أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - الحق في الصحة















المزيد.....

الحق في الصحة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2654 - 2009 / 5 / 22 - 10:05
المحور: حقوق الانسان
    


قالت العرب قديما «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، ولعل هذه الحكمة العربية تختصر الكثير من الهواجس التي رافقت الإنسان منذ بدء الخليقة وحتى الآن، وهي الدافع الذي كان وراء بحث غلغامش عن عشبة الخلود. وإذا كان الخلود بمعناه المادي مستحيلا، فإن بإمكان الإنسان أن يعيش حياته سعيدا، لاسيما إذا توفرت الشروط المادية والمعنوية له، وبخاصة تمتعه بصحة موفورة، فالصحة كما يقال «تاج على رؤوس الأصحاء».
وتعتبر الصحة في العصر الحديث ركنا أساسيا من أركان السعادة التي يطمح إليها البشر، وقد تبلور هذا الحق تدريجيا ليصبح حقا أساسيا من حقوق الإنسان، ومع ذلك فإنه رغم كل التطور العلمي والتكنولوجي والصحي والبيئي الذي تحقق في العالم، فإنه فعليا لا يزال بعيد المنال وتعتوره عقبات وتواجهه تحديات كثيرة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى المستويين الدولي والوطني. ولا تزال البشرية تعاني من أمراض وكوارث وأوبئة كثيرة، الأمر الذي يترك الكثير من القلق والمخاوف لدى الإنسان، فحتى الآن لم يتم وضع حد لما يصيب الإنسان من أمراض سارية وغير سارية، «معدية أو غير معدية»، ناهيكم من حوادث السير والمواصلات وغيرها.
لعل مناسبة الحديث عن الحق في الصحة لها سببان أساسيان، الأول هو الفزع الذي أصاب الإنسان في كل مكان إزاء انتشار مرض «إنفلونزا الخنازير» ووفاة بضع مئات في عدد غير قليل من البلدان، واحتمال انتشاره بسرعة فائقة، لدرجة أن بعض التقديرات ذهبت إلى أن نحو نصف البشرية يمكن أن يتعرض لمثل هذا «الوباء»، وهو ما يذكر بنظرية «مالثوس السكانية-الاجتماعية» حيث اعتقد أن انخفاض نسبة السكان نتيجة الأوبئة والأمراض والحروب يمكنه أن يحسن حياة سكان المعمورة، وإن من يتبقى منهم بإمكانهم العيش على نحو أفضل وأكثر رفاهية، وهذه النظرية السكانية لا تقيم وزنا للاعتبارات الإنسانية.
إن مرض إنفلونزا الخنازير وقبله «إنفلونزا الطيور» وقبلهما مرض «جنون البقر» أعادت إلى الأذهان، لاسيما في الوسط الحقوقي وفي إطار بعض النخب الفكرية والثقافية مسألة الحق في الصحة، وعلاقة ذلك بالتنمية المستدامة والشاملة، خصوصا أن المسألة تتساوق طرديا مع درجة تقدم كل مجتمع ورفاهه وتمتعه بالحقوق والحريات.
أما السبب الثاني فهو الاجتماع الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة (ECOSOC) ومنظمة الصحة العالمية بالتعاون مع المجلس الأعلى للصحة في دولة قطر والمنعقد في الدوحة، والذي ناقش مسألة الأمراض غير السارية والإصابات في إطار التحديات التي تواجهها التنمية المستدامة في القرن الـ 21. وضم المؤتمر نخبة متميزة من الخبراء الدوليين، فضلا عن مسؤولين رفيعي المستوى من العاملين في المنظمات الدولية ذات العلاقة، لاسيما في إطار الطب وعلوم الصحة والبيئة والتغذية والتنمية، وقدر أن أشارك في المؤتمر بصفتي خبيرا مستقلا في الميدان القانوني والحقوقي، وبخاصة علاقة موضوع الأمراض غير السارية بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، ودور الأخير في التنمية المستدامة بشكل عام، وبالحق في الصحة بشكل خاص.
