أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الحيدر - الضباب في امريكا / مسرحية















المزيد.....


الضباب في امريكا / مسرحية


حيدر الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 2621 - 2009 / 4 / 19 - 05:59
المحور: الادب والفن
    



مسرحية من فصل واحد
الشخصيات حسب الظهور
1/ النادل الزنجي – سوني دافيز ـ 45 سنة ـ قصير اشيب
2/ قاضي التحقيق
3/ المساعد
4/ الكاتب
5/صاحب الحانة ـ ضخم الجثة ـ 50 سنة
6/ الشاب ـ طويل ونحيف ـ 25 سنة
7/ الرجل ـ احدب اصلع ـ 45 سنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
م/1
المقدمة :
( سوني لوحده امام الجمهور )
مساء الخير ايها السادة..
اسمي سوني ديفيز..متزوج ولي خمسة اولاد . اعمل نادلا في احدى حانات برمنغهام عاصمة الباما وهي ولاية من ولايات الجنوب الامريكي كما تعلمون. والباما معروفة بحوادث الشغب واشعال الحرائق والقتل نتيجة للاضطهاد العنصري ..عفوا اقصد ان الزنوج محاطون بالرعاية الخاصة في هذه الولاية كسائر الولايات الامريكية الاخرى . كما ترون ايها السادة ..انا زنجي قصير القامة ،ويميل لوني الى الاصفرار ليس بسبب الضوء الساقط على وجهي، انما لاسباب اخرى سنتعرف عليها عندما ندخل الى غرفة التحقيق .
( اظلام )



م/2 ( غرفة التحقيق )
طاولة مربعة عليها مجموعة من الاوراق والملفات وحولها ثلاثة كراسي .يجلس على الكرسي الايسر الكاتب بينما يجلس مساعد المحقق على الكرسي الاوسط ويجلس المتهم على الكرسي الايمن وفوق رأسه مصباح انارة ، ويقف المحقق الى يساره واضعا قدمه على الكرسي .
المحقق/اسمك؟
سوني/ سوني ديفيز
المحقق/ عمرك؟
سوني/ خمسة واربعون
المحقق/ خمسة واربعون ماذا ؟
سوني/ من السنين الثقال يا سيدي
المحقق/ آه..الثقال..وعملك؟
سوني/ عامل في حانة برمنغهام
المحقق/ الحالة الزوجية ؟
سوني/ متزوج ولي خمسة اطفال
المحقق/ (للكاتب) اكتب الان اوصاف المتهم..زنجي قصير القامة ونحيل
الكاتب/ …قصير ونحيل واحدب .
المحقق/ اكتب ..ويعاني من فقر الدم (للمتهم) لماذا تعاني من فقر الدم ؟
سوني/ هذا مرض يرهقني منذ سنوات ..والحديث عنه طويل .
المحقق/ افتح فمك.
