أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سعيد الهوسي - قراءة في خطاب تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما















المزيد.....

قراءة في خطاب تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما


سعيد الهوسي

الحوار المتمدن-العدد: 2641 - 2009 / 5 / 9 - 00:09
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تهدف هذه القراءة إلى استجلاء أهم الرسائل المضمنة في خطاب تنصيب الرئيس الرابع و الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن هذا الخطاب هو البرنامج السياسي الذي سيعتزم على تنفيذه أول رئيس أسود لأمريكا، سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى السياسة الخارجية، و في نفس الوقت سنقوم بمقارنة هذا الخطاب بنص التقرير الذي بعثه بوش الابن إلى الكونغرس الأمريكي في 20 سبتمبر 2002، تحت عنوان" إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية".
فما هي إذن سياسة أوباما التي سينهجها سواء التي تهم الشعب الأمريكي أو التي لها علاقة بالمجتمع الدولي؟ و ما هي آليات تنفيذ هذه السياسة، و معالمها، و كذلك تحدياتها و آفاقها؟ و هل يمكن القول أن أول رئيس أمريكي أسود يمكنه أن يغير في السياسة الأمريكية دون إتباع سلفه؟ أم أنه سينهج نفس سياسة من سبقه للرئاسة؟
سننطلق من فرضية مفادها أن لا تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية، بل أن الرؤساء هم الذين يتغيرون، و أن المصلحة هي المحدد الرئيسي للسياسة الأمريكية .
افتتح الرئيس الأمريكي أوباما خطابه بتقديمه الشكر للشعب الأمريكي الذي وضع فيه الثقة للقيام بالمهمات التي تنتظره، كما قدم الشكر لسلفه بوش على خدماته لأمريكا و على تعاونه معه طيلة الفترة الانتقالية لمهام الرئاسة.
على مستوى السياسة الداخلية،أكد أوباما أن البلاد تمر حقا بأزمة، و أن الاقتصاد في حالة من الضعف، و أرجع سبب ذلك لجشع و انعدام مسؤولية البعض، و كذلك لإخفاق السياسة الأمريكية في اتخاذ خيارات صعبة، و عدم إعداد الشعب الأمريكي لمثل هذه الأزمات، ثم أكد على أن تحديات الأزمة الاقتصادية هي تحديات حقيقية و هي خطيرة و كثيرة، و يرى أنه لا يمكن مواجهتها بسهولة أو في فترة قصيرة من الزمن، لكن يعطي الشعب الأمريكي أملا في أن أمريكا ستواجهها، هذا الأمل الذي اختاره بدل الخوف، كما اختار الهدف بدلا من النزاع و الخلاف.
و يرجع باراك أوباما سبب الأزمة بعدم وجود عين ساهرة تراقب السوق الرأسمالية هذه الأخيرة التي قال عنها بأنها قوة لا مثيل لها في توليد الثروة و نشر الحرية، لكن في غياب المراقبة يمكن أن تنطلق في دوامة بدون ضوابط، و أضاف بأن البلاد لا يمكن أن تزدهر إذا كانت تحابي الأثرياء فقط، فنجاح الاقتصاد الأمريكي لا يعتمد فقط على حجم الإنتاج المحلي، بل على مدى انتشار الرخاء و على القدرة على فتح الفرص أمام كل من له رغبة و استعداد، لأن ذلك يضيف هو السبيل المؤدي إلى الخير المشترك.
يبدو أن أوباما يسعى من خلال هذا الاعتراف بالمشاكل الاقتصادية و التحديات التي تواجه بلاده، إلى وضع الشعب الأمريكي أمام الأمر الواقع، بحيث أن سلفه بوش قد ترك له تركة ثقيلة ، و عليه أن يعمل على تحدي مشاكلها السياسية و الاقتصادية.
