أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرزاق عيد - سدنة هياكل الوهم- بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي ( محمد رمضان البوطي مثالا )(2)















المزيد.....



سدنة هياكل الوهم- بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي ( محمد رمضان البوطي مثالا )(2)


عبد الرزاق عيد

الحوار المتمدن-العدد: 2654 - 2009 / 5 / 22 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التواتر والإجماع :

إذا كان الإجماع يشكل الحلقة الثالثة في الأصول الأربعة التي تنضدها مصفوفة الشافعي متمثلة ب ( الكتاب والسنة والقياس والإجماع والاجتهاد ) ، نقول : إذا كان الإجماع يتأتى ترتيبه ثالثا في مصفوفة علم الأصول ، إلا أنه يشكل عنصرا تكوينيا فاعلا في منظومة الأصول الأربعة ، حيث أن الكتاب والسنة كما وصلتنا إنما كانت بالتواتر الذي يتأسس إسناده القوي ، وخبره الصحيح على الإجماع ، الذي يبلغ حدا في فاعليته المنهجية أن يعتبره الغزالي " أعظم أصول الدين فهو الذي يحكم به على كتاب الله تعالى وعلى السنة المتواترة " (21) .
إن هذا العنصر الركني في التأسيس لأصول الدين ، كان مثار نزاع وخلاف في تحديد معناه ، هل هو إجماع الصحابة ؟ أم إجماع أهل المدينة باعتبارهم عايشوا سيرة النبي وأصحابه كما يذهب مالك ؟ أم هو إجماع أهل عصر من العصور على مسألة من المسائل الدينية ، كما يذهب الغزالي مفندا الأراء السابقة القائلة بإجماع أهل المدينة و إجماع الصحابة ، ليقرر قائلا : أجمعت الأمة على وجوب اتباع الإجماع " (22) .
كما يرد الغزالي على الإمام مالك بأن المدينة لم تجمع " جميع العلماء لا قبل الهجرة ولا بعدها بل ما زالوا متفرقين في الأسفار و الغزوات والأمصار " (23) .
يقوم محمد عابد الجابري بتلخيص ثلاث أفكار رئيسية معتمدا كتاب " مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها لأبرز رجال " السلفية الجديدة " في المغرب وهو علال الفاسي .
وهذه الأفكار :
1- إن الإجماع على كونه ذا أصل أصيل في الدين ، فإن أمره يرجع تاريخيا إلى حادثة سياسية ، وهي اجتماع الصحابة لاختيار خليفة للنبي بعد وفاته .
2- إن العصر الأول ، عصر الصحابة ، عصر بناء الدولة الإسلامية ، قد امتاز بالتشاور في كل ما لا نص فيه ، وأنه من خلال عملية التشاور هذه " كان أهل الحل والعقد يشتركون في وضع أسس تاريخية واجتماعية لمصدر الإجماع الشرعي " بمعنى أن " الإجماع " كأصل من أصول التشريع إنما يجد مصدره في التاريخ والمجتمع ، لا في أي شيء آخر ، وأنه إنما يعني من الناحية العلمية ، التشاور في كل مالا نص فيه .
3- إن تحول الحكم في الإسلام بعد " العصر الأول " إلى " الحكم المطلق الوراثي " قد أدى إلى " تقييد النظر " والقضاء على " التشاور " والقضاء بالتالي على المضمون الحقيقي لفكرة الإجماع (24) .
ويضيف الجابري عارضا لآراء علال الفاسي ، أن الأخير حينما يدعو الدولة الإسلامية " أن تجعل من أنظمتها الديموقراطية الحديثة سبيلا لبعث الشورى الإسلامية وتحقيق معنى الإجماع الإسلامي لأول مرة ... حيث يعلل الفاسي إخفاق المجتمع الإسلامي في تحقيق مجتمع " الشورى والإجماع " بالاستبداد يقول : " إن الاستبداد الذي أصاب نظام الحكم الإسلامي هو الذي حول التطور في تنظيم الشورى والإجماع إلى مجادلات فارغة في حجية الإجماع وإمكان وقوعه وعدم ذلك " (25) .
ويخلص داعية ( التراثية المحدثنة ) إلى أن استنتاج الفاسي لا يعني أن الفقهاء قد أرادوا ذلك واختاروه أي " تحويل الإجماع إلى مجادلات فارغة ، بل إن " انقلاب الخلافة إلى ملك عضوض " هو الذي أدى إلى ذلك ، لكنه لا يلبث أن يحمل الطرفين المسؤولية ، بعد أن برأ الفقهاء ، ليخلص إلى أن الاستبداد الذي عانى منه العقل العربي البياني استبدادين : استبداد السلف بالمعرفة ، واستبداد الحاكم بالسياسة ، ومن دون شك فإن الوقوع في الثاني إنما كان بسبب الهروب من الأول ، بسبب عدم القدرة على مواجهته والتصدي له " (26) .
هذا الإجماع ، يتناوله كاتب في أواخر القرن التاسع عشر وهو الشيخ العلامة عبد الحميد الزهراوي قائلا : " لم يمض الثلث من القرن الأول على المسلمين حتى كفّر بعضهم بعضا فتحاربوا وتحازبوا وتخاذلوا إلى أن انقسموا إلى ثلاث : فئتان تشايع كل منهما رئيسا كبيرا وأخرى خارجه عن دائرتهما ناقمة عليهما حاليهما .
