أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباسط سيدا - سورية: المشروع الوطني هو الحل















المزيد.....

سورية: المشروع الوطني هو الحل


عبدالباسط سيدا

الحوار المتمدن-العدد: 2637 - 2009 / 5 / 5 - 09:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما يستشف من معالم الحملة المركزة التي تشنها السلطات السورية هذه الأيام على الكرد السوريين هو إصرارها على إخراج هؤلاء من المعادلة السياسية الوطنية السورية بعد ظهور جملة علائم تؤكد أن الأرضية باتت ممهدة إلى حدٍ ما لتواصل وطني بين المكوّنات السورية عامة، والمكوّنين العربي والكردي على وجه التخصيص في سياق العمل المعارض؛ لا سيما بعد سلسلة من الاعتصامات الشعبية المشتركة، و حالات التضامن من خلال الحضور المشترك لجلسات المحاكمات الشكلية الكثيرة التي جرت وتجري بحق المعارضين السوريين على اختلاف انتماءاتهم. كما أن اللقاءات المتواصلة بين المعارضين السوريين العرب والكرد، سواء ضمن الأطر التنظيمية مثل إعلان دمشق وغيره، أم الندوات والنشاطات الأخرى في الداخل السوري وخارجه؛ كل ذلك يثير مخاوف السلطة التي أمسكت بزمام الأمور، وتمكّنت من الاستمرار على مدى عقود بفضل التزام مقتضيات سياسة فرّق تسد على المستوى الوطني. هذا ومن الجدير بالذكر هنا هو أن أكثر ما يثير مخاوف السلطة السورية فيما يتصل بالكرد هو دورهم اللافت المتنامي في إطار الحراك الوطني، وذلك نتيجة فاعلية الوعي السياسي الذي يتسم به المجتمع الكردي السوري، خاصة في الأوساط الشبابية التي تؤكد حضورها القوي في مختلف النشاطات الجماهيرية المطلبية التي تستهدف إبراز بعض جوانب الغبن السافر الشمولي الذي يتعرض له الشعب الكردي في سورية.
إننا إذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً، وذلك من باب اجراء مراجعة عامة سريعة للآليات التي اعتمدتها السلطات السورية منذ عام 1970 على الأقل، وهو العام الذي استلم فيه الأسد الأب مقاليد السلطة بالقوة من دون غيرها، ليمهد لاحقاً لتسليم الأمور إلى الأسد الابن بموجب عملية توريثية مكشوفة، لم تتمكن كل الرتوش التزيينية من إخفاء نتوءاتها وتجاعيدها؛ فتولت الأجهزة الأمنية تنفيذ المهمة، إذ كتمت الأفواه عبر التهديد والوعيد. اغتالت واعتقلت، وأفهمت الأغلبية الصامتة -عن حكمة في بعض الأحيان، وخشية في معظم الأحايين- أن مسألة السلطة هي بالنسبة إلى مجموعة القرار في سورية مسألة حياة أو موت. إننا بالعودة إلى المرحلة المعنية كما أسلفنا، سنجد كيف أن الأسد الأب اعتمد سياسة شراء الذمم عن طريق الإشراك الشكلي للقوى السياسية السورية المعارضة في السلطة؛ وأفلح في تشكيل "الجبهة الوطنية التقدمية" التي ضمت العديد من الأحزاب السياسية السورية، إلى جانب حزب البعث، لتكون بذلك - من الناحية النظرية- المرجعية السياسية العليا على الصعيد الوطني؛ إلا أنه في الميدان العملي لم يكن حزب البعث نفسه سوى الواجهة للتستر على عملية الانقضاض التي تعرض لها المشروع الوطني السوري؛ فكانت الشعارات القوموية البعثية بالنسبة إلى السلطة المعنية خير أداة للتعمية وتزييف وعي المواطنين السوريين من ذوي الميول القومية العربية؛ تماماً مثلما كانت الشعارات الأممية الكبرى التي كان الحزب الشيوعي السوري في ذلك الحين يلتحف بها، ويتخذها مسوغاً يبرر له مشاركته الصورية في السلطة، وابتعاده عن العمل المعارض على المستوى الوطني. فقد تمكنت السلطة بفضل الشعارات المعنية من استقطاب قسم كبير من المواطنين السوريين من ذوي الميول اليسارية؛ وبقيت العقبة الكأداء المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين التي لم تتمكن السلطة لأسباب عدة من احتوائها، فكانت المواجهة التي أدى إلى الكثير من التبعات المأساوية على المستوى الإنساني؛ وتسببت في شروخات كبرى يعاني منها الجسم الوطني السوري؛ شروخات لا يمكن معالجتها بالقوة أو الوعود الهلامية، بل بالإرادة الوطنية الجادة التي تبغي بالفعل الوصول إلى حلول واقعية لمختلف المشكلات.
صحيح أن مواجهات الثمانينات قد أطلقت يد النظام في الداخل السوري دولة ومجتمعاً؛ وصحيح أن سورية قد شهدت منذ السبعينات وحتى يومنا الراهن حالة استقرار سياسي طالما تشدق ويتشدق بها النظام الحاكم؛ لكن التمعن الأولي في الاستقرار المعني يبين لنا أنه مجرد ركود سياسي، ناجم عن تحكم أمني صارم بمختلف مفاصل المجتمع السوري؛ بل لعلنا لا نقع في أحضان المبالغة إذا ما ذهبنا إلى أن التحكم المشار إليه يمتد حتى إلى الحياة الخاصة للأفراد؛ يعين لهم أرزاقهم وأفكارهم، وربما أحلامهم. ومثل هذا الركود -الذي يتماهى مع السائد راهناً في كوريا الشمالية، ومع الذي شهدته ألبانيا في عهد أنور خوجة أو اسبانيا في عهد فرانكو- إنما هو ركود مكلف، يستنزف الطاقات من قبل أجهزة أمنية متداخلة لا حصر لأعدادها ومهامها؛ ولا توجد أية إمكانية لمحاسبتها أو مساءلتها. كما أنه ركود يقتل المبادرات، ويسطّح العقول، ويدفع بالمغامرين المبدعين من عشاق الوطن إلى الانكفاء على الذات، أو النزوح إلى بلاد الناس. وإلى جانب هذا وذاك، يؤدي الركود المعني بالاقتصاد السوري إلى الانكماش والتخلف عن الركب، وذلك وفق المقاييس العالمية التي لابد لأي مجتمع معاصر أن يوليها العناية القصوى. فلا استثمارات جادة في سورية، وكل ما يتم لا يخرج عن النطاق الخدمي الاستهلاكي الذي يكون عادة بالتشارك مع الأمراء غير المعلنين من أركان السلطة الحاكمة؛ وبالتوافق مع ما سلف، نرى أن الفقر- أو بتعبير أدق الإفقار- هو المشروع الاقتصادي الأكثر رواجاً في سورية هذه الأيام.
