أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - وديع العبيدي - الدكتور يوسف عزالدين في حوار شامل















المزيد.....



الدكتور يوسف عزالدين في حوار شامل


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2635 - 2009 / 5 / 3 - 08:51
المحور: مقابلات و حوارات
    


يوسف عزالدين في المرآة

عن الحياة والأدب والسياسة والمرأة

حاوره:
وديع العبيدي
الاستاذ الدكتور يوسف عزالدين بن السيد أحمد السامرائي البعقوبي العراقي علم من أعلام العراق والعرب المعاصرين، بدأ حياته الأدبية شاعرا ومسرحيا ثم أكمل دراساته الأدبية وعمل في جامعة بغداد وجامعات عربية أخرى. تقلد مراكز وظيفية عليا في مجال الثقافة والاعلام (كانت تدعى الدعاية والاعلام يومذاك)، وعمل أمينا للمجمع العلمي العراقي خلفا للدكتور ناجي الأصيل حتى مغادرته العراق في (1979) . واصل خلالها ابحاثه الفكرية والأدبية ونشر مقاطع من سيرته في أكثر من كتاب، كما أصدر روايات (قلب على سفر) و (النورس المهاجر) ومجموعة قصص (ثلاث عذارى). بالاضافة إلى مجاميعه الشعرية وابحاثه النقدية والأدبية. في عام (2001) تقاعد من العمل الجامعي بين الحاح أصدقائه ومعاناته الجسدية. توفيت زوجته خلال ذلك ولم يعد لديه أحد يملأ جوّ المنزل. قبل ذلك كان قد شارف الثمانين وهي سن تقتضي الراحة والهدوء، لكنه كان متعلقا بالعمل. ظروف العراق السياسية كانت لما تزل شائكة يومئذ، ولا تشجع على العودة إلى بيته الموصد في الأعظمية منذ مغادرته. وبين تلك المعادلات، كان خيار العمل وجوّ الأخوة والمحبة الذي يحيطه به اصدقاؤه أرجح من سواه.
منذ تقاعده يقيم في مقاطعة ويلز البريطانية ، مواصلا كتاباته وأبحاثه، كما أعاد مراجعة بعض كتبه وإعادة نشرها. ومن أبرز كتبه الأخيرة (الشعر السياسي في العراق الحديث)، تحقيق كتاب (الرصافي يروي ذكرياته)، وهو من المخطوطات القديمة التي تؤرخ لسنوات الرصافي الأخيرة (في الأربعينات)، وقد راجعها ونشرها بعد التحقيق مع ثلاث نسخ بين مخطوط ومنشور نشر جزئي، وقد أعيد نشره واستنساخه أكثر من مرة، وهو الكتاب الوحيد عن سيرة الشاعر والمفكر الرصافي، سيما بعد صدور كتابه الفريد (الشخصية المحمدية) عن دار الجمل في ألمانيا. في السنوات الأخيرة تفاقمت عليه آلامه الجسدية وصار يعاني من صعوبة في النظر والحركة، ولم تساعده العلمليات الجراحية لعينيه كثيرا، اضافة إلى أوجاع المفاصل والساقين. ومنذ عامين توقف عن حضور الاجتماعات السنوية الدورية لمجمع اللغة العربية في القاهرة الذي استمر في المواظبة عليه منذ الثمانينات. وفي الأشهر الأخيرة عمل في كتاب بعنوان (العنف في العراق) يتناول بعض خلفيات أحداث ما بعد الغزو الأمريكي. كما أكمل ترجمته للأمريكي والت ويتمان التي كان قد بدأ بها قبل سنوات.
تعود معرفتي بيوسف عزالدين إلى أول عهدي بالقراءة، حين كنت أقضي وقتي في مكتبة بعقوبة العامة في وسط المدينة يومذاك. وهكذا تعرفت عليه من كتبه. ولم يخطر لي يومها أنني سألتقي صاحب هذا الاسم يومها. وأعرف أنه هو من أنشأ هذه المكتبة أيام كان معلما في قرية أمام قاسم (بلدروز). في الثمانينات كنت ألتقي في مقهى الزهاوي في بغداد، وتعرفت بالاستاذ عبد الرزاق السامرائي، القاص والشاعر ورجل الاعلام الأديب والصديق العزيز. وكانت المفاجأة أن يكون أبو أحمد من معارف الدكتور يوسف عزالدين وأخاه الأقرب أيضا. سألته عنه وعن أخباره فردّ علي بتلقائيته المحببة..
باجر اجيب لك عنوانه وانته اساله!..
كتبت الرسالة في البيت، وفي اليوم الثاني وضعت العنوان وأرسلتها. وبعد أيام قليلة جاء الردّ. كان عنوان المراسلة على مقهى الزهاوي. هكذا بدأت علاقتي بالدكتور، وتطورت من مجال الأدب والثقافة إلى علاقة شخصية فريدة، ليس لها نظير في حياتي. لم تنقطع المراسلة او المهاتفة منذ أكثر من عشرين عاما بيننا. وحيثما حل أو ارتحل بعث لي ببطاقة أو رسالة. وعشية تقاعده من العمل الجامعي أصدرت عنه مجلة ضفاف عددا خاصا، ساهم فيه نخبة كبيرة من الاساتذة والاصدقاء، وكان هذا الحوار من بين مواد ذلك العدد.
كانت للدكتور أيادٍ بيضاء في كثير من جوانب الثقافة العراقية، ولعله من القلة، قرن الدراسة الأدبية بالظروف الاجتماعية والنفسية والسياسية ، منذ أيام حكم المماليك في العراق حتى مطلع العهد الجمهوري. إضافة إلى المؤسسات الثقافية والعلمية والمجلات الأدبية والأكادمية التي ساهم في انشائها أو إدارتها وتحريرها. ويبقى الالتقاء به وتكريمه التقاء وتكريما للعراق والثقافة العراقية الأصيلة..

*
مرايا .. يوسف عزالدين
- مدخل الى عالمه وأدبه -

يوسف عزالدين.. لم يولد وفي فمه ملعـقة من ذهب كما يقول أحد أقرانه، ولم تكن جادة الحياة مفروشة أمامه بالورد أو البساط الأحمر.. تذوق مرارة الحياة وشظف العيش وعلقم الغربة ونكد الكثيرين وغدر الزمان.. الأرض تحت قدميه والسماء فوقه وظهره الى الجدار.. ما الذي يدفع صبياً في أوائل العقد الثاني من عمره ليعتزل اللهو والعبث وينصرف لمكاتبة الصحف والمواظبة على تأمين رسالة إخبارية عن مدينته { بعـقوبة} في ثلاثينات القرن الماضي! فيكون أصغر وأول صحافي في مدينته الوادعة على ضفاف نهر ديالى المتهادي ليلتقي دجلة قريباً من بغـداد. عندما ضربت طائرات الانجليز مدن وقرى العراق في إثر ثورة العشرين المباركة، كان عمره أربعين يوماً، فكان ( ابن الثورة التي بقيت - معه- طول حياته) حسب تعـبيره، ولكنه حوّل الثورة الى فكر وأدب ومحبة، فانتشر سـنـا ثورته من جنائن (بعـقوبة) ليفيض خارج حدود العراق الى بلاد الانجليز (خاصة) والمعمورة كلها..!
حفر بصمات أصابعه بأيــادٍ بيضاء في تأريخ الحركة الثقافية العـراقية والعـربية، بدء من مدينته (بعـقوبة) الى بغداد والاسكندرية والطائف، فكانت سوحاً للعـلم وميادين للثقافة ومراكز للإشعاع الدائم..على خريطة الحياة والزمن..
سـرّ يوسف عزالدين هو كفاحه، وسحره متمثل بعـصاميته الفريدة، هو سرّ نفسه وقوتها منه؛ وليس من السهل جمع قصة حياته في كتاب!. هذا الكتاب لن يكون بيوغرافيا مجردة للأحداث والوقائع، انما تأريخ نفسي واجتماعي وفكري! بحر من المعاناة! سجل لأحاسيس متضاربة ومشاعر محتدمة وأفكار مضطرمة.. وقد ابتلاه القدر ليمتاز بمشاعره وحسّه وتأملاته وأفكاره، فكان قامة شاهقة لها ألق النخيل، وكان ظاهرة فكرية واجتماعية وإنسانية، حقيقة بالتأمل والدراسة، ومنبعاً ننهل من فيضه ونتعلم من دروسه وعبره.. لذلك ليس من الممكن نسيانه، ولا من النوع الذي ينمحي من الذاكرة ؛ يكفي أن تلقاه مرة، حتى يتحول الى جزء من مكونات حياتك وتفاصيل الذاكرة!!
تواضعه ليس أقل من اعتداده بنفسه، ورقة حاشيته ليست أدنى من حدّة هجومه! تعلم الكثير من الحياة، فصاغ حلوها ومرّها مبادئ يرتكز اليها ومنهجاً لا يحيد عنه!! إنساناً قبل أن يكون شاعراً، ومعلماً قبل أن يكون أستاذاً، وشاعراً قبل أن يكون أديباً ومفكراً، بل هو كل هذا وذاك.. مرايا متعددة متقابلة، تنعكس على بعضها البعض فيكون لها وهج الدلالة ودليل الضلالة!. نقطة تحوله الكبرى كانت حصوله على درجة الدكتوراه وتقلده الأستاذية.. ومنذئذ.. ينساب نهر أفكاره وإبداعه على صفحات الحياة، فيوشحها بورود مزهرة وأشجار باسقة تمدّ ظلالها للكثيرين..

منهجية يوسف عزالدين ..
بين أواخر ثلاثينات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين أكثر من ستين عاماً، هي العمر الأدبي للدكتور يوسف عزالدين؛ انطلق فيها شاعراً وواصل مسيرته حاملاً جذوة الشعر في روحه.
ان هذه المرحلة التي أسقطت من الدراسة لدى كل من تناول شاعرية يوسف عزالدين وشخصيته الأدبية والفكرية نتيجة انقطاع الأسباب وطبيعة الظروف السياسية السائدة، لهي أهم مراحل حياة الشاعر وملامح تكوينه الفكري والثقافي والتي بقيت منطبعة في وجدانه وفكره ووجدت إفرازاتها على كل ما أنتجه من شعر ونثر وفكر في المراحل اللاحقة.
يقول الشاعر ( انصرفت للشعر السياسي والقومي والغزل، وكان السياسي مشحوناً ببغض الاستعمار. ومن هذه القصائد:
أمثل العراق الحرّ للضيم يخضع؟ وهل إن آساد العروبة تفزع؟
وبعد حركة رشيد عالي جمعت كل شعري السياسي ووضعته في صفيحة (قوطية) ودفنتها في الأرض. ولما عادت الأمور الى مجاريها وفتحت العلبة وجدتها والأوراق رماداً، وكانت تضم فورتي في الشعر السياسي فأسفت أشدّ الأسف على ضياع التدفق الشعري العفوي طعاماً للأرض، وخسرت شعر مرحلة متدفقة بالعطاء خوفاً من السجن أو العقاب.)/ ص 46- حلو الذكريات ومرها. أما ذهابه الى لندن فكان أمرّ من العلقم على نفسه، ولذلك خطّ قصيدته الرائية الشهيرة والتي يقول فيها وكأنه يجرّ بالموسى على وريده، لاعناً الظروف التي اضطرته لذلك:
وما عن هوى قد جئت لندن طالباً ولكن أهلي يستزيدون في الذكرِ
يقولون فـيهـا كل مـا يطلب الفتى من العلم والعرفان والعز والفخر
ومن جاء منها بالشهادة ظافراً هو العلم الهادي ولو جاء بالكفر!
فليس هدفه من هذه البلاد سوى (الشهادة)، ويستغرب إزدواجية العرب في تعاملهم وتعلقهم بمن يسومونهم جور العذاب فكأنه يجسّد مازوشية قومية عجيبة؛ فلا يجد أهل عرب الشرق ضالتهم في غير الانجليز ولا يجد عرب أفريقيا ضالتهم في غير الفرنساويين؛ وعلى هدى أولئك يتجه عرب التسعينات الى بلاد العم سام، بعد اتساع قواعدهم في بلاد العرب وكأنهم بذلك يتبادلون المواقع أو التذاكر أو أخطأوا في الاتجاه والتوجه!!.
لكن آثار هذه المرحلة سوف تبقى وتستمر وتتكرر في ما هو أبعد من ذلك وأكبر منه، ممثلة في دراساته الفكرية والبحثية الملتزمة خطاً فكرياً ومنهجاً قومياً لا يحيد عنه، ومن المبكر هنا الإشارة الى ما حفلت به قصصه ورواياته بعد ذلك وتمخضت عن صدى هذه الأفكار!.
أن تتبع دراسات وأبحاث الدكتور يوسف عزالدين يتكشف عن خطّ منهجي فكري لاحب وتسلسل تأريخي وبحثي متقصد في نبش طبيعة المجتمع العراقي وتحليل نتاجه الفكري والأدبي. ومن هنا مكمن الطرافة في اختيار (الشعر العراقي في القرن التاسع عشر) موضوعاً لرسالته للماجستير. حيث يجد القارئ ان ثقل الرسالة انما يتمركز في المقدرة التي يوظفها المؤلف لدراسة تلك الفترة وتأرخة الحياة السياسية والاجتماعية فيها، من منظور إحتماعي نفسي/ سياسي أكثر مما هو أدبي، وبالشكل الذي يبدو معه الأدب/ الشعر- هامشاً أو مرآة نتعكس عليه آثار تلك التغيرات والظروف، مؤشراً على مواطن التخلف والفساد والتقاليد والممارسات البالية التي تقعد بالنفس عن مضمار الطموح وتلهب نفس الحرّ للتمرد. ان هذه الرسالة التي تكاد تكون فريدة في مضمارها واطارها في التأسيس لدراسة الأدب والشعر العراقي واتجاهاته في القرن العشرين؛ انما تكشف عن جوانب جديدة من شخصية يوسف عزالدين الأدبية والفكرية.. مؤرخاً .. مفكراً،.. ومحللاً إجتماعياً، وهو أمر قلّما فطن له أو تريث لديه أحد.
وكل ذلك مما كانت روحه تأنس اليه، لما دهمه من ظروف حياتية صعبة في طفولته، فتحت عينيه على اهتزازات بارومتر الحياة الاجتماعية في عائلته وفي مدينته الصغيرة، ثم على الصعيد الوطني والقومي وهو يحاول ايجاد تفسيرات منطقية للتراجع التأريخي الذي يحاصر آماله وتطلعاته الوطنية والقومية السامية. وقد شكلت هذه الثيمة غالباً فحوى ابداعه أو دافعاً لها ومنتجاً. ويكاد كل بيت أو جملة أو تعبير من تعابير الدكتور إلا ويشي بصور تلك المعاناة وآثارها؛ بل أن شخصيته الاجتماعية المحببة ولغته الأخوية المفعمة بالمشاعر انما هي صدى لاحتدام وصهر باطني، خلقت منه ذلك الرجل الذي يكاد يكون في صورة المثال. انه يتنزه عن البغضاء ويترفع عن العداوة ويصافح من يكيدون له ويساعدهم دون أن يشعرهم بردود أفعالهم في نفسه، حتى احتار بعضهم فيه، وقد كتب ضده شاتماً فاذا لقيه في شوارع بغداد أخذه بالحضن، فما كان من غريمه إلا أن يقول: ما احترت إلا في يوسف عزالدين!.. ( المحامي الشاعر محمود العبطة!).
وفي خضم الاحتدام السياسي والتيارات المتصارعة فيه حافظ الدكتور على استقلاله وتنزهه عن غير الولاء للوطن، ورغم تعريض البعض به أو محاولة الايقاع به فقد بقي على علاقاته معهم وحسن ظنه فيهم، رغم الخلافات السياسية والفكرية التي يرى أنها ينبغي ألا تؤثر على العلاقات الشخصية. بيد أن تمعن هذه الشخصية الاسطورية - حسب تعبير أحد الكتاب- انما ينطوي في ذاته على تناقض صعب ومعاناة صارخة، ليست نفثات الشعر والأدب إلا صورة لها ومتفساً عنها.
يوسف عزالدين.. المحايد.. المسالم.. النزيه..
سوف يخيب الباحث وهو يحاول دراسة حياة يوسف عزالدين في العثور على ما يشين من صورته المتألقة، فقد بنى الرجل نفسه بناء صعباً وعلّم نفسه على المشاق، وهو عصامي بكل معنى الكلمة استطاع أن يجعل من اسمه واسم عائلته ومدينته وبلده علماً نيّراً. بل أن الخصائص أو الشروط التي ألزم نفسه بها، لهي عصية التنفيذ على الكثيرين، كالزهد في كثير من تفاصيل الحياة- ماعدا العلم والأدب-، والتنزه والتعفف، وتطويع نفسه على القناعة. ولعله في تلك المسيرة من القلة القليلة التي لم تتملق ولم تتشدق، ورغم ما يؤاخذها البعض من نرجسية، فانه في سلوكه وفكره وتعامله غاية في التواضع. ومن يقرأ سيره يجد - غير مرة- اعترافاته في مواقف حياتية وادبية، يعمل من هو دونه على التنكر لها والتبجح بما يعاكسها.
يوسف عزالدين.. من الشعر الى الدراسة..
هناك عدة أسباب اجتمعت لتدفع الشاعر الذي أصبح يومذاك معروفاً على صعيد البلاد بأناشيده وقصائده الوطنية لاختيار الغربة وفراق الاحباب والديار، ولولاها لتقاعد من العمل معلماً أو مديراً لمكتبة بعقوبة العامة كما يذكر في سيرته المفصلة. [ عملت بالتعليم الابتدائي من 1941- 1946، ولو لم انقل من المكتبة وأحس بإهانة مدير المعارف لكانت حياتي سارت على وتيرة واحدة..]/ ص76- حلو..
وثمة.. فقد وجد الأديب في الدراسة موئلاً.. تهدأ فيه سورة نفسه من أجيج الاصطراع السياسي والفكري المعتمل في طول البلاد وعرضها، واستهانة القائمين على الأمور بمشاعر الأهلين؛ فانتقل الى مرحلة جديدة من العمل الوطني والقومي من خلال البحث والتنقيب والدراسة، من جهة، وبثّ أفكاره ومناقشاته للظروف الراهنة ومواقفه منها، من جهة أخرى. ان الملاحظة الجديرة هنا، في دراسة فكر الدكتور يوسف عزالدين انما تتمثل في :-
1- اختياره الفترة الراهنة والتأريخ المعاصر.. في دراساته الأدبية والفكرية، ولم ينزوِ في رفوف المكتبات ووديان التأريخ، كما كان وما يزال، ديدن الكثيرين من طلبة البحث والشهادات.
2- أعتماده المنهج الاجتماعي/ السياسي في تتبع مراحل دراساته.
3- اختياره منهج التعاقب التأريخي في مواصلة دراساته الأدبية والفكرية.

وثمة.. فان دراسته لا تنتهي بانتهاء صفحات الكتاب، وانما يواصل الدراسة للفترة اللاحقة، ولا يتركها مبتورة!. فقد كتب، مبتدئاً.. بالشعر العراقي في القرن التاسع عشر (رسالة الماجستير).. وواصل ذلك في (الشعر العراقي الحديث والتيارات السياسية والاجتماعية) والذي يتوقف عند بداية الحرب العالمية الثانية (1938) وأصدر خلال ذلك كتابه الشهير (شعراء العراق في القرن العشرين)/ج1 ومايزال الجزء الثاني ينتظر الطبع. وقد انتهى الدكتور خلال عمله في السعودية من استكمال دراسته للشعر العراقي للمرحلة الثالثة (1939-1958)، وعندما استقال من العمل مع بلوغه الثمانين منصرفاً للراحة - كما يعتقد البعض أو كما يفترض- ، نجده مستغرقاً في مراجعة الدراسة واجراء التعديلات والاضافات التي طرأت خلال الفترة الأخيرة، لتقديمه للطبع خلال أقرب فرصة. ولا شكّ.. ان نفس الأديب الدكتور ترنو لاستكمال تلك الدراسة لتغطية سحابة قرنه العشرين، سواء قام بذلك شخصياً.. مع تقدمه في السنّ، أو من خلال أحد طلبته المخلصين. وبذلك يكون أول باحث يتناول، أطول فترة متعاقبة، من التأريخ المعاصر، بنفس ومنهج ورؤية منسجمة ومتقاربة!. وعلى نفس الصعيد اهتم الدكتور بدراسة نشأة وتطور فنون القصة والرواية والفكر الحديث في العراق. وبذلك قدّم قراءته التأريخية المنهجية للثقافة العراقية المعاصرة. ولنا بعد ذلك.. أن نتأمل حرص ورؤية الدكتور المتكاملة وروح المواظبة والاصرار التي قادته عبر مسالك الفكر والحياة!.
ولا يفوتني في هذا الباب الاشارة الى أبحاثه التي جاءت مستقلة ومنفردة لأعلام من تأريخ العراق الحديث والمعاصر أيضاً.. ربما كان بعضهم غفلاً من واقع الدراسة والاشارة، أمثال: الشاعر خيري الهنداوي، الصحفي ابراهيم صالح شكر، الشاعرعبد الغفار الأخرس.

وإذا كانت هذه الابحاث والدراسات القيمة قد وشحت الشاعر الدكتور يوسف عزالدين باحثا وناقداً ومؤرخاً، فإن المظهر الآخر لشخصيته الأدبية، هو حرصه - ربما غير المقصود- على تدشين أبواب الأدب والثقافة جميعاً. فقد عاد وأصدر في الثمانينات مسرحية شعرية كان قد كتبها أول عهده بالتعليم في قرية إمام عسكر في ديالى، كما أصدر روايتين ومجموعة قصصية. ومما يشتغل به هذه الأيام بعد تقاعده، مراجعته لكتاب ترجمات من الشعر العالمي، كان قد انجزه خلال عمله الجامعي. وبالتالي، فان الصورة التي تنعكس على مرآة يوسف عزالدين، ليست صورة واحدة، وانما جملة تلك الصور التي تشترك في رسم شخصية الأستاذ والمفكر الدكتور يوسف عزالدين. أما الملاحظة الأخرى التي لابدّ أن تستوقف الباحث أو ينتبه لها، إضافة الى وحدة المنهج النفسي الاجتماعي/ السياسي في الأدب؛ فهو لغته السردية وإسلوبه الشخصاني في الكتابة، مما يقربه من نفس القارئ؛ فتبدو كثير من مؤلفاته، سيما في مجال الشعر والرواية والقصة، كما لو أنها صور منقولة أو منعكسة من سيرته الخاصة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أُجريَ هذا الحوار في أصله لصالح مجلة ضفاف الثقافية الصادرة في النمسا، ضمن مستلزمات العدد السابع
حزيران/ يونيو2001، والمخصص للأديب العالم الدكتور يوسف عزالدين بعنوان " يوسف عزالدين.. في
مرايا الآخرين"، ساهم فيه عدد كبير من الأساتذة والأدباء الأفاضل. لذا اقتضى التنويه والإشارة!.


