أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سعد الشديدي - الكاظمية.. غصن الدمار النظير














المزيد.....

الكاظمية.. غصن الدمار النظير


سعد الشديدي

الحوار المتمدن-العدد: 2628 - 2009 / 4 / 26 - 09:27
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


قبل أن تصحو المدينة، تثائبت الشمس وألقت بشعاع الغبش الأول من عليائها السماوي. وعلى الأرض تيقنت الكائنات أن دورة الأزل لم تنقطع بعد، فتنفست الصعداء. في بيوتنا الآيلة الى السقوط إستيقظت الأمهات وبدأن رحلة البحث عن ماءٍ لشاي الصباح حتى قبل أن يجدن ماءاً لوضوء صلاة الفجر. وعلى أرصفة الشوارع وقفت أشجار النارنج وأسعدها أنها مازالت تسمع دبيب النمل ككل يوم. وتماماً كما بقية الأيام رفض الأطفال مغادرة دفأ الفراش ولكنهم قاموا مع ذلك بعجالة مترنحة ليرتدوا ملابسهم الصغيرة ويرموا بكفّ ماءٍ على العيون التي ترفض أن يأخذها الصحو على حين غرّة.
كسرةٌ من الصمون الساخن وقدح الشاي وما قسم الله، ليخرج الجميع تاركين وراءهم شوقاً، تلوّنه السرّية وبعض الحياء، لجدران البيت وجلال سقفه الصامد رغم القنابل التي تساقطت على مدننا منذ أكثر من أربعة حروب.

الكاظمية، دخلت هذا اليوم 24 نيسان يوماً آخراً من أيامها. في قلبها وأطرافها يرّقص النخل سعفه الأخضر وقريباً من شاطئ النهر، في بساتين عبسلي والخاتون على شارع المحيط، أورقت الأشجار وهي الآن في ذروة بهائها. هودج اليوم الربيعي دخل مدينتنا وكان لنا، تماماً مثلما كان لأجدادنا ومن سبقوهم، أن نشعر بغصّة الفرح.
كل شئ يسير في أتجاهه الخاص، إلا روح المدينة، فلا أحد يعرف كيف تسير. في مركزها ترتفع قبتان يكسوها الذهب، ترفل بأشعة ضافية تخلط ألواناً لقوس قزحٍ لاتعرفه المدن. وفي أسواقها وحاراتها يمتزج الناس لينسجوا طيلساناً ملكياً تحار منه بغداد المليئة بالقلق.

ثمة من يسير مسرعاً الى عمله، ثمة امرأة تسحب بجزع طفلها من يده نحو السيارة، يبكي الطفل بعناد فيزداد جزع الأم، ثمة عجوز تفترش الأرض تقرأ كتاب الله وتنتظر إحسان المارّة، وميانيكي يبدي الكثير من الصبر نحو زبونه الذي تركّ للتو سيارته الأمازون القديمة أمانة بين يديه وسيعود بعد قليل لأستلامها. وثمة صديقي الذي يفتح للتوّ الباب الزجاجيّ لمحلّه الذي يجلس بقلق على الرصيف المقابل لحسينية الرسول.
هل كل شئ كما يرام؟، فكرتُ ببعض القلق، ولا أشك أن العسكريّ الواقف بأدب جمّ يفتش المارة قبل دخولهم حرم القباب الذهبية واتاه ذات الشعور. أرتال الزائرين تقتحم الشارع المزيّن بقناديل من الزجاج الأخضر، بينما ينشغل الباعة والصرافون وعمال التنظيف وأصحاب المطاعم بالتحضير لعناء هذا اليوم.