وبالعودة إلى الموضوع الذي بدأنا به بعد هذا العرض السريع لجانب من الماضي القريب، يبدو لنا أن السلطة الراهنة تعتمد الوصفة إياها التي جربتها سلطة الأسد الأب؛ فهي تعتقد بأنها قد تمكنت - على الأقل في الوقت الحالي- من بعثرة طاقات الجهد المعارض باعتقال أبرز النشطاء السوريين العرب، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: رياض سيف، كمال اللبواني، فداء الحوارني، ميشيل كيلو- علي العبدالله..وغيرهم الكثير، ولم يعد أمامها سوى المعارضة الكردية التي باتت تمثل خطراً بتحولها إلى محرك وطني سوري، يؤكد أن الكرد في سورية هم مكوّن أساسي من المكوّنات السورية. وأن المسألة الكردية في سورية تحل ضمن إطار المشروع الوطني السوري؛ هذا المشروع الذي من شأنه توظيف الانتماءات المجتمعية السورية لصالح سورية أولاً، وليس العكس, فالانتماء العربي أو الكردي أو السرياني، الإسلامي أو المسيحي، السني أو العلوي أو الشيعي أو الدرزي، كل هذه الانتماءات وربما غيرها لا تشكل خطراً أو تهديداً، بل تمثل جملة حوافز وإمكانيات إذا ما اعتمدنا المشروع الوطني السوري أولاً، وتمكّنا من استثمار جسور التواصل مع المحيط الإقليمي، العربي والكردي والإسلامي والدولي لصالح سورية؛ هذا في حين أن الكارثة تبرز حينما تستغل الشعارات الكبرى من قومومية أو اسلاموية للإطباق على الداخل الوطني لصالح زمرة تختزل الوطن وأهله في ذاتها، تقيس كل الأمور وفق مصالحها؛ تفبرك التهم جزافاً؛ تلوي عنق حقائق التاريخ والجغرافيا؛ تثير النزعات العصبوية بمسمياتها كافة؛ تعرض خدماتها بسخاء على الخارج لتستقوي به على الداخل. وهي اليوم تستغل الانفتاح النسبي المشروط عليها من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة لتصفية الحساب مع العامل الكردي الوطني؛ الأمر الذي يدفع بالمرء من باب التداعي إلى تذكر ما فعلته سلطة الأسد الأب بالجنرال عون في لبنان عام 1991، وذلك عشية انضمامها إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب تحرير الكويت. فالسلطة لا تريد للعامل الكردي أن يتحول إلى فاعل وطني سوري محرك؛ بل تريده "كردستانياً" يرنو نحو الشمال أو الشرق، يتحين الفرصة للعودة إلى "موطنه الأصلي"؛ والطامة الكبرى فيما يتصل بهذا الموضوع تتمثل في تمكن السلطة من تقويل مزاعمها في وقت ما على ألسنة كردية، دفعتها ظروفها في ذلك الحين إلى ترديد مزاعم بائسة كان أصحابها يدركون قبل غيرهم مدى تهافتها وبطلانها.
والمفارقة هنا تتشخص في أن السلطة المعنية كانت، وما زالت، تمنع الكرد السوريين من المطالبة بحقهم في المواطنة الكاملة، واحترام خصوصيتهم القومية ضمن الإطار الوطني السوري؛ لكنها في المقابل كانت تشجع الكردي الآخر، وتدعمه لوجستياً وسياسياً وإعلاميا ليطالب بكردستان الكبرى؛ ومن جهة ثالثة كانت وما زالت تعقد الاجتماعات الأمنية الدورية مع الدول التي تقتسم كردستان، للعمل معاً من أجل كبح النزوع الكردي المشروع نحو الخلاص من الظلم والحصول على الحقوق. وهي بذلك تحقق جملة أهداف دفعة واحدة؛ فهي من ناحية تصادر على أية إمكانية للدور الكردي في المشروع الوطني السوري المنشود؛ وتستغل من ناحية ثانية الخطر الكردي المزعوم في عملية بث هواجس الشك والتوجس بين مكونات المجتمع السوري، خاصة بين العرب والكرد؛ الأمر الذي يمكنها - من ناحية ثالثة- من تسويق ذاتها بوصفها المدافع الأمين عن المصالح القومية العليا؛ في حين أن الوقائع على الأرض تؤكد سواء في لبنان أم في العراق أو فلسطين، وحتى في مصر وربما في غيرها، أن الشعارات القوموية للسلطة هي مجرد عباءة تُستخدم للتستر على ديمومة جهودها السلبية في الميدان الوطني. ومن هنا تأتي حملتها المركزة على الكرد هذه الأيام، هذه الحملة التي تتجسد في الاعتقالات المتواصلة، وأحكام السجن القاسية التي صدرت بحق النشطاء الكرد من سياسيين ومثقفين ومهنيين، إلى جانب إجراءات النقل التعسفي للموظفين الكرد، والتضييق على المناطق الكردية التي تعاني أصلاً من الانهاك بفعل الإهمال والنهب المبرمجين.
لكن الذي ينبغي تأكيده هنا هو أن الاعتقالات لن ترهب الكرد الذين لم تفرغ منهم السجون السورية منذ الستينات؛ كما أن الإجراءات الاضطهادية العنصرية بامتياز لن تسلبهم إرادة المطالبة بالحق المشروع الذي يظل دائماً أقوى من أي سلاح. المهم في الموضوع هو ألا يفقد الكرد خاصة والسوريون عامة بوصلة الاتجاه الصحيح، الاتجاه الذي يؤدي إلى المشروع الوطني السوري العام الذي يجمع الكل على قاعدة احترام الخصوصيات في إطار الوحدة الوطنية. ومشروع كهذا لن تتبلور معالمه ما لم نتحرر من المنظومة المفهومية الديماغوجية السلطوية، ونقطع مع نزعات التطرف والانعزال والتبعية؛ ونقرر معاً أن سورية العزيزة الحرة الكريمة المتفاعلة ايجابياً مع المحيطين الإقليمي والدولي، مع العالمين العربي والإسلامي، هي لكل أبنائها.




