أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - الصعود الإسلامي وأزمة التقدم العربي















المزيد.....

الصعود الإسلامي وأزمة التقدم العربي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2625 - 2009 / 4 / 23 - 09:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فصل الصعود الإسلامي الأكثرية العربية الإسلامية السنية عن التقدم العالمي، فأفضى إلى تثاقل حركة مجتمعاتنا، وإلى انقسامها وتعميق انغرازها في الاستبداد. نعني بالتقدم في هذا السياق المخصوص نموذجا عالميا مهيمنا للاقتصاد (رأسمالي، منتج، متطور تكنولوجيا..) وللسياسة (دولة قومية، عقلانية وديمقراطية) وللحياة الاجتماعية (حرية الأفراد في سلوكهم وأنماط حياتهم و"تحرر المرأة"..) وللثقافة (حرية التفكير والقول والنشر والاعتقاد و"عبادة" الإبداع..). لا حاجة لافتراض اتجاه محدد للتاريخ. التقدم محقق عبر تعميم النماذج المشار إليها. العالم العربي والإسلامي متعثر في هذا المجال. وتعثره يتجاوز التخلف الاقتصادي والاستبداد السياسي إلى منازعة هجومية في الأسس الثقافية والاجتماعية للتقدم.
احتضان التقدم من أية أقليات دينية أو مذهبية لا يكفي، وإن خلق ضربا من التوازن الاجتماعي المضاد لسيطرة الإسلاميين، السنيين (لا نتكلم على الإسلام الشيعي لأنه أقلي عربيا، ولأننا أقل اطلاعا على أحواله). بيد أن هذا التوازن هو من وجهة نظر تاريخية شلل: مجتمع لا يتقدم لأن أكثريته تنجذب نحو مثال انعزالي وغير تقدمي. ولما كانت العودة إلى الوراء ممتنعة، فسيكون الاستبداد هو الحل. وإلا فالانقسام. انقسام البلدان صعب، لذلك تنقسم المجتمعات ويسود الاستبداد.
لا يكفي ولاء أقليات للتقدم لأن من غير المحتمل أن تنجح في قيادة أكثريات يجنح وعيها الذاتي إلى الانتظام حول الدين أو المذهب. في القيادة عنصر معنوي مفتقد عند أي منحدرين من أقليات في مثل هذه الشروط. هذا فضلا عن أنه يحتمل أن يكون التقدم في مثل هذه الشروط استراتيجية هوية، الخيار الأنسب لصعود جماعات أقلية ونيلها أسبقية سياسية ومادية ضمن مجتمعاتها. هذا تقدم فاقد لطابعه الوطني والتحرري المفترض، يثير شعورا بالاستلاب عند جمهور أكثري تنغلق آفاق تطوره المادية والسياسية. في المحصلة يتعمق حرون الأكثرية وارتياب الأقلية ومعضلة القيادة ورسوخ الاستبداد.
مجتمعاتنا المعاصرة متوازنة فعلا، لكنه توازن مستقطب وقائم على انقسام: دولة ودين. في أكثر البلدان العربية تنتظم أقليات دينية ومذهبية ولغوية واجتماعية، قديمة أو حديثة، حول الدولة، فيما تنتظم حول الدين قطاعات مهمة من الأكثرية الدينية. ونتكلم على توازن لنقول إن الطرفين متساويين تقريبا. فليس صحيحا أن قطب الدولة أقلوي يتسلح بالقوة المحض، وأن قطب الدين أكثري هو "الأمة". ذلك أن الأكثرية الدينية ذاتها منقسمة في الغالب، وقسم منها يتفاوت حجما أقرب إلى قطب الدولة، ولو من باب أن هذه حارسة لضرب من "الحداثة". في الحساب النهائي، نخمن بوجود أفضلية نسبية لقطب الدولة. وهذا وضع مرشح لأن يتعزز بقدر ما يبرز عجز الإسلاميين عن اقتراح مخارج إيجابية من مشكلاتنا الوطنية والاجتماعية. هذا شرط أن لا ننسى أن عجز قطب الدولة المتمادي عن حل المشكلات ذاتها يحد من قدرته على توحيد المجتمع المحكوم حقوقيا وسياسيا، أي على تطوير نموذج متماسك للتقدم الوطني. في الأصل، العجز هذا هو ما يبقي القطب الديني قويا نسبيا. وبينما تتغير العلاقات بين القطبين حسب المراحل والأزمات التي تعرض، فإنها تبقى توازنية على العموم.