ولم يمض الثلث الثاني حتى انقلبت دعوتهم إلى الدين وتهذيب النفوس دعوة إلى الملك والاستئثار وتوسيع أبهة الملك وجعله منحصرا في أسرة يحدثْ أفرادها ما شاؤوا أن يحدثوا ، ولم يمض الثلث الثالث حتى تكاملت أصول الشيع وتلاحقت فروعها وأينعت ثمراتها وأحدث في الدين من أحدث واخترع من اخترع ، فاختلفوا في القراءات ، فتعددت أشكالها وتعارضوا في الروايات فتناقضت أحكامها ، وتباينوا بالفهم من النصوص ، فضاعت ثمراتها ، وتجادلوا في الفهوم فذهبت غاياتها عقائد متباينة ، وعبادات مختلفة ، وأقضية مضطربة ، وضمائر متباغضة فأين الإجماع ؟ " (27) .
ويتسأل العلامة الزهراوي ، أليس هذا هو أمرنا الذي عليه مدار فخرنا وإليه يرد أصل مجدنا دع عنك زمن الخليفتين وقل لي متى كان الإجماع ؟ وكيف يجمع قوم حالهم ما ذكرناه آنفا ؟
وأي المسلمين مُطالَبون أن يفهموا معنى ذلك الإجماع : أعرابهم الضاربون في بطون الأودية وظهور الجبال ، أم أمصارهم المؤلفة من أبناء الروم والفرس والقبط وقليل من أبناء الأحبار؟
مَنِ المطالب منهم بالتشريع : أو ولاة أمورهم- وهم من علمت بين لاه فرح بالنعمة الجديدة التي ورثوها وبين نشيط حازم مشتغل بتسكين تلك الفتن المعهودة - أم الرواة الذين لم يكن أكثرهم يعلم أكثر من النقل والحكاية ؟ (28)
هذه الأسئلة التي يطرحها الجد المستنير منذ القرن الماضي وبدايات تفتح العقل والعقلانية لمدرسة الإصلاح الديني مع بداية القرن العشرين ، يأتي الحفيد الشيخ ( البوطي ) في زمن الهزيمة ، هزيمة عقل وروح الأمة ، ليجيبه بثقة هائلة قائلا " والجواب : أن كل من علميّ : الجرح والتعديل ، وتراجم الرجال ، إنما وجد تذليلا لسبيل البحث وتيسيرا للاطلاع على الواقع الذي ينبغي الوقوف عليه .
ففي مكتبتنا الإسلامية مؤلفات كثيرة تستعرض معجم الرجال الذين وردت أسماؤهم في أي سند من الأسانيد ، تستطيع أن تقف فيها على ترجمة من تشاء منهم جرحا وتعديلا ... كما قد تكون في مكتبتنا فن خاص بهذا الشأن ، وهو ما يسمى بفن مصطلح الحديث ، وقد ضم هذا الفن كل المقومات المختلفة للتحقيق في النقل والأخبار طبق منهج علمي فريد " (29) .
الإجماع أم التعدد والتغاير :
قبل مناقشة الدكتور البوطي بعلم الجرح والتعديل ، لابد لنا من تقديم صورة مكثفة عن الاختلافات التي انتقلت إلينا عبر النقل والإخبار الصحيح عما يمكن أن نسميه " الاختلاف الخلاق " وهو أهم منجز من منجزات العقل العربي عندما دخل طور الاستقرار والتحضر ، وإن نظرة سريعة على مكتبتنا الإسلامية ، تكشف أنها حافلة بكتبي " الملل والنحل " من الشهرستاني إلى البغدادي إلى ابن حزم ... الخ ، تومئ لنا عن دلالة ذات مغزى بعيد مؤداه أن عنوان تقدم مناهج البحث العلمي ليس في " الإجماع " بل في " المغايرة والاختلاف " ، وما من أمة في الماضي والحاضر حاولت أن تكبل العقل بمنظور الواحدية الذي لا يقبل التعدد والاختلاف إلا أخفق وذهبت ريحه ، وليس أولها طموح الاسكندر المقدوني لذلك ، أو جموع العقل الفقهي الإسلامي لصياغة رؤية دينية للعالم توضع تحت تصرف الحاكم المستبد ، باسم وحدة الأمة ودرء الفتنة ، وليس انتهاء بالنظام السوفياتي ، الذي أراد أن يصمم عقلا فقهيا ماركسيا في خدمة توتاليتارية السلطة ومركزيتها الدولتانية الهائلة ، وهاهي نتائج ذلك أمام أعيننا ، أو بالنظام العالمي الجديد المزعوم ، الذي يطمح إلى عولمة العالم كوسموبوليتانيا حول المقدسات القومية الأمريكية ، الطامحة لأمركة عقل وروح وذوق العالم عبر المزيد من تفكيكه وتزويره لصالح المزيد من تمركزها الإمبريالي المتوحش ، فالتعددية عبر التاريخ كانت عنوانا لازدهار العقلانية والفلسفة والحوار والديموقراطية لأن الأمة عندما ترتقي في ثقافتها وفكرها إلى مستوى قبول التعدد والتغاير ورفض الاستبعادات المتبادلة التي تحكم الصراع الإيديولوجي والسياسي ، تستطيع عبر ذلك فقط أن تحقن دم المجتمع وتدفع بالدم في شرايين التاريخ ، لكن الحضارة العربية الإسلامية مع الأسف حكمتها هذه الثنائية التي ظلت تنخر في بنيتها التكوينية حتى آلت إلى وضعها المخجل اليوم . لقد حكمت بنية العقل العربي ثنائية قبول التعدد في المجال الفكري ( الفقهي والكلامي والفلسفي ) ورفض هذا التعدد في المجال السياسي ، وعلى هذا فإن التاريخ الفكر الإسلامي لا يعرف كل هذا العنف والطغيان الذي شهده تاريخ النصرانية ، في حين أن التاريخ السياسي لا يزال هو تاريخ الفتنة ، تاريخ الدم ، تاريخ القهر حتى اليوم .