وإذا كان المؤتمر قد ركز على الأمراض غير السارية مثل أمراض القلب والشرايين والسرطان والسكري متناولا الوفيات الكبيرة، فإنه أيضا تناول الوفيات بسبب حوادث الطرق والمواصلات ناهيكم من أبعادها الاجتماعية والنفسية، داعيا إلى التكامل بين استراتيجيات الصحة والخطط التنموية، خصوصا أن الصحة تقع على عاتق الدولة وبدرجة أساسية، لكن لها في الوقت نفسه أبعادا اجتماعية تتعلق بالمجتمع والقطاع الخاص وكذلك بالأفراد، الأمر الذي بحاجة إلى تكامل وتواصل وتفاعل بين القطاعات المختلفة، ونشر الثقافة الحقوقية والصحية لتحسين حياة المجتمع والفرد.
لقد ورد ذكر الحق في الصحة في العديد من الوثائق واللوائح الدولية لحقوق الإنسان، ومن أهمها:
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر العام 1948، الذي نص على اعتبار الحق في الصحة من الحقوق الأساسية (المادة 25).
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1966 والداخل حيز التنفيذ العام 1976، حيث نص على ما يلي: «تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه» (الفقرة الأولى من المادة 12 للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).
وقد وردت إشارتان في المادة 9 والمادة 11 إلى هذا الحق بصورة ضمنية، حين تحدثتا عن حق كل شخص بمستوى معيشي كاف له ولأسرته، وحقه في الضمان الاجتماعي، الأمر الذي سيؤثر على الحق في الصحة، سلبا أو إيجابا عند غياب ذلك أو عند توفره.
3- الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المبرمة العام 1989، حيث نصت على أن «لكل طفل الحق في مستوى معيشي يسمح له بالنمو الجسمي والعقلي والأخلاقي والاجتماعي». (الفصل الـ 27).
وبودي أن أشير إلى تعريف منظمة الصحة العالمية لمفهوم الحق في الصحة جاء أقرب إلى مفهوم السعادة، عندما اعتبرته حالة «من الرفاهة البدنية والنفسية والاجتماعية»، وهو تعريف موسع وضروري للمفهوم ذاته، وقد وجدته أكثر ملاءمة لمفهوم الحق في الصحة. يمكن القول إن هناك ثلاثة أطر للحق في الصحة: الإطار الأول: يتعلق بالتعهد بتوفير الشروط الدنيا للصحة لكل إنسان حي. والإطار الثاني: التعهد بحماية الصحة من الأخطار والظروف التي تتهددها. أما الإطار الثالث: فيتعلق بالتعهد بإعادة الصحة لمن افتقدها (المعافاة).
وفيما يخص التعهد الأول، فلا بد من توفير الشروط الدنيا للصحة، التي تتلخص في مياه صالحة للشرب وغذاء فيه سعرات حرارية مناسبة وسكن ملائم وتعليم بحده الأدنى. ولعل هذه العوامل الأربعة هي التي تحدد طول العمر، ارتباطا بالصحة، إذ إن التباين في الشروط الصحية هو الذي يظهر البون الشاسع فيما يتعلق بالوفيات، خصوصا وفيات الأطفال ما بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، والدول الغنية والدول الفقيرة.
لقد كان لتحسن المستوى المعيشي لسكان أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وبخاصة ظروف المعيشة والتغذية والسكن، دوره المهم في القضاء على مرض السل مثلا، خصوصا بعد اكتشاف عصيات كوخ، وفيما بعد المضادات الحيوية والتلقيحات الاستباقية، ومثل هذا الأمر له علاقة ببعض الأمراض السارية أو المستوطنة في العديد من بلدان العالم، والذي أسهم في ارتفاع معدل العمر وتقليص عدد الوفيات. ولا شك أن غياب شروط التعهد بتوفير الحد الأدنى من الأوضاع الصحية، وغياب الضمان الاجتماعي وارتفاع مصاريف العلاج كلها تساعد في تردي الوضع الصحي، وتكون عامل تعطيل لعملية التنمية المستدامة، إذ إنه بتوفر شروط إيجابية في الصحة، فإنها تساعد في مساهمة البشر في عملية التنمية، لاسيما بتقليص الفوارق بين الأغنياء والفقراء.