كما أكد أوباما في خطابه كذلك على عظمة أمريكا التي يرى أنها ليست إطلاقا أمرا مسلما به، بل يجب أن تنال و تكتسب باستحقاق، مذكرا أن مسيرة أمريكا لم تكن أبدا سلوك الطرق المختصرة، أو الرضى بالقليل، بل مسيرة المغامرين بالمخاطرة و الفاعلين و صانعي الأمور الذين مضوا بأمريكا على الطريق الطويل الوعر نحو الرخاء و الحرية، و لكي يعيش هذا الجيل و الجيل القادم حياة أفضل، ليؤكد أوباما على أن هذه هي المسيرة التي يواصلها كرئيس لأمريكا، باعتبار هذه الأخيرة أكثر الدول ازدهارا و قوة على وجه الأرض، و أن قدرتها مازالت كما هي دون نقصان، لكن يرى أن التشبث بالآراء و حماية المصالح الضيقة و تأجيل اتخاذ بعض القرارات قد ولى ، و يجب النهوض و العمل من جديد لإعادة صنع أمريكا.
يمكن القول أن تمجيد قوة أمريكا و ازدهارها أصبح تقليد أمريكي لكل رئيس جديد، بحيث أن نفس هذا الخطاب والتقليد قام به سلفه بوش الابن حين قال في نص التقرير الذي بعثه إلى الكونغرس في 20 سبتمبر 2002،:" تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بامتلاك قوة عسكرية لا نظير لها وبنفوذ اقتصادي وسياسي عظيمين".
واستعرض بعد ذلك أوباما ما ستعتزم إدارته القيام به للنهوض بالوضع الاقتصادي، من خلال ملء وظائف جديدة ووضع أساس جديد للنمو، و بناء الطرق و الجسور، و شبكات توزيع الكهرباء، كما أكد على أنه سيعيد للعلم مكانته الصحيحة، باستخدام التكنولوجيا لرفع نوعية الرعاية الصحية، و استخدام الطاقات المتجددة من شمس و رياح لتزويد السيارات بالوقود و إدارة المصانع، كما أكد كذلك على أن التغيير سيشمل المدارس و الكليات و الجامعات، و ذلك كي تلبي مطالب العصر الجديد، فكل هذا يقول هذا الرئيس الجديد " نستطيع عمله، و كل هذا سنعمله".
و يرى أوباما أن كل من يشككون في مدى طموحات إدارته- باعتبار أن نظامه لا يحتمل خططا كبيرة كثيرة- فذاكرتهم قصيرة، و لأنهم نسوا ما قد حققته أمريكا بالفعل، ثم يرى أنه لا ينبغي طرح سؤال ما إذا كانت حكومته كبيرة أم صغيرة، و إنما السؤال الذي يتوجب طرحه هو هل هذه الحكومة فاعلة؟ و يرى أنه حينما يكون الجواب بالإيجاب فيجب المضي قدما إلى الأمام، لكن إذا كان الجواب سلبا فستكون نهاية البرامج، و ليعزز الثقة بين الشعب و حكومته أكد أوباما على أن المسؤولين عن إدارة المال العام سيخضعون للمحاسبة.
بالعودة إلى تقرير بوش الابن نجد تقريبا نفس الأفكار حول الإصلاحات السياسية و الاقتصادية المزمع القيام بها، حيث نجده يقول:" سوف نشجع النمو الاقتصادي والحرية الاقتصادية في مناطق بعيدة عن شواطئ الولايات المتحدة، إن جميع الحكومات مسؤولية عن وضع سياساتها الاقتصادية وعن الاستجابة للتحديات التي يواجهها اقتصادها،سوف نستخدم تعاملنا الاقتصادي مع الدول الأخرى للتشديد على فوائد السياسات التي تولد إنتاجية أعلى ونمواً اقتصادياً مستداماً بما في ذلك:
1. سياسات قانونية وتنظيمية داعمة للنمو لتشجيع الاستثمارات في الأعمال والابتكار، والمبادرات التجارية الفردية.