(يفتح المتهم فمه .. يمعن المحقق النظر في اسنانه )
المحقق/ اكتب ،اسنانه صفراء لادمانه على التدخين
الكاتب/ اسنانه صفراء لادمانه على المخدرات
سوني/ ماذا؟ انا لا ادخن البته يا سيدي
المحقق/ كن هادئا..لا تتدخل في التحقيق..عليك ان تجيب عن الاسئلة الموجهة اليك فقط
سوني/ انا هادئ كما ترى يا سيدي ولم افتح فمي الا بامر منك
المحقق/ اغلق فمك الان .. اكتب ايضا، في رأسه بعض الشعيرات البيضاء..مقوس الظهر شبيه بسلحفاة
الكاتب/ شبيه بماذا سيدي
المحقق/ سلحفاة..واكتب ايضا ..غموض يكتنف وجهه واسرار تنام في تجاعيد جبينه
الكاتب/ تجاعيد جبينه..الله ما اعظم هذه العبارة
المحقق/ مفطوس الانف..غليظ الشفتين
الكاتب/ مفطوس الانف..غليظ الشفتين وعاقد الحاجبين
المحقق/ لماذا انت غليظ الشفتين بهذا الشكل المرعب ؟
سوني/ آلام قديمة مخزونة بالهموم سيدي
المساعد/ لا بد انك تدعي بأنك مواطن مستقيم مثلما يدعي الزنوج جميعا
سوني/ نعم يا سيدي هذه هي الحقيقة
المساعد/ ومن الذي يشعل الحرائق في العربات ويحطم اقفال المخازن ويقوم باعمال السلب ....... والنهب في الولاية
المحقق/ ( بسخرية) انهم ابناء جلدته ولا شان له بذلك
المساعد/ لا تعتدي على احد اليس كذلك ؟
سوني/ ولا اقبل ان يعتدى علي
المحقق/ الاتجاه السياسي ؟
سوني/ لا افهم فيها فانا مواطن مستقيم يا سيدي
المحقق/ ايهما تفضل الحزب الجمهوري ام الديمقراطي؟
سوني/ اخبرتك انني لا ادخن البته يا سيدي
المساعد/ وماذا تقول في ابراهام لنكولن؟
سوني/ اهو مغن يا سيدي؟
المحقق/ أتسخر منا يا صعلوك ؟(يصفعه)
سوني/ انه ..انه ( لا يدري ماذا يقول )
المحقق/ كفى.. والان الحالة الاقتصادية
سوني/ مواطن فقير لا املك مالا ولا عقارا
المساعد/ أترغب في امتلاك العقارات؟
سوني/ بل ارغب في ارغفة نظيفة لاطفالي
المحقق/ هل تشرب الخمر ؟
سوني/ كلا
المساعد/ شيء غريب ..يبيع الخمرة ولا يشربها ؟
المحقق/ الان اخبرنا ..ماذا تفعل قبل ان تنام ؟
سوني/ ادعو الله ان لا يصيبني سوء ويمنحني رزقا بعيدا عن الحرام
المساعد/ واثناء النوم ؟
سوني/ لا شيء يا سيدي..فقط احلم احيانا
المحقق/ عظيم..عظيم. وصلنا الى نقطة جوهرية في الادانة (للكاتب ) اكتب انه يحلم اثناء النوم
الكاتب/ ويتفاخر بأنه يحلم اثناء النوم
المحقق/ اين تسكن ؟
سوني/ في بيت من الصفيح في حي فقير
المحقق/ اكتب..يسكن في الاطراف الحقيرة التي نبتت حول المدينة
الكاتب/ الحقيرة ام الفقيرة ؟
المحقق/ كلاهما سويا ..والان هل لبيتك نوافذ ؟
سوني/ نوافذ صغيرة يا سيدي
المحقق/ ما لون الباب ورقم الدار ؟؟
سوني/ ليس لبيتي باب او رقم يذكر
المساعد/ ماذا في بيتك اذن ؟
سوني/ مرحاض عاطل مفتوح على غرفة المطبخ
المحقق/ قلت لديك اطفال.. اليس كذلك
سوني/ خمسة يا سيدي
المحقق/ هل تحب اولادك ؟
سوني/ نعم يا سيدي
المساعد/ وتحرص على تربيتهم ؟
سوني/ نعم يا سيدي
المساعد/ وهم قصار مثلك وزنوج ؟!
سوني/ ( يهز رأسه )
المحقق/ ترى.. ماذا يحب اطفالك ؟
سوني/ لم اوجه اليهم سؤالا من هذا النوع
المساعد/ كان عليك ان تسألهم ..فهم يحبون بالتأكيد قطع الحلوى والملاكمة وافلام العنف
سوني/ ربما يا سيدي
المحقق/ هل يهابونك ويستشيرونك في كل الامور ؟
سوني/ احيانا يا سيدي
المساعد/ وهل يخفون عنك شيئا ؟
سوني/ لا ادري يا سيدي
المساعد/ هل يتغيبون عن البيت بعد الغروب ؟
سوني/ كلا يا سيدي
المساعد/ وما ادراك ؟
سوني/ زوجتي تخبرني بكل شيء عنهم
المحقق/ وهل هي زنجية مثلك ؟
سوني/ نعم يا سيدي
المساعد/ اذن وما ادراها ؟ (يضحك)
المحقق/ تحدث عنها قليلا
سوني/ ماذا اقول عنها يا سيدي؟
المساعد/ أي شيء ..أي شيء
سوني/ وهل ذلك ضروري في التحقيق ؟
المحقق/ اننا نحقق في كل شيء
المساعد/ وكل شيء ضروري في التحقيق
سوني/ هي هادئة ومستسلمة للاقدار ..ومنذ سنوات لم تعد تعرف معنى اللذة وفقدت الرغبة فيها.
