أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعود سالم - طبيعة الكارثة















المزيد.....

طبيعة الكارثة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 2642 - 2009 / 5 / 10 - 09:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لتحليل طبيعة الكارثة، لابد لنا أولا وقبل كل شيء أن نخرج رؤوسنا من تحت الماء. أن نتنفس بعمق، ونتفادى الاختناق، والطرق المسدودة، والأفكار العقيمة، والرؤى المسمومة .. ونخرج في لحظة من اللحظات من هذه المفارقة غير المحتملة: الشرق في مقابل الغرب، الحضارة اليونانية الغربية في مقابل الحضارة الاسلامية ـ العربية، أو الفلسفة في مقابل الدين، والعقل في مقابل الخيال. إلى آخر هذه المفارقات التي تقود مباشرة إلى المقولة اللاعقلية، والتي يحاول الذين يروجون لها ـ سواء في الغرب أو الشرق ـ أن يجعلوا منها السبب الأول والوحيد، والمسئول المباشر، عن الأزمة العالمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأعني مقولة التناقض الحضاري. حيث أن هذا “التناطح” الحضاري أو التناقض إن وجد، فإنه يوجد حتما داخل كل مجتمع، وداخل كل حضارة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون أساسا لرؤية نقدية وعلمية لتحليل طبيعة الكارثة، دون الأخذ في الإعتبار ببقية العوامل المعقدة والمتعددة. ولا بد لنا في لحظة من اللحظات من انهاء هذه المفارقة، وحل المعادلة التي لا تستند إلا إلى فرضيات غيبية، وإيجاد ثغرة في هذه الجدران العالية التي تحاصر الفكر، ليخرج الإنسان ـ العقل، من حالة الإنكفاء والصلاة، إلى حالة الإعطاء والإبداع. وليخرج من حالة الدعاء والنواح، إلى حالة الغناء والاستمتاع بالحياة والوجود. وهذا سواء في الغرب أو في الشرق، في الجنوب أو في الشمال. ذلك أن هذه الإشارات الجغرافية لا معنى لها في التاريخ الإقتصادي والسياسي والفكري المعاصر. إن القوى السياسية والاقتصادية وحدها قادرة على أن تكون إشارة للإختلاف والمفارقة بين نوعين من البشر لا ثالث لهما. السيد والعبد حسب المقولة الهيجلية، بين الغني والفقير .. بين الذي يمتلك وسائل الإنتاج ورأس المال، وبين الذي لا يملك حتى ذيله. وهذه المفارقة تبدو أشد وضوحا في مدن الغرب ذاته، والممتلئة بالفقراء الذين يقضون حياتهم من أجل توفير ما يحتاج إليه الأغنياء، من فرشة الأسنان، وحتى الصواريخ والقنابل الذرية. وعلى مدى العصور، وفي جميع المجتمعات القديمة والحديثة، فإن القضية الوحيدة التي ما زالت قائمة حتى اليوم، هي كيفية الخروج من هذه المفارقة. كيف نستطيع في لحظة تاريخية معينة القضاء على هذه الفوارق الطبقية التي تقسم حياة ملايين البشر. ففي اليونان القديمة، كانت الآلهة ذاتها تعاني من هذه الطبقية، وكانت مقسّمة حسب هذا التدرّج. كانت هناك الآلهة العظمى المتعالية التي تتمتع بسلطة لا حدود لها.. وهناك الآلهة التحتية من الدرجة الثانية والثالثة.. والتي تتزاحم تحت أقدام الآلهة العظيمة، وتحاول خدمتها أو التحايل عليها. ذلك أن هذه الديانات التي خرجت مباشرة من مخيلة الشعراء اليونانيين، مثلما كان الأمر فيما يبدو بالنسبة للديانات السابقة، السومرية والبابلية والآشورية. ذلك أنها كلها ديانات بشرية تتطابق مع التركيب الاجتماعي في تلك الفترة، ولأن الشاعر أو الفيلسوف أو رجل الدين قد تمكن بواسطة الخلق والإبداع ـ العقل والمخيلة ـ من اكتشاف فكرة الألوهية، ومبدأ العلـّية الأولى (لكل شيء سبب) وللعالم سبب أولي لوجوده. وهذه الفكرة الأولية التي مكنت وجعلت الحضارات المختلفة تتخيل وتفترض قصة خلق الكون والطبيعة والبشر. قصة خلق العالم، والجنة الخالدة، وآدم وحواء وشجرة المعرفة، وكل القصص الأخرى المتعلقة بالميثولوجيا الانسانية. وفي فترة لاحقة ظهرت فجأة فكرة أخرى، فكرة النبوة، فكرة الوسيط بين الله وبين خلقه. وهي فكرة تختلف جوهريا عن فكرة البطل الذي نصفه إله ونصفه بشر في الميثولوجيا القديمة. إن فكرة النبوة ترتكز أساسا على فكرة الوساطة. الإنسان الذي يختاره الله ليتكلم بإسمه، ويوصل رسالته