2. سياسات ضريبية- بالأخص خفض معدلات الضرائب الهامشية- لتحسين حوافز العمل والاستثمار.
3. حكم القانون وعدم التساهل تجاه الفساد كي يثق الناس بأنهم قادرون على التمتع بثمار جهودهم الاقتصادية.
4. استثمارات في حقلي الصحة والتعليم وتحسين رفاهية ومهارات أفراد العاملة ومجمل السكان.
5.تجارة حرة توفر مسارات جديدة للنمو وتعزز نشر التكنولوجيات والأفكار التي تزيد الإنتاجية والفرص المتاحة.
أما على مستوى السياسة الخارجية، فقد بدأها أوباما بالجانب الأمني و الدفاعي للبلاد، بحيث أكد على رفض الخيار بين سلامة و أمن أمريكا و بين المثل العليا باعتباره شيئا زائفا، و باعتبار أن الآباء المؤسسين قد واجهوا مخاطر لا يمكن تصورها ، بحيث كتبوا دستورا لتأمين حكم القانون و حقوق الإنسان، كما يرى أن تلك المثل ما زالت تضيء العالم و أن إدارته لن تتخلى عنها من أجل الذرائع النفعية،و هو تقريبا نفس الخطاب الذي كان قد جاء به بوش الابن حين قال :" إن إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة ستستند إلى مبدأ العالمية الأمريكية المميزة التي تعكس التوحيد بين قيمنا ومصالحنا القومية، وهدف هذه الإستراتيجية هو المساعدة ليس في جعل العالم أكثر أمناً فحسب، بل وجعله أفضل. وأهدافنا في مسار التقدم واضحة: حرية سياسية واقتصادية وعلاقات سلمية مع الدول الأخرى، واحترام للكرامة الإنسانية.
وبناءا على ذلك وجه أوباما رسالة لجميع الشعوب و الحكومات الأخرى التي تشاهد ه - أثناء إلقائه الخطاب- بأن يعلموا أن أمريكا صديق لكل دولة و كل رجل و امرأة و طفل ينشد مستقبلا من السلام و الكرامة، و أنه مستعد لتولي القيادة مرة أخرى.
ربما أن أوباما يحاول من خلال بعته لهذه الرسالة لكل دول العالم أن يطمئنهم أن إدارته ستنهج دبلوماسية السلام، وليس الدبلوماسية العسكرية كما نهجها سلفه بوش الابن في العديد من القضايا الدولية، و في مقدمتها الحرب على العراق، و أفغانستان، و ربما أن أوباما سيحاول إصلاح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة السابقة.
فأوباما ينشد السلام و قد عبر عن ذلك من خلال قوله:" تذكروا أن الأجيال الماضية تصدت للفاشية و الشيوعية، ليس بالصواريخ و الدبابات، بل بتحالف قوي و قناعات راسخة، إنها أدركت بأن قوتنا وحدها لا تستطيع أن تحمينا و لا هي تخولنا أن نعمل ما نريد، إنها علمت عوضا عن ذلك، أن قوتنا تنموا عبر استعمالها بحكمة، و أن أمننا ينبعث من عدالة قيمنا، و قوة مثلنا و شيم التواضع و ضبط النفس".
إن أوباما بهذه القولة ينتقد بشكل غير مباشر سياسة جورج بوش الابن الخارجية و كيفية تعاطيها مع الأزمات من خلال اعتمادها على القوة العسكرية التي لم تجلب لأمريكا إلا الحقد و الكراهية من لدن الدول المتدخل فيها، لذلك فهو يدعو إلى سياسة تقوم على الحوار بين الشعوب لمعالجة تلك المشاكل و الأزمات.
لكن ألم يتبنى بوش الابن كذلك السلام في مراحل ولايته الأولى حين قال:" إن مسار العمل في هذا العالم الجديد الذي ولجناه هو المسار الوحيد المؤدي إلى السلام والأمن، و حين ندافع عن السلام، سوف نستغل أيضاً الفرصة التاريخية السانحة للمحافظة على ذلك السلام "؟.