بدءا من الفتنة الكبرى مع مقتل عثمان ، إلى اقتتال علي مع معاوية ، ومن ثم اقتتال علي مع الخوارج ، الذي ذهب ضحيتهم ، إلى اقتتال الأمويين مع الخوارج والشيعة ، فلم يستطيعوا أن يبيدوا الخوارج دون أن تبيد سلطتهم ، فأفنى الأمويون مع الخوارج بعضهم بعضا ، واستمرت المعارضة الشيعية عبر الدولة العباسية التي ستشهد أرقى تجليات العقل وهو يمارس حريته ، وتعدده ، ومغامراته في الكشف والاكتشاف الخارجي والداخلي للعالم والذات لكن هذه الدولة سرعان ما فتنتها السياسة عن نفسها مع بداية هبوطها بتقويض السلطة العربية نهائيا بعد اقتتال الأمين والمأمون ، ومن ثم تقويض سلطة العقل بعد وفاة المأمون وملاحقة المعتزلة ، لتكون المعركة مع المعتزلة آخر المعارك التي تخوضها الأمة ضد ذاتها باسم " الإجماع " ، إجماع الأمة على عقيدة السلطة ، فبدأت تتكون إيديولوجياً سلطةٌ راحت تتداعى ككيان سياسي يزامنها تداعي على مستوى العقل الذي طفق يشرّع لتداعيها وارتكاساتها عبر الأشعرية التي كانت تتويجا لخروج الإسلام كفعالية مؤثرة في التاريخ ، للانتقال إلى مرحلة المفعولية التي صاغ الغزالي فلسفتها الواحدية القهارة التي ترفض التعدد ، والتغاير ، والعقل المتسائل والمتفلسف ، ليحيي علوم الدين القائمة على الإيمان والإذعان بأن الإنسان لا يملك من أمر نفسه شيئا ، أي لا يملك أية فاعلية أو قدره على الفعل في العالم والأشياء ، حيث الفاعلية لله وسلطان الزمان ، الذي كان الغزالي ينظّر لمشروعيته السلطانية ، تاركا الصليبيين للقدرة الربانية ، لأن للإسلام ربا يحميه ، فيكفينا التضرع والدعاء لدفع الحروب واستجلاب النصر حتى اليوم ، وطلب البركة والعون والشفاء ومنع الشرور والحسد بالتعاويذ ، ولصعوبة الوحدانية التي أرادها الغزالي في وحدانية السلطة ، وإلحاح الفقهاء وأصحاب الطرق والإسلام المشيخي السلطوي على المغيبات من جن وملائكة ، كثرت الخرافات والأوهام ، وعاد الناس إلى وثنيتهم الأولى ، يقدسون الأبطال والأضرحة والأولياء ، مما أطفأ نورانية العقل المتسائل ، المحاور ، المغاير ، المتعدد ، لصالح مشكاة الأنوار اللدُنيّة المنبعثة من أضرحة الأولياء والدراويش وأصحاب الطرق ، فتخلى الفكر تدريجيا عن دوره الحواري المغني للحياة الاجتماعية والروحية للجماعة ، حتى تحولت هذه الثنائية إلى شرخ مثّل قطبيه في الزمن السلجوقي عالمان كبيران هما الإمام الغزالي وعالم كبير آخر هو عمر الخيام ، حيث الأول داعية عزلة ، وانغلاق ، ومصالحه مع التصوف ، وتخويف الناس على طريقة ( الحسن البصري ) من أهوال الموت وعذاب القبر ، وتعظيم سلطان القضاء والقدر ، كمعادل لتعظيم سلطان الحاكم ، والوجه الآخر المضاد الذي شغل فضاء القرن السادس الهجري هو عمر الخيام الذي يشكل الأطروحة المضادة للفناء في الذات اللدُنيّة ، إلى الفناء في الذات الحسية ، الجسدية ، الكونية ، عبر الإعلاء من شأن لحظة الحاضر التي هي اللحظة الوحيدة القابلة لللمس والحس والاستغراق في اللذة - لذة الخمر والمرأة .
لقد تأسست هذه الحالة الانحطاطية في ثنائياتها ، الشرخية في بداياتها مع الدولة الحمدانية في حلب ، حيث السلطة بلغت حدا بعيدا من الطغيان والاستبداد فكان " عهد سيف الدولة أسوأ مثل للاستبداد من فرض ضرائب باهظة على الناس ، وضم كثير من البلاد إلى ممتلكاته الخاصة ، فانتزع حلب من يد الاخشيدين المتغلبين في مصر وأراد أن يبسط سلطانه على دمشق ولكنه أخفق غير أن حسنته الوحيدة الكبرى موقفه أمام البيزنطيين " (30)
فمع سيف الدولة ستتكرس إحدى السمات المميزة للدولة العربية الإسلامية : فهو قد أضاف إلى استبداديتها المؤسسة لبسيكولوجية حقوق الحاكم في امتلاك الأمة وطنا وشعبا ، جسدا وروحا ، فإن سيف الدولة لهذه الدولة المستبدة ، وهي التمركز حول ذاتها الوثنية من خلال الإعلام الذي استعاضت به عن الفكر والثقافة ، فسيف الدولة كان يريد أن يظهر بمظهر راعي الثقافة والمثقفين إعلاميا ، فكأنه بذلك يؤسس لصورة العلاقة بين الحاكم و المثقف اليوم. فقد كان يخصص جعالة تكاد تقوم بالكاد بأود العاملين في مجال الفكر والثقافة والعلم في عصره كمثال ( الفارابي ) بينما كان يغدق بلا حدود من آلاف الدنانير على المتنبي ثمنا لمديحه ، أي لما يمثله من قيمة إعلامية للإشادة بمآثره المزيفة ، حتى قيل عن سيف الدولة في إغداقه من أموال الأمة على المتنبي والشعراء ( وزارته الإعلامية ) القول المأثور " ليتها ما زنت ولا تصدقت "