المحقق/ وما نوع تفكيرها ؟
سوني/ لا تفكر الا في الغسيل والطبخ والجوع وتربية الاطفال وهي تحمد الله دوما واحيانا دون سبب
المحقق/ وهل تتحدث مع نساء الحي ؟
سوني/ انا ام هي يا سيدي ؟
المحقق/ الحديث عنها يا مغفل
سوني/ نادرا ما تفعل ذلك
المساعد/ هل تخرج من البيت دون استشارتك ؟
سوني/ لا تفعل ذلك ..فقط تخرج ايام الاحد الى الكنيسة
المساعد/ لماذا ؟
سوني/ تقول انها تستمتع بالسكينة وروائح البخور وتدعو في سرها العذراء بالصلاح لاولادها
المحقق/ وطول العمر لزوجها ؟
سوني/ ربما تفعل ذلك
المساعد/ هل ترفع بصرها امام الغرباء ؟
سوني/ لم الاحظ ذلك
المحقق/ (بسخرية) ربما بسبب عينيه الغائرتين في عظام الجمجمة
سوني/ ان بوسعهما ان تريا جيدا..ولكن الضباب في امريكا قد حال بينكم ورؤية الكثير من الحقائق
المساعد/ لقد بدأ يتمرد
المحقق/ اذن الادانة ثابتة لا محال..اكتب..اغلق المحضر..ويستدعي الزوجة والاطفال والجيران لغرض التحقيق.
(اظلام )
م/3
(سوني لوحده امام الجمهور )
سوني/ اسمعتم وشاهدتم التحقيق وسط ذلك الضباب الكثيف ..وكان التحقيق عادلا ونزيهاً كما رايتم …وهكذا تم استدعاء زوجتي وسالوها عني فقالت: ان زوجي من خيرة الرجال..وان ايام الخطوبة كانت اسعد ايام حياتنا ثم جاؤوا باطفالي الخمسة للغرض نفسه ثم جيراني واصدقائي فقد ثبت لهم بالدليل القاطع باني قاتل.معذرة ساروي لكم حكايتي من البداية…كان جدي الاول قد ترك شواطئ افريقيا منذ ثلاثة قرون ووصل لندن للسياحة والنزهة ..ويا لها من نزهة ..!فقد كان مكبل اليدين مع مجاميع من افراد قبيلتي..وكان ان بيع من نبيل الى نبيل وهو يخدم ويكدح ليل نهار …ثم هوت به الرياح الى امريكا…وتوارثت العائلة خدمة الاشراف في البيوت والمزارع والحقول في ولايات الجنوب الامريكي…وكان على سلالة جدي ان تخدم في الحرب الاهلية الامريكية لتحصل على الحقوق المدنية …وتوالت الفصول والسنين …ونشأت يتيما ،ونمت في العراء ،واهنت طوال فترة الطفولة ،ومشيت حافيا على الاشواك …وعندما اكملت مراهقتي ..تزوجت من ابنة جارتنا وكانت يتيمة ايضا ..فحمل بعضنا هموم بعض واطفالنا الخمسة فيما بعد في بيت من بيوت الصفيح عند أطراف مدينة برمنغهام…. مرت السنين ورمت بي الأقدار عند باب حانة شبيهة بباب المستودعات .. ابحث عن عمل شريف .