القسم الأول
العـوامل الشخصية والظروف الذاتية والمؤثرة

احسست وأنا في طور المراهقة برغبة عارمة في رفع الحيف عن ابناء وطني وقد ران عليهم المرض والجهل ، واستقر بيّ الرأي ان اكون ذا علم وادب حتى انشره بين هذه الجموع التي تنوء من مصائب الأيام، هذا الجهل جعله لايقدر جهود المعلم الذي يحترق كالشمعة، ويفضل السلطة والقوة ويحترمها على عكس الغرب الذي يقدر المعلم اكثر من تقدير أي انسان ويرفع قدره فوق الطبيب والمهندس والضابط وارباب السلطة، فأخذت اجازة دراسية بعد جهود حثيثة وذهبت الى الاسكندرية وحصلت على لسانس( شرف) وماجستير(شرف) واختلفت النظرة وتغيرت المعاملة لي بعد عودتي الى العراق.
وعندما عدت في الخمسينات لم يكن في العراق اضطراب فكري واضح واختلاف في العقائد جلي ، ولكنه ظهر بعد ذلك عندما تخرج جيلي، فأراد التجديد والتغيير والتطور متأثراً بالتيارات الجديدة الواردة علينا من الغرب، وحملها أمين الريحاني وتبناها بعض المجددين وانتشرت قصائد الشعر المهجري وقصائد شعراء مصر الرومانسيين متأثرين بالرواد كالبارودي وأحمد شوقي واسماعيل صبري، وظهر المازني وشكري والعقاد والرافعي، وظهرت دعوة الحجاب والسفور والتخلص من اسلوب القرن التاسع عشر وما قبله.
وقد تأثرت بكتاب الديوان ونقد العقاد لأحمد شوقي وكنت أحمل كل الكراهية له حتى اطلعت على إحدى قصائده التي يغني منها محمد عبد الوهاب ..
شيّعت أحلامي بطرف باكي ولممت من طرق الملاح شباكي
وبجــانبي واه كأن خـفـوقــه لــمــا تـلفـت جهـشـة المتـبــاكي
فعدت اليه والى شعره وقرأت مقدمة الديوان في التجديد التي حذفت للأسف الشديد، وقد أشرت اليها في كتابي(التجديد في الشعر الحديث) وغيرت رأيي فيه.

موقف الشيوعيين مني
عندما وعيت وفهمت ما يدور في الساحة العراقية ووجدت الاختلاف العميق آثرت الحياد في الحياة ولا انتمي الى تيار سياسي أو حزب من الاحزاب، لأن الانتماء يفرض عليك اتجاهاً واحداً وعبارات وشعارات متكررة لايمكن ان تخرج عليها والا كنت منحرفاً .
أنا عربي المحتد أصيل النسب مسلم العقيدة مؤمناً بالله ورسوله والشريعة الاسلامية ، وان اشتط بعض حملة العلم وقادة الرأي واصيب بالتحجر والقوقعة ، لكن ما زال فيهم الخير والاجتهاد الذي يتلاءم مع سماحة الدين ويسر تعاليمه.
وقد درست في صغري كارل ماركس والبيان الشيوعي وقانون الاتحاد السوفياتي واعجبني ما فيه من آراء ومبادئ، كما قرأت الاشتراكية وكتبت عنها كتاباً عنوانه (الاشتراكية والقومية وأثرها في الأدب الحديث) وتحدثت عنها . وذهبت الى الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية في وقت كان يخاف الناس من ذكرهما وألفت كتابي (الى الديار الممنوعة) ، فوجدت جميع الشعوب في مختلف أنحاء العالم طيبة لطيفة والعيب كله في أنظمة الحكم وتطبيق المبادئ ونرجسية الحكام وتسلط المسؤولين.
لم اكن يوماً ضد أحد ولم يهاجمني شيوعي أو قومي أو اسلامي أو ملحد طوال حياتي ، بل ان جريدة (اتحاد الشعب) شهدت لي بالحياد عندما ناقشنا رسالة طالب دكتوراه شيوعي في جامعة بغداد وقامت حولها ضجة في وقتها. ان الحياد كفاني اموراً كثيرة والواقعية العلمية اعانتني على كثرة الأصدقاء فكتب عني الكثير. خدمت العلم والفكر والحرية بكل تؤدة وهدوء والدارس العميق النظر يجد مقدار ما بذلته في طيات كتبي وسطور مؤلفاتي.

جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين
كنت قد كتبت في الشرق الاوسط في لندن قصة انشاء هذه الجمعية، وقد بدأت عندما فكرت في انشاء رابطة أو اتحاد أو جمعية تضم الكتاب والمؤلفين تجمع شملهم وتكون سبباً في تعارفهم وتبادل الآراء فقد اسست في مصر وأنا طالب (جمعية الشبيبة العربية) لنشر المعرفة بالبلاد العربية التي كانت مجهولة في مصر وسأعود اليها مفصلاً. ولما أكملت الدراسة في لندن وعدت الى بغداد وعملت في كليةالآداب كان قد سبقني في العمل عدد من الزملاء الأفاضل وكنت أجلس في القسم وكان معي د. صلاح خالص ود. مهدي المخزومي ود. علي الزبيدي ود. علي جواد الطاهر، وفتحت الموضوع معهم، وبدأنا نناقش الخطوط العامة واستمر النقاش ونحن نخرج من القسم حتى باب الكلية ولما لم تتم المناقشة اتفقنا على ان نجتمع في اليوم نفسه في مقهى بلقيس على شاطئ دجلة في شارع أبي نؤاس، وبالفعل حضر د. الزبيدي ود. صلاح خالص وتم الاتفاق على أن أضع أنا النظام الأساسي وأعرضه عليهم. وقد أكملت النظام وعرضته على الاستاذ عبد المجيد حسيب القيسي وكان جاري في الأعظمية لدراسته من النواحي القانونية لسعة اطلاعه واختصاصه القانوني. ولما أتمه بدأت أروّج للجمعية وكان قريباً مني الدكتور محمد رشيد الفيل رحمه الله وأراد الاطلاع وأخذه مني وسلمه الى زميل آخر يرجو أن يكون أحد الأعضاء ولكن لم يعد النظام.. وفي هذه الفترة جاءني الدكتور صلاح خالص وقال ان فكرتك قد نفذناها وتعال في يوم حدّده في دار الاستاذ باهر فايق قرب النادي الاولمبي. ولم أكن أعرف أن العراق قد تعددت الاتجاهات الفكرية فيه لأني طوال حياتي محايد، ولما وصلت الى محل الاجتماع فوجئت بأن الدار تعجّ بالحاضرين واستغربت من وجود هذا العدد الكبير من المؤلفين وفيهم مراهقون وعمال في المطابع والجرائد، ممن لم أسمع بهم أو أعرفهم أو أقرأ لهم. وكان في ذهني قادة الرأي والاساتذة والكتاب والمؤلفون الذين أعرفهم. وارتفعت شعارات وهتافات غريبة عليّ، وكان قادة الحضور وجوه بعيدة عن الأدب والتأليف والشعر، واذا بهم يقرأون برقية موجهة لعبد الكريم قاسم يؤيدونه ويشيدون به وبالثورة ومهاجمة أعداء الثورة، فاستغربت أن يكون هذا الاتجاه قد سيطر على المؤلفين ثم طلبوا من الحاضرين التوقيع على البرقية!
ما كنت يوماً أفكر أن أزجّ التأليف والأدب والعلم في خدمة الحكام وأنا أرى ان المؤلف والمفكر يجب أن يقود الشعب لا أن يكون هتافاً للسلطة وأن يكون بعيداً عن الانحياز لذلك رفضت التوقيع على البرقية. وأعلنوا عن الاجتماع الثاني ولكنهم لم يرسلوا اليّ من يدعوني للاجتماع ولم أخبر مع أن الزملاء معي في القسم. وعقد الاجتماع في دار الشاعر محمد مهدي الجواهري.
قابلت د. علي الزبيدي ووضعنا نظاماً جديداً وحصلنا على موافقة وزارة الداخلية واستأجرنا حجرة في شارع المتنبي وجلبنا بعض الأثاث من دورنا وبدأ الانتماء الى الجمعية واسعدها كثرة الذين التفوا حولها ولما كثر عددهم استأجرنا داراً في الوزيرية لأننا كنا نعتمد على مشاركة الاعضاء وتبرعاتهم وبدأنا النشاط الثقافي والأدبي الذي كان بعيداً عن السياسة ومكرساً للأدب والشعر والنقد وألقيت المحاضرات والندوات والامسيات الشعرية. وانضم الى الجمعية الاساتذة والكتاب والمؤلفون لأننا كنا ندقق في عمل المؤلف ومؤلفاته وانتاجه الأدبي.
لم ترضَ السلطة عن هذا النشاط لأنه لم يكن يهتف لعبد الكريم قاسم أو يرسل البرقيات أو يقابل الزعيم ويقدم له الولاء، فأرسلت السلطة الانضباط العسكري ليقف أمام باب الجمعية ولما عرف هؤلاء اتجاه الجمعية وخدمة الأدب والعلم تركوا الوقوف أمام الدار وأخذوا يجلسون مع الحضور. ومن الطريف ان المسؤولين قالوا انهم أرسلوا الانضباط العسكري لحماية الجمعية مع أن قصدهم ارهاب الحاضرين.
وتوالت الاجتماعات وكثر العدد والمشاركات فانتقلنا الى الاعظمية. ورغم الحياد التام في المحاضرات والبحوث فقد القي القبض على الدكتور عبد العزيز الدوري وكان رئيس الجمعية ثم ألقي القبض على الدكتور عبد الرزاق محي الدين ومع ذلك فقد استمرت الجمعية في نشاطها.. ومن الطريف ان الرئيس ونائب الرئيس وهما في السجن أعدّا لي فراشاً معهما لأنهما توقعا القاء القبض علي . وتم القضاء على حكم عبد الكريم قاسم وقد صدق التوقع فقد وجد في مفكرة أحمد صالح العبدي (الحاكم العسكري) أمراً بإلقاء القبض عليّ.
ولما أغلق الاتحاد عرضوا علينا البناية والمطبعة رفضت هذا العرض وأبيت أن أستولي على ممتلكاته ومكتبه.
ان جمعية المؤلفين والكتاب ضمت كل عناصر الشباب دون النظر الى عقائدهم وولائهم الحزبي فضمت بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وشاذل طاقة ومن يقرأ الكتاب الذي أصدرته الجمعية يجد مصداق هذا القول، وقد بادرالاساتذة في الجامعة وأعضاء المجمع العلمي الى الانتماء الى الجمعية.

اتحاد الادباء والجمعية
ظن بعض الاساتذة ان الجمعية تألفت رد فعل لاتحاد الأدباء وأنها ألفت لتكون ضده والواقع غير ذلك. فقد كانت فكرة الجمعية قبل انشاء اتحاد الادباء وقد كانت علاقتي بأعضاء الاتحاد ودية وبقيت حتى بعد أن أغلق الاتحاد وسافر بعضهم الى الاتحاد السوفيتي مثل د. صلاح خالص فقد كانت مراسلتنا مستمرة معه وكنت أزوره في داره وكتبت في مجلة (الثقافة الجديدة) ولم تنقطع صلتي به بعد عودته من الاتحاد السوفياتي. ان علاقتي باليساريين كانت مستمرة ومن أمثلة ذلك صلتي بذي النون أيوب الذي كان في النمسا وكتبت عنه في كتبي (القصة في العراق) و (الرواية في العراق) وكان يكتب لي باستمرار وأرسل لي قصصه التي خطها بيده وعندي بعض رسائله حتى هذا اليوم، يتحدث عن أسرار متعددة. الجمعية لم تغلق أبوابها عن أي كاتب مهما كان عمره بل كنا نحن في عمر الشباب وكان جميع الأعضاء أخوة. وكانت سبباً في نشر كثير من انتاج الأعضاء من الشباب والتوسط لهم عند الناشرين، الذين أصبحوا الآن من الرواد وقادة الفكر والأدب. ماكنت أريد للفكر التطرف والدخول في السياسة وما يفرق بين الاعضاء من عقائد وأفكار، والتزمت بهذا طوال عملي في الجمعية حياداً تاماً.
ان التفرقة والبلدانية والتطرف جاءت بعد العمل العسكري الذي قام به عبد الكريم قاسم وجماعته وكان الادباء أخوة لا فرق بينهم في الودّ والألفة ولم يظهر الانقسام الفكري الا بعد ان اخذ اتحاد الادباء المبادرة بعزل الادباء الى قسمين قسم معه وقسم ضده وعاتبت د. صلاح خالص على ذلك.
كانت الجمعية موئلاً لجميع الكتاب والمؤلفين من الرائد الى الشاب وخير دليل على هذا هيئة الجمعية الادارية فقد كانت مكونة من د. عبد العزيز الدوري ود. علي الزبيدي وخالد الشواف ونازك الملائكة ود. عبد الرحمن القيسي وشاذل طاقة ويوسف عزالدين. ومن الاحتياط كان د. ناصر الحاني والاستاذ عبدالله نيازي وخضر الولي. ان فيها اساتذة الجامعة وأعضاء المجمع العلمي العراقي ومن لهم باع طويل في التأريخ والبحث العلمي والأدب.
* * *


القسم الثاني
مصر والمملكة العربية السعودية

* مجموع سنوات اقامتكم خارج العراق يفوق الوقت الذي قضيتموه داخل العراق، وكتبت شعرك وجهدك الأدبي لمصر (الاربعينات - الستينات) والمملكة العربية السعودية (الثمانينات وما بعدها) وكانت مجاميعكم الشعرية مصرية أكثر منها عراقية ووقفت كتبك النقدية لدراسة تلك البلاد وهو ما لم تفعله في بلدك العراق للأجيال اللاحقة!
هذا سؤال يحتاج الى ايضاح طويل وهو ما يتردد دائماً ولكن دراسة كتبي سوف تظهر أسراراً مجهولة كما ان معرفة سيرة حياتي غير واضحة عند بعض مؤرخي الأدب:-
- انني بدأت الكتابة والنظم في وقت مبكر جداً عندما كنت معلماً منذ 1941 حتى 1946 وكان كل انتاجي عن العراق ولكن للأسف ما زال في الجرائد والمجلات ولم يجمع. وضاع الشعر السياسي كله واحترق. ومنذ 1946-1950 كنت في الاسكندرية وكنت أكتب في جرائد العراق ولم أنشر من شعري في الجرائد المصرية الا قصائد(في ضمير الزمن/ الحان). وفي مصر كتبت اسمي صريحاً بعد دخولي كلية الآداب التي كان لها الفضل الكبير في توجيه أدبي وشعري وتكوين شخصيتي الاجتماعية والفنية وامتلأت بالثقة النفسية. فقد وجدت في الجامعة الرعاية الكبيرة وبرزت فيها شخصيتي الأدبية بوضوح واعتمدت عليّ الكلية في كثير من القضايا وقد كنت أحذر من الجوّ الجديد وأنكمش من دخول الحياة الحديثة في مصر ولكن الجامعة كانت تعاملني معاملة خاصة وقد بدأت أول مرة في المسابقة الشعرية إذ كانت تختار طالباً واحداً يمثلها في المناسبات العامة ولما حان الموعد طلب رئيس القسم من طلابه أن يأتي الشعراء بقصائدهم لمقابلته في غرفته وكان الاستاذ محمد خلف الله أحمد (رحمه الله) رئيس القسم. اجتمعنا في غرفته وأخذ كل طالب يلقي قصيدته أمامه لاختيار الطالب الذي يمثل الكلية وكان يستمع الى الطالب وبعد بيتين أو ثلاثة يوقفه ثم يأتي الطالب الآخر للاستماع الى قصيدته ولما جاء دوري قرأت له قصيدة كنت نظمتها حديثاً أولها:-
لا تسأليني عن جمال السكون وعن ربيع الأمل الحالم
قد أنعشتني في ظلال الفتون نفحة طيب من شذا هائم
قد صافح العطر رفيف الغصون فاحتفلت بالموسم الباسم
وسكتّ لأنه كان يسمع لثلاث أبيات على الأكثر فما كان منه الا أن قال استمر.. وقرأت القصيدة كلها وبعدها قال لنا: اخرجوا فخرجت مع الخارجين وأحسب ان جميع الشعر لم يعجبه، فالتفت إليَّ وقال: لا تذهب.. أنت تمثل الكلية!
كانت فرحة لا يعدلها أجمل الأماني فقد زرع في نفسي الثقة. وفي احدى الحفلات التي أقيمت تكريماً لطلاب جامعة القاهرة ألقى الاستاذ محمد حسين (رحمه الله) كلمة ترحيب بهم وكنت أجلس في آخر القاعة وبعد انتهاء الكلمة اذا به يقول فجأة: - سوف يلقي يوسف عزالدين كلمة نيابة عن الكلية.
انها مفاجأة لم أكن أتوقعها وكان الطلاب المصريون في الصفوف المتقدمة حاضرين. وبينما كنت أتقدم للمنصة وأنا أخفي اضطرابي خطرت لي خاطرة ما ان وصلت الى المنبر حتى قلت ما معناه: ليس بعد قول استاذي قول لأن بلاغته وفضله تغطي على كل خطيب لذلك أرجو أن تسمحوا لي بقراءة قصيدة، فصاح الطلاب بالموافقة.
كنت قد نشرت قصيدة في الاسبوع نفسه في زاوية الأدب التي يشرف عليها الشاعر المعروف محمد الأسمر منها:-
شهر وما أحلاه من شهر قد مرّ بين الحبّ والعطر
كــأنه البسـمة في الـثغـر قد مرّ بين الحبّ والطهر
وقد استغربت أشد الاستغراب لأني كنت أقرأ الصدر وكان طلاب الاسكندرية يقرأون العجز فعلمت أنهم حفظوا القصيدة. حقاً كنت سعيداً، ورجوتهم السكوت إكراماً لطلاب جامعة القاهرة الذين لم يقرأوا القصيدة من قبل.
كانت مواسم الشعر ومهرجانات الأدب تدعوني للمشاركة في كل مهرجان وكثر الأصدقاء ودعيت الى بيوتهم ونواديهم وزادني سعادة ان الكلية كانت تنتدبني ممثلاً لها في الاحتفالات الرسمية وقد قلت يوماً للعميد الاستاذ عبد الحميد العبادي (رحمه الله) أرجو أن تختار أحد الطلاب المصريين لأني عراقي، فما كان منه الا أن قال: انك طالب في كلية الآداب وأرجوا أن تختار أنت من تريد وتأخذه معك وحبذا لو أخذت معك طالبة!
ان لجامعة الاسكندرية فضلاً كبيراً عليَّ فقد غرست في نفسي الثقة وزرعت بي الاعتداد بالنفس. ولما أعدت موسماً ثقافياً للأساتذة كنت الطالب الوحيد الذي أسهم فيه مع أساتذتي (رحمهم الله تعالى). ولَعلّي الطالب الوحيد الذي كان يدعونني الأساتذة الى دورهم ومشاركتهم وأسرهم الطعام رعاية وتقديراً. ما كانت جامعة الاسكندرية تفرق بين أبناء الاقطار العربية بل كانت تشجع الطالب المتفوق سواء كان مصرياً أم عراقياً أم سودانياً.

الطالب الوحيد في قسم النقد
كان في قسم اللغة العربية قسمان: قسم النحو وقسم الأدب وكنت فيه. وفي القسم جماعة الاختصاص أو الامتياز ذوي الدرجات العالية ومنهم يؤخذ الطالب للاختصاص واختارني الاستاذ محمد خلف الله - رحمه الله- الطالب الوحيد في قسم النقد في الدورة التي كنا فيها. وكان يدرسني وحدي دروس النقد!


مصر وجهودي
ما كان يخطر في بالي ان هناك فرقاً بين مصر والعراق أو أي بلد عربي فقد كنت أنظم القصيدة كما يوحي لي بها الوقت. وسوف تجد ان القصائد التي نظمت في مصر وفي الاسكندرية في الديوانين (في ضمير الزمن/ وألحان) هي قصيدة (الجلاء) وقصيدة (النيل) وجميع القصائد في الغزل أو الوصف وفيها قصيدة من وحي البحر وبذلك فقد ألهمني الجمال في مصر كثيراً ولم أتأثر بالسياسة ومدح المدن والرجال وكان عملي منصباً على العراق. فقد ألقيت محاضرتين عن الأدب العربي في العراق واحدة عن محمد رضا الشبيبي نشرت في مجلة الأسرة التي يصدرها قسم اللغة العربية والثانية عن الرصافي ألقيتها في نادي الكتاب، كما دعوت القنصل العراقي حكمة الجادرجي الى الكلية وألقى محاضرة عن العراق نشرتها في المجلة التي أصدرتها في الاسكندرية عندما ألفت جمعية الشبيبة العربية. وبالرغم من أنني كنت طالباً في مصر فقد رحبت بي في القاء محاضرات عن العراق وعن الوطن العربي مثل سورية ولبنان والسودان.
الشعر العراقي في العراق
كنت أريد أن احضر رسالة الماجستير عن الادب الاندلسي لكن استاذي محمد خلف الله اقترح ان أكتب عن الشعر العراقي في القرن التاسع عشر. فالاسكندرية لها فضل في توجيهي في البحث عن العراق ونوقشت الرسالة في الكلية وبعدها كتبت رسالتي في لندن عن الشعر العراقي في القرن العشرين وبذلك فقد كان العراق معي وكنت لسان صدق له حتى في شعري وبحوثي ومحاضراتي.