فما الذي قصده بوش الابن من السلام، إذا علمنا أن ولايته عرفت حربين في كل من العراق و أفغانستان؟ و هل" سلام" بوش هو نفس السلام الذي ينشده أوباما؟ أم أن لهذا الأخير سلام من نوع خاص هو الآخر؟
إن أوباما يرى أن الاسترشاد بالمبادئ والقيم و التواضع و ضبط النفس، و حتى بالتعاون و التفاهم بين الدول، يمكن مواجهة التهديدات الجديدة التي تتطلب من إدارته الجهد الأعظم، ليعلن بعد ذلك أن إدارته ستبدأ بالانسحاب من العراق و تركه لشعبه بروح من المسؤولية، كما أكد على السلام الذي تم تحقيقه بجهد بالغ في أفغانستان و أن إدارته ستعمل على صياغته، فالعمل مع الأصدقاء و الخصوم القدامى بلا ملل يقول أوباما سيعمل على التقليل من الخطر النووي، و تقليص شبح كوكب متزايد الحرارة.
و هو نفس ما ذهب إليه بوش الابن في تقريره حينما قال:" يكمن الخطر الأكبر على الحرية عند مفترقي طرق الراديكالية والتكنولوجيا، عند انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، سوية مع تكنولوجيا الصواريخ الباليستية- عندما يحدث ذلك- تستطيع حتى الدول الضعيفة ومجموعات صغيرة امتلاك قوى مدمرة لضرب الدول الكبرى،لقد صرح أعداؤنا عن هذه النية بالذات، وتم كشف أمرهم وهم يسعون للحصول على هذه الأسلحة الرهيبة.يسعون لامتلاك القدرة على ابتزازنا، أو إلحاق الأذى بنا، أو إلحاق الأذى بأصدقائنا- وسوف نقاومهم بكل ما لدينا من قوة".
ثم يخاطب أوباما أولئك الذين يسعون إلى تحقيق غاياتهم عن طريق الإرهاب و ذبح الأبرياء، أن يعلموا أن روح الأمريكيين أقوى و لا يمكن أن تكسر، و أن هؤلاء الإرهابيين لن يستطيعوا أن يصمدوا أكثر من الأمريكيين و أن أمريكا ستهزهم، ذلك أن تراث هذه الأخيرة المتنوع هو مصدر قوة، وليس ضعف، وقد قال بوش في نفس الصدد:" إن مكافحة الإرهاب الدولي تختلف عن أي حرب أخرى في تاريخنا،سنخوضها على جبهات عدة ضد عدو مراوغ بشكل خاص وعبر فترة طويلة من الزمن، وسيحصل التقدم في المجال عبر تراكم من النجاحات بعضها مرئي وبعضها مستتر".
ثم يؤكد أوباما بأن أمريكا هي دولة خليط من المسيحيين و المسلمين و اليهود و الهندوس و أناس غير مؤمنين،و يلاحظ أنا أوباما قد ذكر المسلمين قبل اليهود، و هو ما قد يطرح أكثر من علامة استفهام بعلاقة أمريكا في ظل إدارته مع كل من المسلمين و اليهود، ثم بعد ذلك يرى أوباما أن هذه الفسيفساء المتنوع قد ذاق الطعم المرير للحرب الأهلية و الفصل العنصري، و مع ذلك تم الخروج من ذلك الفصل المظلم أكثر قوة و أكثر اتحادا، و أنه لا يسع إلا الإيمان بأن الكراهية لا بد و أن تزول يوما، و أن الخطوط القبلية سوف تندثر قريبا، و أنه إذ يصبح العالم أصغر حجما، فإن إنسانية أمريكا المشتركة سوف تتجلى، و أنه يتعين على أمريكا أن تلعب دورها في استنهاض حقبة جديدة من السلام.