وعلى هذا تحولت فكرة الإجماع في صدر الإسلام متمثلة بالشورى ، شورى أهل الحل والعقد ( مثالها اجتماع السقيفة ) إلى إجماع الأمة حول إيديولوجيا السلطة ، وكلما ازدادت السلطة مركزية وسفها وطغيانا ، كلما ازداد الإلحاح على الإجماع باسم " درء الفتنة والحفظ على وحدة الأمة " ، في حين أن هذه الأمة - على المستوى الواقعي السياسي التاريخي - كانت تتآكل وتتفتت إلى دويلات وأمصار وأقاليم ، لكن المراد بالإجماع الذي يدرأ الفتنة عن الأمة ، هو في الواقع إجماع أهل كل مصر حول حاكمها ، وسدنة هيكلها العقائدي من الفقهاء الذين راحوا يطلبون السلطة بعد أن كانت تطلبهم وذلك عندما كانوا في أوج نهوضهم العقلي والحضاري . في ذلك الزمن لم يترددوا في إطلاق الرأي ، والاجتهاد ، والتفسير والتأويل وفق مقتضبات الزمان الذي يبدل الرؤى والأحكام ، ولنأخذ مثالا على وصول العقل الإسلامي مرحلة من القدرة على تعايش الآراء المتعددة ، لا يمكن مقارنتها إلا بفضاءات المجتمع الليبرالي الغربي اليوم ، وليكن هذا المثال تعدد أرائهم لا بمسألة شرعية فرعية ، بل في دستور العقيدة والشريعة ذاتها وهو القرآن . وبهذا الصدد يلخص لنا القاضي عبد الجبار أراء الفقهاء في طبيعة القرآن ، قال : " وذهب هشام بن عبد الملك ومن تبعه في القرآن إلى أنه صفة الله تعالى لا يجوز أن توصف ، لأن الصفات لا توصف " .
" وذهب ابن كلاب إلى أن كلام الله عز وجل غير مخلوق ولا بمحدَثْ ، وأنه قديم بقدمه ، وإن لم يصف كلامه بالقدم ولا بالحدوث ، لأن القديم إنما يكون قديما بقدم من قام به ، ولا يجوز قيام القدم بالصفة ولا يقال في القرآن : إنه غير الله تعالى ، ولا بعضه ، ولا هوَهوَ ".
وارتكب الأشعري القول أن القرآن قديم ، وقال : " لا يقال فيه الله ، ولا غير الله ، ولا هوهو ، ولا غيره " .
- وحكى عن بعض الحشوية أنه قال في القرآن الكريم : هو الخالق .
- وفيهم من قال : هو بعضه .
- وقد حكى عن بعضهم في القرآن : إنه جسم .
- وعن بعضهم أنه ليس بجسم ولا عرض .
- ثم اختلفوا ، فمنهم من قال : يوجد في غير مكان .
- ومنهم من قال يوجد في مكان .
- ومنهم من أحال أن يكون القرآن في الحقيقة فعله عز وجل ممن يقولون بالطبائع .
- ومنهم من جعله حروفا مؤلفة .
- ومنهم من زعم أنه الحروف ولا نظم فيه .
- ومنهم من زعم أنه الحروف والنظم .
- ومنهم من قال في الكلام أنه عرض وجسم لأنه حروف وتأليف .
- ومنهم من قال : أنه يجوز أن يكون الكلام جسما وعرضا ، ويجوز أن يكون عرضا دون جسم ، فإن كان جسما وعرضا فهو حروف وتأليف ، وإن كان عرضا دون جسم فهو تأليف الحروف دون الحروف وإن كان لا ينفك من الحروف ، كما لا ينفك إذ هو مسموع من صوت .
وهذا جملة ما اختلفوا فيه " . (31)
لسنا في صدد الدخول في مناقشة هذه المسألة الكبرى في تاريخ علم الكلام الإسلامي ، والتي يمكن فرز هذه الآراء بين تيارات ثلاثة : القول بقدم القرآن ، ومن ثم محنة ابن حنبل المعروفة لأنه قائل بالقدم أيضا ، والمعتزلة وقولهم بخلق القرآن أو أنه محدث ، وفرقة تنوس ما بينهما ، وهم الأشاعرة القائلون بقدم مضمونه وحدوث لفظه .
نقول : لن نتناول في هذا السياق تلك المسألة الكبرى ، سنتركها إلى الفصل الذي يتناول فيها الدكتور البوطي هذه المسألة عند أهل السنة والمعتزلة .
لكنا نريد أن نلمع إلى أن هذه الآراء المتعددة والمختلفة والمتغايرة تومئ إلى الحقيقة التي وصلها المتنور الحمصي الكبير الشيخ عبد الحميد الزهراوي وهي أين الإجماع ؟
سيما وأننا تجاه مسألة تمس العقيدة ذاتها لا الشريعة فحسب وذلك في مثالنا أعلاه حول تعدد الآراء والاختلاف في تحديد طبيعة القرآن .
ولنأخذ مثالا آخر لكنه ليس من اللاهوتيات ، بل هو من أهم مسائل الشرعيات التي تناولها المعتزلة ، وهي مسألة الإمامة فإن الفكر الاعتزالي العقلاني المستنير بلغ مستوى من الوعي المدني بهذه المسألة حد أنه لو ، أمكن له أن يحقق إجماع الأمة حولها ، لعصم تاريخها من حروبها التي فنتها داخليا ، وهذه المسألة تتمثل في الصراع الدموي على الإمامة بين قريش والبيت الهاشمي .
