أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - عن الشرخ السياسي في مسلسل الباشا – الحلقة الأخيرة –















المزيد.....


عن الشرخ السياسي في مسلسل الباشا – الحلقة الأخيرة –


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2652 - 2009 / 5 / 20 - 04:30
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



من المؤسف جدا أن الكتابة النقدية عن مسلسل الباشا غاب عنها الكثير من ذوي الاختصاص السياسي ، ومن ذوي الاختصاص التاريخي ، ومن ذوي الاختصاص الفني . بهذا الغياب انحصر همّ كاتب المسلسل في الدفاع عن بعض الإشكاليات الصغيرة المتعلقة ببعض فروع المسلسل . يتضح ذلك من أغلب مضامين رسالته المعنونة ( أيها المشرف التاريخي .. ممّ تتبرأ ) وهي رسالة لا تحمل قدرا عاليا من الوعي النقدي أوالوعي الفني ، فضلا عن كون كاتبها لم يبد أي خطوة لمراجعة أي ملاحظة من ملاحظات المشرف التاريخي على المسلسل . بهذا برهن على عدم استعداده لممارسة أي شكل أو مستوى من النقد الذاتي كما يفعل الكثير من كتاب السيناريو العالميين والعرب تأسيسا على كتابات نقدية أو صحفية . كما أن تلك المضامين لم تستطع إلا أن تحمل نهجا هجائيا بحق ثلاثة من الكتاب العراقيين المرموقين ( الدكتور سيار الجميل وناطق خلوصي وعبد الرزاق الحسني ) . هذا الهجاء لم ينطلق من منطق جدلي سليم أو اعتمادا على مراجعة تاريخية لوضع معادلة الخلاف بينه وبينهم على منضدة الحوار والحساب الدقيق ، بل راح يستخدم أسلوب المبالغة في صواب معلوماته ليمارس قمعا تقليديا لحق " الآخر " في نقد ومعارضة العقل السياسي السائد في حلقات المسلسل ، كأنه يريد أن يؤكد حقيقة أن العراق ما زال بحاجة حقا إلى شبكات عقلانية ، فردية او جماعية ، لكي تحول " حرية التعبير " إلى عنصر معمول به فعلا .
بدا لي فلاح شاكر ، أيضا أنه يعتقد أن القادر على التعبير ، بغض النظر عن مقدار صوابه ، هو " الأقوى " ، بل هو " الأرجح " من وجهة نظر نقطة الانطلاق في المعرفة الفنية أو التلفزيونية على وجه التحديد ، إذ راح فلاح شاكر يعدد باستفاضة مهام وواجبات المشرف التاريخي محددا ما هو ضمن سلطة الدكتور سيار الجميل وما هو ليس من سلطته أو اختصاصه . بمعنى أن التصرف ، بهذه الحرية في تجاهل ملاحظات المشرف على مختلف جوانب العمل ، لم تخلو من العدوان على حق " الآخر " في التعبير وفي اتخاذ الموقف . هذا النوع من العلاقة بين المثقفين هو ، بكل تأكيد ، موروث من الأنظمة السابقة ، إذ كان يسود فيها التعسف بحق " الآخر " بدلا من سيادة نموذج المسئولية المشتركة .
لا شك أن لغة الحوار الأدبي والفني هي الوسيلة الوحيدة لإيصال ( الرأي والرأي الآخر ) إلى القراء بقصد التفاعل معهما لاكتشاف وتحديد وعي الحرية . غير أن محرر موقع " الزمان " لم يستند إلى المقومات الأساسية ، لا لوعي الحرية ، ولا لدرجة المسئولية المطلوبة للوصول إلى الصواب في الحوار الدائر حول مسلسل الباشا نوري السعيد . فهو قد افترض نفسه خصما لما كتبته أنا شخصيا حول المسلسل ولم يقف موقفا صحفيا محايدا هدفه نشر الأفكار والرؤى النقدية المتعارضة القادرة على تشخيص نقاط الضعف والقوة في المسلسل .