بالنسبة لرسالته الموجهة إلى العالم الإسلامي، فإن أوباما ينشد طريقا جديدا إلى الأمام، يرتكز على المصلحة المتبادلة و الاحترام المتبادل، و يقول أوباما لأولئك القادة حول العالم الذين يسعون إلى زرع بذور النزاع، أو يحملون الغرب علل مجتمعاتهم، على أن شعبهم سيحكم عليهم على ما يستطيعون أن يبنوه، لا على ما يدمرونه، كما بعث برسالة أخرى في خطابه لأولئك الذين يتمسكون بالسلطة عن طريق الفساد و الخديعة و إسكات الرأي المخالف، فحواها على أنهم في الجانب الخاطئ من التاريخ، لكن إدارته ستمد يدها إذ كانوا مستعدين لأن يبسطوا قبضتهم.
بالنسبة لشعوب الدول الفقيرة، تعهد أوباما بالعمل إلى جانبهم، و قد ظهر ذلك من خلال قمة العشرين الأخيرة التي انعقدت في لندن من خلال تخصيص مبالغ مالية مهمة لمساعدة الدول الفقيرة، و ذلك كما يقول لجعل مزارعهم تزدهر و جعل المياه النظيفة تتدفق، و تغذية الأجسام الجائعة، و إشباع العقول المتعطشة، ثم يناشد الدول الشبيهة ببلده و التي تتمتع بوفرة نسبية، بأنه لم يعد في الاستطاعة ألا يأبهون للمعاناة خارج حدودهم، و ألا يتم استهلاك موارد العالم بدون اعتبار النتائج، ذلك أن العالم قد تغير، و يجب التغير معه.
ثم يتثني أوباما كذلك في خطابه على أولئك الأمريكيين الشجعان كما وصفهم الذين يقومون بدوريات في الصحاري البعيدة و الجبال النائية، باعتبارهم ليس فقط حراسا لحرية الأمريكيين بل لأنهم يجسدون روح الخدمة و الرغبة في إيجاد معنى شيء أعظم منهم.
يرى أوباما بأن تحديات إدارته قد تكون جديدة وأن الأدوات التي يتم التصدي بها لها كذلك جديدة، لكن القيم التي يعتمد نجاح إدارته عليها- العمل الشاق و الاستقامة و الشجاعة، و الصدق و التسامح و الفضول و حب الوطن- فهي أيضا قيم عريقة، فالمطلوب من إدارته كما يقول هو حقبة جديدة من المسؤولية، باعتبارها إقرار من جانب كل أمريكي، و بأن هناك واجبات تجاه الأمريكيين أنفسهم و دولتهم و العالم، واجبات لا يتقبلها على مضض بل بكل طيبة خاطر، و باقتناع بأنه ليس هناك ما هو مرض لروح الأمريكيين و محدد لخلقهم أكثر من بذل ما في وسع إدارته من أجل تحقيق مهمة صعبة، ليقول بأن هذا هو الثمن و هذا هو وعد المواطنة، و هو مصدر الإيمان و معنى حرية و عقيدة الأمريكيين.
و يرى أن كل شيء ممكن من خلال إعطائه مثالا ينطلق منه هو شخصيا، بحيث تساءل لماذا يستطيع رجل- و هنا يقصد نفسه- ربما لم يكن والده قبل أقل من 60 عاما قادرا على ارتياد مطعم محلي، و هو الآن يقف أمام الشعب الأمريكي لأداء أقدس قسم، في إشارة إلى العنصرية من السود في تلك الفترة، و باعتبار أن أباه ذو بشرة سوداء لأصوله الكينية. و قد قال بوش الابن في نفس الإطار:" إن الخبرة التي اكتسبتها الولايات المتحدة من كونها ديمقراطية عظمى متعددة الاثنيات تؤكد قناعتنا بأن الشعوب التي تنتمي إلى ثقافات ومعتقدات متعددة تستطيع العيش وتحقيق الازدهار في سلام".
