيني


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عياد البطنيجي - الله والسلطة والمجتمع: الإسلام و الديمقراطية: هل يمكن أن يتعايشا؟