المملكة العربية السعودية
وقد وجدت كل حبّ وتقدير في جامعة الرياض وجامعة ام القرى وألقيت عدداً من المحاضرات وشاركت بما نشرته في الجرائد والمجلات وأصدرت من الكتب أثناء عملي فيها:
1- اعيد طبع كتابي: في الأدب العربي الحديث، وهو عن العراق وشعرائه وأدبه من الوجهة النفسية ولعله أو ل كتاب يصدر عن الأدب في في هذا المضمار فيه الرصافي والزهاوي والكاظمي ومحمد علي اليعقوبي ومحمد رضا الشبيبي والقصة في العراق والشعر الحر. طبع في دار العلوم في الرياض.
2- التجديد في الشعر الحديث ، درست فيه بواعثه النفسية وجذوره الفكرية وهو مخصص للشعر في العراق وأبراز دوره في شعر السياب والملائكة ومضامين الشعر الجديد والحداثة. وطبعه نادي جدة الأدبي.
3- قول في النقد وحداثة الأدب، وبالرغم من ان فيه عدداً من البحوث والدراسات عن المملكة مثل الدكتور محمد عبده يماني والشاعر عبدالله بلخير وفيه كثير من الحديث عن الأدب العراقي.
4- فصول في الأدب الحديث والنقد وهو دراسة عن البارودي وأحمد شوقي والتيارات النقدية في الغرب. وطبع في الرياض.
5- أصدرت عدداً من القصائد وليس فيها الا قصيدة باسم (الطايف الحلوة) وكلها حنين الى العراق وأهله ولكن لم أغفل الحديث عن الأدب في المملكة فقد ورد أسماء عدد من كبار الأدباء وكنت أتمنى أن أكتب كتاباً عن الأدب في المملكة ولكن وجدت من يسابق في هذا المضمار وسبق اليه الكثير، وما اعتدت ان ازاحم في بحوثي الآخرين وكل كتبي في مضامير فكرية جديدة ولم ألج بحثاً سبقني اليه باحث!

مصر و مصر
انها بلد لا تعرف التفرقة العشائرية والبلدانية والاقليمية اذا قارنتها بالاقطار العربية التي لو بقيت طوال عمرك لما حسبت من أبنائها ولو كنت أعرفهم أصالة وأبعد جذوراً منهم ولا تحس في مصر بأنك غريب ولا يعاملك الشعب المصري الا كأنك واحد منه.

* لكن أي كاتب مصري أكثر شهرة منك مع ما بذلته من جهود كبيرة واخلاص على الصعيد الفكري والأدبي استاذا وشاعراً وناقداً، فهل منحت وساماً أو جائزة من مصر او المملكة العربية السعودية، وفي الغرب منح أكثر من عربي جائزة لتفوقه الأدبي والفكري ومنح بعضهم مواطنة شرف؟..
الحضارة لا تقسم، ومن مقوماتها تقدير كل نابغة ولو كان من غير الجنسية التي تمنح هذا التقدير. وللشهرة اسباب ودوافع منها الانتماء الفكري او الحزبي او العمل لخدمة جماعة من الجماعات او الدعوة لمبادئها. وأنا لم أكن منتمياً لأي حزب أو جماعة أو فكرة لتدق لي طبول الشهرة ومع ذلك فأحمد الله على أنني برغم الحياد التام في حياتي الفكرية فقد قدر الادباء والمفكرون عملي، فقد مدحني أكثر من أربعين شاعراً وهذا ما لم يحدث في جميع تأريخ الأدب العربي أن يمدح أربعون شاعراً (شاعراً) أو أديباً لا يملك المال والسلطان. وهذه القصائد موجودة في (أشعار المحبين الى يوسف عزالدين) للأستاتذ حماد السالمي!
وخير الأوسمة وأغلاها كتابة خمسة عشر كتاباً ودراسة عني في العربية والانجليزية والبولونية والفرنسية وهو أمر لم يحصل لأديب حي ولأستاذ جامعي ما زال يبدع ويكتب وينتج. ان كتابك عني (يوسف عزالدين.. شعره وتجديده) أحد هذه الأوسمة التي يفخر بها تأريخ الأدب العربي لأنه سوف يبقى ما بقي الحرف العربي حياً أما الأوسمة التي يمنحها الرؤساء دليل الولاء والزلفى فسوف تذهب سريعاً وخير مثال ما فعله الزعيم الايطالي (غريبالدي) الذي وحّد ايطاليا فأرسل اليه الملك الأوسمة والنياشين الغالية فأخذها بيده وهزّها فكان لها صوت فقال لمندوب الملك:- خذ هذه (الخراخيش) الى الملك لأني وحّدت ايطاليا في سبيل الشعب والأمة وليس في سبيل هذه (الخراخيش)! وما كتبته كان في سبيل أمتي لا سبيل الحكام!

المواطن العربي
ما زال المواطن العربي حبيس الأنظمة فلا يمكن دخول البلاد العربية الا بـ (سمة الدخول) وقد قضيت مرة ثلاث ساعات في المطار قبل ان أدخل البلد مع اني أحمل سمة الدخول ودعوة لحضور مؤتمر معروف. وما زالت الاجراءات سارية المفعول في جميع الاقطار العربية. فالمفكر تحوطه الرقابة ومن الطريف انني دخلت مرة الى المملكة العربية السعودية فأخذ موظف الكمرك كتبي ومنع دخولها. قلت له أنت أخذت الانتاج ولم تأخذ المنتج.. ألا يمكنني أن أنشر آرائي شفويا؟
وصادر موظف الكمرك عند دخولي الكويت تأريخ الطبري والأغاني وختم على الصندوق فقلت له: أتخاف من رأي مضت عليه القرون وهذه طائرات الاستطلاع تصور النملة وهي تمشي على الأرض؟

* عرف الدكتور كاتبا موسوعيا في الأدب والنقد والسياسة وهو الذي كتب الشعر الحر في الابعينات ولكن ما انتجه بعد ذلك في الغربة اتسم بالكلاسيكية ويعدّ تراجعاً في مستواه وفي مشروعه التحديثي؟
أنا استاذ ومن مهمتي الحفاظ على اصالة لغتي وأمتي وأميل الى التراث واحافظ عليه بعد الهجوم الشرس من الأدب السطحي والتجديد الزائف، ولكني جددت وحافظت على الاصالة ونظمت في انواع الشعر دون أن أفقد المعنى والموسيقى لأن الشعر لفظ جميل وموسيقى خالبة ومعنى جديد. وفي ضوء هذا الرأي نظمت الشعر وحميت الأدب وثرت على الجمود والتقليد منذ بدأت أنظم الشعر، مجدداً فيه وديواني الأخير (هكذا يا بغداد) مصداق القول.

* سلسلة كتبكم المتنوعة تكشف شخصية أدبية فكرية لها ثقلها وعمقها في خريطة الثقافة ولكنكم انقطعتم عن التأليف للاهتمام بالدراسة الأكادمية في الجامعة ولم تبتعد كتبكم عن المحاضرات والتدريس!
لم أكتب كتاباً مدرسياً للطلاب أبداً لأني لا أريدهم نسخة مكررة مني، وكنت ألقي محاضرات عن الأدب العربي ونقده فجمعها الطلاب وطبعت في كتاب بعنوان (فصول في الأدب الحديث والنقد) وهو الوحيد في محاضراتي وطبع في الرياض ونفد الكتاب. لأني اعتدت ألاّ أكرر نفسي في المحاضرات ولكن كتبي بصورة عامة فيها آرائي في النقد والأدب والتأريخ يقرأها الطلاب. ومن تتبع كتبي لن يجدني كتبت كتباً للطلاب مع انني درست في الجامعات عدة ستوات. لأني أريد أن يكون الطلاب أحراراً في الفكر والكتابة وأريدهم أن يفكروا بحرية تامة وأن تظهر شخصياتهم الفكرية والأدبية، وكنت ضد حفظ المتون إلا للضرورة لأن حفظ متن كتب الاستاذ يضيع الفكر الحرّ عند الطلاب وأريدهم أن يفكروا ويستقلوا في آرائهم ليكونوا قادة أحراراً يقودون أمتهم نحو الفكر الحرّ والرأي المتجدد، ولا بد لي من كلمة أقولها:
ان الأديب والشاعر والمفكر اذا لم يجد عملاً يأكل منه طعامه فسوف يموت جوعاً. ففي الوطن العربي بصورة عامة لا يمكن المفكر أن يعيش ويحترف الأدب أو أن يعتمد على القلم ولو كنت متفرغاً للأدب والعلم لجئت بالمؤلفات الكثيرة في خدمة هذه الأمة وتطور حضارتها وفكرها واخراجها الى عالم الحرية الواسعة والرأي الراجح بأكثر مما جئت به للآن.

* طبعت كتبكم في مصر والسعودية ولم تطبع في تونس أو المغرب أو لبنان..
ليس هذا الأمر بيدي لأختار أمكنة الطبع، ومصر مركز الثقافة التي نشرت أدبي واسمي في المعمورة ولكن عدم وجود حزب أو هيئة أو جماعة تسندني حال دون اتساع شهرتي في العالم. وحسبي استقلالي وحيادي وما كنت حصاناً في سباق العقائد أو طبلاً في جوقة الزلفى. ولو جاءني الناشرون لما تأخرت عن مساعدتهم، بل أن الناشرين الذين كانوا ينشرون كتبي ابتعدوا عني لأني لم أكتب ما يروق نشرهم، لأن أكتب لجماعة خاصة وعددهم محدود، وبين هؤلاء من يستهدي الكتب وما رددت واحداً منهم ولو أني أعرف من كان يبيع الكتاب حتى جاء أحدهم وطلب كتاباً فأعطيته دون اهداء وقلت له بصراحة حتى يسهل تداوله فأخذه دون اكتراث بالوخزة!

مصر والمملكة العربية السعودية
ان السنوات التي قضيتها في العراق استاذاً أو أميناً عاماً للمجمع العلمي العراقي ورئيساً لجمعية المؤلفين والكتاب يمكن حصرها ما بين 1957- 1979 وهي السنة التي انتدبت فيها للعمل في جامعة الرياض ولكن لم أتخلَّ عن العراق. فقد كنت أذهب دائماً وأحضر اجتماعات المجمع حتى صدر الأمر باعفائي من العضوية وقطع راتبي التقاعدي وهو حق طبيعي لأنه اقتطع مني ومن راتبي!
كانت الهيئات العلمية في جامعة الرياض وجامعة ام القرى السند الذي زوّدني مورد العيش الذي أعانني على الحياة. فقد كانت جامعة ام القرى وكلية التربية تجدد عقدي كل سنة وقد جاوزت سن التقاعد وعبرت السبعين. ولكن رجال العلم والأدب وعميد كلية التربية ومدير الجامعة كانوا يجددون لي العمل استثناء، ولم يجدد لأستاذ قبلي هذه المدة الطويلة والحقّ يقال!.. كنت أقدم رجاء بعدم التجديد ولكن لطف الكلية ورعاية الجامعة وحضور العميد ونائبه ورئيس القسم الى الدار وتمزيق الطلب هو الفضل الذي لن أنساه لهم. ولولا إصراري على عدم التجديد لما وافقوا على إنهاء عملي في الجامعة.. أنه فضل لا ينسى ولطف أسجّـله لجميع قادة الكلية والجامعة فلولاهم لتاه بي السبيل..!

ذكريات الرياض
ان الرياض قد احتفت بي حفاوة كبيرة وكُرِّمْتُ منها وكتَب عني الزملاء عدداً من المقالات جمعها الدكتور عبد الرحمن المرغلاني وكان عميد كلية التربية وكتب فيها كتابه باللغة العربية (طقوس الحداثة- قراءة نقدية لنقاد { قلب على سفر} للدكتور يوسف عزالدين).
وكنت أجد الصحبة الكريمة من المفكرين والأساتذة والأصدقاء، فما كان يمرّ بي يوم الا زائراً أو مزاراً، داعياً أو مدعواً وأشهد أن أهل الرياض أكثر ألفة وأقرب مودة وأكثر لطفاً وكرماً من غيرهم، فلن أنسى ودّ الاخوان الكرام الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع والدكتور عبد العزيز الخويطر والدكتورمحمد عبده يماني والشيخ عبد العزيز السالم والشيخ عبدالله بلخير والدكتور أحمد الضبيب والدكتور منصور الحازمي والدكتور سليمان السليم ومجلس عبد العزيز الرفاعي والدكتور عبد العزيز الخوجة وتفقد الأخ عبدالله با مقدم والدكتور عزة خطاب والدكتور حمد خالد البدلي ولو ذكرت غيرهم لاحتاج المقال الى صفحات..

وأربعة كتب..
وعشت في الطايف الجميلة وكتبت فيها قصيدتي (صدى الطايف الحلوة) كما صدرت عني في الطايف الكتب التالية:
1- أشعار المحبين الى يوسف عزالدين.. تأليف: الاستاذ حماد السالمي
2- طقوس الحداثة.. للدكتور عبد الرحمن المرغلاني
3- الورقاء.. ضمت المفكرين والأدباء.. للدكتور عدنان المهنا
4- يوسف عزالدين شيخ المجددين.. تأليف الاستاذ عدنان الشهري
وقد نظمت في الطايف أكثر من أي شاعر خلال حياتها ومن الاحياء، وعندما أصدر الاستاذ حماد السلمي كتابه (الشوق والطايف) ذكر لي ثلاثة عشرة مقطوعة وقصيدة في الطايف.
ان صدور أربعة كتب عني في مدينة واحدة خير دليل على حبّ الأدب والأدباء لي وهي أوسمة باقية بقاء الوفاء والأخوة.
عضو مجمع اللغة العربية
عندما تخرجت من جامعة لندن آليت على نفسي خدمة العلم والأدب والانسانية لهذا كرست جهودي لخدمة العلم والتأليف والانضمام الى ركب طلاب العلم ولم أترك ذلك الركب بالرغم من أن الدولة على اختلاف أشكالها حاولت إغرائي في العمل السياسي نائباً في مجلس الشعب ومستشاراً في الخارجية أو سفيراً. ولكن آثرت البحث العلمي وخدمة التراث العربي والاسلامي، ولامني الكثير على انني أرفض الوظائف السياسية في الدولة ولا أدري كيف يتناسى الناس بأن الوظائف الكبيرة عرضة للتغيير الذي يهان بعدها صاحبها. وقد كنت صريحاً مع أحد رؤساء الوزراء (طاهر يحيى) عندما لم أستجب لطلبه وألحَّ عليَّ إلحاحاً كبيراً وكان معه أحد الوزراء ووزير الاعلام ومعاون رئيس أركان الجيش العراقي فقلت له بصريح العبارة وباللهجة العراقية..
.. والله انا ما أتحمل أن أنضرب (عجل)!!
وهو تعبير عن ما يسميه اخواننا في مصر (قلم) فاستاء الاخوان مني ولكن الرئيس كان مصراً فأخذني الى جانب آخر من المكان الذي كنا نجلس فيه في القاهرة وقال لي لما انزوينا:
.. كلامك خطير أرجو أن تكون واضحاً معي!
قلت له: أنا طالب علم ودرست أحوال العراق وقد رأيت جميع خلفاء بني العباس قد قتلوا الا الرشيد الذي مات في طوس [ وقد مات مسموماً] والمأمون الذي مات في طوس أيضاً ولا حظت أن أكثر ولاة بني عثمان في بغداد خنقوا أو قتلوا وهذه (السلنامة) يمكنك الاطلاع عليها. وقد أفردت في أحد كتبي قائمة بأسماء الولاة في بغداد وسأرسلها لك عند عودتي من القاهرة. وبالفعل ان جميع الذين كانوا في هذا الاجتماع أصابهم أكثر مما قلت ومنه صديق عزيز منذ سنوات في المستشفى جراء تعذيب صبَّ عليه!
لا يوجد انسان لا يحب المناصب العالية ولكن العراق لا يمتاز بما يمتاز به الآخرون. ففي طبع العراقي حدة ومبالغة في الأمور. وقد ظهرت فيه أكثر الآراء والتيارات الفكرية والسياسية والدينية وهو عنيف في الكراهية والهدم، ودليل ذلك عدم وجود الآثار العريقة في العراق واندثارها، حتى مدينة بغداد المدورة لم نجد لها أثراً، بينما تجد في مصر حبّ الحفاظ على القادة في الفكر والأدب والتمثيل وهم يخرجون الطوابع التذكارية لهم ويؤلفون القصص عن حياة الرواد ولو أساء هؤلاء لبلادهم، وها هي أثار ايران وتركية وسورية ولبنان ما زالت حية فأين آثار بغداد الزاهرة، مساجدها وقصورها ومشافيها في عهودها الحضارية!!
أنا أعرف سلفاً ما يحصل بمن يبرز في العراق ويشبع من الاهانة والتعذيب والسحل بداية من ابن مسلم في الكوفة والامام الحسين ونهاية بالهواشم الذين أخلصوا للعراق فكان عاقبتهم الإساءة الى سمعتهم أحياء وإهانتهم وهم أموات فقد سحل القادة والرؤساء على طوال العصور!
العراقي يحبك حتى الموت ويبالغ في حبه وعدائه، وفيهم أهل أكثر من بيعة، أين قسم عبد الكريم قاسم للاسرة المالكة، وأين ذهب ودّ عبد السلام عارف وأين ذهبت علاقة عارف عبد الرزاق به، وما صنع بعده الذين أقسموا لغيره بالقرآن الكريم أن يخلصوا له؟!
أن أسلم طريق هو خدمة العلم والأدب بالرغم من وجود الحسد والخيانة حتى بين الأدباء والمفكرين، ذلك أن العراقي فردي نرجسي حتى قال علي الشرقي:
قومي رؤوس كلهم أرأيت مزرعة البصل؟!
وأحمد الله أني بقيت بعيداً عن السياسة والوظائف السياسية وابتعدت عن مراكز الشهرة والزلفى للسلطة ومن نعم ربي أن قلدتني مصر أعلى وسام علمي في العالم، حتى أصبحت عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية وتفضلت عليّ مجامع دمشق والأردن والهند وتونس بالعضوية وهي خير من أوسمة ملك ايطاليا الى القائد (غريبالدي) لأنها خالدة في التأريخ إضافة الى ما ذكرته كثرة ما كتب عني من دراسات وكتب مما لم يكتب عن أي سياسي منصف أو قائد غيور أو حاكم عادل!!

* ما هو موقفكم من مشروع السلام مع اسرائيل الذي بدأه السادات؟
نحن أمة كلام وهل يجدي الكلام!.. وقد صدق معروف الرصافي عندما قال عن العرب:
الى كـم أنـت تهـتـف بـالــنـشـيـد وقد أعياك ايقاظ الرقود
فلست وان شددت عرى القصيد بمجدٍ في نشيدك أو مفيد
لأن القوم في غيّ بعيد
اذا أيـقــظـتـهـم زادوا رقــاداً وأن أنهضتهم قعدوا وئادا
فـسـبـحـان الـذي خلق العبادا كــأن القوم قد خلقوا جمادا
وهل يخلو الجماد من الجمود
الأمة ما تزال متفرقة، كثر قولها وقلَّ عملها وركبها حبّ الذات وقد بذلت جهدي وأنا طالب وسجنت في سبيل ما أعتقده ونظمت شعري في الوطن العربي والانسانية وأول قصيدة كانت عن فلسطين:
انثر الورد على طول السنين فوق قبري ثم زهر الياسمين
انني ماضٍ الى سوح الوغى انني ماضٍ الى البيت الأمين
وآخرها مقالة عن فلسطين في احدى جرائد لندن وألقيت مثلها في مجمع اللغة العربية هذه السنة! وبين يدي قصيدة عن أطفال الحجارة منها:
لا تبك أطفال الحجارة
فالطفل يمسح فيه عاره
فما صنع العرب غير التهديد الفارغ والكلام الحماسي الأجوف وهذه فلسطين تقدم الشهداء أنهاراً والدماء بحوراً ويعبث الصهاينة بنا ويحميهم تفرق كلمة العرب والمسلمين. الأمة هي التي تعمل والشعب هو الذي يريد ومتى أرادت الأمة وصمم الشعب فلا السادات ولا غيره يقدر على أيّ عمل!
هل يقدر توني بلير أو بوش أن يعملا دون رغبة الشعب بل هذا شارون وباراك يخافان من الشعب الاسرائيلي فهل هناك في الوطن من يخاف سلطانه من شعبه؟ لن يكون للامة العربية والشعوب الاسلامية كلمة ما دامت الافواه مكممة والأقلام مربوطة والأفكار محبوسة تخاف من الحاكم ومن سجونه وتعذيبه، بالحرية وحدها تتقدم الأمة وبالصراحة تتطور معالمها وبالصدق تنمو حضارتها؛ ونحن نفقدها كلها.. فما فائدة القول وهذا شأن أبناء أمتي!
..
وأخيراً.. الشهرة حظوظ أولاً ودعاية كبيرة ثانياً، تأتي من أصحاب الأحزاب والجمعيات والنوادي وأصحاب العقائد، فالشيوعيون يريدون أقرانهم والاخوان ينشرون أسماء أصحابهم والناصريون يهتمون باخوانهم ومن يسير في تيارهم!.. ولست واحداً منهم.





القسم الثالث
الحياد

أما المحايد فليس له الا علمه وفضله وما يقدمه في هدوء وصبر ومثل هذا لا يظفر بالطبول المرتفعة والدعايات الصارخة لأن الصوت العالي يسمعه الناس ولو كان مؤذياً وينصت اليه السامعون بالرغم من ارادتهم!
وهناك صناع الشهرة والراكضون وراءها في الاعلانات المتعددة وتكرار الأمر حتى يصدقه الناس. ومن أهم طرق الشهرة التقرب الى السلطان ومدحه والتزلف اليه في عالمنا العربي، فقد اشتهر جرير والفرزدق والاخطل ولم يعرف عباس بن الاحنف. وأصبحت العواصم الآن مراكز للشهرة، فقد جاء همنغواي الى باريس فاشتهر وجاء اليوت الى لندن وتجنس بالانجليزية فَعُرِف.
ومن الغريب أني كنت دائماً بعيداً عن مراكز الشهرة، فقد ولدت في بعقوبة ومركز الشهرة بغداد، وبعد أن تعرفت عليها ذهبت الى الرياض والامارات العربية والطايف وها انا أعيش في ويلز وما عشت في لندن وكلها ليست مراكز الشهرة، ولو ولدت في بغداد ودرست في القاهرة وعشت في لندن وانتميت الى حزب أو جماعة لكانت شهرتي طبقت الآفاق!!

