جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2631 - 2009 / 4 / 29 - 07:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ليس من الممكن أن أقول أن في القرآن أخطاء لغوية أو إملائية , لمجرد إختلاف رسم بعض الكلمات في مصحف عثمان عن البعض الآخر في المصاحف الأخرى , أو لمجرد أن يكون هنالك إختلاف في القراءة والكتابة لبعض الكلمات العربية عن بعضها البعض , ذلك أن القرآن لم تكن هنالك قبله لغة مكتوبة بل كانت هنالك آداب شفوية , ثم أصبحت تلك الآداب ,بقدرة قادر, مكتوبة وبعد مضي أقل من قرن أصبحت لها لغة وإصطلاحات وقواعد نحوية .
كل الآداب العالمية مرت بمرحلة التدوين الشفوي(الشفهي) والتوراة أيضاً مرت بتلك المرحلة وكانت الناس تتناقلها والكهان مآت السنين شفهياً,وهذا يدل دلالة واضحة أن كافة الآداب العالمية بينها وبين بعضها البعض صفة مشتركة وهي : الحفظ والتدوين الشفهي , ومن المستحيل جداً أن تجد حضارة تدعيه أي أمة أو آداب قديمة إلا ومرت بمرحلة التدوين الشفوي(الشفاهي).
إذن ما ذا نسمي بعض إختلافات الرسم القرآني من كاتب إلى كاتب ومن قارىء إلى قارىء؟ وكيف نتعامل مع أخطائنا الإملائية حين نكتب أحيانا على حسب ما تلفظه ألسنتنا ؟
أيضاً الكتّاب القدامى كانوا غالباً ما يكتبون حسب لفظهم والذين جاؤوا من بعدهم وضعوا قوانين اللغة على حسب ما كان يلفظه عامة الناس حتى الذين لا يقرأون ولا يكتبون .
فآداب العبرانيين كانت عبارة عن أدب شعبي كنعاني وسومري يتناقله الناس هنا وهناك, وكذلك الإنجيل , وكذلك الأدب العربي .
والأدب العربي حين تم تدوينه ,وحين جمعت نصوصه إختلف الجامعون على رسمه أو رسم الحرف وشكله , فكيف مثلاً يكتبون في القرآن كلمة : ولات حين مناص , في سورة (ص)؟!!
فمنهم من كتبها هكذا :ولاتَ حين مناص, ومنهم من كتبها هكذا : ولا تحين مناص , ورسمها هكذا: ولاتُ حينُ مناصٍ, هذا الرسم قد رسمه (عيسى بن عمرو) وقيل أنه أيضاً رسمها هكذا: (ولاتِ حين) وذلك بكس التاء في (لات) وله كما أسلفنا قراءة ورسمٌ آخر وهو بفتح حرف التاء في (لاتَ).
هذا النوع من الإشكالية في رسم الكلمة والحرف ألآن تمرُ به اللغة العربية العامية المعاصرة , فنلاحظ أن الكتاب يختلفون فيما بينهم على رسك الكلمات وليس الحروف فمنهم مثلاً من يقول : ع لاد إلعونا , ومنهم من يرسمها هكذا :عالاد العونا , وذلك بإشباع الفتحة فوق العين وقلب الفتحة ألفاً.
وقد رسم أبو السمال وعيسى كلمة ولات حين مناص هكذا :( ولا تحينُ مناص ٍ) وذلك برفع النون بالضم الظاهر على آخره وجر ماص بالإضافة وعلامة الجر تنوين الكسر الظاهر على مناصٍ على إعتبار حينُ مضاف ومناص مضاف إليه مجرور بالإضافة .
ويظهر مما سبق ذكره أن كلمة : ولات حين مناص تُكتبُ أيضاً أو ترسم أيضاً بإتصال التاء بأداة (حين) فمن الملاحظ أنها مرة مكتوبة بإنفصالها ومرة بإتصالها .
والسبب في ذلك هو أن القرآن لم يأت على لغة وكلمات مرسومة متفقٍ عليها مسبقاً يتداولها الناس بينهم بشكل عرفي, بل هو الذي كان عليه أن يرسم الكلمة ويعطي الحرف العربي شكله الأخير .
ومن الظاهر أن غالبية العرب من الذين كانوا يقرأون لا يعرفون كيفية الكتابة , وهذا ليس مستبعداً فبعض الناس اليوم مثلاً تقرأ ولا تكتب , وبعض كبار السن الذين تعلموا قديماً نجدهم يقرأون ولا يكتبون , وبعض العرب من الذين عاصروا القرآن , من الظاهر أو من المحتمل أنهم كانوا يقرأون بالسريانية ولكنهم لا يعرفون الكتابة , حتى أن محمداً من المحتمل جداً أنه كان يقرأ بالسريانية والعبرية ولكنه لم يكن يعرف الكتابة لذلك ظهر بين مؤيديه من يكتب له وهم من عرفوا بإسم (كُتاب الوحي) وهذا بإعتراف الإسلام نفسه فكراً وعقيدة من أن محمداً كان أمياً .وبإعتراف( النبي الأمي).