لقد كان موقفهم من هذه الفتنة ( موقعة الجمل ) أن فسّقوا طرفيها ، فكانوا يردون شهادة رجلين أحدهما من أصحاب ( الجمل ) أي من أنصار السيدة عائشة وطلحة والزبير والآخر من أصحاب ( علي ) فيحدثنا البغدادي قائلا : بأن ( عمرو بن عبيد ) زاد على ( واصل بن عطاء ) في هذه البدعة فقال بفسق كلتا الفرقتين المتقاتلتين يوم الجمل ، ويضيف الاسفراييني أن المتقاتلين في كلتا الفرقتين "خالدون مخلدون في النار " حسب عمرو بن عبيد ، وبعبارة أخرى يحدثنا الشهرستاني قائلا أن ( عمرو بن عبيد ) زاد على ( واصل بن عطاء ) في تفسيق أحد الفريقين لا بعينه ، بأن قال لو شهد رجلان من أحد الفريقين ، مثل ( علي ) ، ورجل من عسكره ، أو ( طلحة ) و ( الزبير ) لم تقبل شهادتهما ، وفيه تفسيق الفريقين وكونهما من أهل النار . (32)
أي وعي مدني ذلك القادر على تأتيم بل وتجريم أي شخص مهما كان موقعه ومقامه إذا أهدر دم أخوّة الأمة والجماعة ؟
هذا الرأي المعتزلي لم يخلص له الفرنسيون إلا بعد الثورة الفرنسية ، لكن سيرورة التقدم الاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمع المدني الديموقراطي المؤسساتي أتاحت لهذا الرأي ( دم الفرنسي على الفرنسي حرام ) أن يتناسج في بنية وعي الأمة ويترسخ في مخزون لا وعيها الثقافي ، لكن مع الأسف فإن لحظة الانهيار التي بدأت مع موت المعتزلة التي يعتبرها أحمد أمين من أكبر مصائب المسلمين (33) لم يتح لهذا الرأي المعتزلي ( دم المسلم على المسلم حرام ) أن يتناسج في وعي الأمة و يترسخ في لا وعيها الثقافي والشعوري ، وإلا لكنا أنجزنا هذا المكتسب المدني الحضاري قبل الأوربيين بعشرة قرون ، ليس على مستوى أن هذه القاعدة ستجرّم كل من يرفع السلاح في وجه أخيه الآخر أيا كانت الأسباب والدواعي ، وعلى أن هذا الرأي و الفهم كان سيجنبنا الكثير من الويلات عبر التاريخ وصولا إلى يومنا هذا حيث التفكير يؤسس على التكفير: تكفير الجميع للجميع ، انطلاقا من امتلاكهم وهم الفرقة الناجية ، التي برهن تاريخها المعاصر على أن هذه الفرقة الناجية الوحيدة كانت دائما إسرائيل ، في مواجهة أمة تتذابح فرقها عبر تاريخها حتى اليوم .
نقول إن هذه الفتوى العقلانية المدنية " الطرفان المقتتلان في النار " ما كانت ستحيل بين الأمة وتاريخ حروب الفتن الطائفية التي عاشتها وتعيشها إلى اليوم فقط ، بل ولقدمت لنا رؤية ووعيا مدنيا في قراءة الأحداث وقراءة تاريخية تتأسس على صراع القوى والمصالح في الأرض وليس في السماء ، فالمتقاتلون بشر تحركهم دوافع وأطماع السياسة والسيادة ، وهم بالتالي حكمهم حكم أهل الدنيا و المطامع مهما جل قدرهم وعلى شأنهم في موقعهم من الرسالة كالصحابة الذين شاركوا في موقعة الجمل ، مما يؤكد لنا أطروحة علم الأديان المقارن على لسان ماكس فيبر ، بأن القرن الأول للإسلام كان قرنا سياسيا ، والغلاف اللاهوتي التقديسي أتى لا حقا ، حيث سيبدأ مرحلة قراءة الأحداث بعيون السماء ، وسيبدأ التدخل الإلهي في الشأن الأرضي ، لاكتساب المدنس الأرضي التسامي السماوي ، وإكساب الدناءات الأرضية شرعية إلهية سماوية ، مما سينتجه لاحقا العقل الغيبي الميثي ، بعد أن بدأ العقل العقلاني – لأن العقل موجود دائما ولكن ليس دائما بصورة عقلانية – يقدم استقالته مع موت المعتزلة ، حيث سيدخل الرواة وكَتَبة التاريخ الله في سير الوقائع والأحداث كما في الملاحم اليونانية .
ونعود إلى الإجماع لنتسائل ، ماذا لو أن المسلمين أجمعوا حول منهج الاعتزال في التفكير ( حيث لا مرجعية إلا مرجعية العقل ، وحرية التفكير ليس في النظر إلى الوجود فحسب ، بل وإلى ما وراء الوجود ) !
هل سيكون وضع الأمة على هذه الدرجة من الضعة والهوان إذ يصنع عقلها ووجدانها سدنةُ هياكل الوهم ، و هم العقل الفقهي المشيخي .
ونحن إذ نتسائل عن حقيقية الإجماع ليس طلبا له ، لأنه لا يقود على مستوى العقل إلا للجمود والتخشب والتخثر الدماغي ، لكنا نتطلع إلى تلك اللحظة التاريخية التي تأخذ الأمة العربية قرارها التاريخي في دخول التاريخ والخروج من التراث ، وإعادة الارتباط بالتراث ليس في الاستغراق فيه ، بل وفي والخروج منه عبر الانتظام في السلسلة العقلانية التي أسس لها المعتزلة.
إن غاية ما تطمح له الأمة بموضوع الإجماع ، وهو ما نسميه اليوم بلغتنا الحديثة ب ( الثوابت الوطنية والقومية ) التي توحد الأمة تجاه العدو الخارجي ، مع ترك الحرية العقلية لكل فصائل الأمة أن تفكر بوسائل المواجهة والمقاومة ، وليس المساومة .