* ألا تعتقد أنك كنت تخدم شعبك أفضل لو تسلّمت مركزاً مسؤولاً في التعليم أو الثقافة وتؤثر في التحديث والتطور؟ هل يمكن عدّ رفضك للمراكز الإدارية أو السياسية ميلاً للسلامة والابتعاد عن احتمالات غير مأمونة؟
في قولك الكثير من الصِّحة والتجاوز. أما الصِّحة فان أهل المراكز العالية وبخاصة الوزارة والسفارة، فقد رأينا بأم العين ما آل اليه أصحاب هذه المراكز من سجن ومحاكمات وبخاصة بعد حكم عبد الكريم قاسم. وهل نسيت محكمة المهداوي وما جرّته على قادة العهد الملكي وتوالي الأحداث؟ وحال الوزراء وقادة الجيش وحتى أساتذة الجامعة والمفكرين وأصحاب الجرائد والمجلات؟! أتنسى زوّار الفجر الذين كانوا يداهمون الناس في المخادع ويتسورون على السطوح؟ وإن تغافلت عن الحاضر فهل درست الماضي؟
ومع كل هذا فقد كنت أفيد الأديب والكاتب والاستاذ والباحث عندما كنت أميناً عاماً للمجمع ومسؤولاً في جمعية المؤلفين والكتاب بصورة مباشرة، أو كنت عضوا في لجان وزارة الإعلام أو وزارة المعارف. فكم من كاتب أخرجت له كتابه وكم من أديب أعنته على طبع مؤلفه وكم من دارس مددت له العون، وفي مقدمات الكتب التي شكرني فيها أصحابها الكرام خير دليل على أنني لم أتخلَّ عن المساعدة والعون حسب طاقتي وقدرتي. وكثير من الوزراء والمسؤولين ما كانوا قادرين على مساعدة صغيرة. وقد ساعدت كتاباً ومؤلفين في أحرج الأزمات، وكتبت لأدباء وكتاب كانوا يخافون هم أنفسهم من كتابة أسمائهم في مقالاتهم وأوصيت بطبع مؤلفات لم تكن الدولة والتوصيات بجانبهم.
ان خدمة الحرف والفكر ليست بالوظائف إنما بالاسلوب الذكي لهذه المساعدة، فقد فتحت أبواب المجمع العلمي العراقي وأدخلت فيه أعضاء ما فكروا في الدخول إليه، وشجعت على نشر كتب يئس أصحابها من نشرها، وأسهم في مجلة المجمع من لم يفكر أن يجد اسمه على صفحاتها وسهلت تناول مطبوعات لمن لم يكن قادراً على شرائها؛ ولم أكن في الجمعية بأقل مساعدة للمؤلف والشاعر والكاتب والباحث. ان انشاء الجمعية بحد ذاته نصر للأدب والفكر والشعر.

مجلة الأقـــلام
لما جاء الصديق اللواء الركن عبد الكريم فرحان الى وزارة الاعلام وكانت لي به صلة ما تزال عامرة.. أن أشاركه المسؤولية في الوزارة وأن أكون مديراً عاماً للصحافة والارشاد وكنت أميناً عاماً للمجمع العلمي (العراقي) وأن أكون بعد ذلك وكيلاً للوزارة التي لم يكن بها آنذلك وكالة؛ فداومت في الوزارة ورأيت العراق كله ليست فيه مجلة فكرية أو أدبية فاقترحت عليه اصدار هذه المجلة فقال لي - شفاه الله-:
- أصدر المجلة باسمك ونحن نشتري أو نساعدك على الاصدار!
قـلـت له:
- مجلة فردية وأدبية لا يمكن لها الاستمرار، ومتى اختلفت مع الوزارة ومنعت عنها المعونة المالية فسوف تموت. ولكن أرجو أن تصدر المجلة باسم وزارة الاعلام!
وتداولنا في الأمر وشكلت لجنة لإدارة المجلة فكتبت عدداً من الرسائل الى جميع الأدباء والمفكرين الذين أعرفهم، أدعوهم للمساهمة في إصدار المجلة واستجاب الكتاب فوجدت المواد تكفي لإصدار عددين وبالفعل صدر العدد الأول ونضَّد العدد الثاني. ولم أنسجم مع العمل ولم يكن من عادتي المجاملة وتمشية الأمور. ولا بد من أن أقول بأن الوزير كان شديد الرقة عذب الحديث معي لطيف المعشر برغم اختلافي معه في بعض المواقف. ولكن اسلوب من أحاط به ما قدرت على مسايرته فرجوته إعفائي برغم عرضه عليّ وكالة الوزارة ورشحت لها أحد الزملاء وسعدت بأن المجلة صدر منها عددان، ولما اعتذرت عن الاستمرار بخل زملائي بشكري أو ذكر اعتذاري في المجلة. وكان الوزير الصديق عبد الكريم فرحان أكرم نفساً فقد أرسل لي رسالة شكر وتقدير ما زلت أحتفظ بها للدلالة على سمو خلقه، ومجافاة الزملاء الكرام لي!
وما تزال هذه المجلة تصدر.. فكم من المتعلمين يعرفون صاحب هذه الفكرة؟!
كما أصدرت مجلة الكتاب باسم جمعية المؤلفين والكتاب، وبالرغم من أنني كنت أقوم بكل أعمالها فكنت أضع أسماء لجنة لها ومديراً مسؤولاً. وما تزال هذه المجلة تصدر.. أليس في إصدار هاتين المجلتين رفد للفكر والأدب والعلم؟..
المجمع العلمي العراقي

من الأعمال التي قمت بها، إنشاء بناية المجمع العلمي العراقي. فقد عينت سكرتيرا في زمن المرحوم ناجي الأصيل، فوجدت المجمع في عرصة واسعة ليس فيها الا الاحجار والصخور. ولما توفي الدكتور الأصيل عهد إليَّ بالعمل بالمجمع بعد ذهاب عبد الكريم قاسم. فأعددت قانون المجمع العلمي العراقي بعد دراسة لأنظمة المجامع في القاهرة ودمشق والمجمع البريطاني، وأخذته بنفسي الى التدوين القانوني الذي درس مواد قانون المجمع الجديد بصورة مستعجلة. والطريف انني وضعت مادة هي إضافة أعضاء من البلاد العربية أسوة بمجمع اللغة العربية في القاهرة، والغريب أن يعترض أحد دعاة الوحدة العربية! ولا يعرف أهمية هذا القانون الا إذا قورن بالنظام الذي كان سائراً عليه المجمع العلمي العراقي سابقاً، ومن أهم مزاياه:
1- أن يكون المجمع مستقلاً له ميزانية خاصة لا صلة له بوزارة المالية. والغريب أن يعترض وزير المالية على هذه المادة لأنه أبعد عن التدخل في أمور المجمع وبخاصة ملاك الموظفين وتقدير المنح والمساعدات المالية التي أوكلت الى مجلس المجمع.
2- كان المجمع يتبع وزير المعارف في إدارته وتوجيهاته لأنه هو الرئيس المباشر للمجمع. فأصدرت قانوناً يحل محل النظام وجعلت المجمع متصلاً بمجلس الوزراء وليس لأي وزير صلاحية التدخل في شؤونه العلمية والادارية والفكرية.
3- ما كانت مجلة المجمع ومطبوعاته خاضعة لرقابة المطبوعات في الوزارات انما كانت تطبع دون أخذ موافقة الرقيب.
وأهم من كل هذا اتصلت بوزارة التخطيط لبناء بناية جديدة، لكن الرسائل والمداولات دخلت في الأخذ والردّ حول تخصيص مبلغ من المال وحذف بعض مكونات البناية وطال الصراع بيني وبين وزارة التخطيط الى أن جاء الفرج بأن زار المجمع السيد (روبرت كلبنكيان) واتفقنا على المساعدة في إنشاء البناية واشترط شرطين: الأول وضع تصميم للبناية وأن يكتب داخل المجمع بأنه بُنِي بمساعدة مؤسسة كلبنكيان. فوافقنا ولم يدرِ بأن الخرائط والتصميم مُعَدَّة من قبل وزارة الإعمار منذ العهد الملكي. فما أن خرج من المجمع حتى أرسلتها الى برشلونة حيث مركز المؤسسة وقد تولى الدكتور عبد اللطيف البدري كتابة الرسائل بالانجليزية وكنت أوقعها وأرسلها الى المؤسسة. وقد تم البناء وذهبت بنفسي الى معمل السجاد واخترت ما يناسب البناية ولا بدّ من ذكر همة الدكتور جميل الملائكة في الإشراف على البناء واستوى قائماً رغم عيوبه.

الخرائط والتصميم
لا بدّ من القول بأن مجلس الإعمار في العهد الملكي درس كل حاجات العراق الضرورية ووضع لها الخرائط كالمدارس والمستشفيات؛ واستغربت من الخرائط التي أعدّها للمجمع.. فقد أدخله في خططه المستقبلية وكنا نقول ان إنشاء المدارس لتكون ثكنات للجيش البريطاني، ولما أسس سدّ دوكان ودربندي خان قلنا أنه للطائرات الانجليزية المائية وجاء 14 تموز وجرى ما جرى....!
من هذا ترى بأنني وإن لم أكن في موقع السلطة السياسية إلا أن من موقعي العلمي الاداري قدمت ما لم يقدمه الكثير من الوزراء الذي تعاقبوا على الحكم؛ اذا قارنت المكانة الادارية المحدودة عندي بالمكانة الادارية للوزراء.
وقد أخذت جانب السلامة وابتعدت عن السياسة والأحزاب والتجمعات السياسية خوفاً من تقلب الناس.

مكتبة بعـقوبة العامة

أهل بعقوبة مسالمون، ولم تكن فيها مكتبة بل لا تجد الاهتمام بالكتب بين أبنائها، لأن أكثرهم أصحاب الحرف والمزارعون الذين يهتمون بالنخيل والأعناب والبرتقال والرمان أكثر من إهتمامهم بالثقافة؛ وكانوا يذهبون الى المقهى بعد صلاة العشاء وبعدها يعودون الى دورهم وينامون مبكرين لأنهم يذهبون في الصباح للمساجد لأداء صلاة الصبح وكانوا يعتمدون على الساعة الغروبية في مواعيدهم. فيهم الطيبة والسذاجة وإن لم تخلُ من أناس يخرجون على المجتمع ويبددون هذه الطيبة ويخرقونها بوقاحتهم.
كنت معلماً ولكن ما رضيت بالتعليم وحده، ومارست الكتابة ولعلّي الانسان الوحيد الذي نشر في الصحف وألقى أدبه من الإذاعة فعرفت بين الناس. ولما فتحت مكتبة بعقوبة إنتدبني مدير المعارف لإدارتها وقد فرحت كثيراً لأني سوف أعيش مع الفكر والأدب والتأريخ.
ما كنت أعرف شيئاً عن تنظيم المكتبة فذهبت الى المكتبة العامة في بغداد وقلبت بطاقات الكتب وتعلمت إسلوب الإعارة وأخذت نماذج من البطاقات وبذلت جهدي للتنظيم والترتيب.
ما كان الناس يعرفون بوجود المكتبة فكنت أذهب اليهم وأحثهم على ارتيادها وأشجعهم على القراءة وبدأ المتعلمون يعرفون هذه المكتبة وكنت أعير الكتب دون ضمان أو تعقيد. ووضعت لها الفهارس حسب معلوماتي الأولية، وطلبت من المعارف بعض الكتب لإثراء هذه المكتبة.
فهل كنت أول من نشر حبّ القراءة في بعقوبة؟
أو أنني شجعت الناس على الاستفادة من الكتب؟
المهم بدأ الناس يعرفون بوجود الكتب وسهولة الإستعارة، حتى أخذ المتصرف (المحافظ) يستعير منها بعض الكتب وتردد عليها بعض الموظفين. ولما ترفعت الى راتب أعلى رفضت الوزارة بقائي فيها لأن الراتب أعلى من وظيفة المكتبة. وأرسلت الوزارة من تسلمها مني وأغلقها وعاد موظفاً الى بغداد يأخذ راتبه أول الشهر من بعقوبة. فكانت صدمة نفسية ذهبت عندما منحت إجازة دراسية بنصف راتب للدراسة في مصر.
وأرجو أن تكون أول جهودي مثمرة في خدمة الفكر والأدب والعلم في بعقوبة!!.

إهتمامي بالعـراق
لم يهتم استاذ جامعي ومفكر مجمعي ورائد فكري بما بذلته في سبيل العراق في كتبي المتعددة. فأنا أول طالب جامعي كتب عن الشعر العربي في العراق في القرن التاسع عشر. وأول باحث أخذ دكتوراه عن الشعر المعاصر في العراق وأول كتاب في النقد النفسي كتبه عن العراق، وأول كتاب عن الحركة الفكرية في العراق وأذكر أن كتابي (شعراء العراق في القرن العشرين) الكتاب الوحيد الذي قدره العلامة الاستاذ محمد أحمد خلف الله وأضافه وحده الى كتابه الرائد (من الوجهة النفسية في تأريخ الأدب ونقده) وألقيت عدداً من المحاضرات في معهد البحوث والدراسات التابع للجامعة العربية وأصدر ضمن مطبوعاته الكتب التالية:
1- فهمي المدرس من رواد الفكر الحديث
2- ابراهيم صالح شكر وبواكير النثر في العراق
3- خيري الهنداوي حياته وشعره
4- القصة في العراق جذورها وتطورها
5- الرواية في العراق.. تطورها وأثر الفكر فيها
6- الاشتراكية والقومية وأثرهما في الأدب الحديث
ولم تصدر عن الجامعة العربية ستة كتب عن العراق لمؤلف غيري.
وطبعت في القاهرة:-
1- الشعر العراقي في القرن التاسع عشر - أكثر من طبعة
2- الشعر العراقي في القرن العشرين - أكثر من طبعة
3- الحركة الفكرية في العراق
4- في الأدب العربي الحديث - وهو مقالات عن شعراء العراق
5- قضايا من الفكر الحديث - وأكثره عن العراق
وغيرها كثير يمكن للباحث الجاد أن يراها مسجلة في أواخر كتبي.
ولم تقتصر محاضراتي على مصر وتونس والاردن والبحرين والامارات العربية وبيروت، بل تعدت الى بريطانيا والصين والهند وألمانيا، مما لا يمكن أن تحصى عدداً؛ إضافة الى عملي في ليبيا والرياض والطايف والقاهرة، استاذاً وعميداً، وكانت مكافأة جامعة بغداد أن تعدني مستقيلاً وتحجز التقاعد الضئيل عني...!!
بينما حباني أهل الفضل والعلم والآداب بالحفلات وتقديم الدروع والهدايا سواء من جامعة الرياض أو جامعة أم القرى أو جامعة مؤته وغيرها من المؤسسات العلمية، وعلى صعيد الأفراد فقد تفضل السادة الكرام بإقامة حفلات تكريم من الشيخ الأديب عبد المقصود خوجه في جدة والأستاذ عبد الفتاح ابو مدين في نادي جدة الأدبي والشيخ عبدالله السعدون والأديب حماد السالمي والشيخ القاضي محمد يوسف محمد الطيب والاستاذ عبدالله ماضي والدكتور محمد الطويرقي واشراف آل الفعر فهد وابنه علي والشريف منصور وأخوه ناصر وكان الاستاذ عبدالرحمن المعمر قد عرفني على الطايف واحتفى بي أكثر من مرة والشيخ محمد حسن الغامدي ولن أنسى الدعوات المستمرة والرعاية الدائمة من الدكتور عبد الصبور الغندور والدكتور عبد الفتاح البربري والدكتور عثمان جمعة وحمد الزيد والدكتور محمد صادق ولا يمكن الاسترسال وإلا طالت الصفحات لكثرة هؤلاء النبلاء.
فما هو جزائي من العراق؟ الذي ذوبت عصارة شبابي وكهولتي وشيخوختي في رفع اسمه وبنيت فيه مؤسستين هما المجمع العلمي العراقي وجمعية المؤلفين والكتاب ومجلتين هما الأقلام والكتاب. أحمد الله على أن أهل الفكر والأدب لم يتجاهلوا اسمي ولم يُهاجَم فضلي . وهي ميزة أشكرهم عليها ورحم الله القائل:
بــلادي وإن جارت عليَّ عزيزة وأهـــــلي وإن شحّوا عليَّ كرامُ
ان العراقي شديد العاطفة رقيق المشاعر مرهف الحواس يلبي النداء دون تفكير ويهتاج لأمور الحياة بسرعة وسرعان ما يندم بعد أن هدم ما هدم وخرب ما خرب. لأنه لم يعش طوال حياته حراً ولم يخترِ الحاكم الذي يريده. فقد جاء عليه الفرس والأتراك واليونان وقبلها كان الاشوريون والبابليون الذين كانوا في صراع دائم مع الجيران ثم جاء الفتح الاسلامي بقبائل الردة....!
العراق كان مركز الحضارة وبؤرة الثقافة ومنبع الاشعاع الفكري؛ فأين القصور التي بنيت في هذه الحضارة، وأين ذهبت المشافي والمدارس التي شيدت..؟ فهل هذه العاطفة والاحساس المرهف يدعوه الى الثورة الدائمة والاحتجاج المستمر؟ وقد علل الجاحظ ذلك بقوله " إن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وذووا فطن ثاقبة ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء وما زال العراق موصوفاً بقلة الطاعة وبالانشقاق على أولي الرئاسة" - البيان والتبيين.
حكام العـراق
هذه الفطنة وهذا التحليل العميق لذكاء العراقي جعل الحكام يتبرمون به يريدون شعباً كالخراف وبشراً كالقطيع. لهذا هاجمهم الحجاج وزياد بن أبيه وابنه وحذر منه معاوية ولو كان للشعب كلمته ولأصحاب الرأي منزلة وقدرة على الاصلاح لما تبرم منه الحكام الذين سرعان ما يتحولون الى جبابرة. فقد وجدنا أبا جعفر المنصور يقول: " يا أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسويكم بتوفيقه وتسديده، وأنا خازنه على فيئه أعمل بمشيئته أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه وقد جعلني الله عليه قفلاً، إذا شاء أن يفتحني لأعطياتكم وقسم فيئكم وأرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفلني يقفلني...).
هذا الحكم الفردي من الحكام خلق من العراقي انساناً متبرماً يكره الحكام والسلطة فاذا أحب تفانى في حبه وإذا كره قتل من يكرهه. ان العاطفة المتأججة جعلته يندفع بسرعة دون وعي وفهم على حد قول الشاعر القديم:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قــال برهانا
فقد رفع اسم ياسين الهاشمي الى الذروة وكانت أيام عرس نوري السعيد تهز بغداد، وجاءت 14 تموز فامتلأت الشوارع والأزقة ضدّه. وقد حمل العراقيون يوم 13 تموز سيارة الملك فيصل الثاني أمام محلّ حافظ القاضي وبعد يوم قتلوه. هاجم الشعب دار ياسين الهاشمي في انقلاب بكر صدقي ويقتل نوري السعيد وابنه ويردى الاسرة المالكة ولا يبقي منهم واحداً..!

