أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - عن المكان الوجودي..















المزيد.....

عن المكان الوجودي..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 09:08
المحور: سيرة ذاتية
    


عن المكان الوجودي..
(3)
(3×3) هو القياس العام لمساحة الحجرة الانجليزية سواء في الفنادق أو البنسيونات أو البيوت الشخصية. تجدر هنا الاشارة إلى خريطة المملكة المتحدة التي تشبه كلبا يقعي مادا ساقيه أمامه. لم أحبّ هذا البلد يوما، ولا أجد سبباً لكراهيته. ولكون الحبّ حالة مثالية نادرة، لا مجال لها في مثل عمري، والكراهية حالة ضعف مذمومة، فقد حاولت تحييد مشاعري في علاقتي الراهنة مع المكان الانجليزي، سيما وأنني، أو أن حياتي، ما زالت محكومة بقدر، فقيرة البدائل.
ثمة مثل تركي سمعته كثيرا في طفولتي، يتكون من حوار استنكاري من طرفين، يقول الأول موبخا..
- فلان مات من الجوع!..
فيجيبه الثاني مستنكرا..
- وهل وجد طعاما ولم يأكل؟!.
كل الحوارات تبدأ بسؤال وتنتهي بجواب، لكن هذا المثل عكسها تماما، يبدأ خبريا، وينتهي بسؤال، لا جواب له.
هل وجد طعاما ولم يأكل. هل كان لديّ أو لدينا (الكثيرين على شاكلتي) بديل أو بدائل ولم أتخير المناسب. خروجي من الوطن لم يكن خيارا، والبلد الوحيد الذي يستقبل العراقيين، لم يكن خيارا، واللجوء الذي تفضلت به عليّ دولة أوربية لم يكن خيارا. أشياء مثل الحياة والموت وكوارث الطبيعة، تخضع لحتمية تاريخية لا تجد لها دفعا. هذه هي حياتك، شئت أم أبيت، تستطيع أن ترفض طبعا. ولكن تذكر أيضا، أنه ليس عندك خيار آخر.
لم أنشأ في عائلة دينية أو حزبية تحكمها شعارات ومبادئ مقدسة، وكان الرفض والتساؤل والتمرد مبادئ أساسية بدل اليقينية والتسليم والتفاخر. لكنني، وهذا أهم ما في الموضوع، نشأت منطويا، أضيق بالناس والمجاملات، ولا أحتمل لزوم ما لا يلزم. كنت أعيش بالضرورة وليس بقناعة حقيقية. لا أتنازل لشيء ولا أترفع عن شيء. وضع لا تطيقه معادلات المجتمع السهلة. لا أريد الاستطراد في هذا الأمر، ولكنني لم أكن بطلا. ولم تشكل البطولة (الزعامة) حلما لي – ولا من بعيد- في يوم ما. استذكر كثيرين مسختهم البطولة، بدء من الأحلام الجنسية والنسائية وصولا للزعامات الحزبية والادارية والتصدر الاجتماعي والأدبي. بشكل أو آخر، اكتشفت، وهذا من اكتشافات عهدي بالنمسا، أنني شبه معوّق. ان الحركة والفاعلية الاجتماعية أكثر أهمية من الذكاء وحتى الارادة في أحوال معينة. فما فائدة الذكاء بدون ترجمة واقعية. وما فائدة الارادة بدون نشاط فعلي. بل ما فائدة الثقافة الذهنية إذا لم ترتب لك مناسيب المعيشة..
عندما فصل خالي كتبه إلى مجموعتين وقال، هذه الكتب لا تمد يدك إليها، وأما هذه المجموعة فتسطيع أن تقرأها!. قرأت الكتب التي منعني عنها أولا، ثم عدت إلى المجموعة الأقل أهمية. لم تكن أقل أهمية، ولكنني لم أستوعب معنى تنظيم القراءة. الاهتمام بتأسيس الفكر وتأثيثه بطريقة منهجية علمية. كان في شوارع بعقوبة يومذاك أفراد في حالة من التشرد والصعلكة تقارب الجنون. تصرفاتهم صارت مشينة ولم يكونوا كذلك من قبل. أما عقولهم وأفكارهم فكانت متوقدة ومضيئة. من يحتمل عبث ووسخ طريقة حياتهم يمكن أن يأنس إلى أحاديثهم ومناقشاتهم في أمور وفلسفات، قلّ من ينافسهم فيها. يومها كانت السجون العراقية تنتج مجانين. وقسوة المجتمع تنتج مجانين. والثقافة والأيديولوجيا تنتج مجانين، والحبّ ينتج مجانين. وفي الجيش التقيت جنديا من مجانين الحبّ. كان ضابطا في الجيش مغرما حتى أخرجه غرامه عن طوره. فصل من الجيش وأعيد جنديا لاستكمال الخدمة الالزامية أيام الحرب. وقد كان خالي (أبو هالة) يخاف على عقلي، وربما لا يريد أن يرى مجنونا في تلك الأسرة، على طريقة نزار قباني. قرأت الكتب، وصرت أتمثل ببعض أفكارها في سلوكي وحياتي اليومية. سحرتني فكرة الأنا الأعلى تلك، وآمنت بالعادات الوجودية لكولن ولسن الذي تخللني مع كيركجورد من غير أن أدري.