(إظلام)
م /4
(حانة مشروبات ، طاولة مستديرة ومرتفعة في الوسط . وثمة طاولات مربعة صغيرة هنا وهناك وحولها كراسي . أعلى الطاولة المستطيلة رف طويل مرتب فوقه زجاجات ، والى يمين الجدار لوحة ذات ألوان باهتة وجوانبها متآكلة وهي تبدو من بعيد كأنها مدهونة بالزيت تمثل زنوجا يرقصون تحت قمر أحمر وغابة ملتفة الأشجار ونارا يمتد لهيبها نحو السماء . والى يسار الجدار صورة لملاكم زنجي وروزنامة قديمة )
صاحب الحانة/ إسمع يا توني .. قبلت تشغيلك مقابل دولار في اليوم الواحد على سبيل الاختبار.
سوني/ إسمي سوني يا سيدي وليس توني.
صاحب الحانة/ هذا ليس مهما .. سوني .. توني .. جوني.
سوني/ كما ترى يا سيدي.
صاحب الحانة/ لكن قبل كل شيء لا بد من الاختبارات الأولية.
سوني/ أنا مستعد يا سيدي.
صاحب الحانة/ إسمع يا ..
سوني/ سوني يا سيدي.
صاحب الحانة/ إسمع يا سوني .. ماذا ترى أمامك ؟
سوني/ كراسي يا سيدي.
صاحب الحانة/ إنها ليست شبيهة بكراسي الحدائق العمومية.
سوني/ نعم يا سيدي .. لونها .. لونها بين الأخضر والرمادي يا سيدي.
صاحب الحانة/ هذا جيد .. النظر 6/6 .. ماذا ترى أيضا؟
سوني/ طاولات صغيرة يا سيدي لا يمكنني تحديد ألوانها بالضبط.
صاحب الحانة/ إذن النظر 5/6 . ولكن لا بأس .. ستتعود عيناك الصغيرتان على معرفة ألوانها.
سوني/ ستتعود بلا شك يا سيدي.
صاحب الحانة/ إن هذه الطاولات بانتظار زبائن تعودوا الصخب والصراخ والعراك والتقيؤ .. هل تعرف ما هو المطلوب منك ؟
سوني/ ؟
صاحب الحانة/ عليك تقديم المشروب والفول والبيض والمقبلات .. هل فهمت ما أعني؟
سوني/ نعم يا سيدي.
صاحب الحانة/ ماذا قلت لك؟
سوني/ أمرتني بخدمة الزبائن يا سيدي.
صاحب الحانة/ هذا جيد .. عليك يا سوني أن لا تبدي الامتعاض .. وتتعود على غسل المحل ساعة إغلاقه وتنظيفه من الأوساخ وأعقاب السكائر.
سوني/ هذا واضح يا سيدي.
صاحب الحانة/ وعليك أن تكره الشجار حين يعلو الصراخ والسب والضحك وتطيع الزبائن في كل ما يطلبون .. وتستمع الى سبابهم وسخرياتهم بصدر رحب.
سوني/ هذا واضح يا سيدي.
صاحب الحانة/ بعد فترة قصيرة ستتمكن من جمع كمية من المال .. تستطيع بواسطتها شراء أضخم دار في وسط العاصمة (يضحك).
سوني/ هذا فضل كبير يا سيدي .. سأكون شاكرا معروفك.
صاحب الحانة/ سوني.
سوني/ نعم يا سيدي.
صاحب الحانة/ عليك أن تبدأ العمل من الآن .. وعليك أن لا تعرف الكلل والملل.
سوني/ أمرك سيدي .. سأكون عند حسن ظنكم.
(إظلام)

م/5
(سوني لوحده أمام الجمهور)
سوني/ وهكذا أيها السادة..
بدأت العمل في حانة برمنغهام .. وامتلأت الحانة بالزبائن . وأخذ الصراخ يعلو والسباب والضحك والسخرية .. وتوالت الأيام ... وتعودت على الدخان والروماتزم والبلغم وضجيج الصعاليك وغنائهم الرخيص.
وبعد منتصف الليل أبدأ بتنظيف الحانة من كل القاذورات.. في اليوم التالي أستقبل الزبائن من جديد.
