أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ترانيم















المزيد.....

ترانيم


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2642 - 2009 / 5 / 10 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


ويقالُ المعجزة ترمي بذرتها في الأرض البعلية :

في سمائها، أيضاً ، إمتلكتُ خرافتي ؛ أينَ تترنمُ
أوتارُ المطر الموسميّ ـ كقيثارةٍ نادرة

ها الليل يُباغتنا بنجومه وبروجه
( إضطرابٌ بقرن الثور الكونيّ ؟ )
يا لوعورة !
لأشواك هازئة ، تتقصّف قهقهة ً تحت الأقدام ،
المتسربلة بالعتمة ؛ ويا لسؤلات تطنّ في الروح
مثل يعسوبٍ مهذار :
ـ أين أنواركِ ، المعهودة في السّهل ؛ أنتِ من
تغفين في دمقسكِ ؟
ـ ما لليل لا يُضيء فوانيسه ، المُبهمَة ـ كما
مصباح بيت الميّت ؟

ملاكي الحاضر قال لي ، أن لا تجزع !
هذا ليسَ آيَة مراوغة ، و لكنه نورٌ حقّ ؛
" ولعلي آتيكم منه بقبس "
*

ويقالُ النور إنبهار الخالق بخلقه :

دونما أن يعنينا بشيء صحة إنتسابه ، أو
سهام أشعته ؛ تلك التي أتجنبها بترسيَ ،
لا تغريني تماهيها بشكل أيادٍ ممتدّة :
لي نور ذاتي !
أنظرُ إليّ به، ويراه بي غيري ؛ كما أنّ
ليَ روح فكرة فتيّة ، طارئة

يا للأنوار !
للروح منها رهبة ، مُنبهرة ؛ تكللُ بهالة
قزحيّة ، إشارتي
لكن ، لا : هيَ ذي شجرة !
وكان من ملاكي أن دعاها شجرة الحياة
داعياً إيايَ لتذوّق إحدى ثمارها
( وأيّ ثمرة ! )
وكان أن إختفى المشهَد ـ كأيّ شيء عابر
لولا أنني سمعتُ ، بأذن اليقين ، صوتََ هاتفٍ
" سيخلدُ نوري بنوركَ "
*

وقيلَ للطفل ، رماكَ المقدور تحت الزيتونة :

مباركة بين الأغراس ، أنت !
( السلالة تفرّعت من فروعكِ )
أنتِ المطوّقة بجدار غرفة المونة وبأسئلتنا
المخضوضرة ـ كبراعمكِ

وهناً على وهن ، حملتِ سنوات ريما *
دونما أن ينطبع على نسغكِ الحيّ طباعُ
أهل المنة
( وكان ملاكي قد دعاها شجرة العائلة )

وأنا عنيتُ دوماً بحفظ أنسابي ـ كرابيّ
دونما مرارة ألا تبالي بها مدينتي تلك
المزهوّة أبداً بأنساب فاتحيها

رقمي الخرقاء دلتني على أبجديّة ما ، غريبةٍ
لأتسلق خللها ، حرفاً حرفاً ، درجاتِ السرّ ؛
لأعود ، ذات ظهيرة ، أيتها الحاضرة !
لأعود إليكِ مُسلّحاً بسرّ ، يبتلعُ أسرارَكِ ـ
كعصا موسى ؛ لتكون لي أبجديّة ، بغموض
أناشيدِ بهاليل تكاياكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ريما : لم ينسكِ حيّنا ، رغم عزلة سنواتكِ المائة ،
حينما خرج لوداعكِ أحياؤه وأمواته
*

وقيل للصبيّ ذكورتك متفتحة في بطن الشجرة :

ثمّة ظهيرة خبازى وزيزان ذهبيّة ، تجولُ على
ضفة نهيْرنا ذاكَ ، الأقرب من مرمى ضفدع ؛
أين السماء مهيمنة بإستنادها على كتف السفح أو
على رمح تربته النقشبندية ، لكبرى ؛ ثمّة ترقب
أخضر ، يجولُ بين سنابل مصفرّة إعتادتْ على
إنتظار الحصاد برؤوسها المثقلة ، الخانعة