إن النصوص التي يسوقها لنا القاضي عبد الجبار ، وما يمكن أن نتلمسه في كتب الملل و النحل من اختلافات في الرأي ، ما يبدو لنا اليوم وكأن ذلك العقل المتعدد ، المتسائل ، قد قامت بينه وبين العقل الإسلامي الراهن قطيعة معرفية ( ابستمولوجية بحق ) لأن مجموع الآراء المساقة في طبيعة القرآن آنفا ، لو جرت اليوم لجردت السيوف وسفكت الدماء ، حيث كل طائفة تلعن أختها وتكفرها وتصف نفسها بأنها الفرقة الناجية الوحيدة ، بعد أن " تأفغن وتجزأر " العقل المشيخي ، حيث أن الإسلام الفقهي المشيخي الرسمي التابع للسلطة ، يحمل في داخله قابليات " الأفغنة " تكوينيا ، لأنه لا يستند في منظومته العقيدية إلى الإسلام الشعبي ، الوطني الذي يشكل في مأثوره التاريخي والثقافي والحضاري أحد أهم المكونات التاريخية للهوية ، وللذاتية الحضارية والثقافية للأمة ، كما أن الإسلام المشيخي السلطوي المذكور لا يستند في منظومته المعرفية إلى الميراث العقلاني المدني والحضاري ، المتمثل في الإسلامية التي يعرّفها الإمام الكواكبي بأنها " تجعل الإنسان لا يرجو ولا يهاب من رسول أو نبي أو ملك أو فلك ، أو ولي أو جني ، أو ساحر أو كاهن ، أو شيطان أو سلطان " (34) مادام مفهوم الله يتعين بوصفه نظاما وقانونا داخليا ضروريا يحكم الظواهر بعليّتها الداخلية السببية " ولن تجد لسنة الله تبديلا " ، والله بهذا المفهوم – حسب الإمام الكواكبي – لا يختلف إلا في الأسماء ، ف " لا خلاف بين ( الله ) و ( المادة ) والطبيعة إلا في الأسماء " حسب تعبيره (35) .







*- لا بد من الانتباه إلى أن التجريح نال حتى هذين العالمين ( البخاري ومسلم ) فقد لاحظ بعض المستشرقين أن مُسند أحمد تتجلى فيه الشجاعة وعدم الخوف من العباسيين ، بذكره أحاديث في مناقب بني أمية ، مما كان منتشرا بين الشاميين وعلى العكس من ذلك البخاري ومسلم ، فإنهما لم يذكراها مُداراة للعباسيين .
رغم أن الأمويين – مع ذلك – هم أول من أسس لبدعة توظيف الدين في خدمة السياسة ، حيث تحويل الدين على أداة لإسباغ المشروعية الإلهية على حكمهم ، كما سنرى ذلك في توظيفهم لآية " ليلة القدر خير من ألف شهر " عندما اعتبروا أن الألف شهر ، هي الفترة التي سيحكمها بنو أمية ، ومن ثم توظيف ابن عباس الذي التحق بمعاوية في إظهاره لمناقب الأمويين ، حتى أن أبا سفيان الذي لم يصح إسلامه يوما ، يغدو صاحب موقع خاص لدى النبي ، يقول ابن عباس : ما سأل أبو سفيان رسول الله ( ص ) شيئا إلا قال نعم .
وأبو سفيان هو- مع كل هذا الفضل العظيم الذي يسبغه عليه ابن عباس - صاحب القول الشهير بعد إسلامه :
لعبت هاشم بالمُلك فلا رسلٌ جاءت ولا وحـيٌ نزلْ
لعبنا نحـن فـي أيامنــا هكذا الأيام والدنيا دولْ
والأمر نفسه ينطبق على العباسيين ، ففي كتاب السيوطي فصل عنوانه : " الأحاديث المنذِرة بخلافة بني أمية " وبعده فصل عنوانه " الأحاديث المبشرة بخلافة بني العباس " والعنوان نفسه يدل على الوضع وتاريخه ، وأنه عُمِل في عهد العباسيين .
راجع ضحى الإسلام ج2 – ص 122 –126 .


1- راجع كتاب " نافذة على الإسلام " – محمد أركون 1992 .
2- المستشار محمد سعيد العشماوي – أفكار من أجل تحديث النظرة إلى الإسلام وابن قتيبة في كتابه " تاويل مختلف الحديث " يتحدث عن هذه الظاهرة في عصره من خلال الصراع بين المحدثين والمتكلمين ، وسبب ذلك أن منحى المحدثين نقلي ، ومنحى المتكلمين عقلي ، فراح الآخيرون يشنعون على المحدثين اعتمادهم أحاديث سخيفة تتناقض مع العقل " كمن قرأ سورة كذا أسكن من الجنة سبعين ألف قصر ، وكحديث الفأرة أنها يهودية ، أنها لا تشرب ألبان الإبل كما أن اليهود لا تشربها ، وحديث السّنّور أنها عطسة الأسد ..." وحديث أبي هريرة أن رسول الله قال : الكمأة من المنّ ، وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة وفي شفاء من السم "
ويقوم ابن قتيبة لجملة ضد علماء الكلام والقائلين بالراي ، حتى راح أصحاب الحديث يسخرون منهم فيطلقون عليهم " الأرأتيون " ، فيهاجم النظام وأبا الهذيل العلاف ، بأن النجار يخالفهما ، وهشام بن الحكم يخالفهم ، وتعرض لرئيس مدرسة الرأي أبي حنيفة ، وأوغل في الهجوم فسب الجاحظ ورماه بأنه " كان يستهزئ من الحديث استهزاء لا يخفى على أهل العلم ، كذكره كبد الحوت وقرن الشيطان ، وذكر الحجر الأسود ، وأنه كان أبيض فسوده المشركون ، وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا ...الخ " السفير8/5/1997 .
