أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - من أوراق يزيد بن مفرغ الحميري-قصة














المزيد.....

من أوراق يزيد بن مفرغ الحميري-قصة


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 2621 - 2009 / 4 / 19 - 05:41
المحور: الادب والفن
    



حين غادرتُ المدينةَ كانت ما تزال تحترق .. لم ألتفت ورائي لألقي عليها النظرةَ الأخيرةَ .. لكنني أحسستُ أن ألسنةَ اللهبِ ما تزالُ مرتفعةً ، أدركتُ ذلك من الهسيسِ الذي لا يكاد يُسمع ، وأخبرني بذلك الهواءُ ، ورملُ الصحراء الذي غاصتْ فيه أخفافُ راحلتي ، والكثبانُ التي اصطبغتْ بضياءٍ برتقاليٍ شفيف .( )
كانت ناقتي هادئة على غير عادتها ، وهذا ما كان له أهميته في تلك الساعات ؛ فناقتي – نسيتُ أن أخبركم – هي معلمي الأول ، ودليلي الذي يفلسف لي الحياة . كانت هي من نصحني بإحراق هذه المدينة ، وكل المدائن التي أحرقتُها من قبل .
توقعت منها أن تفرح ، أن ترقص جذلا ، أو أن تهيج على الأقل . لكن عيونها قالت لي اليوم :
- لا شيء يهم ! لم يعد من شيء يمكن أن يثيرني أو يُدخِل الحزنَ أو السرور الى قلبي الهرِم .. كل شيءٍ تافهٌ .. كل شيءٍ عقيمٌ .. تفاهات ، تفاهات ، تفاهات مدى الأبصار .
ورفعتْ رأسها الى السماء برهةً ثم استوت وراحت تخب دونما اكتراث ( )
لم يطل الأمر حتى ظهر لي الشيطان من جديد . وكما يفعل في البرّية الخارجة من كل مدينة أحرقها .. راح يساومني على ناقتي وزنادي وفتيلي . ورفضتُ كما في كل مرة . قلتُ له إن الوصايا تقول : لا تجرّبْ الإلهَ ربَّك . وقلتُ له أنْ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان . وقلت له أن "الجُمانة" ما رقأت أدمعُها مذ فارقتُها ، وإنها تنتظرني هناك .. في رُستاقها بالأهواز البعيدة . لكنه استل من الهواء مرآته السحرية وأراني صورة فرسان مدججين وصلبان شائكة وخيل مطهمة ، ورماح تلمع أسنتها في النقع ، وقال لي :
- حتامَ تفرّ من كورة الى كورة ؟ وهؤلاء جند ابن زياد يبحثون عنك منذ ألف عام . وقال لي إن ابن زياد لن يكتفيَ هذه المرة بأن يدور بك في أزقة البصرة وأسواقها. وإنهم قد اغتصبوا "الجُمانة" و "أناهيد" و "ليلى" و "سلمى" وأن الخليفة في دمشق قد أهدرَ دمكَ . غير أنني ضحكت ساخرا وقلت له :
- أبعدَ ألفٍ أخاف ابنَ سُميّة !؟ ( )
وضرب الشيطان الهواء فاختفت المرآة . وضرب الهواءَ من جديد فإذا هو حية تسعى . وراح يماشيني ويكلمني في صدق ظاهر وقال :
- أنا أعلم أنك تحب أن تراني بهيئتي هذي .
فأومأتُ مصدّقا . وقال لي :
- أما تعبتَ وأنتَ لما تزلْ تُساقُ من سجنٍ الى سجن ، من البصرة الى سجستانَ ومن الطفّ الى كابلستان ومن رامهرمز الى قندهار ومن دمشق الى الموصل ؟
فقلت له :
- ليس بعدُ !
وقال إنه مثل أخٍ لي كبيرٍ فسكتُّ موافقا ، لكن ناقتي أدارت رقبتها الطويلة اليه في وقارٍ ورمقَتْهُ بنظرةٍ تائهةٍ لا معنىً لها ، ثم عادت تجترّ ضجرها.
أسكتَتْهُ تلكم النظرة برهةً طويلةً ( لقد كان مثلي يَجِـلُّها ويحسَب لها حسابا عظيما) . ثم أنه شرع يتملقها ويحدو بأبيات لطرفة ولبيد . حتى إذا اطمأن لها صعّد في الهواء رويدا ودنا مني وهمس :
- نشدْتُكَ بحقّ بُردٍ والأراك ، وبما بين صُلب الزمان وترائبه من نُطَفِ الشعراء والفلاسفة والمجانينَ ومشعلي الحرائقِ .. أن تبيعني عُدّتكَ السحريةَ هذي.
- وما تصنعُ بها ؟ سألته وأنا أدرى بالجواب.
- ألم أنبئك ألف حين أن لي هناك (وأشار الى المدى الغامض) مدنا أتوق الى إشعالها ، وأن لي –أنا الآخر- إبنَ زيادي الذي يتعقبني من قبل أن تهبط منها بمليون عام؟
- فلتشعلها بدمك ! ألستَ مصنوعا من نار ؟
- بلى ، ولكن ناري شائخة .. ناري كسيفة باردة !
وتهدج صوته .. وترقرت عيناه . ورأيتُ الشيطانَ يبكي .. رأيته مخذولا مهزوما. وكدتُ أميل عليه لأواسيه لكنه أدرك ما بخاطري فانقلب من حياءٍ غمامةً بيضاء صغيرة تُساقطُ من حولي رذاذا دافئا يرطب قميصي ولا يبلّه. وسمعته من خلل السحاب يتضرع اليّ:
- إذا لم يكن الى شرائها من سبيل ، فهل لكَ يا بن عمّ أن تعيرنيها بضعَ سويعات .. إن في حشايَ جمراً ولا كجمر الشياطين !
- وهل من ملكٍ يعير تاجه وصولجانه ؟
- أنا فعلت ، نعم .. ومن أجلكم أنتم ..
-وندمتَ ؟
-ندمتُ ؟ لا … ربما .. لكني أشعر أن هناك شيئا ناقصا في قصيدتي .. أحس أن لوحتي يعوزها لونٌ ما .
-أهو البرتقالي ؟
-البرتقالي ؟ ربما … ( )
وهدرت ناقتي . ثم قرّتْ .. واستغرقت في تفكيرٍ عميق . وغمر الكونَ صمتٌ مريب . وبدأتُ أتوجسُ خيفةً . وراح الشيطان يتلوى ويكّتم تنهداته الواجلة.
وحدث أخيرا ما كنا جميعا – أنا وناقتي والشيطان- نترقبه ونخشاه ونتوق اليه مثل آلام طلقٍ محتوم .
وأرسلتْ ناقتي صيحةً عظيمة .. وانتفضتْ . وأستدارت صوب المغرب ، وأطلقت جِرانها للريح كمن به مسٌّ من جنون.
-الى أين ؟ "هتفتُ بها جزِعا" ليس هذا الطريقُ الى ديار "الجُمانة".
لكنها صمّت آذانها ، ومضت لا تلوي على شيء . كانت في حالٍ من الوجد والذهول وهي تشق طريقها بين أسراب القطا المفزوع .. واكفهرت الخيمة وجهرت بالعويل .. وحلّقت .. وابتلعها الظلام ..
أدركت أن لاجدوى من الرجاء فأفلتُّ الحبل ، ولعنتُ الزمان .. ولعنتُ عبّادا وعُبيدا .. ولعنت كل سلطانٍ ودعيّ .. ولعنت الشيطان .. ولعنتُ نفسي ..
ومن بعيد .. في ضوء الشفق الشاحب .. أبصرتُ أسوار مدينةٍ جديدة ..