لم أذق الراحة إلا في ساعات قلائل من الليل حين أعود الى بيتي وأطفالي نيام..
كنت أتيه في الخيال بحثا عن سعادة مستحيلة لها طعم الخوخ الناضج .. أحلم بالحدائق الهادئة والسماء في أوقات الصفاء..
كنت ألعن حظي أحيانا وأنا أمشي ليلا في طرقات حارتنا الجرداء عائدا من عملي.
أيها السادة .. بعد منتصف ليلة الأحد الماضي ..
خلت الحانة من الزبائن إلا اثنين . وبقيت خلف الطاولة المرتفعة الطويلة أستمع لهذرهما .. ظلا يشربان حتى الثمالة. كان الأول شابا في الخامسة والعشرين طويلا ونحيلا ، يلبس معطفا رماديا ورباطة عنق زرقاء ، وشعره بعثرته الرياح ، وفي وجهه عاصفة من الهم والغضب .. كان يجلس ناحية اليمين والى اليسار منه كان يجلس رجل في الأربعين أو أكثر ، أحدب الظهر ، أصلع الرأس يرتدي معطفا بنيا غامقا..
إتخذ كل واحد منهما مكانه على الطاولة الصغيرة ، يشربان ويثرثران .. وأنا واقف خلف الطاولة المستطيلة أنتظر النهاية..
أيها السادة .. لعلكم مثلي تنتظرون ، فتعالوا معي ..
(إظلام)
م/ 6
(نفس منظر الحانة .. الضوء خافت ، الإنارة موزعة على جهات ثلاث.. يقف النادل خلف الطاولة المرتفعة .. يجلس الشاب الى ناحية اليمين ويجلس الرجل الأصلع الى ناحية اليسار ، وأمام كل منهما عدة قنان فارغة)
الشاب/ بيرة ..قنينة أخرى أيها الزنجي القذر.
(يقدم النادل قنينة من البيرة ويعود لمكانه.. صمت)
سوني/ مسكين .. لم يزل عطشانا .. لا بد أنه مهموم (ينظر اليه) شاب ميسور الحال ، يأكل جيدا ويسكن بيتا جميلا هناك قرب البحر ولا يعرف الزحام ولا حافلات النقل العمومي .ز ربما يكون ابنا لعائلة ثرية .. ربما يكون موظفا كبيرا في مصرف أو مديرا لمؤسسة مالية .. من يدري؟
الشاب (يشرب) / حانة قذرة وزنجي قذر .. لو كنت في تكساس لقتلته .
سوني/ مالفرق بين تكساس وألباما فكلاهما من ولايات الجنوب.. سبع زجاجات .. ترى لماذا يشرب بهذه السرعة!
على كل حال حينما يسكر سوف يبوح بالسر .. هكذا هم دائما .
الشاب/ زنجي قذر .. لو كنت في كنساس لقتلته ودفعت ثمنه .. لا شك أنه من أولئك القادمين من الأدغال .. كان من الواجب قتلهم قبل أن يفعلوا ذلك .. زنجي قذر ……..(يبصق)
سوني/ ترى ماذا فعلت له ليمقتني هكذا؟
الرجل/ لقد نسيت أن أوصي زوجتي بمراقبة الابن الأصغر .. إنه دائم الحركة ويكاد لا يهدأ أبدا .. ربما يفتح الباب ويخرج الى الشارع فتدهسه عربة أو دراجة أو يقذفه ابن حرام بحجر فيفلق رأسه .. ربما..
كان علي أن أوقظها وأوصيها .. إمرأة شاردة الذهن طول الوقت ومريضة بالنسيان والطفل لا يهدأ ..
أيها النادل .. ويسكي من جديد ..
