أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - الغراب-قصة قصيرة














المزيد.....

الغراب-قصة قصيرة


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 2620 - 2009 / 4 / 18 - 07:55
المحور: الادب والفن
    



في ذكرى إدغَر ألَن بو

حلما كـان إذن ؟
أخبِـرنني يا كاهـنات المعـابد المقدســة، يا مـن يعــرفْنَ تـآويل كـل الرؤى الغـريبة.
هـل كـان حـلماً ؟
لم أعرف كيف دخل غرفتي.. كان شيخاً قوي البـنية، مديد القامة، منحني الأكتاف بعض الشيء، وشعراتٌ بيضٌ نافرات أفلَتَتْ من طاقية رأسه المستديرة المنقوشة بكتابات لم أتبينها. كانت عيناه تلمعان ببريق رائع السحر ومن أصابعه النحيفة الطوال كانت أنهار صغيرة من الماء والأضواء تتدفق، لكنها لا تصل الى الأرض. اندفعت نحوه فرِحاً، قلت له: "إني أعرفك.. أنت هو!.. أنت هو !.. أنت الشاعر! ". لكنه تقدم بهدوء ووضع يده على فمي. لم يقل شيئاً غير أني أدركت أنه لا يريدني أن أذكر اسمه، ربما خوفاً عليّ من أمر يعرفه هو.
حين هدأتُ قليلاً لمس جبيني بيُمناه فأحسستُ أن روحي تتخلص من أثقال وأدران أتعبَتْها قرونا طوال. وهدرت في رأسي شيئاً فشيئاً أغنية زرقاء هو الذي ألـهَمَنيها .. أغنية تجيش بالسحر والأسـرار والأمنيات. لكزني في مرفقي برقّة فوجدتُني في الخارج ..أسـير وحـيداً في شارع كليتنا القالمـرّ: أن تعلو عمارات أباطرة الزمن المـرّ:-
الفندقُ العتيق الذي كان يأوي صديقي القادم من ريف الجنوب ما زال يترنح في المنعطف والمخبز الذي يقابله شرع بالتثاؤب. أصغر بكثيرٍ كنت أنا.. ربتما في العشرين. ها قد بدأ الفجر الصيفي يغمر في خجلٍ أسطح البيوت…دورية الشرطة المتأخرة النعسانة تجوب الشارع في مللٍ، وعصافير جريئات تتقافز فوق الإسفلت المشبع بطراوة الليل طاردةً الكسل من أجسادها الصغيرة...
هـل كنت حقـاً وحـيداً ؟….
لقد ، واللـهِ ، أحسست أن ألوفاً غيري لست أراها تتسكع كالأشباح الحيارى بين الخرائب والساحات..كانوا كلهم شعراء وفلاسفة جائعين. للبعض لحـى متلبدة ورؤوس مغبرة.أو وجوه شاحبة وعيون منطفئة تلوذ بنظارات سميكة بلون الرماد… كانوا كلهم في قمصان اندثرت منها الياقات، ووجوهٍ نسيت رائحة الصابون طويلاً.. كانوا كلهم … آه !
بعضهم ما يزال يلعق هزيمته، وبعضهم ما يزال تراب المقابر يعفر وجهه.. بعضهم خرجوا للتو من الأقبية الظلماء.. وبعضهم نبذهم الأهل والأصحاب الى الأبد.. والقليل.. القليل منهم ما يزال يغني بأصوات أدركها الخوف والوهن.
كانوا كلهـم تعساء ومنفيين..
كانوا كلهم لا يملكون ما يشترون به أقلاماً يكتبون بها وصاياهم أو تواريخ عارهم !
" أيتهـا الأغنية الزرقاء.. انتظري قليلاً !
الزرقاء. الأغنية الزرقاء .. لا تهربي منـي.."
" انتظري أيتها الأغنية.. ريثما أنال قلمـاً وأوراقا ! "
*** ***
في ناصية الشارع دكان يفتح حتى الصباح. فلأغتنم الفرصة إذن حين يجتمع أفراد الدورية عند بائعة اللبن التي افترشت زاويتها المعهودة احدها.قدمت فرأيت الدكان مضاءً وحمدت اللـه إذ رأيت علبة من الأقلام تركن في إحدى الرفوف فابتعت احدها.. لن أتكلم كثيراً فربما يفضحني صوتي..
استدرت لأعود الى الخربة التي أقيم فيها. قلت لنفسي "سيكون مريباً أن أطلب ورقاً في هذا الوقت. إن هيئي البريّة المتوحشة تكفي وحدها لإثارة شك المختار / البائع ! .. علبة دخان فارغة التقطها من قارعة الطريق ستفي بحاجتي."
فجأة ومثل لعنة ألقتها ساحرة شمطاء، مثل مرض مداهم، أحسست بعطـش ضارٍ… لا، ليس العطـش !..إن بي رغـبة لا تقاوم في شرابٍ بارد: مشروبٍ غـازيٍ على وجه التحديد ! يا للسماء! هل تعرف كل قواميس الأرض ماذا تدعو شهوة شاذة كهذه.. وفي آخر الليل !؟
" نعم ..نعم أيها الخَبال ! إن في جعبتي بقية من نقود.! "
أمسكت بالقنينة الباردة وشرعت بإفراغها في جوفي. وأحسست بلذة عارمة تغزو جسدي برمته وتمتد الى أناملي. قلت لنفسي " هو ذا حقاً رحيق الآلهة !"
*** ***
كيف حدث الأمر بالضبط ؟ لست أذكر إلاّ إنني حين أفرغت القنينة وأردت إرجاعها أبت العاهرة أن تفارق فمي. ثمة رقى سود ألصقتها بشفاهي وجعلتها تزداد التصاقا كلما دفعتها بعيداً.
- " ابتعدي ! " صحت بها " ابتعدي يا أفعى الشيطان ! لم تكن إلا رغبة مجنونٍ عابرةٍ في آخرة الليل ، فابتعدي ! "
هيهات.. هيهات !.. صارت القنينة تكبر وتعظم.. ها إنها تجثم الآن على صدري وتمتص منه الأنفاس. بذلت آخر ما تبقى من قواي قبل أن أموت اختناقاً فانفلتتْ وسقطتْ أرضاً وتهشمتْ. وكما في الحكايات رأيت بأم عيني كِسَر الزجاج المتناثر تتجمع ثانية وتتشكل على هيئة غرابٍ فاحم الريش، عريض الجناحين.
انتابني فزع عظيم فانهزمت راكضاً دون وجه. لكن الغراب ظل يلاحقني. كان ينعب وهو يطير بثقة واطمئنان على علو أشبار قلائل فوق هامتي. وخيل لي أن في نعيبه ما يشبه كلام البشر. تعبت وأدركني اليأس وأبطأت، فأبطأ هو الآخر. وتوقفت فظل محوِّماً فوق رأسي… أخذ الصوت يزداد وضوحاً :
- " قاق..قاق.. أيها السـيد..أنت حصـتي.!
قـاق .. أيها السيد.. قاق.. أنت حصتي …! "
*** ***
ثلاثون عاماً مضت.
كسرت قلمي ورميته في النهر.
طلقت زوجتي، وأبدلت عملي ثلاثين مرة.
هجرت أهلي ورحلت من مدينتي.
غيرت شكلي ألف مرة ومرة.
لكن " غرابي " ما فارقني أبدا..
أنصتوا معـي .. ألا تسمعون :
- " أيها السيد .. أيها السيد .. أنت حصــتي ! "