قال لي والدي ذات يوم وكان يراقبني في دخولي غرفة الجلوس، لماذا تقعل هكذا كل مرة؟..
- لم أفعل شيئا..
- لماذا تتأخر دائما في وضع نعليك بشكل معين؟..
- لم أنتبه لهذا.. انها مصادفة.. أنت تهتم بي أكثر من اللازم..
- راقبتك أكثر من مرة، وأنت تفعل نفس الشيء..
- هذا لا يضير..
- لا يضير ولكن هل له معنى؟..
بعد قليل قمت، واختلست نظرة إلى عينيه وأنا أركب نعلي وأنسحب من الحجرة.. مع نفسي جلست ساعات طويلة دون أن أتحرك. أنام دائما بصورة واحدة ودون حراك حتى أصحو. أستغرق في النوم في لحظة، وأصحو حسب توقيت دقيق. وفي أيام الجامعة والعسكرية لم أصحُ مرة على ساعة المنبه. دائما أصحو قبل الموعد، حسب ساعتي الخاصة. أينشتاين قال الانسان ساعة بيولوجية. وأنا وظفت نفسي ساعة بيولوجية. عندما نجحت في المدرسة اهدتني شقيقتي ساعة (سايكو) الكترونية مع منبه وموسيقى. لم أستطع أن أضعها في يدي، ولا أدري أين هي الآن. وحين يسألني أحد عن الساعة اجيبه على الفور، مع نسبة الخطأ لا تتجاوز عشرة دقائق. ماذا كان يعني ذلك.. لا شيء. المهم أنني أكملت سنوات الدراسة، مؤمنا بتلك الحتمية التاريخية، ولم أتعرض للجنون، فكرا أو سلوكا. اعتبر وجودي في هذا العالم زيارة أو نزهة اجبارية أو مهمة لا بدّ أن تنتهي ذات يوم.
احببت باولو كويلهو كثيرا، لأشياء كثيرة، على رأسها، حديثه عن (الاسطورة الشخصية) أو (المشيئة..). وما أزال أستغرق في (لغز..) سيرن كيركجورد وأحاول أن أفهم نفسي من خلاله. وأحببت صلاح نيازي لأنه قال أمام محطة قطارات كوينزوي: نحن أطفال يا عزيزي، أحس نفسي مثل طفل كبير، طفل يتحمل مسؤولية!!.. لست سعيدا ولا تعيسا، ليس عندي شيء ولا ينقصني شيء، ولا أريد أي شيء. أعتبر نفسي معوقا، ومن يقترب مني يعتبرني فاشلا، لأنني أعيش في زهد وشظف، ولست مجبرا عليهما. البعض يريدون مني أكثر مما أريد لنفسي، أو أسمح لنفسي تقديمه للغير. لندن بالنسبة لي هي كسر طوق. لقد عشت حياة كاملة رغم كل شيء، ورغما عن نفسي. وقمت بواجباتي المفروضة عليّ من الله والوطن والمجتمع والعائلة على أحسن وجه. وأستطيع أن أقول لنفسي كما قال المسيح: (قد أكمل!!). أصبح لي الحق أن ألتفت لنفسي، أقصد أن أعود لنفسي التي كنتها، وجلساتي الطويلة مع النفس لمراجعة تاريخ لم اخطط له، والتحرر من أية قيود أو اعتبارات تشدّني نحو الأسفل.
لكن حياتي اللندنية، الذاتية والحقيقية إلى أبعد حدّ يمكن، لم تكن سهلة وليست سهلة.