(يقدم النادل الويسكي ويعود لمكانه … صمت)
الرجل/ قلت لها مرارا .. أنها لا بد أن تنتبه اليه.. لكنها امرأة غبية .. غبية (يضرب الطاولة بشدة)
سوني (يتقدم اليه) / نعم سيدي .. هل تطلب شيئا آخر؟
الرجل (يخاطب النادل) / لقد أتعبتني في السنين الأخيرة .. دائما تشكو.. دائما تبكي .. ألم في ظهرها .. ألم في بطنها.. ألم في ساقها.. ألم في عينها..
سوني/ يكتب الله لها الشفاء يا سيدي (يعود الى مكانه)
الرجل/ كان علي أن أوقظها وأوصيها …
الشاب/ حانة قذرة وزنجي قذر .. ولكن ماذا أفعل ؟
هذا مكان لا يعرفني فيه أحد .. وشهر ديسمبر شهر مقيت وثقيل .. لا هو من العام الماضي ولا هو من العام الجديد .. شهر قذر .. حين يقترب كأن أحد يضغط على رقبتي . ولدت فيه .. وماتت أمي فيه .. شهر كطائر الخفاش لا نفع فيه . شهر قذر .. وزنجي قذر .. وحانة قذرة.
الرجل/ (يضرب جبينه )كان علي ان اوقظها واوصيها ..امرأة غبية لم تعد تصلح لشي
الشاب/ كان يضربني ويسجنني في الغرفة ويقول لي :لن تخرج..لن تخرج..وكنت ابكي حتى يتبلل فراشي ..وكنت اسمع ضحكات النساء واتخيل امي مقعدة في فراشها تبكي مثلي وحين اتعب كنت أتأمل السماء من خلال النافذة ..واتلذذ بسماع صوت البحر العنيف واحلم بالجري حافيا على الشاطئ البارد .
الرجل/ امرأة يابسة مثل شجرة مصعوقة …وانا صابر ..وتلك الجارة الجميلة الممتلئة الصدر..المكتحلة العينين تنظر الي دوما وتبتسم أشعر أن لها كلاما كثيرا تريد أن تهمس به الي.. لكنها تنتظر إشارة صغيرة فقط . آه .. لها طريقة في مضغ الطعام وفي الكلام والضحك والمشي.وانا مع ذلك صابر ولا اريد ان اصبح فاسقا …لكنها امرأة لا تستحق الاحترام ..شاردة الذهن دوما ..ثم لماذا شاخت بسرعة؟(يضرب الطاولة ) ايها النادل
سوني/ نعم يا سيدي
الرجل/ اخبرني…لماذا شاخت بسرعة ؟
سوني/ انها ارادة الحياة يا سيدي
الرجل/ وتلك الجارة المشتعلة بالرغبة من يطفئ لوعتها ..لماذا لا اضحك لها ..قل لي لماذا؟
سوني/ اضحك لها يا سيدي اضحك لها
الرجل/ هل اقول لها صباح الخير واسألها عن احوالها ؟
سوني/ افعل ذلك يا سيدي
الرجل/ اخاف
سوني/ ممَ تخاف يا سيدي؟
الرجل/ لا ادري..لماذا اخاف وانكمش..اخاف حين اقترب منها..لا شك ان زوجها مثل زوجتي..كبر وفقد طعم اللذة..