إن الوظيفة الأساسية للمسئولية الصحفية ليست وظيفة " شكل " بل هي وظيفة " مضمون " أيضا ، مهمتها إيجاد نموذج من العلاقة الصحيحة بين الناقد والمنقود خدمة لمشروع سياسي – فني بمستوى مسلسل الباشا . كان هذا هو هدفي الأول والأخير من كتابتي النقدية للمسلسل ، التي بلغ حجمها أضعاف ما كتبه السيناريست نفسه في عمله الفني كله . لا ادري لماذا تلاشى حقي في النشر على صفحات الزمان التي تعتبرني واحدا من كتابها ، حسب القائمة الموجودة على يمين موقع الجريدة على الانترنت . في تقديري أن رفض نشر مقالاتي يضر بالعمل نفسه ولا يضرني مطلقا لأنه قلل من حجم الحوار النقدي الجماعي ، الحوار الوحيد القادر على تغذية الخيال الفردي لكل فنان ، وهو الوحيد القادر على تنصيب الأسس العقلية العلمية فوق أسس العلاقات الشخصية . إن طبيعة ونوع وعدالة العلاقات بين أطراف المتحاورين هو مظهر مهم من مظاهر تغلب العلاقة الديمقراطية على العلاقة الشخصية كان على محرر جريدة الزمان أن يسعى لان يكون الحوار كتلة جماعية من المعلومات ، المتعارضة أو المتخالفة في جلّها أو المتجانسة في بعضها ، أي كان عليه ان لا يمنع نشر ما أجده تبصيرا أو تفسيرا لظواهر تتعلق بشخصية نوري السعيد كي تكون الإحاطة بالموضوع كاملة إلى حد ممكن .
أعود الآن إلى ما نشره محرر " ألف ياء " تحت عنوان ( فلاح شاكر يرد على المتبرئين والناقمين ) لأسأله من هم " المتبرئين " ..؟ لقد عرفت ُ الناقمين من خلال ورود أسماء البعض منهم في مقالة ( ممّ تتبرأ ) لكنني ما عرفت ُ ، ولا القراء عرفوا ، من هم ( المتبرئون ) ..؟ كلنا عرفنا أن هناك متبرئا واحدا هو الدكتور سيار الجميل الذي قال : (( لابد أن أبرئ مراجعتي التاريخية من كل المنزلقات التي عانى منها مسلسل الباشا نوري السعيد ، ومنها ما كان يخص المعلومات التاريخية ، ومنها ما بدا على الشخصيات بدءا بالبطل الباشا وانتقالا إلى غيره من الشخصيات .. ومنها ما كان يخص الموضوع السياسي ، وحجم الخلافات العراقية بين من هو مؤيد لذلك التاريخ الذي يقف على رأسه نوري السعيد ، وبين من هو معارض ، بل وساخط ضده ، حتى بعد مرور خمسين سنة على نهايته الدرامية الفريدة .. )) .. بهذا المقطع نجد ، أيضا ،جوابا واضحا ومكثفا على سؤال فلاح شاكر " ممّ تتبرأ " إذ تبرأ المشرف التاريخي ليس من نطاق التعبير على ألسنة أبطال المسلسل ومشاهده ، بل من نطاق واتجاه نظر المؤلف بما يخص المعلومات التاريخية . بحق أسأل ، هنا ، ما جدوى مسلسل " تاريخي " إذا وقع بمنزلقات " تاريخية " ..؟ وعسى أن يأخذ كاتب السيناريو من هذا التبرؤ رؤيا جديدة لموضوع السيرة الذاتية لنوري السعيد ، خاصة وانه ، أي فلاح شاكر ، منشغل ، كما يبدو ، بآفاق الجزء الثاني من المسلسل .
من هم المتبرئون الآخرون ..؟ هل تبرأ المخرج من المسلسل أو من بعض حلقاته .. هل تبرأ المنتج ..؟ أم هناك غيرهما أرجو التعامل مع هذا الأمر بوضوح كي تكتمل الصورة أمام الجميع ، خاصة وأن هناك حاجة حقيقية إلى مواقف وآراء ومشاعر تجعل المشرف التاريخي الدكتور سيار الجميل مطمئنا بأن تاريخ العراق الحديث بأيد أمينة بعد أن عبر في مقالته بالقول الواضح : ( إذ لم ينجح الفن العراقي في أن يسيطر على هكذا موضوع تاريخي له صعوبته وتعقيداته ليقدمه إلى الناس ببراعة متناهية ! وعلى الرغم من إعجابي الشديد بكاتب المسلسل الذي يتمتع بحس روائي مرهف .. لكنني من خلال تعاملي مع الرجل والنص الذي كتبه ، فلقد وجدته وهو يكتب نصا عن نوري السعيد ، وهو في مكان بعيد من بلاد الشام ، ومن دون أن يعيش تجربته ، أو يدرك من عايش تلك التجربة ، فضلا عن بعده الجغرافي عن تراث العراق السياسي ..) .
هذا قول فيه الكثير من درجات تواضع أستاذ أكاديمي أمام " تلميذه "كاتب السيناريو ، غير أن فلاح شاكر لم يتأن في رده على " أستاذه " فقال مجيبا : ((أما يا سيدي الفاضل حديثك عن عشرات الملاحظات التي قلتها لي ولم ننفذها فأتمنى عليك أن تذكرني بواحدة فقط تخص ملاحظات تاريخية وليس حول الموسيقي او الديكور او التمثيل..فأنا اجزم بأني حين عملت معك أخذت كل ما تقوله بجدية كاملة وباحترام كبير لأنك عالم وأستاذ.. نعم بعض التفاصيل أو الاقتراحات حول ما لا يخص مراجعاتكم التاريخية (التمثيل والأزياء والموسيقي) لا أقول لم يؤخذ بها بل للأسف كان ظرف الإنتاج اكبر من رغبة القائمين علي العمل والآن يا سيدي بعد أن أجبتك علي اعتراضاتك وأوضحت أننا أخذنا بكلها فيما يخص التفاصيل التاريخية (اكرر التاريخية وليس تنفيذ العمل) يحق لي أن أسالك يا سيدي من ماذا تتبرأ ولماذا تتبرأ؟؟ كنت أود من القلب أن لا تقتطع من مقالة الأستاذ ناطق خلوصي ما يخصك فقط وتترك له المساحة من خلال إجاباتك وكأنه علي صواب كنت أتمني عليك مثلما دافعت عن نفسك كخبير تاريخي أن تدافع عن أفكار المسلسل خاصة وأنت كنت قد تبنيتها معي.. حضرتك لم ترد علي مغالطات الأستاذ ناطق خلوصي.. )) .
هنا تذكرتُ آشور بانيبال حين قال ذات يوم : (أنا آشور بانيبال من نسل الالهة ) . ثم تصورت كاتب قصة وسيناريو وحوار مسلسل الباشا يقول :
أنا فلاح شاكر كاتب مسلسل الباشا نوري السعيد .. أنا من نسل آلهة كتاب السيناريو خلقني الله وحدي للمسرح والتلفزيون .. أنا سيد السيناريوهات وليس من حق احد أن يعترض على خبرتي السياسية والتلفزيونية .
لا بد من أن أكون صريحا مع الأخ فلاح شاكر فأقول له : أن موقفك لا يحمل صفات مـَن يريد أن يكون مؤثرا في العملية الفنية العراقية ، فلا يخفى على احد ، أن مثل هذا التأثير يحتاج ، أولا وقبل كل شيء ، إلى مرونة ٍ تسع بكل بساطة جميع توازنات الرأي والرأي الآخر . هكذا تعلمتُ شخصيا منذ ما يزيد على نصف قرن ، من جميع أصدقائي وأساتذتي ، أن أول أشكال العلاقة الثقافية تقوم على رفض تام لكل منع على الفكرة المخالفة . لذلك فأنا هنا ألجأ الى ما نقلته السيدة عصمت السعيد زوجة صباح نوري السعيد في كتابها ( نوري السعيد رجل الدولة والإنسان ) الصادر عن مبرة عصام السعيد – لندن 1992 حيث نقلت المؤلفة عن نوري السعيد قولا مأثورا : ( المعارضون اشد وطنية مني إلا أنني اعتقد بان سياستي هي الأوفر حظا والأحسن للوصول إلى الغاية التي ننشدها جميعا فليس بيد احد أن يعدل المعوج أكثر من ذلك ) .
هنا نجد نقطتين أغفلهما فلاح شاكر في جدله حول نوري السعيد وتكويناته العقائدية والدستورية . فأولا كان في هذا القول خيال وشعور أخضعهما لموقف "الآخر" أي " المعارضون" ..