فجأة تقوم القيامة. هكذا دون إنذار ودون نافخ في الصُور .. تقوم القيامة.
ترتفع السماوات مبتعدة عن أصابع أمسكت بها خوفاً وطمعاً، وتندثر جبال من عيون الناس الغائرة في محاجر لم تكن قادرة على حمايتها. وينكسر النهار قبل أن ينتصف.
يتراجع المشهد العادي، الى وراء وتتقدم ملائكة الموت وشياطينة لتكتب سيناريو مختلف، رأيناه مرات ومرّات ولكنه يؤلمنا كل مرة أكثر من سابقتها. مشهد ساقية الدم ورائحتها الوحشية.
للمرة الألف يكرر أبناء العاهرات، المليئة قلوبهم بالغيض والبغضاء على هذه الكاظمية الوادعة، وداعة نخيلها وحمام مآذنها، ذات الأثم الذي يتقربون به لآلهتم الوثنية المتعطشة للدم واللحم البشري المتناثر، أن يفرغوا على أرضها وفي أجساد أطفالها وعصافيرها وقطرات العرق المتصبب من قامات بيارقها، كميات لايمكن حسابها من الكراهية والعتمة القاتمة. وللمرة الألف تهتز جدران البيوت الأيلة للسقوط، من أصوات القنابل البشرية ، دون أن تفكّر، ولو لوهلة قصيرة، بالسقوط.
فهي ونحن واقفون ههنا.. قرب هذا الدمار الجميل.. الذي تتصاعد تفاصيله من صراخنا الذي لم نعد نسمعه، وألوان فساتين نسائنا اللواتي لم نعد، من شدة العذاب المتكرر، نأبه لنظراتهن المليئة بالرغبة ورائحة البخور وماء الورد القادم من أسواق الأسترابادي وباب المراد وباب القبلة، من حوانيت وبسطات الفضوة المكتظة بوقع الأقدام المسرعة، ومن نظرات النجوم وهي تعلو بكل مافيها من ألقٍ وغرور.
وللمرة الأكثر من الألف نقرر، نحن المنغرسة أقدامنا في وحل هذه المدينة وترابها وتاريخها المخفيّ في مسام جلودنا وأوراق دفاترنا، أن نغادر خوفنا في الخطى التي نتركها ورائنا ولانعود لها ثانيةً، وأن نسبح في نور مدينتنا وشلالات الدعوات المتصاعدة منها بكرةً وأصيلا، ولانتركها خوفاً أو يأساً.
أما أبناء العاهرات والزواني من أحفاد الشيطان وأبنائه الخُلّص فليس لهم سوى المزيد من اليأس الذي سيدفعهم الى مزيد من الجنون أمام نظرات الطيبين الواثقة ونبرات أصواتهم العميقة الهادئة.
قد تنفجر بهيمة إنتحارية جديدة، وقد يعلو صوت الإرهاب المظلم في لحظة ما، ولكنه لن يمنع الشمس أن تتثائب فجر غدّ وتلقي شعاع الغبش الأول من عليائها السماوي، على الأرض، أرض كاظميتنا، ولن يستطيعوا الكذب على الكائنات ليقولوا أن دورة الأزل قد أنقطعت، ولن ينجحوا في قتل إمهاتنا، فمادام هناك واحدة منهن تبدأ فجر غدٍ بالبحث عن ماءٍ لشاي الصباح قبل أن تجد ماء الوضوء لصلاة الفجر.. فنحن بخير وسنبقى تنتاسخ في أحجار الجدران وغبار الطلع ومذاق القهوة السوداء التي سنرتشفها جميعاً في كرنفال الحزن الكاظمي المعتاد..



#سعد_الشديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وردٌ لتاجِ البابلية
- مسوّدة ناقصة لصلاة الغائب
- القنوات الإخبارية الفضائية.. بين فقدان المصداقية وفقدان المش ...
- البقية.. في المجزرة القادمة
- عصفورةٌ جناحُها وَطن
- أوباما.. الخطر القادم الى الشرق
- عجائبُ آخر الزمان: ملاكمة ٌ في البرلمان
- هل يأكل الحزب الشيوعي العراقي أبناءه؟ عن رحيل كامل شياع
- الجواهري، إنغمار بريغمان ومحمود درويش .. عن فضة الصمت والغيا ...
- قبلَ ان يموت الجسر
- تفجيرات الكوفة - أربيل ولغة القواسم المشتركة
- غورنيكا عراقية لسماءٍ بلونِ العقيق
- يومٌ يستحقُ أن يحتفى به
- جند السماء.. أولى شرارات ألمعارضة ألشعبية ألعراقية؟
- جند السماء وجند المنطقة الخضراء
- الصدريون يستعدون والسيستاني يرمي بمقتدى الى المحرقة
- لماذا لا يريدون لصدّام أن يموت؟
- أيها الشيعيّ لا تصمت هذه المرّة
- قرار اعدام الديكتاتور بداية أم نهاية؟
- يا يونس المحكومِ بالإعدام.. عدْ للحوتِ ثانيةً


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سعد الشديدي - الكاظمية.. غصن الدمار النظير