أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف عزالدين - ماوراء البوابة القديمة















المزيد.....

ماوراء البوابة القديمة


يوسف عزالدين

الحوار المتمدن-العدد: 2644 - 2009 / 5 / 12 - 06:34
المحور: الادب والفن
    


عندما القيت نظرة اخری الی البوابة القديمة، وجدتها مثل ماکنت قد ترکتها قبل زمن، باب لبيت من الطين.. کجميع البيوت الطينية فی مدينة بلون التراب.. قد هجرتها لسبب ما او ضننت ذلک ولم اهجرها فعلا!؟.
لم اجد صعوبة فی ايجاد البوابة القديمة لبيتنا العتيق، بيت عشت فيها ايام و سنوات تترنح مثل قارب فی نهر عکر.. نهر من شظايا ذکريات؟!
عندما القيت نظرة اخری الی بوابة القديمة، وجدتها مثل ما ماکنت قد ترکتها.. مع اضافة قرنين معلقتان فوق الباب، ربما کانت لغزال جبلي، قد اصطادها احدهم.
في تلک اللحظة و رغم اصراري فی تحريک داخلي و البحث عن خيوط من ذکريات، لکي اعرف ما جری لي.. لم اجد الی شظايا لأطياف من الصور المتداخلة و مخالفة بعضها لبعض.. اقرب الی هلوسات مريض نفسي و ابعد من کونها حقيقة اشياء قد حصل فعلا.
ربما عبثا کنت امعن النظر في البوابة القديمة لکی استرجع شيئا من خفايا ذهني و ذاکرتي.. ورحت بحس مشغول اترقب المارين امامي اذا مروا..کما لو انني في اعماق و متاهات حلم لامتناهي، کنت احس بأشياء غريبة و اسمع اصواتا لم اکن قد سمعتها من قبل، مع احساسي بثقل الزمن و ضني بوجود ‎ظلال مخيفة و عجيبة لأشياء غير مرئية.
لم يکن يوما عاديا و عابرا من ايام المدينة، کما لم يکن يوما ترابيا او هذا ما کانوا يسمونها عندما تسقط التراب فوق المدينة التعيسة و الغارقة فی بوئسها علی مدی زمن کونها مدينة و منذ ان بناها احد سلاطين القاجار، ربما خطئا....
بعد ايام و ليالي من سقوط التراب، کانت يهطل المطر و تتحول المدينة الی مستنقع من الطين و الوحل...
رويدا رويدا کنت اشک اکثر بوجودي الفعلي امام تلک البوابة القديمة، ولکن بالرغم من ضني، في تلک اللحظة.. کنت اری البوابة القديمة جيدا!؟
ولکن لم اکن علی علم و دراية بکيفية رجوعي، في حال اذا کنت قد رجعت فعلا!؟
انتظرت طويلا لحين تخيلت ان عجوزا مارا امام البوابة القديمة، تنظر الي بامعان کما لو انه‌ يعرفني، سألته‌:
( - هل تعرف من انا؟
- کلا...
- ولکن انا من عاش سنوات طويلة، خلف البوابة القديمة لبيتنا العتيق!؟
- هذا ما يبدو لک، لم يکن لزوجين العائشين خلف البوابة القديمة حتی مماتهم، اي اطفال...
- هل يعيش الآن احد في بيتهم؟
- البيت مهجور منذ سنوات...).
بعد اختفاء العجوز امام نظري، بدأت المطر بالهطول.. التصقت بالبوابة القديمة و انا في حالة من اليأس و عدم الطمأنينة بما قد يحل بي.. في زمان ومکان لا انتمي اليها، مع علمي و يقيني اني کنت انتمي اليها يوما.
مياه‌ المطر جعلتني اغفو لفترة ما.. افکر في مکان ذهابها.. افکر في صهاريج باطن الأرض و الشقوق و الجداول.. ولکن بالنسبة لي کانت المهم ولوج الماء الی الأعماق و سبرها لأغوار الأرض و عدم توقفها و استمراريتها بالتحول؟!.
وراحت الأمطار توشوش علی صفحة الشارع القريب من البوابة القديمة لبيتنا العتيق، امعنت النظر في الظلمة البليلة و الضباب الکثيف، او تخيلت اني اری ضبابا، يحجب عني و يخفيني عن کل شيء، حتی نفسي الذي نسيته‌ في مکان ما، او فقدته‌ في زمن آخر....
لبرهة داهمني حنين غريب لروئية ما وراء البوابة القديمة!؟.
مع انني في تلک اللحظة کنت اضن اني لا اری سوی جدارا من الظلام و الضباب.. تذکرت لا اراديا کلاما لرئيس بعثتنا:
( - دکتور عليک ان تعرف ان عملنا في غاية السرية و لا يجب ان....
- طبعا..بدون شک..
- عليک الحذر، انت الغريب الوحيد بيننا..خروج اي معلومة..
- نعم..افهم..
- ستکون حياتک في خطر او تواجه‌ مشاکل اذا..).