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- راشديات الثقافة وثقافة الراشديات-الحلقة الثالثة
- راشديات الثقافة.. وثقافة الراشديات – الحلقة الثانية
- شكسبير- شعر
- أغنيةٌ الى تمثالي
- راشديات الثقافة.... وثقافة الراشديات-الحلقة الأولى
- وداعاً مكتبتي الشهيدة... مرحباً مكتبتي الجديدة!
- مِن أدب الأطفال الكُردي..من سيُنزِلُ السكينةَ... على قلبِ مر ...
- وا ابن رشداه.. اقد أحرقوا كتبي!
- المسجد بيت الله
- ضحك كالبكاء...ليش ما صرت حرامي؟!
- مريم
- الحُلَّةُ الغَرّاء في مُراسَلةِ الرؤساء...الرسالة الخامسة ال ...
- تأخرتَ جداً
- ضحكٌ كالبكاء خبر عاجل : مؤتمر الوحدة الإسلامية يرجئ مشاوراته ...
- رباعيات
- بين الأدب الساخر.. والتهريج الرخيص.. أكثر من خيطٍ رفيع
- ترجمةُ الشعرِ... مهنةُ المجانين !
- الرجل .. الذي.. عقر.. الناقة
- مزامير راكوم الدهماء
- وما الفائدة؟؟


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - من أوراق يزيد بن مفرغ الحميري-قصة