النقطة الثانية التي أشار لها نوري السعيد هي المباراة بين الجميع لتعديل المعوج .
كم أتمنى أن تكون النقطتان في موضعهما الصحيح ، باعتبارهما تجربة من تجارب نوري السعيد ، وأن تكونا موضع الاهتمام والتشريح التجريبي لفلاح شاكر طالما هو في نهاية الأمر يرفض مبادئ ، وانتقادات ، وإصلاحات ، وقواعد أساسية ، قدمها له المشرف التاريخي الدكتور سيار الجميل .
إن الشيء المهم والرئيسي الذي افتقر إليه كاتب سيناريو الباشا هو عدم معرفته معرفة كاملة ( أن السياسة هي علم حياة أفراد في مجتمع إنساني ) لذلك كان عليه أن ينطلق في كتابة مسلسل الباشا من هذه الحقيقة الواردة أساسا في عقل نوري السعيد نفسه ، كما في إحدى مقولاته الأنفة الذكر .
مرة أخرى أقول أن الفن التلفزيوني - التاريخي يجب أن لا يحمل فقط مفهوما فرديا أو روحا إعلامية من دون اكتشاف فني – عقلاني أمين و مسند بظواهر تاريخية قائمة على خبرة المؤرخين .
مثل هذا الإقرار يفرض على كاتب السيناريو التاريخي أن يخضع لمستوى أبحاث وخطط وأسلوب المشرف التاريخي وأن يستفيد من عطائه العلمي ، مثلما يستطيع الاستفادة من مصادر أخرى برضا وموافقة المشرف أيضا . في المكتبة الانكليزية وفي أرشيف وزارة الخارجية البريطانية وفي مكتبة جامعة لندن وغيرها الكثير من الوثائق والكتب عن نوري السعيد وعن دوره الاجتماعي والسياسي كتبها انكليز وعرب وغيرهم . منهم خصوم له ، ومنهم من القريبين جدا له ، فهل اعتمد عليها أو على بعضها كاتب السيناريو ..؟ لا أظن ، لأن أغلبية الكتاب العرب والانكليز كانوا قد توصلوا إلى حقيقة واحدة لا خلاف عليها هي : أن نوري السعيد يمثل أقوى المناصرين للسياسة البريطانية في العراق والشرق الأوسط . وكما قال الدكتور فاضل حسين مؤلف كتاب سقوط النظام الملكي في العراق(( لقد اعتبره البريطانيون والكثيرين من العراقيين والعرب رجل بريطانيا القوي في هذه المنطقة . برز بصورة واضحة في الميدان السياسي منذ عقده معاهدة 1930 العراقية – البريطانية وإبرامها وقد احتوت على شروط تحقق المصالح البريطانية الرئيسة وظهر في نظر العراقيين دكتاتورا يحكم العراق بالنيابة عن بريطانيا . زاد نفوذه وقويت مكانته بعد فشل ثورة مايس 1941 وإعادة احتلال بريطانيا للعراق وقد خلا له الجو بعد غياب الشخصيات القوية مثل عبد المحسن السعدون والملك فيصل الأول وجعفر العسكري وياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ومهما قيل من تبرير لسياسته المؤيدة لبريطانيا من انه قصد بها خدمة العراق والعرب فأن الشعور العام كان عدائيا نحوه وقد تصرف الناس بعامة والمثقفون بخاصة طبقا لهذا الشعور ..)) .
هنا أوجه سؤالي لكاتب سيناريو الباشا : هل أن جميع من كتب عن نوري السعيد هم من الناقمين ..؟ أليس نوري السعيد كان من النوع الذي لا يحترم المثقفين ولا يعتمد عليهم أصلا ، بل كان جل اعتماده على إقامة العلاقات شبه الإقطاعية في الريف وتمكينه لسيطرة الإقطاعيين على الفلاحين في وقت كان يعزز في المدينة قوة أنصاره من أعوان السياسة البريطانية داخل الدولة والجيش . في هذا الصدد قال ولدمرغولمان السفير الأمريكي في بغداد في كتابه الذي أشرت له في حلقة سابقة (( قضى نوري السعيد الكثير من السنين التي كونت شخصيته في عهد الإمبراطورية العثمانية في أجواء العصور الوسطى . كان نوري السعيد على تماس شديد بشيوخ القبائل منذ بداية حياته العامة وبقي على تماس شديد بهم طيلة عمره . وقد أدرك مقدار القوة التي يتمتع بها هؤلاء في أنحاء البلاد فاعتمد على تأييدهم للسيطرة عليها . وقد كلفه ولاؤه لهم ثمنا غاليا من رضا الجماهير عنه ..)) .