قبل ما يبدأ سفري مع البعثة، بقيت ليلة واحدة، في غرفة بعيدة من المدينة.. حسبما اتذکر او اضن اني اتذکر لم انام في تلک الليلة، وکنت اری في مخيلتي وجها تعيسا لشابة نصف عارية.. في حينه‌ اقشعر جسدي کله‌.. خوفا من حصول شيئا لي!؟
في الصباح بعدما لبست بدلتي الرسمية و الخاصة بطاقم البعثة، فجئت باختفاء جواربي البيضاء و حذائي، بحثت عنهما کثيرا في انحاء الغرفة ولکن بدون جدوی.. لم اجدهما ولم افهم لحد اللآن سر اختفائهما.
عندما جاء طاقم البعثة، اخذوني حافي القدمين.. دفعوني بالقوة الی داخل احدی السيارات التابعة لهم.
کان سائق السيارة قزما، لم يکن يری امامه‌ الی بصعوبة.. ولکن مع هذا لم اشعر بخوف او قلق، بما قد تحصل؟!
لم اعرف کم استغرق سفرنا، او من اين و الی اين اتجهوا.. لأنني نمت منذ ان بدأ السيارة بالتحرک، او ربما قد تظاهرت بالنوم؟!
لم افق من نومي، الا وانا في وسط حشد من الناس واقفين بخشوع و صمت في استقبال طاقم البعثة.
" الم اکن موجودا، لماذا لم ينظر احدا الي؟!"
هذا ما سألته‌ لنفسي في حينها.
في وسط ساحة کبيرة، جلسوا کلهم الا انا.. ربما لم يحسبوني کفرد من افراد الطاقم، لهذا لم يحضروا کرسيا....
مع انهم کانوا في البدء يتحدثون بصوت خافت، مختلط بشحيح همسات وکلمات مبهمة.. لکنني استوعبت ما کانوا يقصدونها من فعلة مشينة، قام بها احدما موجود معهم في نفس مکان تواجدهم.
ولکن بعدما بدأوا بالحديث بصوت عالي.. بدأت الجميع ينظرون الي باستغراب، مع بد‌‎أ المصورين الموجودين في الساحة بالتقاط صورا شتی لي و من زوايا مختلفة.. وانا واقف في مکاني کمذنب لااتحرک، محملا بالذکريات و الانفعالات، بدا طويلا بصورة لا مثيل لها.
لم يکن يزعجني شيء في حينه‌ قدر ما ازعجني تخيل وجودي مع طاقم البعثة داخل صالة عمليات، ننظر الی جسد شابة، من المستحيل ايجاد علاج لها.. وصرحوا جميعا بعدم جدوی اجراء عملية جراحية لها، ولکن مع هذا امرني رئيس طاقم بعثتنا بأن اجري عملية جراحية لها..
لم استطيع ان اعترض مع علمي بما کان ينتظرني.
کنت شاردا في تخيلاتي عندما ضربني احدهم.. ثم اقترب رئيس الطاقم مني وناولني صفحة مکتوبة.. امرني بقرأتها:
( تلک الشابة التي ماتت، لم تکن اصلا الا جسد ذي جلد خشن، بدون ایة مسامات لاخراج الافرازات من العرق او.... عجزت ان افعل لها شيئا، لهذا ماتت....).
بعد انتهائي من القراءة.. لبرهة لم يقول احد شيئا و بعدها سمعت صراخ رئيس طاقمنا:
( لم يسمع احد شيئا، کرر ما قلته‌ بصوت عالي).
قرأت نفس الصفحة بصوت عالي مرات و مرات، ولکن لم يکونوا يسمعونني.
حاول اربع اشخاص من حراس رئيس الطاقم، نزع بنطلوني بالقوة، قلت:
( لاتفعلوا...).
سمعت رئيس الطاقم:
( اذن ليس في صوتک اي عيب، اقرأ بصوت نسمعه‌ لکي لا نضطر الی..........؟!؟).
هذه‌ المرة قرأت بسرعة وارتباک، في حين لم اسمع اي کلمة مما قلته‌، ولکن کان افراد الطاقم و الحشد، راضين عني، مستمعين لي في اجواء من الجدية و الدهشة و الاستغراب، لسردي لحکاية مجرم او زاني فعل ما فعل!؟.
بعد انتهائي من القراءة، تغير الأشکال جمیعها امام نظري الی بقع سوداء.. وبعدها لم اری شيئا.. الی ان استيقضت في نفس المدينة التي کنت قد ترکتها، او اجبروني علی ترکها او...؟!
الآن انا تائه‌ في مدينه‌ لا اعرف فيها شيئا الا البوابة القديمة لبيتنا العتيق و لکن هل فعلا اعرف تلک البوابة وعشت و رأيت ماوراءها؟!.
بدا لي ان هناک صوت يقول لي:
( لاجدوی في ما تفعله‌، فأن الزمن قد فات و لم يبق شيء من البوابة القديمة.. ماتراه‌ ليس الا وهما و عبثا تبحث عن شیء لم تبقی...؟!).



#يوسف_عزالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشياء في متاهه‌ حلم
- حلم جسد بموتها


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف عزالدين - ماوراء البوابة القديمة