إلى عباده. فكرة المترجم الذي يستطيع أن يفهم لغة الآلهة ويترجمها لعباده الأميين. وفكرة النبوة أغلقت الباب نهائيا أمام العقل للتدخل في هذه الأمور، ولم تترك سوى فرجة صغيرة يستطيع بواسطتها العقل أن يمارس وظيفته النقدية، وهي ساحة التفسير. حيث أن كلام النبي أو المبعوث يظل في نهاية الأمر كلاما، ويحتاج هو الآخر إلى وسيط من الدرجة الثانية (المفسّر أو القفيه) الذي يدلي “بسطله” في هذا المجال. وقد أدى هذا بطبيعة الحال إلى فتح ساحة أخرى ـ لغوية بحتة ـ وهي ساحة الشعر. وقد فطنت الحضارة اليونانية منذ البداية إلى خطورة الشعر والشعراء، وحاولت بواسطة الآلة الفلسفية تقنين وعقلنة الديانات. وإفلاطون في حربه ضد الشعراء كان أول من حاول أن يضع جدارا واقيا ضد الأوهام والأحلام الخيالية التي يمكن أن تحل محل الأحداث التاريخية أو الظواهر الطبيعية. ونحن نعرف اليوم أن الذي يميز الحضارات أو الفترات التاريخية المختلفة لكل حضارة، هو الطريق الذي تسلكه في تعيين وحصر الواقع أو الحقيقة، وفي تعيين ما هو خيالي وما هو مادي. والوسائل المستعملة في التفريق بين الواقع والخيال هي التي يمكن أن تشير إلى المسار الذي تسلكه كل من هذه الحضارات، وهدفها النهائي. والعقل في الفلسفة اليونانية كان هو الأداة الوحيدة المستعملة في تعيين الواقع وحصره وتعريفه وتحديد حقوله المختلفة في الطبيعة والإنسان والنفس. بينما نجد أن الحضارة العربية ـ قبل الإسلام على الأقل ـ تستخدم الشعر واللغة الشعرية بمثابة الأداة المعرفية الأولى التي مكنت العرب من التعبير عن واقعهم الاجتماعي والسياسي والفكري والنفسي. غير أن هذه اللغة لم تتح لها الفرصة لتكوين نظريات أو إفتراضات عن الكون أو الطبيعة أو الإنسان في علاقته مع الأشياء والعالم، وحتى ظهور الديانة الإسلامية التي أعطت صورة أكثر حصرية، وأكثر دقة عن دور الإنسان في الطبيعة، وعن مشكلة الخلق والنبوة، وأصل الكون والأخلاق، الخ. وكان من الممكن أن يكون الاسلام مقابلا للفلسفة اليونانية في علاقته مع الشعر والشعراء. حيث توجد عدة آيات قرآنية تدين الشعراء. ومحمد ذاته ينفي عن نفسه أن يكون شاعرا. غير أن الاسلام لم يكن دينا عقليا أو فكريا، ولم يكن مصدره العقل، وإنما مصدره “الوحي“. والنبي هو الوسيط بين الإله وبين الإنسان. وهي فكرة كانت موجودة في الديانة اليهودية لعدة قرون قبل الإسلام. وهذا ما منع الاسلام من أن يكون فلسفة عقلية، ومال بطبيعة الحال إلى جانب الشعر. وقد حاول الكثير من المفكرين المسلمين فيما بعد الرجوع إلى الفلسفة اليونانية ومزجها بالدين الاسلامي، كمحاولة لفك الحصار عن العقل الذي وجد نفسه في حالة عطالة تكنيكية، وبدون وظيفة حقيقية. ومن الشعراء والفلاسفة المسلمين الذين فطنوا إلى ضرورة العثور على آلة معرفية أكثر دقة من اللغة الشعرية، يمكن ذكر إبن المقفع، وبشار، وأبي نواس، وعصبة المجّان، وإبان عبد الحميد، والراوندي، وإبن حيان، وأبي بكر الرازي، الذين حاولوا ـ كل على طريقته ـ إستخدام العقل كوسيلة معرفية كافية لإيجاد الحقيقة الأولى، وهي الألوهية. حيث لم تتوفر لهم الأدوات الفكرية اللازمة في ذلك الوقت لرفض فكرة الألوهية ذاتها، ثم تحديد علاقة هذا الموجود الأعلى ببقية الموجودات، أو بالطبيعة والعالم. غير أن هذا التيار النقدي لم يتمكن من إفراز تيار فكري حقيقي قادر على البقاء والاستمرار والنمو والتطور، في مواجهة السلطة الحاكمة، وفي مواجهة الفقهاء الذين كانوا يسيطرون على الفكر والتفكير. فأعدمت وأحرقت أغلب الكتابات من هذا النوع، وكل الذي نعرفه اليوم يأتي من أعدائهم الذين ذكروا بعض الشذرات التي لا تتعدى عدة سطور في كل حالة. ويمكن على سبيل المثال ذكر الأسس العقلية التي بنى عليها أبو بكر الرازي إبطاله للنبوة على النحو التالي:
ـ العقل يكفي وحده لمعرفة الخير والشر، والضار والنافع في حياة الإنسان، وهو كاف وحده لمعرفة أسرار الألوهية، وكاف كذلك وحده لتدبير أمور المعاش، وطلب العلوم والصنائع، فما الحاجة بعد إلى قوم يختصون بهداية الناس إلى هذا كله؟..