أرجو أن لا يفهم الاخ فلاح شاكر من كلامي هو إدانة " كل " الماضي خلال النظام الملكي وخلال سيطرة نوري السعيد ، بل كانت هناك " ايجابيات " لا يمكن نكرانها في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهي معروفة لجميع عناصر النخبة العراقية المثقفة ، بمختلف اتجاهاتها السياسية ، خاصة إذا ما قورنت تلك " الإيجابيات " بأوضاع فترات الحكم الجمهوري اللاحقة . لكن السلبيات كانت من ابرز الظواهر في عدائها لمصلحة الشعب العراقي بمختلف الطبقات الاجتماعية بما فيها المجموعات القريبة من نوري السعيد نفسه لان الدولة آنذاك كانت " دولة " الخاصة الحاكمة وليست دولة العامة من الناس .
لا أريد هنا أن أقدم مستندات إحصائية عن ما يتعلق بـ"السلبيات " و" الايجابيات " والأحداث الفاجعة خلال 38 عاما من النظام الملكي ، التي لم تخلو من الانقلابات العسكرية ومن أعمال الغدر والاغتيال ومختلف أنواع الدسائس والمؤامرات وحتى " الأخطاء " السياسية الكبيرة، التي ما كان ينبغي لأي باحث في التاريخ العراقي أن يتجاهل ذلك كله ، بالتقاط وقائع معينة على حساب وقائع أخرى ، أي انه ما كان على فلاح شاكر أن يستخدم الوسيلة الانتقائية في السيرة الذاتية لنوري السعيد ، مما أدى إلى اضطراب ظاهر في مستوى حلقات مسلسل الباشا فوقع الكثير من الحوار بمفاهيم ومفردات سطحية وبعضها ثقيل التعبير .
لا ادري كيف فكر فلاح شاكر بالدولة العراقية الملكية ، وكيف فكر بسلطات نوري السعيد ، وكيف فكر بميزات وأصول وشرعية عشرات القرارات والإجراءات التي ألحقت ضررا بمصالح المواطنين .
من السهولة معرفة أن فنان التلفزيون ليس مؤرخا ، وان كاتب السيناريست ليس عالما بالسياسة ، وان العوامل الشخصية وحدها لا تخلق أمجادا ثقافية أو فنية . لقد كانت مهمة تكليف فلاح شاكر بكتابة سيناريو عن اعقد شخصية عراقية هي محض صدفة أو أنها ثمرة صدفة . كان عليه أن ينتمي إلى حركة واسعة وجماعية لتحديد زمان ومكان ونوعية الأحداث الرئيسية ، التي رافقت تاريخ هذه الشخصية . بهذا الخصوص أرجو أن يسمح لي فلاح شاكر بتذكيره ببعض الإجراءات والقرارات التي اتخذها نوري السعيد مباشرة أو أنها كانت بدفع منه ، وهي بكل الحالات كانت تعبر عن أفكار ومذاهب نوري السعيد في العلاقة مع الشعب العراقي ومع الفكر السياسي عموما . من هذه الإجراءات أشير إلى بعضها كما يلي :
(1) من المعروف أن بريطانيا العظمى لم تف بوعودها في تحقيق الاستقلال الكامل للبلدان العربية ،كما وعدت الحسين بن علي شريف مكة ، وكان نوري السعيد الشخصية العراقية التي تناست هذه الوعود أو تغاضت عنها .
(2) فرضت بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين وسوريا ولبنان وكانت صيغة الانتداب ومعاهداته شكلا من أشكال الاستعمار الكلاسيكي وكان نوري السعيد واحدا من أهم منظري ومصممي الانتداب .
(3) من المعروف ، كما تشير إلى ذلك مئات الوثائق البريطانية الموجودة في وزارة الخارجية البريطانية ، أن بريطانيا كانت قد عملت بكل جهدها ليكون نوري السعيد ممثلا لمصالحها السياسية في العراق والشرق الأوسط .