أما التعهد بحماية الصحة فإنه يتعلق بواجب الدولة في تأمين الشروط الصحية الأساسية لحماية جميع المعرضين للمرض (الصحة للجميع)، بسبب الجهل والفقر، وهو الأمر الذي يتطلب التلقيح ضد بعض الأمراض السارية والمستفحلة، وطريق زيادة التوعية الصحية والتربية المدرسية والفحص السنوي وغيرها، وذلك من خلال برامج يشارك فيها المواطنون أنفسهم، كما يتطلب الإقلاع عن بعض العادات السيئة لاسيما في البلدان النامية، منها الزواج بالأقارب وخطر الإصابات بالوراثة وغيرها.
وفيما يتعلق بإعادة الصحة أو استعادتها، أي «المعافاة» بعد وقوع المرض، سواء لسبب طارئ أو لعيب خلقي أو لانعدام الظروف الدنيا للصحة (الإطار الأول للتعهد) أو فشل سياسة الحماية الصحية (الإطار الثاني للتعهد)، فإن انتهاك الحق في استعادة الصحة (المعافاة) ينجم عن عدم القدرة في تسديد فواتير الخدمات الصحية (العلاج)، خصوصا أن بعضها أصبح تجارة رائجة، فمن أين يأتي الفقراء بالمال لتأمين نفقات علاجهم ومعافاتهم!؟ ومن ذيول عدم التمكن من استعادة الصحة هو غياب الضمان الاجتماعي، واستشراء ظاهرة الفقر وعدم قدرة أصحاب الدخول المحدودة على توفير إمكانات العلاج الحديث، فضلا عن استغلال بعض العاملين في الحق الطبي.
وحتى الآن فإن العالم يفتقر إلى تشريعات فعالة لحماية حقوق المرضى من التجاوزات والانتهاكات، وإن كانت هناك بعض النصوص القانونية، كما هي إعلان نورمبرغ العام 1947 وما ورد في اتفاقيات جنيف الأربعة العام 1949 وملحقيها العام 1977 وإعلان هاواي العام 1977 وإعلان طوكيو العام 1975 وإعلان أثينا العام 1977 وإعلان ألما آتا العام 1978، إلا أنها غير كافية، رغم أنها نصت على تحريم إجراء أية تجربة طبية على المريض دون رضاه، ومنع استخدام الطب العقلي لأغراض سياسية، وامتناع مشاركة الأطباء في التعذيب وحماية حقوق السجناء في الصحة والرعاية الطبية، وقد دعا الاجتماع الوزاري إلى اعتماد تشريعات فعالة لضمان ذلك، مفردا دورا للمجتمع المدني يمكن أن يضطلع فيه.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإيهام بالغرق: أهي لعبة رومانسية!؟
- الفقه القانوني -الإسرائيلي-: التذاكي والحقيقة
- -التمرد الثاني- المسكوت عنه في العراق
- مغزى علاقة التنمية بالمجتمع المدني
- إشكالية الهوية والمواطنة في العراق
- في ثقافة المواطنة
- المستقبل العراقي: الأسئلة الأكاديمية الحارقة!!
- سعد صالح: الاستثناء في الحق!!
- من المسؤول عن تشويه صورة الاسلام؟
- تنميط الإسلام: الصورة الصهيونية
- تحطيم المرايا: في ضرورة منهاجية نقدية لتجاوز الانغلاق للذات ...
- الدكتور شعبان يحطم مراياه
- في الطريق إلى ديربن: ماذا تعلمت إسرائيل وماذا تعلّم العرب؟
- المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري
- فشل المشروع الأمريكي سياسيا في العراق دعا أوباما الى الانسحا ...
- العرب والعراق.. ماذا يريدون منه وماذا يريد منهم؟
- أوباما في بغداد: ما الجديد؟
- النقد الذاتي بداية الطريق إلى النقد الكلّي
- ماركس لم يقرأ التاريخ ولم يتحدث في الدين !!
- استراتيجية أوباما والتركة الثقيلة


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - الحق في الصحة