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أوراق يزيد بن مفرغ الحميري-قصة
- راشديات الثقافة وثقافة الراشديات-الحلقة الثالثة
- راشديات الثقافة.. وثقافة الراشديات – الحلقة الثانية
- شكسبير- شعر
- أغنيةٌ الى تمثالي
- راشديات الثقافة.... وثقافة الراشديات-الحلقة الأولى
- وداعاً مكتبتي الشهيدة... مرحباً مكتبتي الجديدة!
- مِن أدب الأطفال الكُردي..من سيُنزِلُ السكينةَ... على قلبِ مر ...
- وا ابن رشداه.. اقد أحرقوا كتبي!
- المسجد بيت الله
- ضحك كالبكاء...ليش ما صرت حرامي؟!
- مريم
- الحُلَّةُ الغَرّاء في مُراسَلةِ الرؤساء...الرسالة الخامسة ال ...
- تأخرتَ جداً
- ضحكٌ كالبكاء خبر عاجل : مؤتمر الوحدة الإسلامية يرجئ مشاوراته ...
- رباعيات
- بين الأدب الساخر.. والتهريج الرخيص.. أكثر من خيطٍ رفيع
- ترجمةُ الشعرِ... مهنةُ المجانين !
- الرجل .. الذي.. عقر.. الناقة
- مزامير راكوم الدهماء


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - الغراب-قصة قصيرة