قلة أو انعدام علاقاتي الاجتماعية كانت ولا زالت عائقا في طريق تأمين بعض الحاجات، مثل السكن والعمل. ولكن منطق الحتمية ما يزال فاعلا. صدفة تعرفت على شخص، أو هو تعرف علي بالأحرى، لأنه يعرفني (من نشاطي الأدبي). وصدفة قادت إلى صدفة، ومنها كان أمر هذه الحجرة التاريخية التي تحضنني منذ ثلاث سنوات. ملجأ حربي معلق في الهواء، في وسط لندن. ومنذ ثلاث سنوات لم تعدم المحاولات للتحرر من هدذ الحجرة، وبدت ذلك قاب قوسين أو أدنى. في بداية هذا العام، حلمت مرتين بتغيير المكان. وحسب مواعيد الحلمين حدث كل شيء، ورأيت الأشخاص الذي كانوا في الحلم. ولكني ما زلت هنا. ثمة تشويشا اعترى مجالي الكهروماغنيتي وغير في المعدالا أو المواعيد.
هذه الحجرة فيها حميمية كبيرة. قال أحد أصدقائي.
بالنسبة لي هي ليست حجرة، ولا (3×3)، ولا الأحكام العفوية التي صدرت من أدباء زاروني فيها..
هذا مكان لا يليق بأديب مثلك، بشاعر مثلك، بمفكر مثلك.
وأنا أضحك، أضحك ربما ببلاهة أو سخرية أو استنكار، وربما لأني ليس عندي جواب. وإذا لم أفعل ذلك تستمر تلك الجملة تقرع طبلة أذني..
انا أقول لك بجد هذا لا يليق بك.. لندن مليانه بيوت.. أي شقة أحسن من هالللـ..
لماذا تستأثر هذه الحجرة هذا الاهتمام ولم يهتم أحد لحياة الرصافي وموته في حجرة (الصابونجيه).. أليس الرصافي مفكرا وشاعرا ووطنيا من القلة في زمانه وتراث وطنه ..
من نومة فوق الحصير لنومة تحت التراب..
والجواهري يفخر أنه في عيادته الرصافي في مرضه السابق لموته لم يجد مكانا ليجلس فيه، فأزاح له الرصافي طرفا على سريره الوحيد والكئيب..
هل شارك الجواهري الرصافي في سريره أو في مرضه وكأبته، أم في شاعربيته وعبقريته، أم في جرأته ومبدئيته الصارمة..
أعتقد أنني توحدت بالمكان إلى حد كبير، اكتسبت خصتئص المكان، أو تركت بصماتي على المكان.. ولكن..
قبل يومين التقيت أبا أسيل عند القنطرة، وسألني عن أمور السكن، وقال أنه كلما رأى قطعة للايجار يستذكرني.. ثم تفرع الحديث حتى قال، يوم أمس كنت أتحدث مع بنتي الصيدلانية التي زارتنا في عطلة أياد القيامة.. كيف يعيش بعض الناس.. شخص نعرفه يستأجر هنا بيتا تدفع له الحكومة تكاليفه.. تعرف كم.. ثلاثة آلاف في الشهر للايجار فقط.. الايستطيع أن يجد بيتا بايجار أقل وأكثر عقلانية.. ثلاثة آلاف أكثر من معدل راتب شهري.. يعني لو كان هذا الشخص يعمل، هل يستطيع دفع هذا الايجار.. كيف تفسر هذا السلوك.. لو كان هذا الشخص في بلده هل يسكن هكذا بيت، أو يدفع هكذا ايجار.. ماذا نفعل أنا وأنت.. خبرني.. هل نبقى هكذا.. وهؤلاء صاروا تجار بيوت وعقارات وووو..
- نحن أحسن منهم يا أبا أسيل.. القناعة أفضل شيء.. أنا وأنت لا ينقصنا شيء، أما أولئك فينقصهم الكثير.. ولا يجدون وسادة راحة يضعون عليهم رؤوسهم..
- معك حق..
- عبث.. لا بداية وله ولا نهاية.. مثل الشليلة.. ابلايه راس!..
وعبرت القنطرة نحو هارو رود مكملا طريقي وأنا أصلي مع نفسي أن يكون كل شيء على حاله.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والمكان.
- (شوسع الدنيه وما لمّتني..)
- مظفر النواب.. من الرومانتيكية الثورية إلى الاحباط القومي
- (سوبرانتيكا)..
- (رجل وامْرأة..)
- صلاة نافلة
- نوال السعداوي.. قليلاً من السياسية
- (وحدي).. الصورة أجمل!*
- قال المعلم
- لا أرغب فيك
- الثقافة والمثقفون والعالم
- (شيء..)
- نهايات
- (غياب)
- (أصدقاء)
- ساعةٌ أخرى مَعَ ئيلين - (1)
- ساعةٌ أخرى مَعَ ئيلين
- أين شارع الوطني؟..
- بي هابي.. بي هابي
- ليزنغ مان


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - عن المكان الوجودي..