ولا يعنينا أإنتظرَ الخضرُ كثيراً أو قليلاً ؛ فما
من ظلال ، على كلّ حال ، لتكفي كثرتهم في
وطأة الهاجرة

للزيتونة المتوحّدة تجويفٌ ـ كعين سيكلوبية ؛
لشفيعها ، البدويّ ، نظرة صوفيّة مبهمَة ؛
للصِبيَة على أغصانها شرائط ملوّنة ـ كما لو
أنها تعاويذ راياتٌ نلوّح بها في وجه الغيضة
المتكبّرة ؛ ولي رايتي أيضاً ، تتأمّلها سحليّة
تخفرُ السور الأيوبيّ ، المتداعي

وأنا أيوبيّ !
أيّتها المخلوقة ، الضئيلة ، المتقمّصة أمجاداً
لا أحسنُ إرتداءها أو حتى إدعاءها

كلّ رايَة من راياتِ قبائلي ، مهترئة أو أكثر
جدّة ، تلوّح لي بأفنان الزيتونة المتهجّدَة :
أيْ مهرجان !
تضيء زنابقه ذاكرة أدهى غوراً من سرداب
الطفولة في الرزيآنه *

هاهمو الخضرُ ، تقدّموا محتشدين ذريّة واحدة
وضبابٌ يتصاعدُ من نشيدهم هناك ؛ أينَ يُطعّم
الفضاءُ بالغيوم الإلهيّة غيومه ؛ أين ملاكي قد
أشرعَ بين هذه وتلك أجنحته : رأيته وعرفته
وكان أن هتفَ بيَ ، إحتجبْ !

متوغلاً خلل أجمَة صديقة، أبصرتُ شجرتي
متهاوية راياتها قبيلة قبيلة
وكان من ملاكي أن قال ليَ ، أنظرْ !

شعوبٌ تتسلّق شِعاباً تفيضُ وديانها بضحايا
حروبٍ لا معنى لها ـ كقرابين متأخرة ؛
خريفٌ حقودٌ يمشط بهبوبه الصحراويّ زيتونتي
من راياتها ، المتبقيَة ؛ إفتتانٌ راحَ ، بالمقابل ،
يسكبُ على المشهَد ألوانَ ريش مشتعل مكراً ؛
صبيٌ عارفٌ سيهتف أخيراً بغرور الطاووس
الإله ، إثرَ نظرة في ألواحه :
" أنا من السبعة ! "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الرزيآنه : ليزيدٍ محطاتكِ المائيّة ؛ جورَة ناصر ، جورة
سيف وجورة شير ؛ وللطفولة أشجارُكِ وصبّارك ومسرابكِ
وزيارتك

II

أكان لي إيمانٌ ، يوماً :

جداراتي في الحلم ، الأخفّ من طيف ، ليسَ
لها من يقدّرها ؛ وسوءاتي ـ كوشم شرعيّ ،
يرصدُها ظلي الحارس

أوفرَ كمالاً، مشاغلي الأقصر ديمومة من كلّ
إسراءٍ شغلته نفسي ؛ وخطايَ على الآرض
( المحروثة ، بعيْدَ الطوفان ، بكسل ! )
قليلة على أيّ حال

حيية شؤوني ، سيّدة الجبل !
لا تترفع عن روث حظائركِ ، المتخمة ؛
ودرعي لا تنحني إلا للغيضة ، شجيْرة إثر
شجيرة ـ كإستعراض حرس ثمل

عالياً يشتشرف الحَوْرُ رماحَهُ ، بقبضات
جذوره الغائصة في الساقيَة وحوريّاتها !

للمياه أسرارها
بالرؤيا وحدها وُهِبْتُ مفاتيحَ فجري ؛ والفجرُ
جرأتي أن أدعَ جسدي محمولاً على جنحيْه
الندييْن ؛ وأن أرفعَ له صخرة برّي
هوَ ذا صوتي ، في حضوره ، يرتجف من
شِبْه الشرّ ؛ صوتيَ هذا أرفعه إليكِ !
فالروح منسحقٌ ؛ رقمي ـ كببغاء عجوز لا
تملّ من حكمتها، السَقِمَة ؛ ورغبَتي العتيقة
تجولُ في البريّة، مُتجدّدة بكلّ ثمرة محرّمة
*

أكان لي تاريخٌ ، يوماً :

