أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار 2009 - اثار وانعكاس الازمة الاقتصادية العالمية على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة وسبل مواجهتها؟ - رياض الحبيّب - العمل مفتاح الأمل- ثالثاً















المزيد.....

العمل مفتاح الأمل- ثالثاً


رياض الحبيّب

الحوار المتمدن-العدد: 2633 - 2009 / 5 / 1 - 08:14
المحور: ملف 1 ايار 2009 - اثار وانعكاس الازمة الاقتصادية العالمية على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة وسبل مواجهتها؟
    


قام رئيس الدير- المذكور في الحلقة الثانية من هذه السلسلة- بالإتصال بالقنصل اللبناني آنذاك، يحاول إقناعه لإصدار تأشيرة سفر لخادم الكنيسة عراقي الجنسية الذي يتوجّب عليه مغادرة الأردنّ ولا يستطيع العودة إلى وطنه لأسباب أمنية- بعدما انتهت مدّة الإقامة المؤقتة أو تكاد. فشكراً لسعادة القنصل اللبناني الذي استجاب لرجاء الأب رئيس الدير والذي اصطحبني لوداع بعض الشخصيّات التي استحسنتْ خدمتي في الدير. فتصدّقتْ وبعض الأصدقاء على الخادم المتواضع بدنانير لم يبق منها سوى ما يعادل 163 مئة وثلاثة وستين دولاراً أمريكيّاً- بعد شراء تذكرة ذهاب وعودة. وقد سُرّت عيناي لملاحظة بيروت من الجوّ، كان المنظر جميلاً من الخارج لما لسقوف القرميد الأحمر من قابلية على اجتذاب النظر ولفت الإنتباه، أمّا في الواقع فقد دخلت لبنان والوضع الإقتصادي يُرثى له، أمّا الوضع السياسي فلا يحسِد أحدٌ لبنانَ عليه إذ كانت آثار الحرب ومخلّفاتها واضحة في مناطقه كافة وسائر معالمه.

حمّلني رئيس الدير برسائل وأمانات إلى أديرة غالبيتها في مناطق جبلية- في المتن وكسروان- فقمت بإيصالها. وقد أقمت ثلاثة أيام هنا وأخرى هناك وعليّ أن أغادر لأجد مكاناً للسكن. وجدت في طريقي فندقاً من الدرجة الثالثة أو الرابعة وأجرة الليلة الواحدة خمسة وأربعون دولاراً. وهناك في لبنان فنادق من الدرجة الممتازة التي أجرة ليلتها الواحدة ألف دولار، أظنّ أن في إمكاني القيام بمجرّد نظرة على أحدها، إمّا من الداخل أو من الخارج فقط- وهذا أقوى الإحتمالات بالنسبة لبائس محترم مثلي.

كان الساحل البيروتي خالياً من روّاد السباحة والتزلج على الماء فالوقت كان في بداية الربيع والأمطار لم تتوقف بعد. مشيت شمالاً صوب منطقة (ذوق مكايل) حتى وصلت إلى كنيسة [سيدة النجاة] التي تمّ فيما بعد تفجيرها من داخلها- خلال قداس يوم الأحد الصباحي- ومن هناك رأيت طلعة كانت بداية لجبل يمكن مواصلة السّير فيه إلى ضواحي بعلبك- بسيّارة لا تشكو اعتلالاً في الصحّة- فتذكّرت سيزيف وأنا أطلع وودّعت گلگامش.

سرتُ صوب الجبل ومعي حقيبتي متوسطة الحجم، كنت أغبط جميع النازلين منه، في الوقت الذي كنت أتدحرج إلى أعلى* فعطشتُ وقد بدأ النعاس يغالبني والمساء يتلاشى فتوقفت أسأل شابّاً جالساً القرفصاء قدّام منزله:
هل الدير الفلاني من هذه الجهة؟
أجابني بسؤال- بسبب لهجتي: من وين حضرتك؟ قلت: من العراق
وشو جابك لهون؟ قلت مازحاً: معي رسالة شفوية إلى الشعب اللبناني
قال: هات لشوف. قلت: هل لك أن تسقيني. قال: طبعاً ولووو...

كانت أسئلته كثيرة ولكنّه استلطف حديثي والليل في أوّله، حتى سألني أخيراً عن سبب توجّهي للدير المذكور، قلت: لمجرّد النوم. قال: هل يناسبك النوم في المحلّ؟
إنّ ما ظننتُ بيتاً كان محلّاً لبيع الخبز فشكرته على هذه المبادرة الكريمة، أقفل عليّ باب المحلّ على أمل في أن يعود في الصباح الباكر ليوزع خبزاً عربيّاً على محلّات في مناطق عدّة. فنمت على أرض المحلّ وتغطيت ببطانية كانت الفئران تمشي عليها وتقفز بسرعة الصوت للتحرّي عن هويّة هذا الزائر الغريب.
ولكنّ صاحبي عاد في منتصف الليل وفتح الجرّار الذي يضع فيه حصاد اليوم وقد كان ما يزيد على مليون ليرة لبنانية- أي حوالي سبعمئة دولار آنذاك. فاطمأنّتْ نفسُه وكان له إخوة لا يأمن جانب أيّ منهم- لسوء الحظ.
قال لي في اليوم التالي: لن أتركك لتجوع، طوّل بالك لأنّ الأوضاع المعيشية في تغيّر نحو الأفضل!

واصلت البحث عن عمل حتى وصلت إلى مزرعة لفول أخضر إفرنجي طويل- من المرجّح أن بذوره تجلب من فرنسا. فعملت بقطف الفول وتعبئته في صناديق خفيفة الحمل بما فيها. وفي اليوم السابع رأيت صاحب المزرعة يقلّب الأرض وهي لا تزال مليئة بالفول. قلت: حرام عليك إهدار هذا الكمّ من الفول. قال: الهيئة أنك أ نْ يَ ك من صدّام. دفع لي أجرتي بعد مرور بضعة أيّام.
حكيت ما جرى لصاحبي فأسدى لي نصيحة مُخْلصة: لو رأيت لبنانيّاً يحاول الإنتحار فساعده عليه ولا تحاول منعه!

بعد ما تقدّم حاولت مجدداً البحث عن فرصة عمل في مكان بعيد عن ذوق مكايل فحصلت على وظيفة عامل مطعم للمشاوي، كانت لقمته لذيذة، تعلمت فيه طريقة عمل مختلف الأطعمة وطرق التنظيف باستخدام محاليل ومساحيق لم آلفها من قبل ولا سيّما تلك المستعملة للتخلص من بقع الزيت. كان المطعم في إحدى مناطق الجبل بعيداً عن بيروت وضواحيها وكانت إجازة اليوم الواحد لا تكفي لإنهاء معاملات الإقامة ومحاولة إيجاد محلّ للإتصال الهاتفي مع العراق وتخفيف معاناة أخرى، كان الإتصال مع العراق صعباً ومكلّفاً، في وقت كان الأجر الذي أتقاضى من عملي في المطعم زهيداً ولا يتعدّى ما تتقاضى خادمة منزل سريلانكية أو فيلبّينية شهريّاً، لكنّي كنت أحظى بالإحترام ما لا تحظى به الخادمة المسكينة.

تركت العمل وأقمت في غرفة صغيرة يبدو أنها مخصصة لبناء حمّام- في الطابق الثامن من بناية مهجورة على أعقاب الحرب اللبنانية- ليس فيها باب ولا شباك ولا ماء ولا كهرباء والأمطار تحنّ إلى فصل الشتاء، حتى عملت للغرقة باباً وشباكاً ومناماً من صناديق الكارتون.

لن أطيل على القرّاء الكرام ولا سيّما الأحبّاء من العمّال [والعاملات طبعاً] الذين خصصتُ هذه السلسلة من تجربتي الشخصية من أجلهم، عسى أن تكون تجربتي معزيّة لهم في ظلّ الأزمة الإقتصاديّة الحاليّة وعسى أن يستفيدوا من ثمارها ما يجعلهم يفكرون بوسائل فضلى لتحسين أوضاعهم المعيشية وانتظار غد أفضل ومستقبل أضمن لحقوقهم المشروعة في كلّ مكان وزمان.

ففي لبنان عملت بمهن كثيرة ومنها: مساعد كهربائي، مساعد تمريض- باللغة الفرنسية، في البناء- ابتداءاً بحفّ الحيطان وتنقيرها وعمل خلطة الرمل والإسمنت وحمل أكياس وزن الواحد منها 50 كغم مضروباً في ثابت الجاذبية 9.8 تقريباً والسيطرة على الونش- الرافعة، سائق سيارة لشركة أو لعائلة أو توظيف سيارتي الخصوصية شأنها شأن السيارات العموميّة- لم يكن العمل مجرّد زعبرة* بل للحاجة إذ لبنان من أغلى دول العالم، عمل ساندويشات بمناصفة الربح مع صاحب كشك وكان الطلب عليها وعلى المشروبات يزداد في أزمات السير واختناق المرور وخصوصاً على أوتوستراد بيروت شمالاً وجنوباً- هنا ينتفض فجأة عُمّال مسح زجاج السيّارات وغالبيتهم من الأطفال، الخدمة بكلّ ما تعني الكلمة في أيّ مطعم وفي ذهني ذاك الذي كان قريباً من التليفريك* البيع بعربة بيع الترمس والكعك، عمل المناقيش بالزعتر او الجبنة أو اللحم بعجين، البيع في أزيد من صالة للخبز العربي والفرنجي وسائر أنواع الكعك، مُحاسب أو أمين صندوق،

كان آخر الأعمال التي لم تسع الذاكرة لتذكرها هو الصحافة بصفة سكرتير التحرير مدّة قصيرة ولكنّ صاحب المؤسّسة كان محتالاً في عمليّة التوزيع فتركته على رغم قوّة الراتب. علماً أنّي حصلت من جميع تلك الأعمال على أجرتي بدون نقصان، أمّا إقامتي فكانت مرّة على رغم تجاوزات الفئران ومرّة على رغم الرعب الذي ينتابني إذ أفيق على (دردشة) زوج كبير من الجرذان- كان الله هو السّاتر- ومرّة في بيت صاحب الكشك أو الدكّان.

وصلتْ سمعتي إلى بعض قرى شماليّ العراق على أنّ في لبنان شاباً عراقياً وضعُهُ جيّد ومعه سيّارة. وقد فرّ من هناك شباب سمعوا باسمي فقصدوني بهدف إيجاد فرص عمل لهم وأماكن للنوم إذ كان بعضهم يقضي الليل في مقبرة ليس لها حارس، كنت أحاول مساعدة الجميع بدون مقابل ومع ذلك لم يسلم إسمي من حسد بعضهم- سامحهُ الله، ما يذكّر بقول الشاعر أبي الطيّب المتنبّي بعد تركِهِ مِصْرَ:

عيـدٌ بأيـّة حـالٍ عُدتَ يـا عيـدُ --- بمـا مضـى أمْ لأمـرٍ فيـكَ تجـديدُ
.
.
إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللونِ صافِيَةً --- وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفس مَفقودُ
مــاذا لقيـتُ مـن الدنيـا وَأعجَبُهُا --- أنـّي بمـا أنـا شـاكٍ منـه محسـودُ
جُـودُ الرّجـال مـن الأيـدي وجُودُهُمُ --- مـن اللّسـان فـلا كـانوا ولا الجودُ
..............

أمّا لو كان المتنبّي يأمل في جواب من أحدٍ فلعلّ جوابي المتواضع هو:

صَدَقتَ يا صاحبي أمّا مُداخلتي --- أنّي أبشّرُ أنّ الجُودَ موجودُ
لمْ تخلُ مِنهُ بقاعُ الأرض قاطبةً --- لكنّ بعضَ طريق الحُرّ مسدودُ
..............

ويا عُمّال العالم اتحدوا
وللحديث نهاية في مقالة قادمة
..............

* الزعبرة: كلمة لبنانية دارجة يُراد بها التحايل ولكن بأدب- وفق فهمي البسيط :-)

* تيليفيريك Teleferique وهي محطة صغيرة للنقل جوّاً بعربات صغيرة تسع لشخصين أو أربعة في بعض المناطق الجبلية وأماكن التزلج على الجليد ومنها ما يربط بين الساحل ومرتفع جبلي كالذي في منطقة حريصا المواجهة لساحة جونيه Jounieh التي ينتصب فيها تمثال للسيدة العذراء وتعرف المنطقة هناك باٌسم سيّدة لبنان.

* التدحرج إلى أعلى: توجد في أعماق الذرّات احتماليّة التدحرج إلى أعلى، سأتطرّق لهذا الموضوع في مقالة علميّة حول وجود الله لاحقاً- إن شاء الله




#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمل مفتاح الأمل- ثانياً
- العمل مفتاح الأمل- أوّلاً
- زيدوا من مواقفكم المُحَسّنة بدلاً من القرصنة
- حرية التعليق ومتنفس التصويت
- من وحي المقالة السابعة والسبعين في شأن عصبة مالك الحزين
- الجريء
- القضية الفلسطينية ممّا في ذاكرتي العراقية
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب- ثالثاً
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب- ثانياً
- الرِّدَّة- رَدّاً على البُرْدَة
- مقاطع من عودة الحذر
- عودة الحذر
- ذكر واحد يساوي أنثى واحدة فقط لا غير
- رفع الحصانة عن إبليس في قضية التضليل والتدليس
- الرِّحْلة المُرَقَّمَة 622 إلى القمَر
- الكشف الدقيق- ردّاً على تعليق
- إنصاف النصف الآخر
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب
- صوت مع العلمنة


المزيد.....




- شاهد..قرية تبتلعها الرمال بعد أن -تخلى- عنها سكانها في سلطنة ...
- الأمن الروسي يعتقل 143 متورطا في تصنيع الأسلحة والاتجار بها ...
- وزارة الخارجية الروسية تصر على تحميل أوكرانيا مسؤولية هجوم م ...
- الحرب على غزة| وضع صحي كارثي في غزة وأيرلندا تنظم إلى دعوى ا ...
- ضغوط برلمانية على الحكومة البريطانية لحظر بيع الأسلحة لإسرائ ...
- استمرار الغارات على غزة وتبادل للقصف على الحدود بين لبنان وإ ...
- تسونامي سياسي يجتاح السنغال!!
- سيمونيان لمراسل غربي: ببساطة.. نحن لسنا أنتم ولا نكن لكم قدر ...
- قائد الجيش اللبناني يعزّي السفير الروسي بضحايا هجوم -كروكوس- ...
- مصر تعلن موعد تشغيل المفاعلات النووية


المزيد.....



المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار 2009 - اثار وانعكاس الازمة الاقتصادية العالمية على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة وسبل مواجهتها؟ - رياض الحبيّب - العمل مفتاح الأمل- ثالثاً