راجع أحمد أمين – ضحى الإسلام ج2 – ص 132 – 136 .
3- الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي – " إحياء علوم الدين " – الجزء الأول – دار الفكر للطباعة والنشر – 1415هجري – 1995 – ص 118 .
** الأُشنان : هو مسحوق ايبض ونبات يغسل به .
***الاستنجاء : وهو غسل موضع النّجو ( وهو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط ) .
4- الإمام الغزالي – سبق ذكره – ص 118
5- المصدر السابق – ص 118 .
****هذه الشروط هي التي قادته إلى تقلص عدد الأحاديث إلى 2772 ، حيث هذه المنهجية ستنتج حقلا مفاهيميا ، تتولد عنه الكثير من المفردات الاصطلاحية ، ففي البداية جمع البخاري – على ما ذكره ابن حُجر - 7397 حديثا ، وهذا العدد تدخل فيه الأحاديث المكررة ولا تدخل فيه المعلقات والمتابعات و الموقوفات ، لأنها إذا أضيفتا إليها المعلقات والمتابعات بلغت 9082 حديثا غير الموقوف والمقطوع ، وإذا حذف المكرر واختصر على الأحاديث الموصولة السند غير المكررة كانت 2762 حديثا فقط ، ويقوم أحمد أمين في شرح اصطلاحات البخاري قائلا : فالمعلقات هي الأحاديث التي لم يذكر فيها السند من أوله كأن يقول البخاري عن ابن عمر عن النبي ( ص) أنه قال ... الخ ، والموقوفات هي الأحاديث التي ينتهي سندها إلى الصحابة فلم يذكر فيها قول ولا فعل للنبي (ص) بل للصحابي ، والمقطوعات ما انتهى السند فيها إلى من دون الصحابة كالتابعي ، والمتابعات هي أن يروى الحديث من طرق أخرى ، فمثلا أن يروي أحد الرواة حديثا ، ثم يدعم هذا الحديث براو آخر ، يسمى هذا متابعة ويتساهل المحدّثون في المتابعات فيجيزون فيها رواية بعض الضعفاء لأن المتابعة ليست إلا تدعيما للحديث وتقوية له .
بل إن البخاري الذي قعّد قواعد الحديث باعتماده مناهج الاستدلال والشك والجرح والتعديل ، لم يكن مجرد جامع للحديث ، بل هو من أصحاب الرأي ، فقد اجتهد أن الجُنُبَ لا بأس بقراءته القرآن، وأنه إذا خاف المرض من الماء البارد تيمم ، ورأى جواز الصلاة بالنعال ، ورأى أن يحتكم في البيوع إلى عرف الناس ، ورأى جواز تعليم أهل الكتاب القرآن ... الخ . فظاهر أن هذا كله أنه لم يتقيد بمذهب .
راجع : أحمد أمين – ضحى الإسلام – ج2 – ص 113-114 .0
6- كبرى اليقينيات – سبق ذكره – ص 34.
7- أبو جعفر بن محمد بن جرير الطبري – تاريخ الأمم والملوك – المجلد الثاني – الجزء الثالث – ص 206 .
8- المصدر نفسه – ص 206 .
9- المصدر نفسه – ص 197 .
10- المصدر نفسه – ص 207 .
11- سيرة الرسول عن طبقات ابن سعد – دار الفكر للجميع – 1968 – ص 346 .
12- المصدر نفسه – ص 346 .
13- تاريخ الطبري سبق ذكره – ص 207 .
14- تاريخ الطبري – سبق ذكره – ص 207 .
15- الكامل في التاريخ – ابن الاثير – دار صادر – بيروت – لامجلد الثاني – ص 323 . ويستطيع القارئ أن يجد أمثلة كثيرة على ذلك ، ففي المصدر نفسه – المجلد الثالث – ص 52 – 53 يحدثنا عن الاختلاف حول تاريخ وفاة عمر بن الخطاب ومدة ولايته ، وعمره حين وفاته .
16- المصدر السابق – ابن الأثير – ص 252 .
17- عن د . محمد شحرور – دراسات إسلامية معاصرة – الدولة والمجتمع – دار الأهالي – دمشق ط4 – ص230 .
18- تفسير القرآن العظيم – ابن كثير – الجزء الرابع – دار القلم – بيروت – ص 463 .
19- المصدر السابق – ص 463 .
20- أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني ( 548 – 584 الهجري ) – الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار – حققه الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي – سلسلة منشورات جامعة الدراسات الإسلامية – كراتشي – باكستان – القاهرة – غرة محرم 1410 هجري – الموافق 1989 م ص 61 .
21- أبو حامد الغزالي – المستصفى من علم الأصول ، ج1 ، ص 176 .
22- المصدر نفسه – ص 180 .
23- المصدر نفسه – ص 187 .
24- د. محمد عابد الجابري – نقد العقل العربي (2) بنية العقل العربي – مركز الدرسات الوحدة العربية – بيروت ط3 – ص 134 .
25- علال الفاسي – مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها – الرباط – مطبعة الرسالة – ص 117-118 – عن المصدر السابق " بنية العقل العربي " – ص143 –135 .
26- المصدر السابق – بنية العقل العربي – ص 135 .