باللصوص الآغواتِ ، سرق الجبلُ يقيني !
وما كان مدوّناً في الألواح من أنسابٍ يعنيني
أن تخدش نقوشها أيَّ إعتبار ، سوى الحقيقة

كان أسلافنا ، إذاً ، قادة جيوش شرعيّة
( مرتزقة بالأصح ! )
كانت لهم نيرانهم ليلاً وصخبٌ مبتذلٌ على
الشرفاتِ نهاراً لإناثٍ من زركشة كاذبة ،
بما أنّ مضاجعهن ، العارية ، في الأسرّة
السماويّة ، الناصعة ، منذورة أساساً
( أو من المفترض أنها كذلك )
لأربابٍ يحترمون هيبتهم تماماً

شأن جنسهنّ ، الخاطيء ، شاءتْ الأنوثة تلك
أن تلتف بضفائرها ، كما حيّة الفردوس الأول
على سواعد الأسلاف أولئك ؛ ثمة، أين كانت
الحكمة أول قرابين موقدهم المقدّس !

وشأن كلّ طردٍ ، أو إنتقام إلهيّ ، هيَ ذي
قافلتنا تمضي بالنسل العاصي في معابر ما ،
غامضة ، أفضتْ لأرض سمراء لا تخلو من
أباطرتها ؛ وعلى الأخصّ مآثرها غير الآبهة
بجوار شرعيين أو مرتزقة !

فلتشتعل ، ما شاءَ الأوارُ ، بخمورنا القويّة
هذه المساءاتُ الماجنة ، غير المبالية أيضاً
بالنظرات العابسة للزيقورات المدّنسَة

ولكن ، فلنكفّ الآن !
فاللعنة الحقة أن نغدوَ شعباً خاملاً وقاسياً ـ
كالصوّان سواءً بسواء ؛ أن تنسى أمجاداً
( لا يُعترف بها ، على أيّ حال )
رقشتْ خارطة الهلال الخصيب بألواننا
الحميمة ؛ ألا أنتظر من قومي
( بإزدرائهم لكلّ كتاب )
إعترافاً ما بألواحي
*

أكان لي حلم ، يوماً :

تجرّدَ الجمالُ هولة ًعلى صخرة اللغز في
الطريق إلى طيبة حلمي ، ورأيته في ذاتي
جوهراً وكنتُ له مرآة ذاته ؛ أو صورة من
ليلةٍ بالغة البعد ، ما أسرع أن تلاشتْ في
يقظةٍ أقرب منالاً

آه ، من إسراءات الحلم هذه !
هيَ أسمى من إسارات واقع يُسلّمنا ـ كعبيدٍ
لأسواق الحقيقة ، الفاضحة ؛ أين الغريب
لا يريد نسيان مدينته الأولى
هوَ غير المتجرّع بعد ثمالة قدح عشقها
هوَ من سيرقد في التراب بلا أيّ حلم
*

أكان لي جبل ، يوماً :

عشقنا ، سيّدتي ، يُشعل كهف الروح ؛
هوَ قبسٌ من نار تتوّج كلّ نوروز قمّة
الغار في جبلكِ

كانت الرؤيا وهماُ ، لو أنّ الجمر لم
يلسع يديّ ؛ لولا أنّ بقيّة من رماده ما
فتأت في المنقل النحاسيّ الذي يحرسُ
رقادَ جدّتي ، الأبديّ

صاح لأسمّيكِ إلهاً حاميَاً ، دونَ أن أضيّعَ
في مورد المنام العذبِ ، وردي ؛ ثمّة أين
يورقُ هواكِ فيّ ـ كشجرة من ذهبٍ
للجبل ناركِ النيروزية برداً وسلاماً
لا تثملُ زبانيته إلا بقدح جمالكِ النقيّ ؛
هناك ، أين ترفرف روحي ـ كما طائر
الدِمشّق ، في آلاء سفحك الأزليّ
*

أكان لي نبع ، يوماً :

الخمرة سرّ ؛ براهينه نشوة متفتحة ـ كسوسن
في قدحي ، الموشاة بتصاوير ضفائر مذهّبة
لسلالتها العنبيّة
للغريب ، أيضاً ، ضفيرة الطفولة
( المجدولة بتعاويذ عينيّ أمّه )