هذا ما يبدو لي أنه يمكن استخلاصه من مسار التطور السياسي لكل من سورية ومصر والجزائر وتونس في العقود الثلاثة الأخيرة. لدينا مجتمعات ثائية القطب، أحد قطبيها ذو عمق أكثري مبدئيا، لكنه محافظ ومندار نحو الماضي، وقطبها الآخر منفتح على الحداثة وأنماط حياتها التقدمية، لكنه فاقد للطاقة الهيمنية. وهو لا يبدو عاجزا عن الدمج الوطني، بل لعل شرط استمراره هو ضعف الاندماج واستمرار الثنائية الاجتماعية.
ولعل التوازن الاستقطابي هذا هو ما يفسر ضعف حركات المعارضة الديمقراطية والليبرالية واليسارية. فهذه لا تستند إلى القطاع الحديث و"التقدمي" الذي ينتظم بالأحرى حول الدول، ولا إلى الرصيد الرمزي والاجتماعي للدين. فإذا منحت الأولوية لمخاصمة "الدولة" الاستبدادية وجدت نفسها أقرب إلى القطب الديني ومهددة بالدوران في فلكه؛ وإذا بالعكس فاقت خصومتها للإسلاميين "الرجعيين" ما عداهم، وجدت نفسها أقرب إلى النظم الحاكمة المتعايشة مع الثنائية الاجتماعية. الاستقطاب الحاد لا يسمح بتكون موقع ثالث مستقل.
كانت الحركة القومية العربية وحّدت الأكثرية الإسلامية السنية والتقدم. توحيدا هشا، ينبغي القول. توحيدهما مجددا يقتضي العمل على إصلاح التفكير الإسلامي السني. لا مناص من إقرار نهائي بحرية الاعتقاد الديني للأفراد جميعا ومن الفصل بين الدين والسيادة، أي فصل الدين عن كل من العنف والولاية العامة. لا نرى كيف تتحالف الأكثرية الدينية في بلداننا مع التقدم دون ذلك.
كان ياسين الحافظ، المفكر والمناضل السوري، يرى أن "القوم السني" هو "صاحب القرار التاريخي" في التقدم العربي، وينعي على هذا القوم تقليدويته و"سنّويته". ما جرى خلال جيل انقضى على وفاة الحافظ يؤكد كلامه، وإن بصيغة معكوسة: إن انزلاق قطاعات مهمة من القوم السني إلى تقليدوية مناضلة سد دروب التقدم العربي، وإن من غير المحتمل أن تنفتح هذه دون إعادة هيكلة الوعي والتفكير الإسلامي بما يتيح للجمهور السني العام الانخراط الإيجابي في صنع حياة جديدة لنفسه ومجتمعاته. المسألة تتعلق بشغل على الدين لا يبدو أنه يمكن التغاضي عنه. هذا لا يعني بالضرورة أن الدين مسؤول عن تأخرنا، لكنه يعني حتما أن كل ما هو متأخر في حياتنا يجد اليوم معتصما سهلا في الدين. الأمر يقضي فيما نرى بضرورة تشكل الإسلام في صيغة مختلفة، أقبل للتقدم.
يبقى السؤال: هل فصل الصعود الإسلامي الجمهور السني عن التقدم، أم أن انكسار التقدم هو ما أفضى إلى الصعود الإسلامي؟ ألم يكن انهزام وتفكك الحركة القومية العربية إثر هزيمة 1967 هو ما مهد الطريق للصعود الإسلامي؟ نشك في ذلك. كان التقدم العربي في صيغة القومية العربية هشا، قائما على أساس رملي، لكونه لم يكن مؤسسا على إعادة تشكيل الموروث الديني والثقافي والاجتماعي، أي "الإصلاح الديني" و"النهضة" و"المواطنة". ولقد يسر الانكفاء إلى إسلامية مناضلة ما تحمله هذه من طموحات سياسية تحاكي طموحات النخب القومية. أو بالأصح كانت النخب القومية إما إسلامية التكوين أو تقليديته، وليس إلا طبيعيا، تاليا، أن تستقر على وعيها الأساسي، الإسلامي، حين انهار بنيانها الواهن. بورقيبة استثناء في هذا الصدد، ولعله تحقق لتونس تقدمات مهمة في مجال الأحوال الشخصية والنمو الاقتصادي والحياة الأكاديمية لهذا السبب. هذا رغم أن التقدم التونسي مشوب باستبداد فاقع، ورغم أن تونس تعرض اليوم الثنائية الاجتماعية ذاتها، ما يدل على ضعف الطاقة الاستيعابية لتقدمها، وما يثير الشكوك في إمكان استدامته.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في السياسة والثقافة وأزمة العام الوطني
- انفصال الإخوان المسلمين السوريين عن جبهة الخلاص.. ماذا بعد؟
- في نقد الأصولية
- ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة
- بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد ف ...
- الثقافة العربية وغياب الموضوع
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - الصعود الإسلامي وأزمة التقدم العربي