27- ولا يجد المرء معنى لهذا الاستدراك الذي يقوم به داعية نقد العقل العربي ، لأن من يكون العقل العربي هدف تحليله والحفر الأركيولوجي عن البنية اللاشعورية الصانعة لنظامه المعرفي ، لا يبرر للعقل الفقهي امتثاله وإذعانه للنظام الترابي الهرمي الذي يبدأ بالتأسيس لمبدأ الطاعة والإذعان للطغيان تأسيسا إليها ، يضفي على الدنيوي مشروعية دينية ، كما أسلفنا في شرح سورة ( ليلة القدر ) ، فالمستبد لا يستطيع بسط سلطانه والحفاظ عليه بالجند المنظمة فحسب ، فلا بد من الفقيه المتمجد بمجد السلطان على حد تعبير الكواكبي في وجه المثقف الماجد المعارض للاستبداد .
هذا التلازم العضوي ، لذا يشد طرفي معادلة الاستبداد ( السياسي والديني ) ليست من اكتشافات الكواكبي في الفكر العربي ، بل نوه إليها كاشفا وفاضحا حجة الإسلام الإمام الغزالي عندما يتحدث عن الفقهاء في كتابه إحياء علوم الدين من أن الفقهاء التابعين ظلوا ملازمين صفوا الدين ، فكانوا إذا طلبوا أعرضوا وهربوا من تولية الخلفاء لهم القضاء والحكومات ... لكنهم سرعان ما أصبحوا بعد أن كانوا مطلوبين طالبين وبعد أن كانوا أعزاء بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم ... ويختم رأيه بالفقهاء بأنهم يشتغلون بأمور الدنيا وهم يلبسون مسوح التقوى والورع متعللين بأن ما اشتغلوا به هو علم الدين ولا مطلب لهم سوى التقرب من رب العالمين "
راجع في هذا السياق عرض أحمد أمين لموقف الغزالي من أولئك الفقهاء في كتاب يوم الإسلام – مؤسسة الخانجي – مصر – بدون تاريخ – ص 134- 137 .
وعلى هذا تتبدد صورة التقهقر على جبهة التنوير والإصلاح الإسلامي ليست أقل كارثية مما تتعرض له التيارات الفكرية الأخرى عربيا ( الليبرالية – القومية – الاشتراكية ) ، حيث ناقد العقل العربي يداجي المزاج العام ويترفق تدليسا في حوار العقل الفقهي ، مسجلا التراجع عن مدرسة محمد عبدة والكواكبي وأحمد أمين ، وعبد الحميد الزهراوي نموذج التنوير الإصلاحي الإسلامي السوري الذي سنسوق آراءه في المتن ، فإذا كان الناقد العقل العربي ابستملوجيا يسجل هذا النكوص ، فمن باب أولى أن لا ندهش من كل هذا التقهقر الذي ينتجه العقل الفقهي الرسمي المشيخي للدكتور البوطي ، وهو يواصل مسيرة الفقهاء الأجداد في التاسيس لسلطان الدنيا على سلطان الشرع لكسب كلتا الحسنيين حسنى الدنيا والآخرة ، حسنى الله ورسوله وأولي الأمر .


28- عبد الحميد الزهراوي – الأعمال الكاملة (2) – القسم الثاني – إعداد وتحقيق الدكتور عبد الإله نبهان – قضايا وحوارات النهضة العربية (20) – وزارة الثقافة – دمشق 1995 – ص 526
29- المصدر السابق – ص 265 .
30- كبرى اليقينيات – سبق ذكره – ص 36-37 .
31- " المغني في أبواب التوحيد والعدل " للقاضي أبي الحسن عبد الجبار ، راجع الجزء السابع في " خلق القرآن " تحقيق إبراهيم الابياري – وزارة الثقافة المصرية ، مطبعة دار الكتب .
32- راجع البغدادي : الفرق بين الفرق ص 72 ، والاسفرايني ( التبصير في الدين ) ص 42 – والشهرستاني .
33- أحمد أمين – ضحى الإسلام – ج2 ص 207 .
34- عبد الرحمن الكواكبي – طبائع الإستبداد – دار الشرق العربي – ط3 – 1991 – ص120 .
35- المصدر السابق – ص121 .




#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رغم كل ما جرى فثمة مثقفون لبنانيون يحجون الى دمشق ...!؟ الحل ...
- سدنة هياكل الوهم- بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي ...
- مصر: الخط الأحمر أمام الزحف الإيراني
- عوامل قوة النظام السوري : العسكر – الطائفية – المخابرات
- ألم يئن الأوان لوقف الزحف الإيراني...؟
- خيارات النظام السوري: بين توافق الطائف أو الحرب الأهلية أو ا ...
- (ممثلو شعوب ) في خدمة الاستبداد -البشير و بشار- ...!؟
- النظام السوري : عطالة البنية واستحالة الإصلاح (2)
- النظام السوري : عطالة البنية واستحالة الإصلاح (1)
- سوريا أولا
- الأخوان المسلمون يكتشفون-فجأة- فلسطين بعد غزة !
- المسيرة الأسدية نحو المحكمة الدولية
- المحور السوري-الإيراني: صراخ في الشوارع وهمسات في المخادع
- بيان الأخوان المسلمين السوريين المفاجئ..(2)
- بيان الأخوان المسلمين السوريين المفاجئ
- لماذا يصالح النظام السوري الجنرال عون ولا يصالح الأخوان المس ...
- غزة ومأساة -العود الأبدي- أو الدوران في المكان، إلى متى يا ا ...
- ورثة الجد (سليمان أسد) ... يجددون وثيقة اعتبار إسرائيل قوة ح ...
- النظام السوري : من طائفية (الأسد) الأب الباطنية إلى طائفية ا ...
- النظام الأمني الأقلوي في سوريا يسعى للمماهاة بينه وبين طائفت ...


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرزاق عيد - سدنة هياكل الوهم- بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي ( محمد رمضان البوطي مثالا )(2)