نشوانٌ ، سيّدة النبع !
أقتفي أثرَ ملاحتكِ في كلّ الجهات ـ كما
النهر المتوغلُ أرضاً غريبة بحثاً عن
عينه الأولى

النهرُ صديقٌ
تغريكَ صحبته ـ وتدهشكَ بالأخصّ في
أرض ، إفتقد قاموسها الأمويّ مفردة ما
فإجتهدَ فقهاؤها بتأويل ، محنك، يُناسبُ
تجارتها

بردى صديقٌ ، إذاً
وكلانا غريبٌ ، على تلك الأرض ؛
أرضنا ، المتاجرة حتى بظلالها
*

أكان لي جذور ، يوماً :

الحكمة طاووسٌ ؛ ألوانها مبهرة وغرورها
مضجرٌ ـ حكمة السلالة ، القاسيَة كشريعة
وثنيين ؛ كما شجرة أنسابهم المتوّجة بثمار
زيتون أخضر ، لم تشخ بعدُ

جذوري ، سيّدتي ، غضة ومتألقة بمياهكِ
غير المرئية ؛ أنا الغصنُ، الأبعد من سماءٍ
تظلّ بستاناً شاحباً ؛ أين النمل عشيرة أيضاً
ورفيق لجذع الزيتونة ، العسر ـ كمجدور

الغريبُ غصنٌ
يبوسه بإنتظار فأسكِ ؛ فأس ربانيّة بقبضةٍ
من أصل خشبيّ منسيّ
( أصل الجوزة ، الذبيح ؟ )

الحكمة تضجرني ؛
أنّ غصني كان سيحيا نضراً لو طعّمَ ببرعم
الأنثى ، المُبهر بعريه أو كسوته ـ كما سيفٍ
دمشقيّ

النار لديكِ ، سيّدتي !
فاحرقيني ، كما يجدرُ بغصن مهمل
ضيّعه أهله


III

المدينة حلم ، والجبلُ وسادته :

أيّ مساءٍ أستجلبُ لعينيكِ، أكثر مما ترخيه
الأهدابُ الساجيَة لظلال غوطتك ؛ أيّ من
الأحلام ، لو أعلمُ ، تستضيفينها مكرهة أو
أقلّ رضا مما إعتدناه من صعوبة طبعك

بلا مودّة ، يزحفُ القمرُ على جنبه ـ كما
سرطان مذعور ؛ والنجمُ بدوره يستدفيءُ
بمصباح نافذتي الساهرة ، كان صديقاً مذ
ذاك الليل الأقدم من سوركِ المزدوَج

أيّ نجم أبعد مني إليك !

( هوَ ذا خريفٌ آخر
بلا خطو الغريب على أفاريزكِ
بلا أجنحته تداعب مرمرَ صدركِ
بلا إخضرار عينيه وعينيّ غوطتكِ )

أبوابكِ أعرفها ، جميعاً
أحتفظ على صفحة القلب بنقوشها
مغافلة قسوة حراسكِ ، عبرَتْ أحلامي ،
سرباً سرباً ، أبوابَ حلمها تلك

( نقوش الفاتحين الغرباء ، هيَ ذي ، باقيّة
فيما طفلكِ ضائعٌ في الأرض ـ كغريب )

والأمسُ كان لي ، لأستجلي كلّ موضع للسرّ
في فتنتك ؛ لتريني مدلّهة ما لم يرَه رحالة في
العصور الغابرة ـ العابرة أحجاركِ

كم من ألوان تشغلين ، منفردة !
كم من خطوطٍ رقيقة لقسماتكِ ، كي أبقى أنا
الرقيقُ ، المُعتقُ لتوّه ، بلا حلم سوى حظوة
عبوديّتكِ !

تجيئين للمنام متأخرة ؛ كيما يُتاح لأطيافي
مهلة المغادرة ـ فلا مكان حتى للآلهة في
حضوركِ ؛ ولا عطر في أيّ إمرأة إنتشلني
من دوّار أنفاسكِ

الحريرُ رقادكِ ؛
خطايَ تطوي دروب الدنيا ، أن تهتديَ
للسرير الحبيب
*

المدينة فجر ، والجبلُ عرّابه :

أما من إغفاءةٍ أطول باعاً للصبيّ الحالم
يا فجراً بلا مهادنةٍ ـ كثارات الكرد التي
تصحو على أزيز خرطوشاتها اليوميّة !

ولكنها أكثر سماحة هذه النسمة المرتقبة
وداع الصيف ، الآفل بمياهٍ عذبة تدهِشُ
الغرباءَ

حديقتنا ، هيَ ذي ؛
مرآة لحوريّة النهر المتناعسَة : الغوطة !
للأزهار فيها صخبُ العصافير ، ونكاتها
البذيئة ؛ وما من عبَق بُعيْدَ الفجر الرقراق
إلا في تماسِهِ بيَدَ أبي
( أيّ دربٍ ، عبّده أثرُ النمل العامل ، لم
يفتقد خطوكَ ! )

صلاتنا ، لا تفقهها الأزهارُ في خشوعها
المُرائي لكلّ نسمةٍ ، عابرة ؛ ولا حجلات
أخيكَ في صمتها ، المطوّق بحضور بازه
ومامن سرب حمام ليجرؤ على إنتهاكه ؛
ذاكَ الإقطاع السماويّ لعينه اليقظة ـ
كعين إله

تلك الثمار ، هناك ، ليست أبناء سِفاح
شجرتيْ الرمان ، بل كواكب ثملة خلّفها
الليلُ جزاءَ إفراطها بخمر القمر

أيّ نشيدٍ ، فجرُنا !
هوَ جوقة أفنان في غبطة كونها كورالاً
مُعتبَراً لسوناتة عصافير ، عاشقة

مجدكِ ، هذا الفجر !
هوَ المُتآلف بقوس أرتميسيّة ؛ بإنطلاقةٍ
مباغتة لسهم شعاعكِ
( سهم كيوبيدوس ، خبرناه طويلاً ! )

كلّ رمانةٍ ثمّة ، حجامٌ للفجر في إفتقاده
لطبيب القلوب : البلبل !

سهامكِ إلهيّة ؛
بلسمٌ ناجعٌ ـ كملاطفة البعل الليليةٍ ،
إثرَ نكدٍ صباحيّ !
*

المدينة معبد ، والجبلُ برجه :

الدرجات الصخريّة ، هيَ ذي ؛
بلا تناسق ـ كنوتة ممزقة

ليسَ أقلّ وعورة ، سلّم حلم الصبيّ إلى
برجه ذاك ؛ الأربعين : من يسند سقفَ
الحاضرة بعموده الكورنثيّ ، ويقرع في
فضائها أجراسه برنين أناتِ الطوى تلك
المُكابرة ؛ ثمة في كهف الجوعيّة ، أينَ
النسمة المُضاهية ساعي البريد بخفتها
ولا مبالاتها

الأنينُ أسطورة
له همّة الصِبا بقوسها المزخرف ؛ له
أيضاً سهمُ البطولة ، المُجنح بخيالاتٍ
من خبز ؛ طالما المعبد محطة خيبةٍ ،
لن تقوده هناك عظمَة حقيقية لأبعد من
حرير أخضر ، يُجلل إندثاراً مكوّماً
رميماً رميماً في البئر

أنين وأجنحة عاجزة وعصورٌ وثنية ،
هائمة على وجهها ؛ ورممٌ ما برحَتْ
متراكمة في بئر الذاكرة
*

المدينة ليل ، والجبلُ عرافه :

ضفافٌ هيَ الأرصفة ، راسمة خارطة النهر
وظلكَ بدوائر ملوّنة للسوسن المغطي سطحَ
الماء والفاتح للأعماق عيونَ ساحرات .
ضجراً ، يُهرّب النهرُ عبْرَ خطوكَ مجراهُ ،
تطاركما أشباحُ مدخنةٍ لحاضرة لاهثة خلفَ
تفاهاتها . ثمّ غروبٌ يُعدّ للقمر لوازمَ مائدته
والمحلّة البيزنطيّة منطويَة ـ كبنفسج معتق
على أحلامها ؛ هيَ المتخشعة لرنين أجراس
محلّقة . ثمة ، كان ركنكَ في قصر البللور ؛
أين الضفادع المُتبّلة أقلّ موتاً من السور ؛
من الأطياف المهوّمة خلل الباب المفتوح
أبداً ـ كعين توما ، المثقوبة بنبلة بدويّة ،
طائشة ، وواعيَة للغنائم المقبلة ؛ من نهر
يُعابثكَ بلسانه الطحلبيّ ؛ من مساء فضةٍ
لعرَق وسمكٍ ، كان يحرسُ تهويماتنا من
صحو متربّص على رصيفنا المُقابل :

هوَ ذا أبو وليم ، هائمٌ ومتسوّل !