الشاب/ ايها الزنجي القذر..الي بقنينة اخرى
(يقدم النادل له القنينة ويعود الى طاولته )
الرجل/ امرأة مريضة بالنسيان ..ترى لو يفتح الطفل الباب ويخرج
الشاب/ كان يضربني دون انقطاع ويمنعني من الاقتراب من امي والتحدث اليها..كان يقول لها:ايتها الجثة المتعفنة متى تموتين واتخلص منك..ولم تكن امي تقول شيئا (ينظر الى النادل)انه يرمقني باحتقار ..زنجي قذر وحانة قذرة لو كنت في اركنساس لقتلته ودفعت ثمنه
الرجل/ ولكن الى متى انا اوصيها؟الا تستطيع ان تقوم بواجباتها وحدها ؟مللت حياتي بسبها ..ترى لماذا شاخت بسرعة ..كان علي ان اتثبت من سنها قبل ان اتزوجها .. ولكن ماذا يفعل الانسان امام الاقدار..وتلك الجارة الجميلة من يطفئ نارها؟
الشاب/ قررت ان اهرب ..لكنه امسك بي وضربني حتى ازرق جلدي ثم اغلق الباب علي يومين كاملين
الرجل/ كان عليها ان تنتبه الى ابنتها..لقد اصبحت صبية وفي زفاف ابن خالتها تزينت مثل العرائس وكحلت عينيها ..اولاد الحرام كثيرين..ربما فتحت النافذة وعشقت واحدا منهم
سوني/ لقد عم الفساد في هذا العالم..والناس في فزع دائم وايدهم على قلوبهم
الرجل/ البنت كبرت الان..وانها لا تزال تعاملها وكانها في الخامسة من عمرها..امرأة ساذجة سذاجة الريفيات..امرأة غبية وانا تعبت معها
الشاب/ حانة قذرة..وزنجي قذر (ينظر الى اللوحة)ولوحة قذرة ترى كم شربت ؟ لن اسأله بل ساكلمه بالاشارات وكانه دابة ..لا..بل ساواصل الشرب بقنينة اخرى ايها الزنجي القذر قنينة اخرى.
(يقدم له قنينة اخرى وهو غير مطمئن لحاله ويعود لمكانه)
الشاب/ لماذا ينظر الي هكذا ..ثم لماذا لا يريد ان يخبرني كم شربت؟
سوني/ لماذا لا ينتهي هذا الوغد من الشراب ؟ ايريد ان يخرج من هنا فوق نقالة ..اغنياء ومهمومون ماذا نقول نحن الذين عشنا طوال حياتنا في البؤس؟
الشاب/ في ايام السبت كان يملأ البيت بالنساء وتستمر السهرة حتى الفجر..وامي هناك في غرفتها منسية..عيناها مشدودتان الى السقف ،ربما انها كانت تود ان تنتحر لكنها لم تستطع..كانت مشلولة ومنسية..احيانا تعطش فلا تجد من يسقيها..عذبها حتى اخر لحظة..كان يريد الاستمتاع بثروتها..يوم ماتت لم يذرف دمعة واحدة..وسمعته يقول لاحدى عشيقاته:لقد تخلصنا من تلك الجيفة المتعفنة.
الرجل/ ترى من يطفأ النار في صدر تلك الجارة الجميلة..محرومة هي وانا محروم ..من يراني سيقول هزل وشاخ انني احلم بعودة الشباب واحلم واحلم (يضرب الطاولة )
سوني/ نعم يا سيدي هل تامر بشيء؟
الرجل/ هل تحلم انت الاخر كما يحلم البشر ؟
سوني/ كل الناس يحلمون يا سيدي
الرجل/ كيف تحلم..كيف؟
سوني/ مرة حلمت اني في صحراء موحشة
الرجل/ نعم
سوني/ وفجأة ظهر لي حيوان براس حمار وساقي انسان..وراح يطاردني
الرجل/ وماذا بعد؟
سوني/ هذا كل شيء يا سيدي ..فحينما استيقظت وجدت نفسي قد سقطت من الفراش
الرجل/ الم تحلم احلاما اخرى ؟
سوني/ بلا يا سيدي ..البارحة حلمت ان اناسا يجبرونني على اكل الفاصوليا التي اكرهها
الرجل/ وكيف تخلصت منهم؟
سوني/ استيقظت من النوم فوجدت الالم يمزق امعائي تمزيقا
الرجل/ لعن الله الشيطان(يضحك)..اما انا فقد حلمت اني اقرأ لها الشعر واحدثها عن الرحالين الكبار ولا اتلعثم ولا اخجل ..وكانت تاخذني الى اماكن جميلة وهادئة وتحدثني عن طفولتها واحلامها ..كانت عيناها مبللتان دائما ..وهي تحب الالوان الحزينة والبحر والشتاء وطيور النورس والرياح تعصف باتجاه الشرق عنيفة وباردة وسمعتها تقول:انت بارد..ثم ضمتني الى صدرها وقبلت شفتي..نرى من يطفأ النار في صدر تلك الجارة الجميلة ؟
سوني/ تسمح يا سيدي ..هل تطلب شيئا اخر ؟
الرجل/ كلا شكرا
الشاب/ ترى كم زجاجة شربت؟ الاشياء تداخلت وتشابكت ..ولم اعد اميز بينها..وهذه اللوحة كم هي قبيحة وفوضوية..حانة قذرة وزنجي قذر
سوني/ الا ينتهي هذا الوغد..سيظل يشرب حتى يسقط ..لماذا كان صامتا حتى هذا الوقت ..برجوازي ومدلل والاخر شيخ خرف والمسالة فيها امراة
الشاب/ ايها الزنجي القذر
سوني/ نعم يا سيدي
الشاب/ لم تنظر الي هكذا ايها الزنجي القذر؟
سوني/ اني انظر الى الخارج..فالضباب كثيف يا سيدي
الشاب/ وما شانك انت بالضباب ايها الزنجي القذر
سوني/ اعرف انك مهموم والا لما قلت هذا الكلام
الشاب/ ساحطم راسك ايها القذر
سوني/ كما ترغب يا سيدي
الشاب/ (يدفع النادل ) قذر ايها الزنجي ..وزوجتك الان عارية وقذرة..لعلها كانت من عشيقات ابي
سوني/ يا الهي كن معي واعنّي حتى اتخلص منه
الشاب/ ماذا تقول ايها الزنجي ..الم تكن زوجتك في احضان ابي؟
سوني/ عيب يا سيدي ..انت رجل طيب وابن حلال..انت لست صعلوكا..ثم انا في مقام ابيك
الشاب/ اخرس ايها الزنجي القذر (ينهض ويحاول ضرب النادل بقنينة فارغة ولكنه يترنح الى الخلف ويسقط ارضا وتسقط القنينة الفارغة فوق راسه)
سوني/ (ينحني على الشاب) يا الهي لقد مات ..كان علي ان انتبه منذ البداية وامنعه من الشرب
الرجل/ (ينهض من مكانه ويتجه صوب القتيل) ماذا تقول..مات؟!
سوني/ نعم يا سيدي
الرجل/ لقد كان قدره ان يقتل بيديك..ولكن لماذا فعلت به هذا ..لماذا؟
سوني/ لم اقتله يا سيدي وانت شاهد لقد ترنح الى الخلف وسقطت القنينة فوق راسه فمات
الرجل/ مات بمعنى انطفأ..ولكن من يطفئ النار في صدر الجارة الجميلة؟
( صوت صافرات سيارات الشرطة )
( اظلام )
م/7
( سوني لوحده امام الجمهور )
وهكذا ايها السادة ..لم يصدقني حين قلت له :انت طيب وابن حلال ..واصر على ان يقتلني ويدفع ثمني لاني زنجي..قصير القامة واحدب واسناني صفراء ويميل لوني الى الاصفرار وعندي زوجة زنجية وخمسة اطفال زنوج مثلي. اما كيف صرت قاتلا..فلأن الضباب كثيف في امريكا.
انتـهـت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسرحية كتبت عن قصة قصيرة بعنوان ( حانة الكانيفو الاحد صباحاً)
بقلم حسونه المصباحي / نشرت في مجلة الدستور العدد 245 /ص 48 ـ51
الاثنين 2 / 8 / 1982 اعدها للمسرح : حيدر الحيدر / آب 1982
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#حيدر_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العجوز الشمطاءعند خط الشروع / قصة قصيرة
- نهاية الثعلب الماكر / مسرحية للاطفال
- أنا.. وأنا
- الصنم الذي هوى وتهشم / قصة قصيرة
- ذلك الرجل كان اسمه صخي / قصة قصيرة
- الانتظار /قصة قصيرة
- رسالة متأخرة الى صديقي كامل شياع
- س..ايها الرجل المسكين/قصة قصيرة
- المسرح الاليزابيثي وتطور الدراما في انكلترا 1576 1603
- وأنا احلمُ .....


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الحيدر - الضباب في امريكا / مسرحية