ثم دعا أوباما الشعب الأمريكي إلى الاحتفال بذلك اليوم – حفل التنصيب لأول رئيس أمريكي أسود- لتذكر من يكون هو كرئيس، و لتذكر المسافة التي تم قطعها من الانجازات و القطيعة مع ما كان سائدا من قبل من عنصرية.
ختم أوباما خطابه بضرورة تذكر كلمات مؤسس أمريكا الذي أمر رؤساءها اللاحقين بتلاوتها للشعب الأمريكي، و هي كلمات كما يقول أوباما لا يمحوها الزمن، فبالأمل و الفضيلة يدعو شعبه للتصدي للتيارات الجليدية، و تحمل أية عواصف يمكن أن تهب،و ذلك ليقول أحفادهم أنهم عندما اختبرتهم المحن رفضوا أن تنتهي تلك المسيرة، و أنهم لم يتراجعوا، و لم يتخاذلوا، و فيما تشخص أبصارهم نحو الأفق و قد حلت نعمة الله عليهم- كما يسرد ذلك أوباما- حملوا تلك العطية العظيمة من الحرية، و سلموها بأمان لأجيال المستقبل.
نستنتج إذن أن كل ما جاء به أوباما في برنامج إدارته لا يخرج عن سلفه بوش،وأن التغيير الذي ينشده ربما لن يجد طريقه إلى التطبيق، و هذا ما يثبت الفرضية التي انطلقنا منها، و يعززها،بحيث أنه لا تغير في السياسة الأمريكية خاصة إذا تعلق الأمر بمصالحها الحيوية و الإستراتيجية،و عن عنصر المصلحة في السياسة الأمريكية يقول مايلز كوبلاند:" إن الكشف عن نياتنا صراحة و عدم الدخول في معاهدات لا نزمع على الالتزام بها يجب أن لا يعني سوى حقيقة واحدة و هي أننا لم نعتر على أية مصلحة لنا في إتباع مثل هذا السلوك، و بالمقابل فإننا سنبذل المستحيل لكتم نيتنا الحقيقية أو للتحايل على نصوص أية معاهدات وقعناها سابقا إذا لمسنا أن ذلك يحقق لنا مآربنا و يوصلنا إلى غاياتنا شريطة أن ننجح في هذا دون الوقوع في مآزق محرجة أو التورط في مواقف فاضحة".
إذن فانتخاب هذا الرئيس ذو الأصول الإفريقية فرضته ظروف دولية، ليلعب دور المنقذ للشعب الأمريكي من تركة بوش الابن بكل مشاكلها السياسية و الاقتصادية و الأمنية.
هذا مجمل ما تطرق إليه الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، و هو يحدوه أمل في أن تتخطى إدارته التحديات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و كذلك الأمنية،سواء على المستوى الداخلي، أو على مستوى علاقاتها بالمجتمع الدولي، فإلى أي حد يمكن لهذا الرئيس أن ينجح في مهمته في ظل الإكراهات الدولية بمختلف تمظهراتها؟.
المراجع المعتمدة
- إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، نص التقرير الذي وجهه بوش الابن إلى الكونغرس، 20 أيلول/ سبتمبر 2002، أبحاث إستراتيجية أمريكية، دراسات أمريكية، مركز المعطيات، و الدراسات الإستراتيجية.
- الرئيس باراك أوباما، مختارات من أبرز خطبه، وزارة الخارجية الأمريكية، مكتب برامج الإعلام الخارجي.
- مايلز كوبلاند، لعبة الأمم الأخلاقية في سياسة القوة الأمريكية، تعريب مروان خير، الطبعة الأولى 1970، مكتبة الزيتونة.



#سعيد_الهوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدخل الأمريكي في سياسات الدول: دراسة لتأثير واشنطن على الس ...


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سعيد الهوسي - قراءة في خطاب تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما