أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شامل عبد العزيز - ثقافة في التراث ....















المزيد.....

ثقافة في التراث ....


شامل عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 2641 - 2009 / 5 / 9 - 09:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


متى يعيش الإنسان ثقافته ؟
متى يكون لها كيان مستقل بذاته قائم برأسه ولا شأن له بحياة الإنسان كما يحياها كل يوم ؟
ولكن أولاً ماذا تعني الثقافة ؟ ليختار القارئ العزيز ما يشاء :
طريقة العيش في شتى نواحيه .
أو مجموعة القيم التي توجه الإنسان وتسيره وتقدم له المعايير التي يوازن بها بين الأشياء والمواقف ليختار .
أو مجموعة العلوم والمعارف وأحكام العرف والتقليد .
أو لتقتصر على ما يتصل بالذوق وحده دون العقل من أدب وفن .
ذلك كله لن يؤثر في الفرق بين أن تكون الثقافة بأي معنى أخذتها سارية في جسم الحياة العملية وبين أن تجعلها موضوعاً للدراسة العلمية النظرية التي لا تمس حياتك العملية في كثير أو قليل .
شاهد الناس من حولك تدرك من سلوكهم أي ثقافة يعيشون ..
إننا نعيش ثقافتنا في كل ما تراه من تفصيلات احتفالاتنا بمناسبات الميلاد والزواج والموت .ذلك حين تكون الثقافة المعينة منسابة في عروق الناس مع دمائهم فحياتهم هي ثقافتهم . وثقافتهم هي حياتهم . لا حين تنسلخ عن الحياة ليضطلع بها محترفون يطلقون على أنفسهم اسم ( المثقفين) . لا يحدث الانسلاخ إلا حين تكون الثقافة وافدة إلى الناس من خارج لا منبثقة من نفوسهم ..
يقول هربرت ريد : لم تكن عند اليونان الأقدمين كلمة خاصة تعني ثقافة لأنه لم تكن هناك المجموعة الفكرية القائمة بذاتها والتي تستحق أن تستقل وحدها بلفظة تسميها .
كانت الثقافة كاللغة تدور بين الناس . دون أن يشعروا لها بوجود خاص . أما حين أخذ الرومان ثقافة اليونان أصبحت ثقافتهم كياناً قائماً وحده متميزاً بخصائص فأوحى ذلك لهم بان الثقافة كالسلعة يستوردها القوم أو يصدرونها . ولما صنع الرومان ثقافتهم الخاصة واخذوا يقيمون لأنفسهم إمبراطورية حملوا ثقافتهم معهم وأرادوا فرضها على الشعوب .
وجاءت العصور الوسطى التي سادها الدين فعادت الثقافة كما كانت قبل عهد الرومان جزءاً من الحياة العملية وفقدت استقلالها الذي يجعلها كالسلعة يتفرد بها فريق من الناس دون غيره .
عادت الثقافة لتكون هي طريقة الحياة ووجهة النظر وأساس العمل والسلوك . كان الناس في العصور الوسطى يحملون ثقافتهم وكأنهم يحملون الهواء الشفاف يستنشقونه وهم لا يشعرون بوجوده . وذهبت العصور الوسطى وجاء عصر النهضة الأوربية ومعه بدايات الاستعمال الجديد لكلمة ثقافة . وهو الاستعمال الذي يشيع بين جماعة المتعلمين ومع الثورة الصناعية جعلت الثقافة تزداد انسلاخا عن دنيا العمل .
الناس يعبرون عن ثقافتهم في مواقفهم من الحياة العملية حين يندمج الطرفان في كيان عضوي واحد عندئذ لا تنشأ أمام الفكر مشكلات لان طرق السلوك ممهدة مرصوفة بالعرف والتقليد إنما تنشأ المشكلات حين تحدث فجوة وتتسع بين الثقافة الجارية من جهة ومواقف جديدة من جهة أخرى اقتضتها حياة جديدة لم يألفها القوم . فعندئذ لا استجابات العرف والتقاليد تكون ملائمة وكافية ولا الناس يملكون الطرق الجديدة التي يواجهون بها الجديد .
للنظر إلى حياتنا اليوم وما تواجهنا به من مشكلات أساسية لم يعد يصلح لها ما قد ورثناه من قيم مبثوثة في تراثنا لسبب بسيط هو أنها لم تكن هي نفسها المشكلات التي صادفت أسلافنا حتى نتوقع منهم أن يضعوا لها الحلول .
وعلى رأس هذه المشكلات مشكلة الحرية بمعناها السياسي ومعناها الاجتماعي وهما المعنيان اللذان تدور حولهما أرجاء الحياة المعاصرة معظمها إن لم يكن جميعها . وهما كذلك المعنيان اللذان لم يكونا موضع النظر عند الأقدمين
فقد كانت فكرة الحرية تنصرف عندهم إلى المعنى الذي يقابل الرق فالفرد من الناس إما أن يكون حراً ذا حقوق وواجبات وإما أن يكون عبداً مملوكاً لغيره . فلا حقوق له إلا ما يأذن له به مولاه . وكل ما يأمره به مولاه هو واجب محتوم .. فأولاً قد زالت هذه التفرقة ولم يعد أمامنا إلا مجموعة من المواطنين هم أنفسهم مجموعة من الأحرار ثم أتسع المعنى .. ثانياً .ليشمل جوانب جديدة لم تعرفها الحياة القديمة وهي الجوانب السياسية التي من شانها أن تقام الحكومة بانتخاب المواطنين إما بطريق مباشر أو غير مباشر على الصورة التي نألفها . على اختلاف أشكالها في الدول الحديثة . لقد كان يسيراً علينا . أعني أبناء الأمة العربية في مختلف أقطارها أن نقفو أثر أوربا وأمريكا فيما اصطنعوه من أنظمة للحكم تكفل للمواطنين أن ينتخبوا من يمثلونهم أمام من تسند إليهم مناصب الحكم . بحيث تكون السلطة كلها في نهاية الأمر للشعب فإذا رضي عن الحكومة أبقى عليها وإذا سخط عمل على إزالتها في غير حاجة إلى معارك ومذابح وتعذيب وسجن وتشريد . لا من قِبل الحاكم ولا من قِبل المحكوم . أقول إن نقل الأنظمة كان يسيراً علينا من الوجهة النظرية الشفوية . وهل يتعذر أن ننتقي عدداً من المواد نجمعها في بضع صفحات لنقول هذا دستورنا الذي يكفل لنا الحرية في حكم أنفسنا بأنفسنا عن طريق الذين نختارهم لينوبوا عنا في كل ما نهتم له من شئون التشريع والقضاء والإدارة .
لكن الفجوة فسيحة وعميقة بين أنظمة كهذه تصون للناس حرياتهم السياسية وبين صورة ورثناها فيما ورثناه من السلف .. فعلى طول التاريخ العربي ندر وكدت أقول استحال لولا أني تعمدت الحيطة في الصياغة .. ندر أن زالت حكومة لأن الشعب المحكوم بها لم يعد يريدها . فهنالك فوق أريكة الحكم خليفة أو أمير . أخذ الحكم وراثة أو أخذ عنوة وفي كلتا الحالين لا يزحزحه عن أريكته إلا غدر أو قتل أو سجن أو ما رأيت من سبل تكون في وسع المتآمر عليه فلا الشعب اختار ولا الشعب يملك حق العزل . ولا القلة ممن لهم الصدارة في المجتمع يستطيعون بإزاء الأمر الواقع شيئاً إلا الطاعة أو العصيان والمؤامرة .
ووجدنا أنفسنا في عصرنا هذا بين هذين الطرفين : أنظمة الحكم التي تكفل الحرية للشعب ننقلها على الورق ثم صورة موروثة تخلع على الحاكم صفات الخليفة أو الأمير بالمعنى التاريخي القديم . يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بغير حساب . ومن ثم نشأت أمام المفكرين مشكلة المطالبة بتحقيق الحرية السياسية تحقيقاً يجاوز الكتابة على الورق . ليصبح سلوكاً جارياً في صلب الحياة التي نحياها كل يوم .
وشاء لنا القدر الغشوم أن نستيقظ لنجد أنفسنا في قبضات المستعمرين فكان من الطبيعي أن نوجه الطاقة الثائرة كلها أولاً نحو هؤلاء المستعمرين لنتخلص من قيودهم ثم ننصرف بعد ذلك لتنظيم البيت ما دمنا قد أصبحنا سادته
مشكلة الحرية السياسية إذن هي على رأس مشكلاتنا المعاصرة ولن أجد في التراث حلولاً لها لا بل إنها إنما نشأت أساساً بسبب الفجوة الفسيحة العميقة التي تباعد بين أنظمة الحكم في العصر الحديث والصورة التي ورثناها عن الحاكمين وما يحيط بهم من جاه وسلطان وهيل وهيلمان .
في المقالة القادمة سوف يكون الكلام عن الحرية الاجتماعية والمرأة وعصر العلم والصناعة .
أتمنى أن يكون اختيارنا مؤفقاً لتوضيح معنى التراث على ضوء قيم العصر الحديث ..







#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رداً على مقالة نادر قريط ...
- انفلونزا الحمير ... انفلونزا الخنازير
- مُداخلة الدكتورة وفاء سلطان على مقالتنا ...
- الأصولية الإسلامية من وجهة نظر الشيعة ... محمد باقر الصدر نم ...
- الفكر الحر2 من 2 ...
- ليبراليون سعوديون , كُفّار سعوديون ؟؟
- الفكر الحر 1 من 2 ...
- لن يفلح قوم ولَّوْا أمرَهم امرأة - .
- إشكاليات سيد قطب حول المجتمع ...
- طين قبر الحسين عليه السلام شفاء لمن آمن وتيقن .. معجزة جديدة ...
- محاولة انتحار فتاة في الأردن ...
- حاضر الإسلام ومستقبله ..
- الحكم في الإسلام ...
- مستندين إلى فتوى دينية تسمح لهم بذلك ...
- حبيبتي المسيحية ...
- حوار في مصحة الأمراض النفسية ...
- أعذار من لاترتدي الحجاب وبيان تهافتها ...
- مأساة في إيطاليا وشماتة في بلاد العرب ...
- آمنا بالله وحده وكفرنا بالشرعية الدولية ...
- لقاء مع طبيب تخصص أنف وأذن و....إرهاب !!


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شامل عبد العزيز - ثقافة في التراث ....