(4) لا ادري كيف غاب عن ذهن فلاح شاكر وقوع الكثير من الحوادث الفاجعة ، التي كان الكثير من السياسيين العراقيين ، ومن المؤرخين العراقيين ، وغيرهم من السياسيين والدبلوماسيين البريطانيين قد ارجعوا أسبابها أو تنفيذ خططها إلى السفارة البريطانية ونوري السعيد ، معا ، مثل مصرع الملك غازي وتنصيب عبد الإله وصيا على العرش .
(5) تجاهل المسلسل وقوف نوري السعيد موقفا تضامنيا مع اغلب مواقف وطموحات عبد الإله الذي أسهم مباشرة في جميع خطط مكافحة الحركة الوطنية العراقية . قال احد الخبراء الانكليز من العاملين في وزارة الأعمار اسمه فريدريك سنيل (( لم اسمع قط من أي فرد عراقي عادي أي مديح لعبد الإله . كان الناس يرون فيه الرجل الذي لا تهمه المصلحة العامة وإنما تطغي عليه مطامعه وأنانيته الشخصية بحثا عن الفوائد لنفسه ولعائلته . لا يخضع لأي قانون ولا لأي عرف سياسي أو أخلاقي . وقد قيل الكثير عن حياته الشخصية وزيجاته الفاشلة فصدق الناس العديد من المبالغات . وقد مكن عبد الإله لنوري السعيد أن يحكم حكمه البوليسي . ولا شك أن عبد الإله يتحمل مسئولية كل ما عمله نوري السعيد ..)) . انظر كتاب " ثورة العراق " لمؤلفه فريدريك سنيل .
(6) من ضمن مراسيم ملكية صدرت عام 1954 مصممة من قبل حكومة نوري السعيد الثانية عشرة هو مرسوم تعديل ذيل قانون العقوبات البغدادي الذي نص على أن(( كل من حبذ أو روج أياً من المذاهب الاشتراكية – البلشفية – الشيوعية – والفوضوية الإباحية وما يماثلها التي ترمي إلى تغيير نظام الحكم والأوضاع السياسية للهيئة الاجتماعية المضمونة بالقانون الأساسي ، يستحق عقوبة الحبس لمدة سبع سنوات والحبس المؤبد أو الإعدام إذا كان التحبيذ قد جرى بين القوات المسلحة ، سواء كان ذلك مباشرة أو بواسطة هيئات أو منظمات تهدف إلى خدمة أغراض المذهب المذكور تحت ستار أي أسم كان كأنصار السلام والشبيبة الديمقراطية وما شاكل ذلك ..)) .
(7) كما صدر مرسوم آخر بعنوان مرسوم ذيل قانون الجنسية وجاء فيه لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي المحكوم وفق ذيل قانون العقوبات البغدادي .
(8) كذلك صدر مرسوم النقابات وجاء فيه : لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية أن يقرر غلق أية نقابة مؤسسة وفق قانونها الخاص بصورة دائمية أو مؤقتة عندما تسلك النقابة مسلكا يمس الأمن العام أو النظام العام أو بسبب إقلاق الراحة مما يدل على خروجها عن الأسس والمبادئ التي أسست من اجلها .
(9) صدر أيضا مرسوم الجمعيات خول وزير الداخلية إلغاء الجمعيات والنوادي ودور التمثيل .
(10) كذلك صدر مرسوم المطبوعات الذي خول وزير الداخلية إلغاء إجازات ( تراخيص ) الصحف والمجلات .
(11) ثم صدر بعد ذلك مرسوم الاجتماعات العامة والمظاهرات الذي خول وزير الداخلية إعطاء إجازات التظاهر والتجمع وأعطى الموظف الإداري حق تفريق المظاهرات إذا عرضت الأمن والنظام إلى الإخلال وإذا كان المتظاهرون أو قسم منهم يهتفون هتافات معادية ضد نظام الحكم أو لغرض إثارة الجمهور ضد الأمن والنظام أو يحملون لافتات من هذا النوع .