شلالُ أضواءٍ غمرَ نعاس الأغنية الفيروزية
المرافقة خطونا ـ كحارس برج الروس ؛
هناك ، تتأمل بوَجدٍ نقوش الكنيسة ، مثل
ذاكَ الميّت المارق تابوته تحت قوسها ،
ترافقه دموع قربينة *

بلا مبالاة تخطرُ في الأزقة العتيقة ـ متفكراً
بالآلهة وكيفَ تعبر ، دونما عثرة ، أنجمَها
المتزاحمَة ! ؛ تعبر مشفقا الحجارة الوثنيّة
المجلودة من لدن ملائكة مرتدّة ؛ والأسوار
التي ترمي أيضاً ظلال الرحمة على شواهد
مقبرة الغرباء ، المتغرّبة ـ كموتاها سواءً
بسواء ؛ متأففة إذاً ، تطوي خطاكَ دروبَ
عالم سفليّ لرفضة وقرويين ويهود ولاجئين
صوبَ المنعطف المفتوح على الأسواق ؛
أين المنارات الساهرة ومخمور مدمىً راحَ
يُردد لكلّ عابر لازمته :
أنا إبن شمدين آغا ، سرقني أولاد الحرام !

هوَ ذا رفيقُ دربنا ؛
إلى الحارَة ، إذاً ، أيّها السائق
المتناعس كصلاة هذا الفجر !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قربينة : صبيّ الجنازات الدمشقية ، الأكثر معرفة
بشؤون وأحوال الموتى ، من منكر ونكير

*
المدينة كنز ، والجبلُ حارسه :

النهارُ ، مراهقة كسلى ؛
إستحث عريَها لإغفاءةٍ أطول ، أيّها الحرير !
لا تأبه لإلحاح حقيبتها المدرسيّة

الباعة
ينفضونَ عن ثمار البطيخ ، حلمَ نجاةٍ ليليّ

الصبّارُ
هلِعاً يُباغَتُ بأشعّة الشمس ـ كسكين ؛
أعزل ، يا قلبي ، حتى من درعه الشوكيّ !

دع السماءَ تتفقدُ يقظة صغيراتها الغيمات ،
وبكرها ؛ الأربعين :

هوَ كعبة ، والأفاقون حجّاجٌ
جبلٌ لا يُثقب بالمعول ، لا فجرَ له
ولا صبرَ لحارَتنا عن العيون الأرغوسيّة
لطاووسها ، المنفيّ إلى جبعدين ؛
ولا لأحلام طفولتنا
الطائرة بكنوز ، تترقب منقبيها

كم من أوراق صفر للمخطوط ؛
كم من منحنيات وجبب وغرف موتٍ ، صخريّة كلها

ثمة ، وراء الجبل
سيكون لنا كنزنا ؛
فنبني بحجارة منحوتة جيّداً ، قصرَ الحلم !

للجبل طفولتنا
للمبكرين صباحاً ، يتبعون سهمَ الطيش ؛
للمتأخرين مساءً ، تلهب جلدَهم سياط الخيبة :

أيّ كنز تبقى
عدا تراب الوهم ، في ذاك الخلاء المقفر من
الصِبا وأترابه ؟




#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسبار
- الصفعة في السينما المصرية
- فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
- منزل المنفى
- دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
- قلبُ لبنان
- الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
- حوار حشاشين
- نفديكَ يا أردوغان !
- فضائيات مقاومة
- عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
- ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
- جائزة نوبل للإرهاب
- عامان على إعدام الطاغية
- بشارة !
- طفل طهران وأطفال فلسطين
- سماحة السيّد وسيّده
- النصّ والدراما : إنحدارُ المسلسلات السوريّة
- ثمرَة الشرّ : القِبلة ، القلب
- السّهلة ، المُمتنع 4


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ترانيم