حتى إذا جئنا على قراءة سورة (ص) نجدُ أنهم جميعاً إختلفوا على رسم شكل حرف الصاد,فأبو السمال والحسن وإبن إسحاق قرأوه هكذا (صادِ) وكذلك يروى عن الحسن أنه قرأه:(صادُ) برفع حرف الدال وذكره أيضاً, أي أنه لم يلفظه(ص) بل (صاد).
وعيسى بن عمرو قرأه(صادً) بنصب حرف الدال .
وكذلك رسم كلمة (عزني في الخطاب) وهي تعني غلبني بكلامه وحجته وبلغته , فمنهم من قرأها هكذا(عازّني) بإضافة حرف الألف , أي أنهم قرأوها وكتبوها كما يلفظونها ذلك أنهم حين أشبعوا الفتحة على حرف العين قلبوا الفتحة ألفاً ممدودة , وهذا الرسم إتفق عليه : أبو وائل,شقيق إبن سلمة,الضحاك,الحسن , ما عدى نسخة عثمان التي بيننا فهي تكتبها بدون الألف(عزّني), ومنهم من قرأها (عًزًني) بالتخفيف دون التشديد.
من هنا أستعجب كيف يقول الشيوخ في المساجد أن هذا القرآن لم يغير به حرف واحد وإن كل الكتب السماوية ما عداه مزيفة , وإنه لا يجوز تبديل حرف واحد منه , وإذا بدل فهو كفر وإن القرآن الذي معنا ما زال هو القرآن الذي نزل على النبي , علماً أن نسخة عثمان التي معنا لربما لم يعرفها نبي الإسلام لأن عثمان قد جمعها من بعد وفات محمدٍ.
هذا القرآن بدل به كثيرا من الحروف وإختلف القراء في كيفية القراءة وإختلف الكتابُ في كيفية رسم الحروف والكلمات , لأن العرب قبل الإسلام لم تكن تكتبُ بشكل واسع ,فلم تكن للعامة حاجة للكتابة ولو كان للعامة حاجة للكتابة لكتبوا وهم متفقون على رسم الحرف , كما يتفق اليوم معظم الشعراء على كتابة الإملاء لأنهم وجدوا اللغة قبل وجود أشعارهم وحفظوا قواعد الكتابة المتفق عليها .
إن لغة القرآن كتابة ليست مقدسة أو ليست وقفية حتى وإن نزل بها الوحي فإن الوحي لم يكن يأت بها مكتوبة بل جاء بها رواية شفوية .
حتى نعرف كيف كتب القرآن وكيف كُتبت اللغة العربية وكيف رُسمت الكلمات لا بدّ لنا من أن نقرأ اللغة العامية العربية الحالية وكيف يلفظها ويكتبها الناس , فلكل واحد وجهت نظره وطريقته في الكتابة وكل واحد يرسم الكلمة كيفما يراها هو ويتوقعها أنها صحيحة ,وهذا من باب تشابه الظروف القديمة مع الحاضرة.
إن اللغة ليست وقفية على أحد فهي ليست مخترع فردي أو نتاج إبداع فردي أو إكتشاف فردي فكل الناس العامة والخاصة ساهمت وتساهم في إختراع اللغة , فالشعراء والكهان والنحاة والخطباء والناس العوام كلهم ساهموا ويساهمون في إنتاج اللغة .
والأصح أن العوام هم الذين يضعون قواعد اللغة والنحو والصرف قبل أن يضعها الخاصة والعلماء ,لأن العلماء إتبعوا في البداية على ما تعارف عليه الناس, فاللغة عرف إجتماعي , وهنا أريد التذكير في المسألة (الزنبورية) حين إختلف الكسائي وسيبويه على قول العرب :كنتُ أظن أن لسعة العقرب أشدُ من لسعة الزنبور فإذا هي هي .فقد إختلفوا في قولهم : فإذا هي هي .أم, فإذا هي إياها , أي بالرفع أم بالنصب , حتى دخل أعرابي فقالوا هذا أعرابي لنسأله, فغضب سيبويه وإعتزل النحو بسبب تلك المسألة , والمهم في الموضوع أن مرجعية الكسائي كانت الأعراب الذين لا يقرأون ولا يكتبون , وليس الخاصة والعلماء.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