ـ لا معنى لتفضيل بعض الناس واختصاص الله إياهم بإرشاد الناس جميعا، إذ الكل يولدون وهم متساوون في العقول والفطنة، فالتفاوت ليس إذا في المواهب الفطرية والاستعدادات، وإنما هو في تنمية هذه المواهب وتوجيهها وتنشئتها.
ـ الانبياء متناقضون فيما بينهم، وما دام مصدرهم واحدا وهو الله فيما يقولون، فإنهم لا ينطقون عن الحق، والنبوة بالتالي باطلة.
ويذهب أبو بكر الرازي إلى أبعد من ذلك، حين يحلل فكرة التدين ذاتها، ويعزوها إلى عدة عوامل نفسية واجتماعية واسياسية:
أ. التقليد: فالدين يتوارثه الناس بالولادة، وبحكم الوراثة والاستمرار، يصبح الدين قوة ذات نفوذ وسلطان كبير على النفوس.
ب. السلطة: إذ يتعلق رجال الدين بالسلطان، ويصبح لهم خطر وشأن في الدولة، مما يسمح لهم بفرض معتقداتهم بواسطة قوة الدولة وسلطانها.
ج. المظاهر الخارجية: التي يتبدى عليها القائمون بأمر الدين، مما يثير الدهشة والروع والخوف في نفوس البسطاء من الناس. ثم تنتشر العدوى إلى بقية طبقات المجتمع.
د. العادة: وهي طول الإلف والتعود.. مما يحول المعتقدات من آراء أعتنقت في وقت ما، إلى طبيعة وغريزة.
لا شك في أن هذه المحاولة النقدية الجريئة لم يتم تجاوزها من قبل العقل العربي الاسلامي حتى اليوم. ولا نقصد بذكر الرازي هنا العودة إلى الماضي، ومحاولة نفض الغبار عن التراث، وبأنه توجد في هذا التراث أشياء نستطيع استعمالها اليوم. بقدر ما نؤكد على هزيمة العقل منذ البداية في مواجهة السلطة والدين والفقهاء، وأن هذه الهزيمة ليست ناتجه عن طبيعة هذه الحضارة، أو من أصالة خاصة بمجتمع معين، وإنما لنؤكد على أن العقل كان فعالا على الدوام، وتحت جميع الظروف، رغم أن الظروف السياسية والفكرية لم تكن ملائمة لانطلاقته وحريته الإبداعية. فنحن في هذه السطور نحاول البحث عن الشق أو الثغرة التي يستطيع بواسطتها العقل النقدي أن ينطلق من قلعته المحاصرة، وينعتق من سلاسله الصدئة، ليساهم في بناء حضارة إنسانية جديدة سواء في الشرق أو في الغرب. ذلك أن نقد الرازي الحاد للديانة والاديان، ينطبق حرفيا على مستوى الفكر الديني في الغرب ذاته. رغم وجود الفلسفة الغربية التي قامت بهذا الدور، ولكن بدون نجاح يذكر. فالقضية ما زالت قائمة في الغرب كما هي في الشرق، مع الفارق الوحيد المتمثل في إختفاء الفلسفة نهائيا من ساحة الفكر العربي الاسلامي. ونقصد بالفلسفة هنا، طريقة مستقلة للتفكير استقلالا كاملا عن الشعر والدين. ولعله من المفيد البحث في أسباب وأسس هذا الاختفاء، وصوره المختلفة.




#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناورات لفك الحصا ر


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعود سالم - طبيعة الكارثة