كانت كل هذه المراسيم قد صدرت مرة واحدة لكي تخول أجهزة القمع البوليسي بسلطات استثنائية لقمع حركة المعارضة العراقية وأحزابها الناشطة في تلك الفترة بعد إجراء انتخابات مجلس النواب ( حزيران 1954 ) حيث دخلته المعارضة بعدد من النواب الفائزين هم كل من كامل الجادرجي وحسين جميل ومحمد حديد ومحمد مهدي كبة ومحمد صديق شنشل وعبد الجبار الجومرد وخدوري خدوري ومسعود محمد وذنون ايوب وجعفر البدر .
لم يتحمل نوري السعيد هذا الفوز إذ حل نوري السعيد مجلس النواب بعد انعقاد أول جلسة فقط ، ثم أجرى انتخاب مجلس جديد عن طريق تزييف الانتخابات بصورة سافرة تماما .
كل تلك الإجراءات كانت تمهيدا سريعا لتهيئة الأوضاع المناسبة لعقد معاهدة حلف بغداد ( السنتو ) لربط العراق عسكريا وسياسيا بالخطط البريطانية – الأميركية في الشرق الأوسط .
هذه بعض المعلومات الختامية التي وددت وضعها أمام ذاكرة فلاح شاكر وهي تكشف خرافة قول القائل بان تاريخ العراق الحديث كان تحت الدور الخلاق لنوري السعيد متميزا بالديمقراطية والوطنية والإصلاحية . أملي الكبير أن لا ينسى الأخ فلاح شاكر عند كتابته الجزء الثاني من المسلسل الانفجاريات الشعبية الكبرى عام 1948 – 1952 – 1954 – 1956 وهي الانفجارات التي كانت مصحوبة بالعنف البوليسي وبالحوادث الدامية وسقوط الشهداء في الشوارع التي مهدت في ما بعد لقيام ثورة 14 تموز عام 1958 التي قضت بصورة نهائية على النظام الملكي وكان نوري السعيد من أوائل ضحايا سياسته نفسها .
أتمنى مخلصا على السيد فلاح شاكر ان يعرف في ختام الحوار حقيقة موقفي منه ومن العمل الذي قام به تلفزيونيا فموقفي في جوهره هو أنني مهتم جدا بان يكون فلاح شاكر قادرا على توفير نص فني - سياسي أمين ، شرطه المسبق هو عدم تجاهل أو إغفال قوة الوثيقة ومداها السياسي .
كنت سعيدا خلال الحلقات التي كتبتها عن مسلسل الباشا لأنني التقيت مع فلاح شاكر بحوار سياسي – فني أرجو أن يكون متعة للقراء .



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن دبلجة فلم عنوانه : البصرة عاصمة الثقافة العراقية ..!!
- بيان حول ضرورة تدارك حالات التوتر بين الجماعات الحاكمة في ال ...
- التعليم العالي في العراق .. صدمة وكارثة ..!!
- نحتاج إلى مليون صابونة ركَي لغسل أكاذيب المسئولين..!!
- الشرخ السياسي في مسلسل الباشا 5
- إذا المربد يوما أراد الحياة فلن يستجيب القدر ..!!
- عن الشرخ السياسي في مسلسل الباشا 4
- عن الشرخ السياسي في مسلسل الباشا (3)
- المعلقات السبع لا تنفعكم أيها العراقيون .. كونوا هنوداً ..!!
- عن الشرخ السياسي في مسلسل الباشا (2)
- مرة أخرى عن الشرخ السياسي في سيناريو مسلسل الباشا (1)
- السر الوحيد الذي تستطيع وزارة الداخلية إخفاؤه هو غباؤها ..!!
- الكذب ليس قوة كما يعتقد حزب الله ..!
- في عين المندائي ألف دمعة ..!
- البصرة صيفها حارق الحرارة وشتاؤها صقيعي البرودة ..!
- فخامة الرئيس يمارس الجنس مع قاصر ..!!
- موشي ديان في كربلاء .. ربما ..!!
- أحسن طريقة لفض النزاع بين الفقهاء والشعراء هو إلغاء الشعر .. ...
- حسن نصر الله صار صعيديا ً..!!
- لا أحد يقتل الغبار في العراق بل هو يقتلنا جميعا ..!


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - عن الشرخ السياسي في مسلسل الباشا – الحلقة الأخيرة –