#عبدالباسط_سيدا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي الأسطورة؟
- الحرية للكاتب فاروق حاج مصطفى وسائر سجناء الضمير في سورية
- جائزة أوصمان صبري ومعاناة الشعب الكردي في سورية
- انتفاضة قامشلي المباركة في ذكراها الخامسة
- كمال مظهر باحث أصيل متجدد 2/2
- كمال مظهر باحث أصيل متجدد 1/2
- غزة: تأملات في مرحلة ما بعد العدوان
- تركيا بين التمزّق الداخلي والهاجس الإقليمي
- الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل -3
- الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل -2
- 1-الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل
- محاكمة نظام صدام في أجواء صدمة الإعدام
- اللهاث خلف السراب تكتيك سئمناه
- جهود مستمرة في مواجهة مأساة مستمرة
- حزب البعث: مؤتمر بائس وموقف حائر
- كردستان العراق: ضرورة تجاوز العصبية الحزبية إلى المؤسساتية ا ...
- حول خلفية وطبيعة موقف حزب البعث من المسالة الكردية
- إلى الانتخابات أيها العراقيون من أجل ألاّ يتحكّم صدام آخر بر ...
- الحضور الكردي القوي في الجمعية الوطنية القادمة ضمان لوحدة ال ...
- المعارضة السورية وضرورة الاعتراف بالوقائع


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباسط سيدا - سورية: المشروع الوطني هو الحل