* هل الشعب العراقي شديد التقلب؟ ولماذا..؟
هذا سؤال حرت فيه.. ولعلّ الحكم الفردي طوال حياته حجم وحال دون إبراز ذاته وهو ذاتي الشخصية. فاذا أحسّ بأن له قيمة وأن له أهمية اندفع فقد رأيت شارع الرشيد من أوله الى آخره محتشداً بالجموع وهي تهتف لعبد الكريم قاسم وهي التي خرجت تنزل اللعنات عليه وتهاجمه . شعب مقاتل يريد دائماً الحركة والنشاط والعمل وإبراز الذات الفردية. فقد فتح بهم الحجاج بن يوسف أمصاراً كثيرة واستبسلوا في الدفاع عن الدولة العثمانية المسلمة وحاربوا الانجليز بقيادة أصحاب الرأي والقادة وعلماء الدين؛ فهل عقل الشعب العراقي في أذنيه، وعاطفته هي التي تدفعه؟!
هدم كل الآثار العباسية والعثمانية وهي ذخيرة الحضارة الانسانية.. أين قبور خلفاء بني العباس التي ذكرها السائح العربي ووصفها.. أين مدينة بغداد وقصورها؟
هذه مصر ما زالت الآثار شامخة فيها فقد حافظت على الآثار الاسلامية منذ عهد الفتح حتى اليوم. فجامع عمر بن العاص خير شاهد على حفاظ مصر على التراث وفي هذه الأيام قرأت في الأهرام (30 مارس) بأن اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية بدأت في مشروع عاجل لترميم مسجد عمر بن العاص في دمياط وصرفت له الاعتمادات اللازمة للبدء فوراً في إنفاذ المسجد وترميمه وخصص له مليوني جنيه، مع أن المسجد يعود الى القرن الخامس الهجري، واختفظوا به لأنه قريب التخطيط لمسجد عمر بن العاص في الفسطاط!
ومن يذهب الى جميع الأقطار المجاورة يجدها حافظت على آثارها وعنيت بها.. واستطراداً لهذه العناية بالآثار والعناية بالقادة في مصر فقد عاد البارودي الى مصر ودفن فيها وأعيد جثمان الملك فاروق ودفن في مسجد الرفاعي. وهو كما أعرف مدفن الأسرة المالكة الذي أعيد ترميمه وإصلاحه وصرفت عليه المبالغ الكبيرة ليكون فخم المنظر رائع الاسلوب.
ةفي العراق منع دخول جثمان ياسين الهاشمي الذي سمي( بسمارك) العراق زمن انقلاب بكر صدقي. وكان ما كان من نهاية نوري السعيد والأسرة المالكة ونهاية غيرهم من حكام العراق.
العراقي لا يعجبه أن يبقى الحاكم طويلاً وهو يكره السلطة لأنه لم يعرف عبادة الأصنام (أو الأشخاص) منذ أن حطَّم ابراهيم الخليل صنم والده وسرت هذه الثورة والتحطيم في دمائه. فقد ذهبت الى بيت نوري السعيد ووجدت الرعاع يهدمون ويكسرون الأثاث والكتب والمجلات، وعرضت عليهم شراء ما عندهم من المطبوعات لكنهم رفضوا، ومزّقوها. والتأريخ يعيد نفسه. فقد هجم الرعاع على دار الوزير ابن الزيات وأخذوا يحطمون ويكسرون الأثاث فقال لهم: خذوها ولا تحطموها. وأعيدت اليه الوزارة فذهبوا يسلمون عليه بالوزارة وهم الذين هدموا داره ومزقوا أثاثه. وحتى أبواب بغداد أخذها المنصور من واسط والكوفة والشام بعد أن حطم البناء الذي أخذه منه. انها روح التجديد والتغيير لكن بعاطفة هوجاء يندمون بعدها ولات حين مندم!
لا يكرمون روادهم ولا يذكرون قادتهم وينسون أصحاب الفضل - بصورة عامة هذه عادة أهل العراق- ولن أتحدث عمن يعنى بهم السلطان أو أصحاب المعتقدات والأحزاب والتيارات الفكرية. وكثيراً ما يهدمون هم أنفسهم الرؤساء والقادة من الأحزاب والجمعيات.
وفي مصر نرى حبّ البناء والحفاظ على التراث وتقديس القادة والأدباء والشعراء وان اختلفوا معهم وكانوا في حرب فكرية ضدهم. فهم يحفظون الذكرى.. فنجد الكتب تؤلف عنهم والمسرحيات تمثل عن حياتهم والطوابع تنشر عليها صورهم والمجلات والجرائد تطبع الأعداد الخاصة بهم مثل طه حسين والعقاد وعبد الرحمن شكري والبارودي والمازني وسعد زغلول وجمال عبد الناصر. وهم يحتفلون بذكرى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان ومنيرة المهدية والسيد درويش . فهل احتفل أهل العراق بفهمي المدرس وابراهيم صالح شكر وعبد الحسين الأزري وعبد المحسن الكاظمي ومحمد رضا الشبيبي ومهدي البصير ومصطفى جواد وحقي الشبلي مؤسس المسرح في العراق ومحمد القبنجي رائد الغناء وناظم الغزالي وسليمة مراد وكامل الجادرجي ومهدي كبة وجعفر أبو التمن وفائق السامرائي وجواد سليم وفايق حسن وغيرهم كثير في الأدب والسياسة والنحت والرسم؟..

* آمل أن يكون لكلماتك هذه أصداء طيبة تتولى معالجة بعض الممارسات وتحيي تقاليد الإهتمام بالمفكرين والمبدعين من أبناء الأمة بغض النظر عن الخلافات العقائدية والفكرية ونحن على أبواب قرن جديد ومرحلة جديدة، كما سبق إعادة الاعتبار الى كثير من رموز العهود السابقة!..
لكن ..أعتقد ان الاطلاق في الأحكام لا يخدم النصّ هنا.. لأنه لا يمكن معالجة حالة (نتيجة) بدون أسبابها؛ ففي كل ما يخصّ العراق وطبيعة الشعب العراقي، تغافل عن أمرين هامين: الأول خصوصية التأريخ السياسي للعراق منذ القدم والمرتبط بموقعه وغناه؛ مما نجم عنه تحول مركز السلطة في تأريخه القديم من أور الجنوبية الى بابل وآشور ونينوى. ولم يكن خلال كل ذلك في مأمن من أطماع الامبراطوريات الفارسية والاغريقية والرومانية، وفي العهد الاسلامي تواتر الامراء والولاة على العراق وكل منهم يختلف عن الآخر حتى يومنا هذا. أما مصر فقد استمر فيها حكم الفراعنة حتى مجيء الاسلام ثم دخلت تحت حكم عمر بن العاص وفي التأريخ الحديث نشأت دولة محمد علي قبل ثلاثمائة عام واستمرت حتى إعلان الجمهورية؛ وكانت الشام تحت حكم الروم ثم دخلت تحت حكم بني أمية بعد ذلك. فاتجاه وطبيعة حركة العوامل السياسية والاقتصادية في تأريخ العراق القديم والمتوسط والحدبث تختلف عنها في بلدان أخرى. فعلى حدوده الشرقية كانت إمبراطورية فارسية لأكثر من ثلاثة آلاف عام حتى 1979 إستمرت في التهديد والتوسع. وكان لابد أن تنعكس حالة عدم الاستقرار السياسي على الوضع الاجتماعي والنفسي للناس.الأمر الثاني: إلقاء التبعات على أبناء العامة (الشعب المستلب الارادة) بدون تمييز بين الحاكم والمحكوم وتناسي من الذي يملك السلطة ويوجه دفة الأمور! وفي هذا منافاة للموضوعية والنزاهة العلمية. وما يزال العراق مركز استقطاب الصراعات الدولية بين المعسكر الشرقي والغربي سابقاً والنظام العالمي الأمريكي حالياً وبدلالة الحصار الجائر منذ عشر سنوات!. فمتى تمتع العراق بالاستقرار والهدوء لينعكس ذلك على حياة الأهلين؟ لماذا لا نعمل شيئاً من أجل تعرية الأطماع الأمريكية في العراق، بدلاً من الصمت والهوان العربي!..العباسيوين اعتمدوا العنف في إزاحة الأمويين وبدأوا بالمخطط من داخل ايران، والعباسيون مثل الأمويين حجازيون، لا عراقيين ولا شاميين! وكان من سياسة الحاكم الجديد مسح آثار الحاكم القديم، والعثمانيون والصفويون ضربوا هذا السور في فترات متفاوتة أثناء محاصرتهم المدينة للسيطرة عليها، وعندما دخل الانجليز العراق خربوا وسرقوا الكثير من الآثار العراقية بما فيها بقية أبواب بغداد وسورها، وعندما قام ناجي السويدي بشق الشوارع الحديثة (المستقيمة) في بغداد جاءت قرارات البلدية وأمانة العاصمة على حساب الآثار التأريخية والتراثية وقد أشار لذلك الدكتور المهندس محمد مكية غير مرة. من حق القارئ أن يسأل: هل العراقيون مجبولون من طينة أخرى غير طينة البشر لتلحق بهم صفات خاصة؟ ان الذي يحصل هو اسقاط ممارسات الحكام على أبناء الشعب. ونحن اليوم ندفع الثمن!! ولا نشير للأسباب،

العـراقي في العـراق
سألتني عن المحاضرة التي ألقيتها عن (العراقي في العراق) انها مرتجلة وسجلت بالمسجل وعسى أن أقدر ارسالها لك.. وملخص الرأي فيها:
العراقي إنساناً.. نبيل الخلق شهم الطباع سريع الاقناع، عاطفي الاحساس يمكنك أن تجلبه الى جانبك بسهولة وتؤثر فيه بيسر لهذا قيل (شيم العربي وخذ عباءته) وهي أغلى ما عنده لأنها تمثل الوقار والاحترام؛ ومقاتل صبور مخلص جاد في عمله متى اقتنع به، لكن المصائب والأحداث التي صبت عليه جعلته (لا أبالي) يميل مع الريح حيث تميل. فانتشرت في حديثه الأقوال التي تدل على ذلك: مثل (من أخذ أمي أسميه عمي) و (آني شعليّه) (منو أبو باجر) (منو مالته) وفي حكم الانجليز سرت مقولة (كل ما يقوله لك الصاحب (الانجليزي) قل له - يس-). فأصبح كثير التقلب حرصاً على حياته ورزقه بعد أن ديست كرامته من الحكام وعدم إشراكه في الرأي الذي فيه مصيره. ولما استأثر حكم الاتحاد والترقي في العهد العثماني بكل شيء، قال معروف عبد الغني الرصافي:
قد استأثروا بالحكم وارتزقوا به وسدّوا على من حولهم منبع الرزق
كـــأنّـا لـهـم شـاء وهـم يحلبوننا وقـد مخضوا أوطاننا مخـضة الزقّ
وفي كتابي (الشعر العراقي الحديث والتيارات السياسية والاجتماعية) صور لهذا الاحساس العميق للعراقي. فأصبح غريباً في وطنه وبين أهله. وقد عبرت أنت عن ذلك في قصيدتك (من امرئ القيس الى أهل الخير) في مجموعة [أغنية الغبار] بقولك:-
ناديت فلم يسمع صوتي
من يقرض هذا العمر سنيناً
ومنها:
هل ينتصر المظلوم على الظالم أم أن الثاني يكبر؟
من يدفع في هذا البلد أكثر
انها صرخات هذا الجيل المعاصر ومعاناته العميقة وحبه للحرية والأمن والأمان الذي فقده في الشتات والغربة من أمثالنا فاضطررنا لقبول الأمر الواقع ونتراجع عن المثل والعادات:
مازلت أتراجع حتى أن الدرب تغير
حتى أن القلب تغير
أصبحت غريباً عن أهل القرية
حتى أن الكلّ تغير
أيحث عن تعويذة موسى في هذا التيه
ضيّعنا أنفسنا يا أهل الخير
وصرنا غرباء عن غربتنا
وقد وصفت حال الأديب في غربته وشتاته الذي ترك الوطن للهرب نحو الغرب بصورة جميلة في القصيدة نفسها بقولك:
صرنا نهرب من كعبتنا نحو الروم
صرنا نهرب من غدر قبائلنا نحو الروم
وصرنا نهرب من أنفسنا نحو الغير
كل الأمر تغير
كل الأمر تغير
يا أهل الخير
ان التغيرات التي حدثت في العراق والوطن العربي هدمت القيم والمثل الأصيلة، لهذا قيل عن العراقي أنه يبيع ولاءه، ونسى هؤلاء أن النفس الانسانية لها حدود للصبر والتحمل. فقد كان أهل العراق ضد معاوية مع الخوارج، فما كان منه إلا أن قال: يا أهل العراق.. لن أدفع لكم أعطياتكم حتى تكفوني أمر الخوارج؛ فانقلبوا على الخوارج وحاربهم العراق حرصاً على الرزق، وذهبوا الى عبد الله ابن الزبير وبايعوه ولكنهم انصرفوا عنه الى معاوية، وهل تنسى مبايعة الإمام الحسين وقتله في كربلاء؟... لن ألوم الشعب ولكن ألوم الظروف التي أحاطت بالعراق الغني مطمع الغزاة وهدف الأمم ومطمح الطامعين.. ولم يفهم الحجاج هذه النفسية القلقة والذكاء الحادّ، فوصفهم بأهل الشقاق والنفاق لأنهم درسوا أصل الحجاج وأعماله والشرعية التي أسبغها عليه الحكم الأموي فثاروا عليه. انها نزعة للحرية وحباً بإبراز الذات التي أضاعها الحجاج وزياد بن أبيه وغيرهم. وسيبقى العراق ثائراً ضد الحكام حتى يعطى حقه ويثبت ذاته وتحترم شخصيته. ولو أن العهد الملكي استمر في الحكم الدمقراطي ولم يزيف الاتنخابات ويأتي بمن يريد لمجلس النواب، وجاء بوزراء من أبناء الشعب لبقى مستمراً بالحكم. فقد حصر الحكم بأعوانه وأقربائه وأبعد المفكرين والعلماء الذين وصلوا بعد الدراسة في الخارج. فكانوا منبع السخط والاحتجاج وتكونت منهم طبقة جديدة مع الضباط الذين ساءهم سياسة الحكم فكانت 14 تموز.
ان الاصلاحات التي قام بها مجلس الاعمار في بناء السدود وتعبيد الطرق وبناء المدارس والمشافي حولت غاياتها الى ضدّ أهدافها. ولو كانت هناك حرية في القول والتعبير لما قدر أعداء الحكم على بث الكراهية والحقد والحسد في النفوس ونشر البغضاء في نفوس أبناء الشعب ومنهم الضباط الذين كانوا أداة 14 تموز والذين ندموا بعد ذلك عندما ظهر الصراع الفردي بين الحاكمين، الذي هو أصيل في العراقي .

* الإهتمامات الإجتماعية والسياسية تغلب على مؤلفاتك الفكرية ودراساتك في الأدب العراقي.. ألا يدور في ذهنك بعد أن قدّمت الكثير للأدب، التفرغ لدراسة أوضاع المجتمع العراقي، علماً أن كثيراً من تلك اللمحات متوزعة في ثنايا كتبك السابقة؟
كل باحث له إسلوبه في معالجة قضايا المجتمع وكل دارس له خطته في توجيه هذا المجتمع نحو الخير والرفاهية وإسعاد شعبه. وقد درست المجتمع العراقي في ثنايا كتبي ويمكن للباحث الثبت أن يقرأ (فهمي المدرس) و ( الحركة الفكرية في العراق) وكتبي عن الأدب العربي، فسوف يجد انني نثرت الآراء في كل ما كتبت لتدخل هذه الآراء في اللاشعور. وللأسف ان الذين درسوا أدبي لم تسعفهم الظروف لدراسة فكري الفلسفي والاصلاحي والاجتماعي والنقدي، برغم صدور ستة عشر كتاباً عني؛ وأتمنى أن يوقف باحث وقته لدراسة الايحاءات والاشارات الاصلاحية في كتبي؛ وسيجد الشئ الكثير.. ولعل الرومانسية الشرقية هي التي دعت هؤلاء الأفاضل الى دراسة شعري أكثر من دراسة فكري الاصلاحي ونظرياتي في حياة المجتمع. فان أرسطو نثر آراءه في ثنايا حواره وأقام نتائجه اللفظية على نهجه الاستنباطي، فأنا قد ذكرت الحقائق دون إبراز هذا الاستنباط العلمي ليفهمه عميق النظر. ان تجاربي ودراستي برغم من قاعدتها (الفلسفة وعلم الاجتماع)، قد امتازت بعقلي الأدبي وعمق عاطفتي الفنية. ولا أريد أن أفرض آراء غيري على نتائج فكري وأخصص جانباً من دراستي للمجتمع وحده، لأن نشر الآراء بصورة عامة أعمق في النفس من دراسة مركزة لموضوع محدد. وكنت أحكم عقلي في بحوثي العلمية، لأن العقل كما قال الجاحظ في رسالة المعاني والمعاد: ( إنما ُسمِّيَ العقل عقلاً- لأنه يزمّ اللسان ويخطمه) وسمّـاه (وكيل الله عند الانسان) حتى (لا يمضي فرطاً في سبيل الجهل والخطأ والمضرّة...)!
*




القسم الرابع
حتمية التجديد

* مفهومكم للتجديد تراجع بشكل واضح وبالشكل الذي يبدو أقرب للمحافظة، مما قد يشكل نكوصاً في تطلعكم أو مسعاكم النقدي لدى دراسته!. هل هذا يعني ان التجديد أو الحداثة كما يصطلح عليها تمثل خيانة للغة أو للتراث؟ أليس الجمود أو هالة التقديس قتلاً للفكر وعزلاً عن احداثيات العصر الذي يتقدم بسرعة مذهلة في دول العالم (الغربي)، وما يرافقه من نقلة على صعيد الفكر والثقافة والاسلوب واللغة؟ ألا يمثل مثل هذا التبرير دعوة للمحافظة وخشية من الجديد والتجديد؟

التجديد ضرورة حتمية لاستمرار الحياة الأدبية وتطور الحياة الفكرية؛ ومتى وقفت عجلة التجديد سوف تتأخر الحياة الفنية للأدب وتنعكس على تطور النقد المعاصر. وأنا مع التطور والتجديد الهادئ المتزن الذي يحافظ على جمال العبارة ورقة الاسلوب وسمو المعاني وموسيقى الانسجام اللغوي. وقد تجد مصداق قولي في شعري، وأنت أعرف الناس بشعري الذي درسته بتمعن وروية. وقد أنتج تدريسي في الجامعات عدداً من الكتاب والشعراء والنقاد الذين تصدروا منابر العمل الجامعي، وكانوا من خيرة المفكرين؛ وهو دليل على رغبتي في التخلص من الأشكال المعقدة والألفاظ الحوشية والاسلوب الجاف، لأن التطور معناه الحياة. والتجديد خير سبيل لاستمرارها مشرقة نضرة ولكن الخيانة أن يغش الكاتب أمته ويستعين بما يشين الفكر ويشوه وجه الأدب بالفلسفات المعقدة ونقل (الأيديولوجيات) الأجنبية دون فهم لها ومعرفة جذور الشاعر أو المفكر الذي نقل منه هذا الرأي.
الأديب المبدع يجب أن يفيد القارئ ويمتع سامعه وان يرفع مستواه الفني والذوق المرهف باختيار العبارة السهلة واستعمال الرأي الواضح المفهوم. اما الغموض الذي يصل الى حد التعمية فهو الدليل على سطحية الكاتب وضحالة فكره وعدم القدرة على التعبير. واللغة العربية فيها المجاز والتورية والاستعارة والاشارة التي يمكن ان يقول الشاعر الكبير كل ما يريده بها ان خاف السلطة او خشي من العقوبة والجزاء. وقد قلت أشياء كثيرة في شعري ورمزت الى أشياء يفهمها القارئ الذكي؛ لان الرمز عند العرب كان فناً من أعرق الفنون، لعدم دراسة الشاعر الجديد الادب العربي الاصيل تاه عليه الطريق وضلت به السبل.
ولاشك بأن في الشعر الحديث ما يعجب القارئ ويرضي الناقد الاصيل عند الرواد والذين نظموا بعد الحرب العالمية الثانية في جميع الاقطار العربية ومن يقرأ كتابي (التجديد في الشعر الحديث) يجد بصورة واضحة معالجة للشعر العربي الحديث بضوء الشعر الغربي ونقاده ويعترف بأنني أجدد وأحث على التجديد والتطور والابداع.
ان اكثرية الكتاب لايعرفون اللغات الاجنبية وهم يعتمدون على المترجم من ادب الغرب وحتى اولئك الذين عاشوا في الغرب لم يسبروا غور الادب الغربي لان معرفة اللغة ليست كافية للاستفادة من ادب الغرب وفكره؛ انما لكل لغة جذورها الفكرية والاجتماعية والتاريخية . ولمن يريد الاستفادة من الادب الغربي يجب ان يتذوق الادب الغربي من خلال الفن الذي انتجه رفائيل وفان كوخ وبيكاسو وان يحس بحلاوة موسيقى بتهوفن وموتسارت وباخ ، ويعرف العوامل النفسية والتاريخية التي ادت الى رسم الفنان وعزف الموسيقار، ان يكون موسيقى الذهن في ادب الغرب وهذا ما حرص عليه العرب عندما قالوا الادب هو الاخذ من كل فن بطرف. ان دراسة النصوص وشرحها لايغني عن الدوافع والاسباب التي خلقت هذه النصوص لان فهم جذور النص يساعد على المنفعة الذهنية والابداع الروحي والفائدة النفسية.

* ما زال العرب يستخدمون مصطلح التجديد والتحديث منذ ايام الريحاني الى اليوم.. الايفترض ان مفهوم واسلوب التجديد يتطور في كل عقد او عقدين من السنين وان المنجز الخمسيني في شعر التفعيلة يقتضي نقلة اخرى نحو الامام؟
ان بداية التجديد في العراق كانت بعد الحرب العالمية الاولىعندما ترك الشعراء والادباء العناية بالكلمة وآثروا العناية بالمعنى.. وادخال انواع جديدة في شعرهم كالشعر القصصي والشعر الاجتماعي والانصراف عن مدح الملوك والامراء الى الاهتمام بقضايا الشعب كالرصافي والزهاوي والشبيبي وخيري الهنداوي والصافي النجفي، كما حاولوا التأثر في المخترعات الجديدة مثل السيارة والقطار والباخرة والتلغراف والساعة ووصفوا هذه المخترعات، ومنهم من قرأ النظرية النسبية لانشتاين ونظرية فرويد ونظرية النشوء والارتقاء ونظرية(جيمس جينز) في الفلك وتوسعت مداركهم وعرفوا ان هناك علوماً غير العلوم التي عرفوها فانطلقوا من اسر الكلمة الى رحاب المعاني. والحقيقة ان التجديد بدأ في القرن التاسع عشر رويداً وهيناً حتى تجلى في القرن العشرين، وقد تطرقت الى التجديد في كتابي (قديم لايموت وحديث لايعيش) وهو سلسلة من المقالات نشرت لرفع مستوى المفكرين ووضع الطريق الواضح امام الشباب الذي انبهر بالغرب وادبه وحضارته واضاع شخصيته في اساطيره وفلسفته. فاضطررت الى دراسات عديدة اضعها للقارئ المستفيد، ففي هذا الكتاب تحدثت عن مؤثرات المجتمع الحضاري في الشعر وأثرها في تجديد الشعر الحديث وقواعد النقد الحديث ومناهجه.
اما في مصر التي احتكت بالغرب بصورة مباشرة او غير مباشرة منذ عهد محمد علي باشا عندما ارسل البعثات (اكثر من 120 طالباً) الى الغرب وعاد الطلاب وعلى رأسهم رفاعة رافع الطهطاوي وترجموا كتب الغرب في مختلف العلوم والفنون . وصدرت مجلة (روضة المدارس) ومجلة (يعسوب الطب) لتسجل هاتان المجلتان حركة التجديد والتطور الادبي في مصر، واستمر التجديد بعد ذلك وظهر البارودي واسماعيل صبري وشوقي وظهرت حركة الديوان وجماعة ابوللو ونشرت (المقتطف) و(الهلال) آراء الغرب وفلاسفته. واخذت الجرائد العراقية تحذوا حذوا مصر فوردت اسماء فلاسفة الغرب وسمى التجديد بالعصرية فالكاتب عصري والاسلوب عصري وسميت المكتبة العصرية وترددت اسماء (ديكارت) و (دارون) و(مونتيسكيو) و(دانتي) و(لافونتين) و(توركنيف) وراجع الكتاب اسلوبهم واحتدّ النزاع بينهم في الاسلوب العصري والتمدن واخذ المفكر والاديب يرتدي الملابس الغربية وغيَّر لباس رأسه ولكن هل هذه المظاهر غيَّرت العقلية ؟
قال الرصافي:
وكم مدَّع فضل التمدن ماله من الفضل الا أكله بالملاعق
ودخلت المسرحيات وحفلات التمثيل وزادت المترجمات حتى يفهم المثقف التطور أو العصرية عند الغرب لشعورنا بتفوقه والحرص على الوصول الى حضارته.
وأثر تطوّر الحياة في الشعر والحياة الفكرية والاجتماعية، القديم منها والجديد والحداثة وجذورها ومشكلات الحياة والنقد. وظهرت الاتباعية والابداعية (الكلاسية والرومانتية) والرمز والنقد والغموض والايحاء والرمزية الجديدة؛ وأثرت عوامل التطوّر والتجديد في الأدب العربي بصورة عامة وقلد الأدب الغربي اليوناني واللاتيني وبدأ الشعر الحر في الظهور مترجماً عن الغرب (لاحظ في الأدب العربي الحديث).
ولكن السؤال: كم من القراء درس هذه الآراء بعمق؟ وعرف ما وراءها؟ المثقف الشاب العربي المعاصر لا يقرأ.. إلا ما تهزّ عواطفه من الكتب فقد انشغل بالسياسة وما يثير المشاعر من القراءة الجادة وبعد عن عمق الفكرة وسمو المعنى.

* ما رأيك في تطور مفهوم الحداثة في الغرب وما موقف المحافظين من هذا التطور؟
من حق الغرب أن يتطور، لأن حياته متطورة في جميع أنحائها وكثرت المعلومات الجديدة عنده وتطورت الآلة الحاسبة أو الحاسوب وظهر الانترنت ثم تطور حتى أصبحت ترى صورتك وصوتك فيه بعد أن كان محدود الأداء. هذا التطور المذهل أدى الى تطور في الأدب والفكر والحياة الاجتماعية والفكرية وكان للحرب العالمية الثانية أثرها في تشريد الأدباء والمفكرين في الغرب وشملهم القلق والحيرة؛ وأرادوا الاستقرار الروحي والأمن النفسي فقد جلسوا في مقهى وأرادوا ايجاد منهج يسيرون في هديه وكان أمامهم قاموس [لاروس] فوضع أحدهم ورقة بين أوراق القاموس وفتح الصفحة فظهرت كلمة (دادا) فسموا بـ[الدادية]. ومن هذا القلق ظهرت البنائية التي يسميها الغرب بالبنيوية وتطورت الحداثة الى ماوراء الحداثة والواقع هو تسلسل طبيعي للتجديد وإن اختلفت الأسماء في الفن والشعر والقصة والمسرحية. فكم منا يفهم (سارتر) ويعرف اللامعقول الذي هو جزء من التراث الغربي ومشكلاته النفسية. وهل الرسام (دالي) يمثل الحياة العامة عند العرب؟ وهل كل مشكلات (سيمون ديفوار) هي مشكلات المرأة العربية؟ والفكر الأدبي هو نفسه الفكر الأدبي في الغرب؟
أريد من المفكر العربي احتواء التجديد والاستفادة من الحداثة والوجودية التي كتب فيها الصديق الدكتور عبد الرحمن بدوي والصديق أنيس منصور، أو المستقبلية والسوريالية والتعبيرية والتحويلية، ويطوعها لإبداعه. وهي تيارات أدت رسالتها في الغرب وستذهب كما ذهبت الرومانتية التي تبناها (وردزورث) و (كولردج)، والواقعية التي وجدناها عند (تشارلز دكنز) والرمزية التي كثر النشر عنها في مجلة (الأديب). هذه التيارات ضاعت واندثرت سواء كانت في الأدب أو الرسم او النحت.
وأتمنى أن يكتب الأدباء فيها بحرية كاملة، وسوف يجدون أنفسهم، أنها لا تعبر عن حياة العرب المعاصرة قدر حياة الغرب. ولا يمكن أن نوقف حركة الزمن ولكن على العربي أن يستفيد من هذه التيارات لا أن يكون أداة من أدواتها وعنصر تخريب للفكر العربي المعاصر. لأن هموم الأمة ومشكلاتها مع حكامها، وأن التخطيط العام ضدّها. وهو أكبر من أن نقلد الغرب لأن الغرب لما خسر معاركه السياسية أخذ يسيطر علينا بالأدب والفن والعلوم المتطورة، وعلى الشعراء والكتاب الرواد أن يحافظوا على أمتهم من الضياع كما ضاع الفينيقيون والروم وبيزنطية والأمم الأخرى. أنا لا أمانع أن يدرس الأديب (ت. س. اليوت) و (وارن ستون) و (ملارميه) و (ديلان توماس) و (بول فاليري) و (بيكاسو) ويتأثر بهم الأديب العربي ويأخد منهم سواء في الرسم أو القصة أو الشعر أو النقد ولكن عليه أن يعرف أدب أمته ونقدها وكبار شعرائها ومفكريها مثل قدامة بن جعفر وابن سلام الجمحي والجاحظ وعبد القاهر الجرجاني ويعرف الاسلوب الذي نقد به هؤلاء النصّ العربي، مقارنة مع نقد الغرب، الكتاب العرب اشتغلوا بالنظريات فقط وضاع أكثرهم في فروعها ودهاليزها. أريد إبداعاً خلاقاً يضيف الى أدب العرب جديداً ويظهر بشخصيته العربية والفكر الأصيل وأن يفهموا جيداً الحركة الأدبية والنقدية في الشرق والغرب على حدّ سواء.
ان التعددية الفكرية تخصب الفكر والأدب، وتنمي المجتمع والحياة الأدبية، والحرية تزيد الإبداع ويزدهر في ظلها الشعر والقصة والنقد ولكن هذه الحرية يجب أن ترفع من مستوى المجتمع وتنير أمامه السبل وتنشر الوعي العميق الصادق؛ لا تتركه في قلق دائم وحيرة مستدامة.

الجيل الجديد
أقول بصراحة أن كثيراً من أبناء هذا الجيل لا يحفظ من الشعر العربي للبحتري والمتنبي وأبي فراس والرصافي والزهاوي والكاظمي شيئاً، ولا يعرف البارودي واسماعيل صبري وكثيراً من الرواد. والأديب المبدع الذي يريد أن يبني كياناً لأمته يجب أن يعرف التأريخ والجغرافية والعلوم الصرفة، مثل معرفته تأريخ الأدب وحياة الشعراء والمؤثرات التي أثرت فيهم حتى يكون رائداً وقائداً، يعرف هدفه ليصل إليه.
وألا يكترث لأصحاب الرأي المتحجر الذين يحولون دون إبداء الرأي والاستماع الى قول المعارض المتجمد وقد قال الشعراء والنقاد ما أرادوه في ظل كبت الحريات والقمع الفكري والارهاب كل ما يريدون.
وقد عاملت الناس على حدّ سواء، من أختلف معه ومن أتفق معه!

* في حوار لك نشر في احدى المجلات قلت : أنا شيخ المجددين.. وطه حسين والعقاد والقط فاشلون!!
صد ق القائل: ما آفة الأخبار إلا رواتها.. أنا لم أقل هذا مطلقاً ولو قرأت المقال لن تجد ذلك وانما هو من وضع المجلة. فأنا لا أستعمل كلمة (فاشل) بمعنى مخفق - لأنها غلط لغوي أبتعد عنه. فقد أخذ المحرر كلمة من هناك وأخرى من هنا وصاغ العنوان! أنا قلت: (المبدع خير ناقد وصل مرحلة من النقد الأدبي في إبداعه فهو أقدر من الناقد الذي يدرس النقد لكي يكون ناقداً، لأن كثيراً من الذين أرادوا أن يكونوا مبدعين أخفقوا وأصبحوا نقاداً ومنهم طه حسين والعقاد وعبد القادر القط بل اشتهروا بالنقد وأصبحوا من أعلامه ومن ركائزه فالشاعر المبدع خير من الناقد الذي أخفق في الإبداع..)
اتهامات سابقة
ليست هذه المرة الأولى التي يضع المحررون عناوينهم المثيرة ويهاجمني أصحاب الثقافة السطحية والآراء المبتسرة دون قراءة المضمون والاعتماد على العنوان. فقد كنت من أوائل من أعان على اصدار مجلة (العربي) في الكويت، وكان فيها العالم المصري الدكتور أحمد زكي والشاعر الكبير أحمد السقاف وفتحت لها مركزاً في بغداد وصندوق بريد باسمها. وقد أرسل لي رئيس التحرير (رحمه الله) بعدد كبير من البرقيات للاسهام فيها وكنت مشغولاً بأعمالي الكثيرة وأخيراً أرسلت له مقالة بعنوان (تجديد الرصافي) فنشره بعنوان (شذوذ الرصافي) فقامت ضجة وهاجمني أصحاب الرصافي ولما أعدت عنوانه الأول ولم أخرم حرفاً واحداً لم يعترض أحد، وأضفته الى كتابي ( في الأدب العربي الحديث.. مقالات نقدية) ولم يختلف عما نشر في (العربي) إلا العنوان!
والطريف ان هذه الحادثة حدثت لي في الطايف، فقد قابلني محرر جريدة (الندوة) خالد الخضري فأدليت له بحديث عن النقد والأدب في الوطن العربي فوضع عنواناً (الدكتور يوسف عزالدين يفتح النار على أدباء مصر) فثار اخواننا الذين لا يدققون فقلت لهم هل قرأتم المقال؟ هل وجدتم شيئاً أهاجم فيه أدباء مصر؟ فسكتوا .. ولكن أحد الأسائذة في الجامعة شنّ حرباً في الجريدة واشتعل أوار حرب لم أتدخل فيها وتنازع الأدباء الآراء وأخيراً كتب في الاهرام مقالين عن العنوان وأخرج كتاباً يهاجمني فيه!
ذيول العناوين
ويظهر أن هذا المقال نشر في العراق وهاجمني كاتب أعرفه منذ كنا معلمين وللأسف لم يرتفع الى المستوى الأدبي وبقي بعقلية (ملا الأطفال) لأنه لم يقرأ المقال واعتمد على العناون. ومثل هذا كثير في عالم الأدب وهم السطحيون في الثقافة، فهم أميون في العلم تافهون في الرأي وقد تمرست بالحياة وخبرت الناس. فوجدت التافهين يؤلمهم نبوغ المبدع وبروز الكاتب ويحسدون من تفوق عليهم وهم على شاطئ هذا البحر ورماله يلعبون؛ لأن المبدع يجعلهم صغاراً لهذا يطربون لأي خطأ ويحسون أنهم أصبحوا كباراً ولو كان هذا الخطأ مفترى، لأن مزايا النابغة وبروز المبدع وأعماله الكبيرة تجعلهم صغاراً وتضيع كتاباتهم بعد أن يغطى المبدع على هذه الآداب التافهة والآراء الفجة وهم ما زالوا في حالهم الأول لم يتقدموا أو يتطوروا في ساحة الأدب.
*







القسم الخامس
يوسف عزالدين و.. المرأة

* المرأة حاضرة في كل نصوص يوسف عزالدين الابداعية شعراً وقصة ورواية.. وتفرض المرأة نفسها على كثير من العناوين.. فكيف يرسم الأستاذ صورة المرأة الأدبية؟ هل هي محاكاة للشاعر القديم الذي يتعامل معها كرمز يقول من خلالها أفكاره وخلجاته أم تأثراً بالرومانتيكية العربية سيما في مصر ولبنان باعتبارها رمزاً للجمال والطبيعة؟ فعندما تكتب عن البسفور أو الأستانة أو باريس أو سالزبورغ أو لندن.. تختار امرأة ثم تتغنى بصورة تلك البلاد!
بدأت بالفعل متأثراً بالأدب العربي القديم، فقد نظمت قصيدتي الأولى في الغزل ومثلها الثانية وقد ألقيت هاتين القصيدتين من الإذاعة ولم أنشرهما إلا في آخر ديوان لي يطبع في القاهرة الآن؛ وبقيت متمسكاً بعمود الشعر وقواعده الأصيلة حتى ذهبت الى جامعة الاسكندرية وكنت في البداية متأثراً بالحركة الفكرية في الجامعة التي كان فيها شعراء التجديد ودراستي للبارودي وشوقي وحركات التجديد في مصر، ودراسة بعض الأدب الأنجليزي في النقد مثل كولردج وورث زورت وبايرون وشعراء (البحيرات)؛ فوجدت جوّاً جديداً وساحة فنية جديدة أخذت منها واحتويتها ووسعت ساحة الفن أمامي!
ان جميع الشعر الرومانسي نظمته خارج العراق، فقد كانت مشاغلي العلمية في الجامعة والمجمع العلمي العراقي والمساهمات في الصحف والاجتماعات تحول دون أن أنظم شعراً وأن كثيراً من التجارب صادقة. ففي خارج العراق يجد الانسان فراغاً وحرية في القول والتصرف أكثر من داخل العراق، لأن المركز العلمي والتكوين الاجتماعي والموروث الحضاري عوامل تحول دون حرية المبدع وما قلته صورة لأحاسيس الزمن الذي نظمت فيه الشعر بالرغم من سيطرة العقل. فقد كانت العاطفة تسيطر على الابداع أكثر من سيطرة العقل عليه. أنا لم أخترْ إمرأة أنظم فيها إنما كانت هي في طريقي والجمال يلهم صاحب الإحساس ويفيض الشاعر الذي عرف الحرمان في بلده والحذر في وطنه. فقد عشت في فترة من الحياة سواء في بعقوبة أم في بغداد، ما كنا نرى المرأة إلا في العباءة السوداء والحجاب الكثيف، ولم نعرف الاختلاط في حياتنا. وأول مرّة رأيته كان في متنزه السبيل في حلب، فدهشت لوجود المرأة تجلس مع الرجل في المطعم والمقهى فقلت:
بمنتزه السبيل رأيت حسناً سباني فيه متنزه السبيل
فما أحلى هـدوء الماء فـيه وما أشهى مياه السلسبيل
يداعـبه النسـيم بكـل رفـق دعابة شيـّق وجه الجميل
وهي أول قصيدة تنشر في مجلة الأديب في لبنان.
كان أول شعري تقليداً للأدب العربي لأني أحفظ جزء كبيراً منه ثم برزت شخصيتي الأدبية بعد أن تمكنت من اللغة ودرست الأدب العربي ونقده. وشعر الغزل مقبول عند كل الناس وكل الطبقات. وفي الجامعة كنا ننشد قصائدنا بالزميلات دون حرج أو خوف أو رهبة. كل الشعراء يقولون الغزل وقد آلمني كثرة هذا الغزل بينما مصر تحت الاستعمار الانجليزي فقلت قصيدة أهاجم هذا التيار وإذا بالجوّ يختفي، وإذا بالشعراء يقولون قصائد سياسية وكان حاضراً الشاعر الاسكندري الكبير (النشار) فختمت القصيدة أسأله، فألقى شعراً سياسياً:
مـن لحظ عـينك للقـلوب أسارُ ولأجل عينك ناضل الثوارُ
هذا هو الرأي الصواب رأيته ماذا يقول الشاعـر النشّـارُ
المرأة كانت حاضرة معي وأنا في العراق في شعر الشعراء القدامى خيالاً جميلاً مجنحاً وأصبحت حاضرة معي في مصر في الجامعة والبيت والسوق والترام وحفلات الكلية المختلطة التي لم أعرفها من قبل ولكن حافظت على الصلات ولم أتعدّ حدود اللياقة والآداب التي نشأت فيها على احترام المرأة والابتعاد عن تأثيرها المباشر!

* هل تعتقد أنه يمكن عصرنة أو تحديث صورة الحب العذري في الأدب الحديث؟ هل الحبّ الذي يسود أدبك هو من هذا الباب؟ كيف يمكن اقناع المرأة الأوربية في روايتك (قلب على سفر) وكثير من قصائدك بذلك؟
الحب غريزة وهي التي تسيطر على الانسان وهي التي نسميها العاطفة التي تدفعها الشهوة؛ انها مخلوقة مع البشر لاستمرار حياة الانسان وهي قوية عميقة ولولاها لاندثرت الحياة كلها. وهي موجودة في الحيوان والانسان على حدّ سواء. ويكبح هذه الغريزة العقل متأثراً بالتقاليد الاجتماعية والعادات الموروثة والانسان مجبول على ايثار الذات وتقدير المجتمع له. ومن عادات قبيلة عذرة التي اشتهرت باسم الحبّ العذري الحفاظ على العلاقات وكتمان الحبّ ؛ أي أن العقل الاجتماعي وحبّ الذات يضطران العذري على الكتمان ومتى امتلأت العاطفة وغلبت الشهوة تهز الشخصية القلقة بين هذين العاملين، والشرق كله قلق الحواس بين رزانة العقل واندفاع العاطفة ، وغلبت الرومانسية لأنها تصدر عن العاطفة فكان سلوكنا قلقاً بين هذين..
يبرد الحبّ بعد اللقاء الجنسي وبعد أن تحقق الغريزة هدفها في الأولاد، وهذا ما نراه بعد الزواج فقد فرغت العاطفة الدافقة بعد أن أدت رسالتها التي خلقت من أجلها وبذلك تظهر الخلافات بعد الأولاد بعد برود الغريزة أو العاطفة. لذلك يختلف الحبّ عند المراهق عن الرجل المتزوج، كما يختلف كثيراً في الغرب الذي فرغ من الجنس وأداه دون تعقيد اجتماعي أو تقليد موروث، فلا يعدّ الاتصال الجنسي في الغرب منقصة أو أنه العار الذي يلحق بالفتاة بل الأسرة كلها، وقد عدّ الجنس في الغرب حاجة من حاجات الانسان كالطعام والشراب. لهذا لا نجد الحبّ العذري عندهم.
وفي حاضرنا الثقافي والاجتماعي ما زالت تسيطر علينا التقاليد والرومانسية والابتعاد عن التفكير العقلاني بما فيه من ضوابط وقوانين تلزمنا الأخذ بها ورثناها لضيط سلوكنا الاجتماعي وتصرفاتنا اليومية!
عندما أكتب أفكر كثيراً وأضع الحدود التي يجب أن أصل إليها ولا أخرج على ما ورثته وما أحببته من هذا الموروث، ولكن الشعر طالما أخذني عن هذه الضوابط العقلية، فأنا في شعري أكثر حرية من نثري العلمي ولكن الرواية تعطيني حرية أكثر من البحث العلمي ويمكن أن أحقق الذات الاجتماعي فيه بصورة واضحة.
انه حرمان الغريزة من التدفق، صيرت قيس مجنوناً ولو تزوج لما سمعنا به! ولا هزَّنا حرمانه العاطفي الذي يعكس ما في النفس الانسانية من شهوة وغزيرة.
*




القسم السادس
المركز والأطراف

* في سيرتك ذكر لأنصاف الحقائق.. هل في مشروعك نشر مذكراتك الكاملة؟
أنا قلت الكثير عن حياتي في ثلاثة كتب أولها (من رحلة الحياة) وثانيها (وعادت الذكرى بطرائفها وغرائبها) وثالثها (حلو الذكريات ومرّها). وكتبت عن حياتي في (شعراء العراق في القرن العشرين) وإن لم أذكر كل شيء مرّ في حياتي؛ لأنّ:
الكاتب يخدم أمته بإنتاجه وكتبه وقد قدمت بحوثاً وكتباً لم يأت باحث حتى اليوم على إضافة شيء مهم إليها بل أخذ الباحثون يستفيدون من هذه الكتب ويأخذون حتى أسماءها؛ والطريف عدم ذكر كتبي في مصادرهم! وأول قاعدة علمية ذكر المؤلفين السابقين، ولم يسبقني أحد في الرسائل الجامعية في بحثه عن العراق وكل الزملاء الأفاضل وبعضهم من طلابي جاءوا بعدي وبعضهم ارتكب الأغلاط المطبعية التي وردت في كتبي دون أن يدري!!

الدكتور داود سلوم
ولا بـدّ هنا من ذكر بحوث الزميل الدكتور داود سلوم في جامعة لندن وفي كلية الآداب الذي درس جوانب من الأدب العربي في العراق ونشرها، وللأسف لم ينل حظه من التقدير والرعاية برغم جهوده في سبيل الأدب العربي في العراق، ومواصلة نشر هذا الأدب أينما حلّ وأنى رحل!!

الحقائق العلمية
في كتبي التي كتبتها ونشرتها بذلت جهداً كبيراً في حصر المعارف والمعلومات في كل كتاب وقد شققت طريقاً كان وعراً ومهّدت درباً كان صعباً وقرأت المصادر والمراجع التي لم يتوصل اليها أحد قبلي وقد اعتمد الباحثون على كتبي وما زاد هؤلاء شيئاً كثيراً لأن أكثر المصادر ضاعت ومات أصحابها. فقد قابلت الرواد الذين سبقوني وأصحاب المكتبات الخاصة في بيوتهم في عزّ الحرّ في العراق وبرده في الشتاء!

مع طه حسين
ولما تحدثت مع الدكتور طه حسين في داره في (الرامتان) في القاهرة عن الرفوف التي غطاها التراب عند بحثي في المكتبات التي دخلتها قال:
- هذه المتعة لم أحصل عليها!
إذ كانت الكتب تقدم له لتلاوتها عليه.

الاسكندرية
أما الذي كنت أتمنى أن أكتبه فهو حياتي في كلية الآداب في جامعة الاسكندرية وتطور حياتي الأدبية والفكرية فيها وفضل أساتذة كرام عليّ رحمهم الله مثل الاستاذ محمد خلف الله أحمد ومحمد طه الحاجري ومحمد حسين وتوفيق الطويل والغندي ويوسف كرم، وأنا أعيش على علمهم وفضلهم وواسع معرفتهم. فما زال صداها يرنّ في قلبي لذلك قلت في حفلة تكريم أعضاء المجمع في الجامعة هذه السنة:-
فــي إسـكـندرية كم هـمنا بطلعتها ومــا اكــترثـنا لأيــنٍ فـيــك أو تعـبِ
تـخـتــال أيـامنا في العـمر زاهـية هـوالـشـبــاب ومــا أحــلاه مـن أربِ
حـيـّيــت كليــة الآداب مـن دنــفٍ لم ينـسَ فضـلك طول العمر والحقبِ
إنــي لأسـمــع آهـات الشـبـاب بها وهـمـهـمات جـميــلاتٍ من الـطربِ
ووشوشات الحسان الغيد في مرحٍ والذكريات كهمس الموج في صخبِ
ما زلــت أذكــر أيـامي تعــاتبــني فــأنتــشي لــذة مــن نـشــوة الـعـتـبِ
وقد نشرها الدكتور عبد العزيز شرف في الأهرام في 20 أبريل/ نيسان 2001، وعسى أن أردّ بعض فضلها عليّ وجميل أساتذتها الذي طوقني عملهم طول الحياة!

* إستقطبت شخصيتك الأدبية الكثير من الدراسات .. فما سرّ إهتمام الأدباء والشعراء بك؟
كان حريــاً بك أن تسأل هؤلاء الذين تفضلوا فاهتموا بأدبي وبي.. لماذا انفردت بكثرة الكتابات عن شعري وأدبي. ولو عدنا الى دوافع الكتابات في كل المؤلفات لوجدناها لا تخرج عن ثلاثة أغراض أو أهداف:
1- ان من يكتبون عنه له منزلة إجتماعية وسياسية وهو يؤثر في الحياة العامة، فتكتب عنه الكتب رغبة في التقرب
إليه ونوال رضاه والاستفادة من جاهه.
2- أن يكون له مال كثير وسوف يجزل لهم العطاء ويستفيدون من رفده وينعمون بكرمه.
3- أن يكون ذا مكانة كبيرة وله أدب متميز عن أدباء عصره، فيعكف الكتاب في دراسة أدبه خدمة للعلم وإثراء الحياة التقدية، بدراسته لما قدّمه لأمته من أفكار تطور الأمة وترفع من مكانتها الأدبية والفكرية.
ولست من أصحاب الأموال أو من أصحاب المناصب التي تغدق المنفعة أو تسيل الذهب لمن يكتب عن سيرته. وقد نال مني من نال من الكتاب والأدباء وكتب عني ما كتب ولكن ظهر بأن الذين يحبون أدبي ويدافعون عن فكري هم أكثر بكثير من أولئك الذين يقفون ضدي. يقولون بأني أحبّ المديح والثناء، وهل هناك إنسان سوي لا يحبّ المديح؟ وهذا الأدب العربي أكثره في المديح سواء في الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو كبار المسؤولين وما زالت أنهار المديح تجري في جريان سريع حتى اليوم....
ان أول ظاهرة عندي إني أحبّ الناس، وما عاديت أحداً وأنا لين العريكة وشعاري (بنيّ ..أن الخلق شيء هـيّن.. لفظ جميل وكلام لـيّن) وأنا أعطي من قلبي ومن روحي ومن قلمي ما أقدر عليه، ولا أبخل بمال أقدر عليه متى وجدت من يحتاج اليه.. وكثير من الكتاب يحتاجون الى لين الكلام ولطف المعاملة فأنا أجيب عن كل رسالة تصلني وأشكر كل مؤلف اذا أهداني كتابه، وأتفقد أصحابي وأحبابي اذا غابوا عني وأبادرهم بالسؤال والتحية. وأصدقائي هم من رؤساء الوزارات وقادة العلم والفضل وأساتذة الجامعات وأعضاء المجامع الى الفراشين والعمال وأصحاب المهن. وأهدي من كتبي ومؤلفاتي أعداداً كبيرة. وقد كان ردّ المعاملة الحسنة والكلمة الحلوة هذا العطاء الكبير من الأدباء لي. ان المعاملة الطيبة للناس هي أول السجايا التي خلقت لي هذا العدد الكبير من الأصدقاء وخير مثال.. الشعراء الذين تفضلوا عليّ بتوثيق الصلات فهل هناك أديب حيّ مدحه الأدباء، فقد مدحني أكثر من أربعين من قادة الشعر ورواد الأدب مثل أحمد رامي وصالح جودت وأحمد مخيمر وعبد العليم القباني والدكتور علي الجارم وغيرهم من كبار شعراء مصر والوطن العربي، والدكتور أحمد الطيب وعبدالله القرعاوي من الرياض والعالم الجليل محمد أحمد الشامي وأحمد حسن المروني من اليمن وفيهم قادة ومن ذوي المناصب العالية، وهل نسيت قصيدتك أنت فما دعاك الى مدحي؟ أليس الحبّ وصدق العاطفة هي التي دعتك الى الثناء على شخصي الضعيف!
هل ذهبت أنا الى بولندة وطلبت من الجامعة الكتابة عني رسالة ماجستير وأنا لم أزر بولندة حتى الآن! وهل سوف تلبي الجامعة طلبي اذا طلبت ذلك؟ وهل ذهبت الى اسبانيا ليكتب عني الاسبان ويترجموا شعري؟ ويشهد الله اني لم أقابل حتى الآن الدكتورة أوديت بتي وأختها عندما أصدرتا عني الكتاب في الفرنسية. ولم أفكر يوماً أن يكتب عني بالفرنسية وهناك شاهد حي هو الدكتور جليل عطية الذي رجاني أن أوافق على كتابة كتاب عني من أستاذة في جامعة السوربون، وهو شاهد حي على قولي!
ان الذين كتبوا عني في غنى عن الجاه، فقد كتب عني دهاقنة الأدب ومنهم أستاذ في جامعة أو وزير أو وكيل وزارة أو عميد كلية، فهم لا يحتاجون إليّ في يوم من الأيام. فهل قرأ الأدباء أسماءهم وهل اطلعوا على ما كتب؟!..
ان الذين يغتابون الناس هم أقل الناس فضلاً، لأنهم لو كانوا قادرين على الابداع لأخذوا مكانتهم بين الأدباء وتلك طبيعة البشر ولن تتبدل، فالصغير يحسد الكبير والمغمور يحسد المشهور وصاحب الفضل! ويحزنهم انفراد المبدع بالشهرة والاهتمام به من المفكرين، ولهذا يريدون أن يرووا النواقص لأنهم يرون أنفسهم صغاراً أمام حبّ المبدع واتساع شهرته ويخلقون له العيوب والمثالب حباً بأنفسهم وأثرة لأرواحهم، فتجدهم ناقمين على أصحاب الشهرة وأصحاب الفضل لأنهم يرون أنفسهم صغاراً أمام شهرة المبدع وإنتاجه؛ وعلى قدر ارتفاع الأديب تنخفض نفوسهم وتصغر مكانتهم.

* لماذا لا تردّ على الذين يهاجمون أدبك؟
أحمد الله أن الكثرة الكاثرة هي معي وقلة ضئيلة ضد أدبي. والأديب العاقل والمفكر الواعي يحسّ بدوافع هؤلاء فهم (غثاء كغثاء السيل) وقد ماتت كلماتهم ونسيت مقالاتهم التي هي أقل من عدد الأصابع، وسوف يكثر هؤلاء اذا ظهر عدد (ضفاف) هذا، وقد اعتدت على نشر ما كتب عني باسلوب علمي في أواخر كتبي وأردّ عليه، وكنت أنشر ما ينقد كتبي ويقوم أغلاطها في المجلات التي أشرف عليها، وقد اتخذها بعضهم سبباً للهجوم عليّ لضيق الصدور وسطحية الفكر مع أن نشري دليل على أني لست معصوماً من الخطأ، وهو برهان على رحابة الصدر وما زلت أرحب بكل نقد وأعين على نشره وأشجع الناقد على فضله وأشكره لسببين: أنه قرأ وكتب وصرف وقتاً كان يمكن أن يقضيه في المتع والنزهة، والثاني أنه رفه عن نفسه الموجدة التي خلقها أدبي في نفسه. وكنت أضحك عندما أقابل أحد هؤلاء ولا أعاتبه حتى قال أحدهم: قتلني الدكتور يوسف عزالدين بحسن لقائه!
انه بحر واسع..
أول قدحة
وكان قد نشر كتاباً يهاجمني فيه أثر مقالتي(التجديد في شعر الرصافي) والتي نشرتها مجلة (العربي) بعنوان (شذوذ الرصافي) ولم يكن لي يد في ذلك!
وعندما كتب الأستاذ خضر عباس سلسلة مقالات عن أدبي في مجلة لبنانية، كتب أحد الزملاء من مصر قائلاً أن الدكتور يوسف عزالدين هو الذي يكتب هذه المقالات، ووقع موضوعه باسم مستعار هو (أبو زيدون)!!.. ولم أرد عليه ولم أواجهه بالأمر ، فليس من عادتي الردّ !
ولولا أنك في عجل في إنهاء وإخراج عدد (ضفاف) لأطلت عليك وساعدك الله لأنك تسمع ما لا أسمع ويحزنك ما تسمع.. فكم من سيلومك من هؤلاء الجالسين في المقاهي بلا عمل على إخراج هذا العدد عني! واخبرهم لماذا أخرجت العدد.. وهل طلبت أنا منك ذلك يا راعي الأدب ووفي الخلق!!

* هذا مما لا يخفى على المتتبع، فقد حمل نداء المجلة عبارة (من أجل تقاليد ثقافية جديدة في تكريم الأدباء والمبدعين الأحياء)، وسبق للمجلة ان قدّمت عدداً عن القاصة المبدعة لطفية الدليمي العام الماضي، وهناك عدد خاص عن أحد الأدباء الشباب قريباً *!!

* ما هي أمنية يوسف عزالدين الغالية؟
أمنيتي الوحيدة هي: أن يكون العقل هو المسيطر على العالم العربي والشرقي، ويحبس عاطفته لأن العقل أو الفكر يعالج الواقع ويعرف ما يحتاج اليه؛ أما العاطفة فتعيش في خيال بعيد عن الواقع، وتتصور الأشياء سهلة التحقيق مع أنها مستحيلة الجذور. بالعلم اكتشفت المخترعات واخترعت وسائل رفاهية الانسان وبه توضع الخطط العملية لتطور الأمة ومحاربة التخلف الاجتماعي والثقافي والعلمي، لأن النخطيط يجد حلولاً للمشكلات بوضوح بينما العاطفة تشطح به الى الخيال الجميل الذي يتعذر تحقيقه!
وأرجو أن يعرف العرب معنى العلم وفضله في رفع مستواهم متى طبق بصدق في صالح المجتمع على أن تكون قاعدته الحرية الكاملة في الرأي وفي الإحصاء، لأن قاعدة الإحصاء هي التي تنير السبيل الى مشكلاته ومعاناته، ويدفعه الى درجات عالية من التطور والحضارة وبذلك تتحقق الرفاهية وتتسع ساحات الحرية وتكثر دور البحث العلمي والمختبرات ومعامل التطبيق والمراصد، لدراسة مختلف جوانب الحياة في الوطن، في الأرض والجوّ والماء وتحت الأرض. وتعرف مصادر الثروة والطاقة وقابلية الوطن الغنية.
العلم الصرف هو الذي أخذ الانسان الى القمر وعرف المشتري والكواكب وهو الذي سهّل له المواصلات فطار الى بلد لم يدر بخلده رؤيته وجعل الاتصالات ميسورة؛ فترى المقابل في ( الانترنت) وتسمع صوته وترسل الرسائل بوساطته. ومتى دخل العلم يجب أن يكون كامل الأجزاء حتى نحول العاطفة والخيال الى واقع يدفعنا الى الأمام، وباستمرار وتقدم.
وأن يبتعد العربي عن العاطفة الملتهبة وشطط الخيال حتى ندخل الحضارة من أبوابها الواسعة. لأن هناك صورة بعيدة الغور بين العقل العربي المعاصر والاهتمام بالعلوم الصرفة، فانحسر أصحاب العلم وعاشوا في النسيان أو هاجروا الى بلدان قدموا فيها تجاربهم في الفيزياء والكيمياء والذرة والألكترون والطب والزراعة والآداب. فآوتهم وعرفت قيمتهم العلمية ومنحتهم الأمن والأمان ورفاهية العيش.
العالم مقدم على العولمة ويتم فيه توحيد العلم والثقافة والاقتصاد للسيطرة على العالم وإزالة الحواجز بين الحكومات والأفراد وما زلنا نضع العراقيل أمام المفكرين والعلماء في الوطن العربي. أن العولمة خلاصة تفكير قلة من المفكرين والمبدعين في العالم الذي عني بالذرة والكمبيوتر والانترنت؛ وفي أوطاننا نحارب هذه الصفوة ونحبس أفكارها ونضيق الخناق عليها، وكأنما هناك عداء بين العقل الناضج وبين المجتمع العربي الذي تحكمه السلطة. وهذه الصواريخ تحمل البشر الى الفضاء ويصل الى القمر والمريخ وعوالم الفضاء السحيقة تهزّ الكون ولكن لا تغير رأي الدولة. وكأن العلم والتطور الحضاري أداة كراهية الصفوة العلمية، مع أن أية فكرة علمية تطور العالم كله بداية من اكتشاف الكهرباء والمذياع والهاتف الى الصواريخ العابرة الفضاء، لأن توقد العلم في فكر هذه الصفوة هو الذي أوجد الحلول لمشكلات المجتمع.
ان أمنيتي أن أرى تحول الشرق من العاطفة الى العلم ومن الخيال الى الواقع والاستفادة من تقتية الغرب بصورة واسعة دون الانبهار بالفلسفة وتيارات المجتمع وآراء الغرب كلها!
ان العلم يطور الأمة ويرفع مستواها الذهني والاجتماعي والنفسي والاقتصادي والفني ويطور حياتها،ويدخلها صفوة الأمم. ان غالبية الأمة العربية ما زالت جاهلة وكثير منهم لا يفكّ الحرف حتى الآن، ويعيشون في أماكن تشبه الكهوف ويشربون الماء من الأنهار والآبار وتفتك فيهم الأمراض دون أن يدري بهم أحد مع وفرة المال وكثرة المختصين ووجود الوسائل المتعددة للتطور.
السلطة تهتم بالمظاهر والأبنية والشوارع والأرصفة ولم تهتم في عقول أبناء الشعب وتطوير حياته وبناء مساكن له وتوفير الرعاية الصحية والكاملة للمرضى.
فالعلم هو الذي ينشر الحرية وهو الذي يطور الأمة وهو الذي يوحد صفوفها لأنه يغرس الوعي وينبه الشعب ويقدر على المقارنة ومتى قارن عرف الصواب ولن تقدر قوة أن تقف أمامه متى وعى. وهذه أوربا تتوحد بالعلم وتنشر الحرية به وتطور حياة أبنائها بوساطته ومتى نشر الوعي هيهات للسلطة أن تقف أمام أمة واعية وشعب متعلم عميق المعرفة!
وأمنيتي الفردية أن تردّ غربتي وأن أموت في العراق!!


* * *





(انتهى الحوار)


















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقصود عدد خاص عن الشاعر العراقي عدنان الصائغ.
* ملحوظة: تمَّ إعداد هذا الحوار أصلاً لمجلة ضفاف الثقافية ضمن العدد السابع الخاص الذي أخرجته عن الأستاذ الدكتور يوسف عزالدين لمناسبة بلوغه الثمانين واعتزاله التدريس، لذا إقتضى التنويه!.






يوسف عزالدين .. خمسون عاماً من الإبداع

الـشـعـر
1- في ضمير الزمن مجموعة شعرية 1950- الاسكندرية/ مصر
2- ألحـــان مجموعة شعرية 1953- الاسكندرية/ مصر
3- لهاث الحياة مجموعة شعرية 1960- بيروت/ لبنان
4- من رحلة الحياة مجموعة شعرية 1967- بغداد / العراق
5- همسات حبّ مطوية مجموعة شعرية 1987- القاهرة/ مصر
6- صدى الطائف مجموعة شعرية 1992- الطائف/ السعودية
7- شرب الملح قصيدة 1992- القاهرة/ مصر
8- النغم الحائر قصيدة 1992- القاهرة/ مصر
9- أيام ضاعت قصيدة 1992- القاهرة/ مصر
10- أوجاع شاعر قصيدة 1993- القاهرة/ مصر
11- ليس يدري مصيره قصيدة 1994- القاهرة/ مصر
12- رجع الصدى قصيدة 1994- القاهرة/ مصر
13- وفاء الحسان مسرحية شعرية 1994- القاهرة/ مصر
14- حنين الهمس مجموعة شعرية 1997- القاهرة/ مصر
15-هكذا يا بغــداد! مجموعة شعرية 2001- القاهرة/ مصر

السرديّـات
16- قلب على سفر رواية 1975- القاهرة/ مصر
17- ثلاث عذارى مجموعة قصص 1987- الرياض/ السعودية
18- النورس المهاجر رواية 1992- القاهرة/ مصر

السّـيرة الذاتيـة
19- وعادت الذكرى بغرائبها وطرائفها (أيام الدراسة العليا) 1988- القاهرة/ مصر
20- الى الديار الممنوعة (الصين والاتحاد السوفيتي) 1989- القاهرة/مصر
21- حلو الذكريات ومرّها ( قصة حياته) 1992- القاهرة/ مصر

دراسات أدبـية
22- الشعر العراقي في القرن/19- خصائصه وأهدافه 1958- بغداد/ العراق
23- الشعر العراقي الحديث والتيارات السياسية والاجتماعية 1960- بغداد/ العراق
24- خيري الهنداوي - حياته وشعره 1965- بغداد/ العراق
25- في الأدب العربي الحديث (يحوث ومقالات نقدية) 1967- بغداد/ العراق
26- الاشتراكية والقومية وأثرهما في الشعر العربي الحديث 1968- القاهرة/ مصر
27- شعراء العراق في القرن العشرين - ج1 1969- بغداد/ العراق
28- الرواية في العراق - تطورها وأثر الفكر فيها 1973- القاهرة/ مصر
29- القصة في العراق - جذورها وتطورها 1974- القاهرة/ مصر
30- ابراهيم صالح شكر- وبواكير النثر الحديث في العراق 1975- القاهرة/ مصر
31- قول في النقد وحداثة الأدب 1978- الرياض/ السعودية
32- فصول في الأدب الحديث والنقد 1981- الرياض/ السعودية
33- التجديد في الشعر الحديث - بواعثه النفسية وجذوره الفكرية 1986- جدة / السعودية
34- بين الحداثة والمحافظة - دراسة نقدية للشعر المعاصر 1990- ....
35- أثر الأدب العربي في مسرى الأدب الغربي 1990- الرياض/ السعودية
36- آراء نقدية نجت من الوأد 1992- القاهرة/ مصر
37- قديم لا يموت وجديد لا يعيش - آراء نقدية صريحة في الحداثة والأدب) 1996- القاهرة/ مصر
38- مخطوطة شعر الأخرس د. ت.

قضـايـا فــكـرية
39- من رواد الفكر الحديث في العراق - فهمي المدرس 1969- القاهرة/ مصر
40- تطور الفكر الحديث 1976- بغداد/ العراق
41- قضايا من الفكر العربي 1978- القاهرة/ مصر
42- التحدي الحضاري والغزو الفكري 1405هـ- الرياض/ السعودية
43- تراثنا والمعاصرة 1987- القاهرة/ مصر

تـــأريخ
44- داود باشا ونهاية المماليك في العراق 1967- بغداد/ العراق
45- مخطوطات عربية في مكتبة صوفيا الوطنية 1968- بغداد/ العراق
46- النصرة في أخبار البصرة (تحقيق) 1969- بغداد/ العراق

مؤلفـاته باللـغات الأجنبية
1- Poetry and Iraqi Society : 1900 - 1945 Baghdad - 1962
2- Modern Iraqi Poetry, Social and Influences Cairo - 1971
3- Songs from Baghdad London - 1984
4 - La Spontaneite - by: Drya Najm Cairo - 1986


الكتب الصادرة عن الدكتور يوسف عزالدين

آثرنا أن نرفق هذا العدد الخاص عن الأديب الموسوعي الدكتور يوسف عزالدين بتقديم نبذة موجزة عن الكتب التي صدرت عنه؛ فقد حباه الأدباء والأساتذة بعدد من الكتب، ولعله الأستاذ والأديب الوحيد الذي كتب عنه هذا العدد من الكتب وهو على قيد الحياة؛ فقد جرت العادة على تكريم الأموات، فقد حظي الدكتور يوسف عزالدين بحبّ إخوانه وعارفي فضله!
1- شاعرية يوسف عزالدين
تأليف:الأستاذ خضر عباس الصالحي
بغـداد / 1963
انه أول كتاب صدر عنه وقد تحدث الكاتب عن فكر الشاعر وأدبه وشعره مستعرضاً مجموعاته الشعرية: في ضمير الزمن/ ألحان/ ولهاث الحياة. كتبه بروح المحب المعجب وباسلوب جميل وعبارة جزلة وفي الكتاب عدد من الصور ومقدمة باللغة الانجليزية مع ترجمة بعض القصائد.
2- الرؤية الشعرية عند يوسف عزالدين
تأليف: الأستاذ صاحب كمر
بغداد- القاهرة
وقد قدم له الاستاذ الدكتور داود سلوم بمقدمة ناقش فيها آراء الكاتب في المرأة والنظرة الانسانية كما وردت في شعر الشاعر. وقد بحث المؤلف في الرؤية الشعرية لدى يوسف عزالدين، عبر جملة من التيمات مثل: العبقرية والتجربة والمرأة والأرض وميزة التجديد والاقصوصة والاصالة والموقف لدى الشاعر.
3- المضمون والاطار في شعر يوسف عزالدين
تأليف: الدكتور عبد الله درويش
مستل من مجلة البلاغ العراقية/ العدد الرابع
تحدث المؤلف عن الشعر بصورة عامة وأطره، ثم عرج على شعر الشاعر والجديد في إطار الشعر والتجديد والقافية والتأمل الباطن والتطور الموسيقي في الأوزان وخروج الشاعر على أوزان الخليل وريادته.
4- يوسف عزالدين شاعراً وناقداً (بالبولونية)
تأليف: انجي دريفنوفسكي
القاهرة/ 1989
وهي رسالة ماجستير في الأدب العربي نوقشت في جامعة وارشو في معهد الاستشراق بإشراف الدكتورة كرستينا سكار جنيسكابو خينسكا. تحدث فيه عن الابداع عند الشاعر وقارنه بشعراء عصر النهضة وذكر نقده في كتبه التي ألفها وبخاصة: الشعر العراقي في القرن التاسع عشر، والشعر العراقي الحديث، والتيارات السياسية والاجتماعية وأثرها في الشعر الحديث.
5- التلقائية في أشعار يوسف عزالدين (بالفرنسية)
تأليف: الأستاذة الدكتورة درية نجم
القاهرة / 1990
صدرت منه طبعتان حوت الثانية ترجمة مجموعة مختارة من شعر الشاعر وتحليل لشعره مع مقارنة نقدية مع الشعر الفرنسي والغموض اللفظي في بعض أشعاره ودقة الاحاسيس وجمال المعاني وعمق المشاعر مثل الشاعرة أميلي برونتي وجيوم أبولينير، وكذلك بعض الشعراء العرب مثل ابراهين ناجي ونزار قباني وعلي محمود طه وغيرهم من الشعراء الرومانسيين. وحوى عددا من القصائد المترجمة باسلوب جميل وعبارة رقيقة دلت على سموّ ذوق الكاتبة.
6- يوسف عزالدين.. شعره وتجديده - دراسة للشعر العربي المعاصر
تأليف: الأستاذ وديع العبيدي
القاهرة/ 1993
وهو كتاب جامع ومن أكثر الكتب إتساعاً ومعرفة بالشاعر. قدّم له الاستاذ الدكتور عبد الله عبد الكريم العبادي فقال: هذا الكتاب يمثل دراسة تأريخية أدبية تتناول واحداً من رواد العلم والأدب والثقافة في العالم العربي (...) والدراسة تأريخ لحياة حافلة بالجدّ والعطاء والمعاناة، عاشها هذا الأديب الشاعر في مراحل حياته، اتسمت بالعصامية الفعلية التي أنجبت رجلاً جلداً استطاع أن يقاوم مشاق الحياة وأن يجعل منها مناراً للكفاح ومواطن للنجاح. وقال: إذا كان هذا الكتاب يمثل نبضة حية من نبضات الوفاء لهذا الأديب الرائد والمعلم المجدد، فانه يمثل كذلك دليلاً حياً على قدرة المؤلف على الجمع والدراسة والاستنتاج، وهذا في حدّ ذاته نافع للقارئ المثقف والمكتبة العربية في زمن ظل الوفاء فيه رهين المحبسين: المنفعة والمجاملة.
وقد حوى الكتاب بابين: تناول الباب الأول يوسف عزالدين.. الانسان، تحدث فيه عن أسرته ومدينته ونشاطه وخصائصه النفسية ومكوناته الثقافية والفكرية بتوسع وعمق وفهم أصيل. وفي الباب الثاني تحدث الكاتب عن العقل العربي المعاصر والتجديد في الشعر عند يوسف عزالدين واتجاهاته الشعرية وموقفه السياسي والثقافي وحسَّه الوطني والانساني. وقد درس شعر الشاعر دراسة عميقة لأنه رجع الى كتبه النقدية والأدبية ومقالاته في النقد الحديث وخلال هذه الدراسة عرج على الشعر العربي المعاصر والقديم وأبرز رموزه كالسياب ونازك الملائكة وبلند الحيدري والبياتي والزهاوي والرصافي. كما درس الكتب السابقة التي كتبت عن الشاعر وأضاف عليها مما جعل الكتاب واسع المعلومات. كتب باسلوب أدبي نقدي جميل وبروح شاعرية رقيقة ونظرة فاحصة واسعة الفكر عميقة الرأي كثيرة الاطلاع. وقد حوى صوراً فريدة للشاعر وامتاز بالفهارس العلمية المتعددة والتنسيق الحديث يضاهي أحسن الكتب العلمية الجديدة فكراً واسلوباً وترتيباً وضمّ أسماء كتب الشاعر وترجمة مركزة عن حياته وترجمة لحياة الدكتور عبدالله العبادي مقدم الكتاب وترجمة للمؤلف!
7- شخصية يوسف عزالدين الأدبية
تأليف: الأستاذ عبد الرزاق شاكر البدري
القاهرة/ 1982
قدم له الاستاذ الدكتور صالح أبو إصبع قال: ( ليست هذه مقدمة للدكتور يوسف عزالدين فهو غني عن التعريف فهو الناقد والشاعر والقاص المعروف وعضو المحافل العلمية العربية والدولية والذي كتب عن أدبه وشعره الكثير..! انه تكريم ووفاء لرجل تحمل مسؤولية الكلمة وانبرى لتقديم رؤية في عمل من أعمال أديب عربي كبير... حاول الكاتب أن يحلل شخصية الشاعر من خلال شعره.. والمؤلف يرى بأن مفاتن شعر الدكتور يوسف عزالدين تأتي من ناحية الشكل والموضوع.. التي تدلّ على ذوق فنان مرهف ومزاج موسيقي مفتن بالغناء مولع بالالوان.!
ويحتوي الكتاب على أربعة فصول تحدث فيها عن نشأة الشاعر وحياته ونسبه واسلوبه الشعري والغزل والنسيب والأدب الذاتي والحنين الى الوطن واختلاف النقاد في شعره وما كتب عنه. يقول عن الحنين في شعره: وأنت ترى روعة الحنين، إنه صادر من قلب لا يتكلف الحنين وانه يسيل دفّاقاً وتزدحم خواطره بالمعاني الدقيقة على قلبه ثم أنك ترى نيران حبه تتضرم في نفسه فتتنوع خواطره ويأخذ بعضها في التولد من بعض والنغم يتدفق بسلاسة وحلاوة يسنده حسّ قوي رقيق وعواطف لاذعة من الهيام ومن الشوق ومن اللوعة!
8- أشعار المحبين الى يوسف عزالدين
تأليف: الأستاذ حماد السالمي
الطايف/ 1992
قدم له أستاذان من زملاء الشاعر هما الدكتور محمد عبدالله الريح والدكتور عبدالسلام عبد الحفيظ. فقد قال الدكتور الريح: ان البنية الاساسية هنا هي يوسف عزالدين بكل ما يمثله من إنارة شعورية لدى الشعراء والتناول سواء أكان مجاملة إجتماعية أم عملاً إبداعياً وقد قال الفارابي: [ ان الناس لا يجمتعون على ناقص أو مقصر في الجودة غير مبالغ بلوغ المدى في النفاسة]. وقد حدّد الدكتور عبد السلام عبد الحفيظ رحمه الله (القيم الرفيعة في الإخوانيات الواردة في هذا المجموع يمكن أن نعدّه هو أو أكثره... ممثلاً للقيم الرفيعة مجيداً لها في الانسان عامة والتصاحب خاصة ممثلة في ذات الاستاذ الدكتور يوسف عزالدين اي أن أصدقاءه وإخوانه الذين كتبوا فيه شعرهم وأبدوا إعجابهم به في الشعر إنما إنطلقوا من أحاسيس فردية تجاه صاحبهم الذي أحبوه وانبعثوا في شعرهم إليه من عمق هذه العاطفة ولكنهم مجدوا ما يمتاز به من خلق وما وجدوا لديه من القيم وما لمسوه في حركة حياته من أنشطة متعددة تهتم بالقضايا الكبرى من حياة الأمة وعوامل نهضتها في الابداع والسياسة والاجتماع)/ ص7.
والكتاب فريد من نوعه أو لعلّه الأول في التأليف الإخواني فقد جمع شعر أكثر من أربعين من الشعراء الذين اتفقوا على مدح الشاعر وهو ما لم يحدث في تأريخ الأدب العربي طوال عصوره الطويلة. فقد أسهم فيه كبار الشعراء مثل أحمد رامي وصالح جودة ود.عمر الجارم وجميل العلايلي من مصر واسماعيل القاضي ووديع العبيدي وخالد الشواف ود. بهجت عبد الغفور ود. مصطفى جواد ود. محمود الجادر ومحمد هادي الأميني وهادي الفكيكي وصبحي البصام وعبد الجبار داود البصري من العراق، وأحمد سالم عطب وأحمد الصالح ود. أحمد الضبيب وعبدالله القرعاوي وعبدالله بن ادريس وصالح أحمد الزهراني من المملكة العربية السعودية وأحمد محمد الشامي من اليمن وحيدر مصطفى ومحمد ضياء الصابوني وفاضل خلف ود. أبو فراس النطافي ود. عدنان النحوي ود. محمد شحاته عليان من سورية وفلسطين وغيرهم.
وقد بذل المؤلف جهده في ترجمة الشعراء وضم الكتاب عدداً من ترجمات حياة الشعراء الذين لم يترجم لهم من قبل. وقد قال المؤلف في المقدمة: ليست هذه المقدمة بصدد الكتابة عن الدكتور يوسف عزالدين فهو العالم البارز الغني عن التعريف رائد القصة والشعر والنقد، وجهه معروف في كل المحافل العلمية العربية والدولية.. فقد كتب عنه وعن أدبه وشعره الكثير... بالانجليزية، والفرنسية والبولونية، والروسية والاسبانية.
وفي الكتاب فهارس متعددة تفيد الباحث، أنه جهد علمي يستحق الدراسة والتقدير!
9- الورقاء.. ضمت المفكرين والأدباء (في تكريم الدكتور يوسف عزالدين)
تأليف الاستاذ عدنان المهنا
الطايف/ 1996
جمع المؤلف ما قيل في تكريم الشاعر في إحدى حفلات تكريمه. فقد ضمّ مساهمات الأساتذة والدكاترة محمد الريح وعبد الفتار البربري وعبد الصبور السيد الغندور ومحمد موسم المفرجي كما حوى قصائد وكلمات د. صفاء خلوصي ود. زاهد محمد زهدي والاستاذ مصطفى حجازي ود. عبدالله العبادي والاستاذ عبدالله القرعاوي وكمال الدين بشير. وقد كتب الكتاب باسلوب جميل وجذاب وعرض عرضاً رائعاً. جاء في خمسة عشر فصلاً، تضمن حياة الدكتور يوسف عزالدين ونسبه وأدبه وشعره ونماذج إهداء الاصدقاء له وبعض الرسائل التي كتبت له وحوى عدداً من تراجم الاساتذة مثل أمير الطايف فهد المعمر وعبدالله ماضي الربيعان ود. عمر بن عوض المشعبي والاساتذة الذين أسهموا في التكريم، إضافة الى قصيدة للمحتفى به يشكر فيها أسرة الحفل.
وفي الكتاب أسماء الكتب التي ألفها وما كتب عنه من دراسات متعددة وبعض صور الاحتفال وامتاز الكتاب بالفهارس المتعددة للاعلام والاماكن، وكانت صورة الغلاف للفنان المعروف هاشم المهنا. انه كتاب جامع يمكن أن يعتمد عليه الباحث والعالم والدارس لما امتاز به من اسلوب علمي وتصنيف حديث وتبويب جديد وإخراج متميز!
10- طقوس الحداثة (قراءة نقدية لرواية - قلب على سفر-)
تأليف: الدكتور عبد الرحمن أمين مرغلاني
القاهرة/ 1996
انفرد هذا الكتاب بدراسة الجانب الروائي للدكتور يوسف عزالدين فقد جمع ما كتبه الاساتذة حسن الشماع ورضا حواري وعبدالله الففي وعبد المنعم اسماعيل وعزت خطاب ووليد القصاب ونجم عبد الكريم وتحسين مصطفى غزال عن رواية (قلب على سفر) المنشورة في الجرائد وقام د. مرغلاني بالتحليل العلمي والفني والنقد الأدبي لقول النقاد وتحدث عن المدارس النقدية الروائية مشيراً الى الرؤية الفنية الجديدة في (قلب على سفر) ووحدة الذات فيها فقال: اهتم النقاد المعاصرون بشعر يوسف عزالدين أكثر من اهتمامهم بنثره ونقده وقلّت الدراسات عن فكره الاجتماعي وفلسفته وريادته في تأريخ الأدب الحديث وجوانبه الثقافية الأخرى.. . وهذه الدراسة هي الفريدة في دراسة نثر يوسف عزالدين باسلوب علمي مقارناً بين نثره وبين نثر الآخرين في روايته المذكورة. والدكتور المرغلاني من خير من يعرف الأدب القصصي فقد اختصّ به وكتب عنه.. ويمتاز اسلوبه بالدقة في التحليل وسبر غور الاحداث وجمال الاداء والفهم الواسع لتطور القصة الحديثة لذلك كانت هذه الدراسة من خيرة الدراسات الفنية الناجحة فقد ابدى رأيه باسلوب العالم الباحث المتجرد والناقد المثقف.
حوى الكتاب على أربعة فصول، تضمن الاول نقاد (قلب على سفر) واهتم الفصل الثاني بتصنيف أعمال النقاد وتقييمها، ثم تناول الفصل الثالث أبرز القضايا التي أثارتها الرواية في المحيط الأدبي بينما طرح الفصل الرابع الرؤية الجديدة في الرواية.
قال الدكتور المرغلاني في مقدمته: تسرد هذه الرواية في قالب روائي جزءاً متميزاً من حياة أبناء الشرق العربي في الغرب حيث يتنوع السرد ملاحقاً تفاصيل مرحلة حاسمة في تشكيل وعي ابن الشرق وتأطيره وذلك أثناء ارتياده الجامعات الغربية للدراسة التي يتطلب منه العيش في بلاد الغرب والتعامل مع النظم والقوانين السياسية والاقتصادية والثقافية و (التفاعل معها فكرياً) ومدرسيّاً وتحدث الناقد عن لقاء آراء الكاتب مع بعض كتاب الغرب مقارنة بشكسبير عندما تحدث عن الرؤية الجديدة في (قلب على سفر) في استبطان العمل الادبي للشعور الكامن والتجربة الشعورية واستقرأ الناقد العمل الأدبي من الداخل رادّاً على الكتاب الذين (حسبوها رواية متعة فنية وقصة أحداث غرامية ثم يقترح الالتفات الى ما فيها من رمز مرح وإثارة الى حدث عام) وما فيها من توعية فكرية ورموز أدبية.
11- تلقائية (دراسة بالفرنسية لأشعار يوسف عزالدين)
تأليف: الدكتور ابراهيم عوض
الطايف/ 1994
هذا الكتاب دراسة وترجمة لكتاب الدكتورة درية نجم المنشورة باللغة الفرنسية في الامارات العربية وأعيد طبعها في القاهرة. وفيه ترجمة تحليلية أراد الكاتب من خلالها اطلاع العرب على ما كتبته كاتبة كبيرة فاضلة بذلت جهداً كبيراً في الكتابة بالفرنسية عن شاعر عربي معاصر. والدكتور عوض من رواد النقد والترجمة في العالم العربي وله عدد كبير من الكتب المؤلفة والمترجمة له ذوق أصيل واسلوب جميل ونقد موجه وكان موضوعيا في نقده للمؤلفة. وقد ركّز على اسلوب المترجمة في نقل الشعر العربي الى الفرنسية ومدى توفيقها. وتابع الفروق التي حدثت من جرّاء قيود الوزن والقافية منوها بالكاتبة ومقدرتها على الترجمة والنظم السهل باللغة الفرنسية.
وقد طبع الكتاب بعدد محدود جداً لذلك لم يتداوله المختصون بصورة واسعة، مع أنه من أدقّ الكتب المقارنة في فهم اللغة العربية والفرنسية، دلّ على ذوق مرهف وحسّ موسيقي في فهم اللغتين!
12- يوسف عزالدين.. شيخ المجددين
تأليف: الأستاذ عدنان الشهري
القاهرة/ 1997
كتب مقدمة الكتاب الدكتور عبدالله العبادي الذي قال: ان هذا الكتاب عن علم من أعلام أمتنا العربية المعاصرين وأستاذ من أساتذة الاجيال وعالم له فضله ومكانته المرموقة بين أعلام اللغة والأدباء والشعراء والنقاد. فالكتاب خدمة للعلم والأدب والثقافة... والمؤلف استطاع في هذه المرحلة المبكرة أن يدخل الى دائرة المؤلفين من الباب الواسع والموضوع الذي يطرقه ليس سهلاً والشخصية التي يدرسها ليست عادية ومع ذلك استطاع أن يخرج لنا بكتاب مؤلف نكبر له فيه الجمع والتنظيم والمناقشة والإفادة... والدكتور يوسف عزالدين علم تعرفه كافة المجامع العلمية والأواسط الثقافية والجامعات العربية والعالمية.. والرجل اسطورة علمية أدبية ثقافية في زمانه ومكانته المرموقة في النفوس تدعو الى أن ينسابق العارفون في ميدان التأليف عنه لذلك كثر الكتاب عنه. هذا الكتاب دراسة واسعة عن الشاعر كتب عن دراية واطلاع فقد تعلم المؤلف على الاستاذ وعرف علمه وفضله وقابليته الكبيرة في إيصال العلم الى الطلاب ومقدار حبهم له وتعلقهم به.
قال المؤلف: شاعرنا من الشعراء الرواد وهو من رواد النقد والشعر والقصة في العصر الحديث ومن رواد التجديد الذين حافظوا على أصالة الشعر وجزالة العبارة ورقة الالفاظ وجرس الموسيقى باختياره للاوزان الرقيقة والبحور الغنائية الخفيفة التقليدية مع التجديد في القوافي والمعاني واستخدامه اللغة الشاعرية الانيقة المحافظة والتراكيب والعبارات الجزلة المتماسكة التي لا تنفك بأي حال من الأحوال عن الأصالة العربية!
حوى الكتاب على أربعة أبواب درس فيها التجديد في الأدب والشعر الحرّ والحداثة وموقف الشاعر من الحداثة وشعر الحنين والشعر السياسي والعاطفي كما حوى ترجمة لحياة الشاعر وكتبه وما كتب عنه. بذل المؤلف جهداً علمياً كبيراً وكان صادق البحث عميق الاطلاع واسع المعرفة على حياة استاذه الذي كتب عنه!
13- أبا أسل سعدت
قصيدة للقانوني الكبير الشاعر اسماعيل القاضي
الطايف/ 1999
قصيدة من عيون الشعر العربي الحديث، حافظ فيها الشاعر على الاصالة الشعرية والجزالة اللفظية والمعاني السامية فيها. وهي من مطولات الشاعر يلغت خمسة وأربعين بيتاً. وقد سبق للاستاذ القاضي ان اسهم بقصيدة عصماء في كتاب (أشعار المحبين الى يوسف عزالدين).
والقصيدة نبع صاف من الوفاء وصدق المشاعر التي قلت بين الاخوان في هذه الحياة وقد التزم الاستاذ القاضي بالمثل العالية السامية وتحتاج القصيدة الى شرح مطول فقد أثار القاضي أموراً تأريخية وأدبية واجتماعية لا يتطرق اليها إلا من له اطلاع واسع على التأريخ العام. وقال الشاعر في أواخر القصيدة:

أبـا أسل أطلت القول فاعذر فـلـم تك بالـذي يعـروه فـــل
كذا أنا قد عهدتك خير سيف قــوي الحــدّ صلبــاً لا يفــل
ألا غـــامـر ولا تـأبه لعــذلٍ نجاني الشهد لا يعصيه نحل
وماذا قد أقول وضاق صدر وفي بعض الزفير يخفّ حمل
31- يوسف عزالدين وأنفاس حياته
تأليف: الدكتورة أوديت بتي والدكتورة فاندا فوزت
باريس- مؤسسة بلبساد/ 2000
الكاتبة من أشهر المستشرقين ، هي واختها، وقد كتبت عدداً كبيراً من الكتب في الأدب العربي عن أبي فراس الحمداني وعمر بن أبي ربيعة ونازك الملائكة وحميد سعيد وفؤاد التكرلي. قالت عنها الدكتورة ربيعة احميداش في ترجمة الكتاب انها استاذة الادب العربي في جامعة السوربون الجديدة، كرست حياتها للعالم العربي والاسلامي وتمتاز دراستها بالاتجاه الانساني النابع من الاسلام. ترجمت العديد من الدراسات والادب العربي الى اللغة الفرنسية كما ترجمت الى العربية كثيراً من البحوث الادبية الممتازة ولها دراسات عميقة واسعة حول الحضارة العربية والتراث الاسلامي. واختها استاذة الادب القديم وحصلت على دبلوم الادب العربي من جامعة القاهرة وتدرس اللسانيات الفرنسية والشعر والأدب في جامعة نيس. والدكتورة ربيعة من طالبات الدكتورة بتي، قامت بترجمة ملخص الكتاب الى اللغة العربية وعسى أن تأخذ طريقها الى النشر.
الكتاب يمثل دراسة لحياة الدكتور يوسف عزالدين وأهم الاتجاهات الأدبية والشعرية التي تطرق اليها في دواوينه العديدة. فقد اختارت منها عدداً من القصائد وترجمتها الى الفرنسية بلسلوب جميل وعبارة رقيقة وفهم عميق لمشاعر الشاعر وعواطفه!
14- الاقصوصة في شعر يوسف عزالدين
تأليف الاستاذ مولود أحمد الصالح
الطايف/ 2000
رسالة نقدية موجزة درس فيها الناقد الاقصوصة في شعر يوسف عزالدين متطرقاً الى جوانب بارزة من الأدب العراقي . وقد طبعت بعدد محدود!

.. وختاماً لم نذكر كل ما كتب عنه في المعاجم العربية والموسوعات الغربية فهو كثير.. واقتصرنا على الكتب لسهولة الحصول عليها وتناولها.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (حزن..)
- الانسان.. ذلك الكائن الأثيري
- (مساء..)
- عن المكان الوجودي..
- المرأة والمكان.
- (شوسع الدنيه وما لمّتني..)
- مظفر النواب.. من الرومانتيكية الثورية إلى الاحباط القومي
- (سوبرانتيكا)..
- (رجل وامْرأة..)
- صلاة نافلة
- نوال السعداوي.. قليلاً من السياسية
- (وحدي).. الصورة أجمل!*
- قال المعلم
- لا أرغب فيك
- الثقافة والمثقفون والعالم
- (شيء..)
- نهايات
- (غياب)
- (أصدقاء)
- ساعةٌ أخرى مَعَ ئيلين - (1)


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - وديع العبيدي - الدكتور يوسف عزالدين في حوار شامل